صفحة جزء
ثم إنا ننبه على أمور‏ :

أحدها‏ : روينا عن ‏أبي الحسين أحمد بن فارس الأديب المصنف‏ رحمه الله قال‏ : " معنى الإجازة في كلام العرب مأخوذ من جواز [ ص: 164 ] الماء الذي يسقاه المال من الماشية والحرث ، يقال منه‏ : استجزت فلانا ، فأجاز لي ، إذا أسقاك ماء لأرضك ، أو ماشيتك‏ ، كذلك طالب العلم‏ يسأل العالم أن يجيزه علمه ، فيجيزه إياه‏ . ‏

قلت‏ : فللمجيز على هذا أن يقول : " ‏أجزت فلانا مسموعاتي ، أو‏ مروياتي‏ " ، فيعديه بغير حرف جر من غير حاجة إلى ذكر لفظ الرواية ، أو نحو ذلك‏ ، ويحتاج إلى ذلك من يجعل الإجازة بمعنى التسويغ ، والإذن ، والإباحة ، وذلك هو المعروف ، فيقول : ( ‏أجزت لفلان رواية مسموعاتي‏ ) مثلا ، ومن يقول منهم : ( ‏أجزت له مسموعاتي‏ ) فعلى سبيل الحذف الذي لا يخفى نظيره ، والله أعلم‏‏‏‏ . ‏

الثاني‏ : إنما تستحسن الإجازة إذا كان المجيز عالما بما يجيز ، والمجاز له من أهل العلم ; لأنها توسع ، وترخيص ، يتأهل له أهل العلم لمسيس حاجتهم إليها‏ ، وبالغ بعضهم في ذلك فجعله شرطا فيها‏ . ‏ وحكاه ‏أبو العباس الوليد بن بكر المالكي ، عن ‏مالك‏ رضي الله عنه . ‏ وقال ‏الحافظ أبو عمر ‏‏ : " الصحيح أنها لا تجوز إلا لماهر بالصناعة ، وفي شيء معين لا يشكل إسناده " ، والله أعلم‏‏‏‏ . ‏

الثالث‏ : ينبغي للمجيز إذا كتب إجازته أن يتلفظ بها ، فإن اقتصر على الكتابة كان ذلك إجازة جائزة ، إذا اقترن بقصد الإجازة‏ . ‏ [ ص: 165 ] غير أنها أنقص مرتبة من الإجازة الملفوظ بها‏ ، وغير مستبعد تصحيح ذلك بمجرد هذه الكتابة في باب الرواية ، التي جعلت فيه القراءة على الشيخ مع أنه لم يلفظ بما قرئ عليه إخبارا منه بما قرئ عليه ، على ما تقدم بيانه ، والله أعلم‏‏‏‏ . ‏

التالي السابق


الخدمات العلمية