صفحة جزء
[ ص: 188 ] كتاب الحج

وهو فريضة العمر ، ولا يجب إلا مرة واحدة على كل مسلم حر عاقل بالغ صحيح قادر على الزاد والراحلة ، ونفقة ذهابه وإيابه فاضلا عن حوائجه الأصلية ونفقة عياله إلى حين يعود ويكون الطريق أمنا ، ولا تحج المرأة إلا بزوج أو محرم إذا كان سفرا ، ونفقة المحرم عليها ، وتحج معه حجة الإسلام بغير إذن زوجها .


[ ص: 188 ] كتاب الحج

وهو في اللغة : القصد إلى الشيء المعظم . قال الشاعر :

يحجون سب الزبرقان المزعفرا



أي يقصدون عمامته .

وفي الشرع : قصد موضع مخصوص ، وهو البيت بصفة مخصوصة في وقت مخصوص بشرائط مخصوصة على ما يأتيك إن شاء الله تعالى ، وهو فريضة محكمة يكفر جاحدها ، وهو أحد أركان الإسلام ثبتت فرضيته بالكتاب ، وهو قوله تعالى : ( ولله على الناس حج البيت ) . والسنة : وهو قوله - عليه الصلاة والسلام - : " بني الإسلام على خمس " الحديث . وقوله : " وحجوا بيت ربكم " وعليه انعقد الإجماع ، وسبب وجوبه البيت لإضافته إليه ، ولهذا لا يتكرر لأن البيت لا يتكرر ، ويجب على الفور . قال - عليه الصلاة والسلام - : " من ملك زادا يبلغه إلى بيت الله تعالى ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا " . وعن أبي حنيفة ما يدل عليه ، فإنه قال : من كان عنده ما يحج به ويريد التزوج يبدأ بالحج ، ولأن الموت في السنة غير نادر ، بخلاف وقت الصلاة فإن الموت فيه نادر ، ولهذا كان التعجيل أفضل إجماعا .

قال : ( وهو فريضة العمر ، ولا يجب إلا مرة واحدة ) لما روي أنه لما نزل قوله تعالى : ( ولله على الناس حج البيت ) . قال رجل : يا رسول الله أفي كل عام ؟ قال : " لا بل مرة واحدة " [ ص: 189 ] ولأن السبب هو البيت ولا يتكرر ، وعلى ذلك الإجماع .

قال : ( على كل مسلم حر عاقل بالغ صحيح قادر على الزاد والراحلة ، ونفقة ذهابه وإيابه فاضلا عن حوائجه الأصلية ، ونفقة عياله إلى حين يعود ، ويكون الطريق أمنا ) أما الإسلام ، فلأن الكافر ليس أهلا لأداء العبادات . وأما الحرية فلقوله - عليه الصلاة والسلام - : " أيما عبد حج عشر حجج ثم أعتق فعليه حجة الإسلام ، وأيما صبي حج عشر حجج ثم بلغ فعليه حجة الإسلام " ولأن منافع بدن العبد لغيره فكان عاجزا ، وإن أذن له مولاه لأنه كأنه أعاره منافع بدنه فلا يصير قادرا بالإعارة كالفقير لا يصير قادرا إذا أعاره غيره الزاد والراحلة .

وأما العقل والبلوغ فلأنهما شرط لصحة التكليف ، ولما مر من الحديث . وأما الصحة فلأنه لا قدرة دونها ، والخلاف في الأعمى كما تقدم في الجمعة . وقيل عندهما لا يجب عليه الحج . لأن البذل في القياد غالب في الجمعة نادر في الحج . وأما القدرة على الزاد والراحلة ونفقة ذهابه وإيابه فلا استطاعة دونها . وسئل - عليه الصلاة والسلام - عن الاستطاعة ، فقال : " الزاد والراحلة " وهكذا فسره ابن عباس . والراحلة : أن يكتري شق محمل أو زاملة دون عقبة الليل والنهار ؛ لأنه لا يكون قادرا إلا بالمشي فلم يكن قادرا على الراحلة .

وأما كونه فاضلا عن الحوائج الأصلية فلأنها مقدمة على حقوق الله تعالى ، وكذا عن نفقة عماله لأنها مستحقة لهم ، وحقوقهم مقدمة على حقوق الله تعالى لفقرهم وغناه ، وكذا فاضلا عن قضاء ديونه لما بينا . وعن أبي يوسف : ونفقة شهر بعد عوده إلى وطنه ، وإن كانت له دار لا يسكنها وعبد لا يستخدمه يجب عليه أن يبيعهما في الحج ، ولا بد من أمن الطريق لأنه لا يقدر على [ ص: 190 ] الوصول إلى المقصود دونه ، وأهل مكة ومن حولها يجب عليهم إذا قدروا بغير راحلة لقدرتهم على الأداء بدون المشقة .

قال : ( ولا تحج المرأة إلا بزوج أو محرم إذا كان سفرا ) لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر ثلاثة أيام فما فوقها إلا ومعها زوجها أو ذو رحم محرم منها " وقال - عليه الصلاة والسلام - : " لا تحج المرأة إلا ومعها زوجها أو ذو رحم محرم منها " والمحرم : كل من لا يحل له نكاحها على التأبيد لقرابة أو رضاع أو صهرية ، والعبد والحر والمسلم والذمي سواء ، إلا المجوسي الذي يعتقد إباحة نكاحها ، والفاسق لأنه لا يحصل به المقصود ، ولا بد فيه من العقل والبلوغ لعجز الصبي والمجنون عن الحفظ .

قال : ( ونفقة المحرم عليها ) لأنه محبوس لحقها ، وذكر الطحاوي أنه لا يلزمها لأن المحرم شرط وليس عليها تحقيق الشروط ، فإن لم يكن لها محرم لا يجب عليها لما بينا .

قال : ( وتحج معه حجة الإسلام بغير إذن زوجها ) لأن حق الزوج لا يظهر مع الفرائض كالصوم والصلاة .

التالي السابق


الخدمات العلمية