صفحة جزء
[ ص: 151 ] القسم الثالث

من أقسام طرق نقل الحديث وتحمله‏ : الإجازة

وهي متنوعة أنواعا‏ :

أولها‏ : أن يجيز لمعين في معين ، مثل أن يقول : " ‏أجزت لك الكتاب الفلاني ، أو‏ : ما اشتملت عليه فهرستي هذه‏ " ، فهذا على أنواع الإجازة المجردة عن المناولة‏ . ‏ وزعم بعضهم أنه لا خلاف في جوازها ، ولا خالف فيها أهل الظاهر‏ ، وإنما خلافهم في غير هذا النوع‏ . ‏ وزاد ‏القاضي أبو الوليد الباجي المالكي‏ فأطلق نفي الخلاف ، وقال‏ : " لا خلاف في جواز الرواية بالإجازة من سلف هذه الأمة وخلفها " ، وادعى الإجماع من غير تفصيل ، وحكى الخلاف في العمل بها‏ ، ( والله أعلم‏‏‏ ) . ‏

قلت‏ : هذا باطل ، فقد خالف في جواز الرواية بالإجازة [ ص: 152 ] جماعات من أهل الحديث ، والفقهاء ، والأصوليين ، وذلك إحدى الروايتين عن ‏الشافعي‏ ‏رضي الله عنه . ‏ روي عن صاحبه ‏الربيع بن سليمان‏ قال‏ : " كان ‏الشافعي‏ لا يرى الإجازة في الحديث‏ . ‏ قال الربيع‏ : أنا أخالف الشافعي في هذا‏ . ‏

وقد قال بإبطالها جماعة من الشافعيين ، منهم القاضيان حسين بن محمد المروروذي ، و‏أبو الحسن الماوردي‏ ، وبه قطع الماوردي في كتابه ( ‏الحاوي ) ، وعزاه إلى مذهب الشافعي ، وقالا جميعا‏ : " لو جازت الإجازة لبطلت الرحلة‏ " . ‏ وروي أيضا هذا الكلام عن شعبة ، وغيره‏ . ‏

وممن أبطلها من أهل الحديث ‏الإمام إبراهيم بن إسحاق الحربي‏ ، و‏أبو محمد عبد الله بن محمد الأصبهاني‏ الملقب بأبي الشيخ ، و‏‏الحافظ أبو نصر الوايلي السجزي‏ . ‏ وحكى أبو نصر فسادها عن بعض من لقيه‏ . ‏ قال أبو نصر‏ : وسمعت جماعة من أهل العلم يقولون‏ : قول المحدث : ‏قد أجزت لك أن تروي عني‏ تقديره : ‏أجزت لك ما لا يجوز في الشرع‏ ; لأن الشرع لا يبيح رواية ما لم يسمع‏ . ‏

قلت‏ : ويشبه هذا ما حكاه ‏أبو بكر محمد بن ثابت الخجندي‏ أحد من أبطل الإجازة من الشافعية ، عن ‏أبي طاهر الدباس‏ أحد أئمة [ ص: 153 ] الحنفية قال‏ : من قال لغيره : " ‏أجزت لك أن تروي عني ما لم تسمع‏ " ، فكأنه يقول : " ‏أجزت لك أن تكذب علي‏ " . ‏

ثم إن الذي استقر عليه العمل ، وقال به جماهير أهل العلم من أهل الحديث ، وغيرهم : القول بتجويز الإجازة ، وإباحة الرواية بها .

وفي الاحتجاج لذلك غموض‏ ، ويتجه أن يقول‏ : إذا أجاز له أن يروي عنه مروياته ، وقد أخبره بها جملة ، فهو كما لو أخبره تفصيلا ، وإخباره بها غير متوقف على التصريح نطقا كما في القراءة على الشيخ كما سبق ، وإنما الغرض حصول الإفهام ، والفهم ، وذلك يحصل بالإجازة المفهمة ، والله أعلم‏‏‏‏ . ‏

[ ص: 154 ] ثم إنه كما تجوز الرواية بالإجازة يجب العمل بالمروي بها ، خلافا لمن قال من أهل الظاهر ، ومن تابعهم‏ : إنه لا يجب العمل به ، وإنه جار مجرى المرسل‏ . ‏ وهذا باطل ، لأنه ليس في الإجازة ما يقدح في اتصال المنقول بها ، وفي الثقة به ، والله أعلم‏‏‏‏ . ‏

التالي السابق


الخدمات العلمية