صفحة جزء
[ ص: 178 ] القسم الثامن

الوجادة‏ :

وهي مصدر لـ ( وجد يجد ) ، مولد غير مسموع من العرب‏ . ‏ روينا عن ‏المعافى بن زكريا النهرواني‏ العلامة في العلوم‏ أن المولدين فرعوا قولهم : ( ‏وجادة ) فيما أخذ من العلم من صحيفة من غير سماع ، ولا إجازة ، ولا مناولة من تفريق العرب بين مصادر ( ‏وجد‏ ) للتمييز بين المعاني المختلفة ، يعني قولهم " ‏وجد ضالته وجدانا ، ومطلوبه وجودا‏ " ، وفي الغضب " ‏موجدة‏ " ، وفي الغنى " ‏وجدا‏ " ، وفي الحب " ‏وجدا‏ " ‏‏ . ‏

مثال الوجادة‏ : أن يقف على كتاب شخص فيه أحاديث يرويها بخطه ، ولم يلقه ، أو‏ لقيه ، ولكن لم يسمع منه ذلك الذي وجده بخطه ، ولا له منه إجازة ، ولا نحوها‏ . ‏ فله أن يقول ( ‏وجدت بخط فلان ، أو‏ قرأت بخط فلان ، أو‏ في كتاب فلان بخطه‏ أخبرنا فلان بن فلان ) ويذكر شيخه ، ويسوق سائر الإسناد ، والمتن‏ . ‏ أو‏ يقول : ( ‏وجدت ، أو‏ قرأت بخط فلان عن فلان ) ، ويذكر الذي حدثه ومن فوقه‏ . ‏

هذا الذي استمر عليه العمل قديما ، وحديثا ، وهو من باب المنقطع ، والمرسل ، غير أنه أخذ شوبا من الاتصال بقوله ( ‏وجدت بخط فلان ) ‏‏ . ‏

[ ص: 179 ] وربما دلس بعضهم ، فذكر الذي وجد خطه ، وقال فيه : ( ‏عن فلان ، أو‏ قال فلان ) ، وذلك تدليس قبيح ، إذا كان بحيث يوهم سماعه منه ، على ما سبق في نوع التدليس‏ . ‏

وجازف بعضهم ، فأطلق فيه ( ‏حدثنا وأخبرنا ) وانتقد ذلك على فاعله‏ . ‏

وإذا وجد حديثا في تأليف شخص ، وليس بخطه فله أن يقول : ( ‏ذكر فلان ، أو‏ قال فلان : أخبرنا فلان ، أو‏ ذكر فلان عن فلان ) ‏‏ ، وهذا منقطع لم يأخذ شوبا من الاتصال‏ . ‏

وهذا كله إذا وثق بأنه خط المذكور ، أو كتابه ، فإن لم يكن كذلك ، فليقل : ( ‏بلغني عن فلان ، أو‏ وجدت عن فلان ) ، أو‏ نحو ذلك من العبارات‏ ، أو ليفصح بالمستند فيه ، بأن يقول ما قاله بعض من تقدم : ( ‏قرأت في كتاب فلان بخطه ، وأخبرني فلان أنه بخطه‏ ) أو يقول : ( ‏وجدت في كتاب ظننت أنه بخط فلان ، أو‏ في كتاب ذكر كاتبه أنه فلان بن فلان ، أو في كتاب قيل إنه بخط فلان ) ‏‏ . ‏

وإذا أراد أن ينقل من كتاب منسوب إلى مصنف فلا يقل : ( ‏قال فلان كذا وكذا‏ ) إلا إذا وثق بصحة النسخة ، بأن قابلها هو أو ثقة غيره بأصول متعددة ، كما نبهنا عليه في آخر النوع الأول‏ ، وإذا لم يوجد ذلك ونحوه فليقل ( ‏بلغني عن فلان أنه ذكر كذا وكذا ، أو‏ وجدت في نسخة من الكتاب الفلاني‏ ) ، وما أشبه هذا من العبارات‏ . ‏

[ ص: 180 ] وقد تسامح أكثر الناس في هذه الأزمان بإطلاق اللفظ الجازم في ذلك من غير تحر ، وتثبت ، فيطالع أحدهم كتابا منسوبا إلى مصنف معين ، وينقل منه عنه من غير أن يثق بصحة النسخة ، قائلا : ( ‏قال فلان كذا وكذا ، أو‏ ذكر فلان كذا وكذا‏ ) ، والصواب ما قدمناه‏ . ‏

فإن كان المطالع عالما فطنا ، بحيث لا يخفى عليه في الغالب مواضع الإسقاط ، والسقط ، وما أحيل عن جهته من غيرها رجونا أن يجوز له إطلاق اللفظ الجازم فيما يحكيه من ذلك‏ ، وإلى هذا - فيما أحسب - استروح كثير من المصنفين فيما نقلوه من كتب الناس ، والعلم عند الله تعالى . ‏

هذا كله كلام في كيفية النقل بطريق الوجادة‏ . ‏

وأما جواز العمل اعتمادا على ما يوثق به منها‏ ، فقد روينا عن بعض المالكية‏ : أن معظم المحدثين والفقهاء من المالكيين ، وغيرهم لا يرون العمل بذلك‏ . ‏

وحكي عن الشافعي ، وطائفة من نظار أصحابه جواز العمل به‏ . ‏

قلت‏ : قطع بعض المحققين من أصحابه في أصول الفقه بوجوب العمل به عند حصول الثقة به‏ ، وقال‏ : " لو عرض ما ذكرناه على جملة المحدثين لأبوه‏ " ، وما قطع به هو الذي لا يتجه غيره في [ ص: 181 ] الأعصار المتأخرة ، فإنه لو توقف العمل فيها على الرواية لانسد باب العمل بالمنقول ، لتعذر شرط الرواية فيها ، على ما تقدم في النوع الأول ، والله أعلم‏‏‏‏ . ‏

التالي السابق


الخدمات العلمية