صفحة جزء
السادس‏ : ما ذكرناه في النسخ من التفصيل يجري مثله فيما إذا كان الشيخ ، أو السامع يتحدث ، أو كان القارئ خفيف القراءة يفرط في الإسراع‏ . ‏ أو كان يهينم بحيث يخفي بعض الكلم ، أو كان السامع بعيدا عن القارئ ، وما أشبه ذلك‏ . ‏

ثم الظاهر‏ أنه يعفى في كل ذلك عن القدر اليسير نحو الكلمة والكلمتين‏ . ‏

ويستحب للشيخ أن يجيز لجميع السامعين رواية جميع الجزء ، أو الكتاب الذي سمعوه ، وإن جرى على كله اسم السماع‏ . ‏

وإذا بذل لأحد منهم خطه بذلك كتب له‏ : سمع مني هذا [ ص: 147 ] الكتاب ، وأجزت له روايته عني‏ ، أو نحو هذا ، كما كان بعض الشيوخ يفعل‏ . ‏

وفيما نرويه عن الفقيه ‏أبي محمد بن أبي عبد الله بن عتاب الفقيه الأندلسي‏ ، عن أبيه رحمهما الله أنه قال‏ : لا غنى في السماع عن الإجازة ; لأنه قد يغلط القارئ ، ويغفل الشيخ ، أو يغلط الشيخ إن كان القارئ ، ويغفل السامع ، فينجبر له ما فاته بالإجازة‏ . ‏

هذا الذي ذكرناه تحقيق حسن‏ . ‏

وقد روينا عن صالح بن أحمد بن حنبل‏ رضي الله عنهما قال‏ : قلت لأبي‏ : الشيخ يدغم الحرف يعرف أنه كذا وكذا ، ولا يفهم عنه ، ترى أن يروى ذلك عنه ؟ قال‏ : أرجو أن لا يضيق هذا‏ . ‏

وبلغنا عن خلف بن سالم المخرمي ، قال : سمعت ابن عيينة يقول : " ‏نا عمرو بن دينار‏ " يريد " ‏حدثنا عمرو بن دينار‏ " ، لكن اقتصر من " ‏حدثنا " على " ‏النون والألف‏ " فإذا قيل له قل : " ‏حدثنا عمرو‏ " ، قال‏ : لا أقول ; لأني لم أسمع من قوله : " ‏حدثنا " ثلاثة أحرف ، وهي " ‏حدث‏ " لكثرة الزحام‏ . ‏

قلت‏ : قد كان كثير من أكابر المحدثين يعظم الجمع في مجالسهم [ ص: 148 ] جدا ، حتى ربما بلغ ألوفا مؤلفة ، ويبلغهم عنهم المستملون ، فيكتبون عنهم بواسطة تبليغ المستملين ، فأجاز غير واحد لهم رواية ذلك عن المملي‏ . ‏

روينا عن ‏الأعمش رضي الله عنه قال‏ : كنا نجلس إلى إبراهيم ، فتتسع الحلقة ، فربما يحدث بالحديث فلا يسمعه من تنحى عنه ، فيسأل بعضهم بعضا عما قال ، ثم يروونه ، وما سمعوه منه‏ . ‏

وعن حماد بن زيد‏ : أنه سأله رجل في مثل ذلك ، فقال‏ : يا أبا إسماعيل ، كيف قلت ؟ فقال‏ : استفهم من يليك‏ . ‏

وعن ابن عيينة : أن ‏أبا مسلم المستملي‏ قال له‏ : إن الناس كثير لا يسمعون ، قال ألا تسمع أنت ؟ قال‏ : نعم ، قال‏ : فأسمعهم‏ . ‏

وأبى آخرون ذلك‏ . ‏

روينا عن خلف بن تميم‏ قال‏ : سمعت من ‏سفيان الثوري‏ عشرة آلاف ، أو نحوها ، فكنت أستفهم جليسي ، فقلت لزائدة ؟ فقال لي‏ : لا تحدث منها إلا بما تحفظ بقلبك ، وسمع أذنك ، قال‏ : فألقيتها‏ . ‏

وعن ‏أبي نعيم : أنه كان يرى فيما سقط عنه من الحرف الواحد ، والاسم مما سمعه من ‏سفيان‏ و‏‏الأعمش ، واستفهمه من أصحابه‏ : أن يرويه عن أصحابه ، لا يرى غير ذلك واسعا له‏ . ‏

[ ص: 149 ] قلت‏ : الأول تساهل بعيد‏ . ‏ وقد روينا عن ‏أبي عبد الله بن منده الحافظ الأصبهاني‏ أنه قال لواحد من أصحابه‏ : يا فلان ، يكفيك من السماع شمه‏ . ‏ وهذا إما متأول ، أو متروك على قائله‏ . ‏

ثم وجدت عن عبد الغني بن سعيد الحافظ‏ ، عن ‏حمزة بن محمد الحافظ‏ بإسناده ، عن عبد الرحمن بن مهدي‏ أنه قال‏ : يا فلان ، يكفيك من الحديث شمه‏ . ‏ قال عبد الغني : قال لنا حمزة‏ : يعني إذا سئل عن أول شيء عرفه ، وليس يعني التسهيل في السماع ، والله أعلم‏‏‏‏ . ‏

التالي السابق


الخدمات العلمية