صفحة جزء
[ ص: 197 ] فصل

[ دخول مكة ]

ولا يضره ليلا دخل مكة أو نهارا كغيرها من البلاد ، فإذا دخلها ابتدأ بالمسجد ، فإذا عاين البيت كبر وهلل ، وابتدأ بالحجر الأسود فاستقبله وكبر ، ويرفع يديه كالصلاة ويقبله إن استطاع من غير أن يؤذي مسلما ، أو يستلمه أو يشير إليه إن لم يقدر على الاستلام ، ثم يطوف طواف القدوم ، وهو سنة للآفاقي ، فيبدأ من الحجر إلى جهة باب الكعبة ، وقد اضطبع رداءه ، فيطوف سبعة أشواط وراء الحطيم ، يرمل في الثلاثة الأول ، ثم يمشي على هينته ، ويستلم الحجر كلما مر به ، ويختم بالاستلام ، ثم يصلي ركعتين في مقام إبراهيم ، أو حيث تيسر له من المسجد ، ثم يستلم الحجر ، ويخرج إلى الصفا فيصعد عليه ، ويستقبل البيت ويكبر ، ويرفع يديه ويهلل ، ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويدعو بحاجته ، ثم ينحط نحو المروة على هينته ، فإذا بلغ الميل الأخضر سعى حتى يجاوز الميل الآخر ، ثم يمشي إلى الفروة فيفعل كالصفا وهذا شوط ، يسعى سبعة أشواط يبدأ بالصفا ويختم بالمروة ، ثم يقيم بمكة حراما يطوف بالبيت ما شاء ، ثم يخرج غداة التروية إلى منى فيبيت بها حتى يصلي الفجر يوم عرفة ، ثم يتوجه إلى عرفات ، فإذا زالت الشمس توضأ أو اغتسل ، فإن صلى مع الإمام صلى الظهر والعصر بأذان وإقامتين في وقت الظهر ، وإن صلى وحده صلى كل واحدة في وقتها ( سم ) ، ثم يقف راكبا رافعا يديه بسطا يحمد الله ، ويثني عليهما ، ويصلي على نبيه - عليه الصلاة والسلام - ويسأل حوائجه ، وعرفات كلها موقف إلا بطن عرنة ، ووقت الوقوف من زوال الشمس إلى طلوع الفجر الثاني من الغد ، فمن فاته الوقوف فقد فاته الحج ، فيطوف ويسعى ويتحلل من الإحرام ويقضي الحج فإذا غربت الشمس أفاض مع الإمام إلى المزدلفة ، ويأخذ الجمار من الطريق سبعين حصاة كالباقلاء ، ولا يصلي المغرب حتى يأتي المزدلفة فيصليها مع العشاء بأذان وإقامة ، ويبيت بها ، ثم يصلي الفجر بغلس ، ثم يقف بالمشعر الحرام والمزدلفة كلها موقف إلا وادي محسر : ; ثم يتوجه إلى منى قبل طلوع الشمس ، فيبتدئ بجمرة العقبة يرميها بسبع حصيات من بطن الوادي ، يكبر مع كل حصاة .

ولا يقف عندها ويقطع التلبية مع أول حصاة ، ثم يذبح إن شاء ، ثم يقصر أو يحلق وهو أفضل ، وحل له كل شيء إلا النساء ، ثم يمشي إلى مكة فيطوف طواف الزيارة من يومه أو من غده أو بعده ، وهو ركن إن تركه أو أربعة أشواط منه بقي محرما حتى يطوفها . وصفته أن يطوف بالبيت سبعة أشواط لا رمل فيها ولا سعي بعدها ، وإن لم يكن طاف للقدوم رمل وسعى ، وحل له النساء ، فإذا كان اليوم الثاني من أيام النحر رمى الجمار الثلاث بعد الزوال يرميها بسبع حصيات ثم يقف عندها مع الناس مستقبل الكعبة ، وكذلك يرميها في اليوم الثالث من النحر بعد الزوال ، وكذلك في اليوم الرابع إن أقام ، وإن نفر إلى مكة في اليوم الثالث سقط عنه رمي اليوم الرابع ، فإذا نفر إلى مكة نزل بالأبطح ولو ساعة ، ثم يدخل مكة ويقيم بها ، فإذا أراد العود إلى أهله طاف طواف الصدر ، وهو سبعة أشواط لا رمل فيها ولا سعي ، وهو واجب على الآفاقي ، ثم يأتي زمزم يستقي بنفسه ويشرب إن قدر ، ثم يأتي باب الكعبة ويقبل العتبة ، ثم يأتي الملتزم ، فيلصق بطنه بالبيت ويضع خده الأيمن عليه ويتشبث بأستار الكعبة ، ويجتهد في الدعاء ويبكي ويرجع القهقرى حتى يخرج من المسجد ، وإذا لم يدخل المحرم مكة وتوجه إلى عرفة ووقف بها سقط عنه طواف القدوم ، ومن اجتاز بعرفة نائما أو مغمى عليه أو لا يعلم بها أجزأه عن الوقوف . والمرأة كالرجل ، إلا أنها تكشف وجهها دون رأسها ، ولا ترفع صوتها بالتلبية ، ولا ترمل ولا تسعى ، وتقصر ولا تحلق ، وتلبس المخيط ولا تستلم الحجر ، إذا كان هناك رجال ، ولو حاضت عند الإحرام اغتسلت وأحرمت ، إلا أنها لا تطوف ، وإن حاضت بعد الوقوف وطواف الزيارة عادت ولا شيء عليها لطواف الصدر .


