القسم الرابع
من أقسام طرق تحمل الحديث ، وتلقيه : المناولة
وهي على نوعين :
أحدهما :
المناولة المقرونة بالإجازة ، وهي أعلى أنواع الإجازة على الإطلاق . ولها صور :
منها : أن يدفع الشيخ إلى الطالب أصل سماعه ، أو فرعا مقابلا به ،
[ ص: 166 ] ويقول : ( هذا سماعي ، أو روايتي عن فلان ، فاروه عني ، أو أجزت لك روايته عني ) ، ثم يملكه إياه . أو يقول : ( خذه ، وانسخه ، وقابل به ، ثم رده إلي ) أو نحو هذا .
ومنها : أن يجيء الطالب إلى الشيخ بكتاب ، أو جزء من حديثه ، فيعرضه عليه ، فيتأمله الشيخ وهو عارف متيقظ ، ثم يعيده إليه ، ويقول له : ( وقفت على ما فيه ، وهو حديثي عن فلان ، أو روايتي عن شيوخي فيه ، فاروه عني ، أو أجزت لك روايته عني ) . وهذا قد سماه غير واحد من أئمة الحديث ( عرضا ) ، وقد سبقت حكايتنا في القراءة على الشيخ أنها تسمى عرضا ، فلنسم ذلك ( عرض القراءة ) ، وهذا ( عرض المناولة ) ، والله أعلم .
وهذه المناولة المقترنة بالإجازة : حالة محل السماع عند مالك ، وجماعة من أئمة أصحاب الحديث . وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم أبو عبد الله الحافظ النيسابوري - في عرض المناولة المذكور - عن كثير من المتقدمين : أنه سماع .
وهذا مطرد في سائر ما يماثله من
صور المناولة المقرونة بالإجازة : فممن حكى
الحاكم ذلك عنهم : ابن شهاب الزهري ، وربيعة الرأي ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ،
nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك بن أنس - الإمام - ، في آخرين من المدنيين ، ومجاهد ،
وأبو الزبير ،
وابن عيينة في جماعة
[ ص: 167 ] من المكيين ،
وعلقمة ،
وإبراهيم النخعيان ،
nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي في جماعة من الكوفيين ،
وقتادة ،
وأبو العالية ،
nindex.php?page=showalam&ids=11904وأبو المتوكل الناجي في طائفة من البصريين ،
وابن وهب ،
وابن القاسم ،
وأشهب في طائفة من المصريين ، وآخرون من الشاميين ، والخراسانيين .
ورأى
الحاكم طائفة من مشايخه على ذلك ، وفي كلامه بعض التخليط من حيث كونه خلط بعض ما ورد في ( عرض القراءة ) بما ورد في ( عرض المناولة ) وساق الجميع مساقا واحدا .
والصحيح : أن ذلك غير حال محل السماع ، وأنه منحط عن درجة التحديث لفظا ، والإخبار قراءة .
وقد قال
الحاكم في هذا العرض : " أما فقهاء الإسلام الذين أفتوا في الحلال ، والحرام ، فإنهم لم يروه سماعا ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13920والبويطي ،
والمزني ،
وأبو حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان الثوري ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل ،
nindex.php?page=showalam&ids=16418وابن المبارك ،
ويحيى بن يحيى ،
nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق بن راهويه . قال : وعليه عهدنا أئمتنا ، وإليه ذهبوا ، وإليه نذهب " ، والله أعلم .
ومنها : أن
يناول الشيخ الطالب كتابه ، ويجيز له روايته عنه ، ثم يمسكه الشيخ عنده ، ولا يمكنه منه ، فهذا يتقاعد عما سبق ، لعدم احتواء الطالب على ما تحمله ، وغيبته عنه ، وجائز له رواية ذلك
[ ص: 168 ] عنه ، إذا ظفر بالكتاب ، أو بما هو مقابل به على وجه يثق معه بموافقته لما تناولته الإجازة ، على ما هو معتبر في الإجازات المجردة عن المناولة .
ثم إن المناولة في مثل هذا لا يكاد يظهر حصول مزية بها على الإجازة الواقعة في معين كذلك من غير مناولة . وقد صار غير واحد من الفقهاء والأصوليين إلى أنه لا تأثير لها ولا فائدة ، غير أن شيوخ أهل الحديث في القديم والحديث - أو من حكي ذلك عنه منهم - يرون لذلك مزية معتبرة ، والعلم عند الله تبارك وتعالى .
ومنها : أن يأتي الطالب الشيخ بكتاب أو جزء فيقول : ( هذا روايتك ، فناولنيه ، وأجز لي روايته ) ، فيجيبه إلى ذلك ، من غير أن ينظر فيه ، ويتحقق روايته لجميعه ، فهذا لا يجوز ، ولا يصح .
فإن كان الطالب موثوقا بخبره ، ومعرفته جاز الاعتماد عليه في ذلك ، وكان ذلك إجازة جائزة ، كما جاز في القراءة على الشيخ الاعتماد على الطالب ، حتى يكون هو القارئ من الأصل ، إذا كان موثوقا به معرفة ودينا .
قال
الخطيب أبو بكر رحمه الله : " ولو قال : حدث بما في هذا الكتاب عني إن كان من حديثي مع براءتي من الغلط والوهم ، كان ذلك جائزا حسنا " ، والله أعلم .