فصل

( ولا يضره ليلا دخل مكة أو نهارا كغيرها من البلاد ، فإذا دخلها ابتدأ بالمسجد ) لأن البيت فيه ، والمقصود زيارته ; ويستحب أن يدخل من باب بني شيبة اقتداء بفعله - صلى الله عليه وسلم - ويستحب أن يقول عند دخولها : اللهم هذا حرمك ومأمنك ، قلت - وقولك الحق - : ( ومن دخله كان آمنا ) اللهم فحرم لحمي ودمي على النار ، وقني عذابك يوم تبعث عبادك ، ويدخل المسجد حافيا إلا أن يستضر ، ويقول عند دخوله : بسم الله وعلى ملة رسول الله ، الحمد لله الذي بلغني بيته الحرام . اللهم افتح لي أبواب رحمتك ومغفرتك وأدخلني فيها ، وأغلق عني معاصيك وجنبني العمل بها . ( فإذا عاين البيت كبر وهلل ) ويستحب أن يقول : الله أكبر ، الله أكبر ، اللهم أنت السلام ومنك [ ص: 198 ] السلام ، حينا ربنا بالسلام ، وأدخلنا دار السلام ، اللهم زد بيتك هذا تشريفا ومهابة وتعظيما ، اللهم تقبل توبتي وأقلني عثرتي ، واغفر لي خطيئتي يا حنان يا منان .

( وابتدأ بالحجر الأسود فاستقبله وكبر ) هكذا فعل - صلى الله عليه وسلم - لما دخل المسجد .

( ويرفع يديه كالصلاة ) لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن " وعد منها استلام الحجر .

( ويقبله إن استطاع من غير أن يؤذي مسلما أو يستلمه ) وهو أن يلمسه بكفه ، أو يلمسه شيئا بيده ثم يقبله أو يحاذيه .

( أو يشير إليه إن لم يقدر على الاستلام ) لأن التحرز عن أذى المسلم واجب ، والتقبيل والاستلام سنة ، والإتيان بالواجب أولى ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قبل الحجر الأسود وقال لعمر : " إنك رجل أيد - أي قوي - فلا تزاحم الناس على الحجر ، ولكن إن وجدت فرجة فاستلمه ، وإلا فاستقبله وهلل وكبر " وروي " أنه - عليه الصلاة والسلام - طاف على راحلته ، واستلم الأركان بمحجنه " ، ويستحب أن يقول عند استلام الحجر : الله أكبر الله أكبر ، اللهم إيمانا بك ، وتصديقا بكتابك ، ووفاء بعهدك ، واتباعا لنبيك ; أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ; آمنت بالله وكفرت بالجبت والطاغوت .

قال : ( ثم يطوف طواف القدوم ) ويسمى طواف التحية ( وهو سنة للآفاقي ) قال - عليه الصلاة والسلام - : " من أتى البيت فليحيه بالطواف " ولفظة التحية تنافي الوجوب ، ولا قدوم لأهل مكة [ ص: 199 ] فلا يسن في حقهم ; ويقول عند افتتاح الطواف : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، اللهم أعذني من أهوال يوم القيامة .

( فيبدأ من الحجر إلى جهة باب الكعبة ، وقد اضطبع رداءه ) والاضطباع : إخراج طرف الرداء من تحت الإبط الأيمن وإلقاؤه على عاتقه الأيسر .

( فيطوف سبعة أشواط وراء الحطيم ، يرمل في الثلاثة الأول ، ثم يمشي على هينته ، ويستلم الحجر كلما مر به ، ويختم الطواف بالاستلام ) هكذا نقل نسكه - صلى الله عليه وسلم - . والحطيم : موضع مبني دون البيت من الركن العراقي إلى الركن الشامي ، سمي بذلك لأنه حطم من البيت : أي كسر ، وفيه نصب الميزاب ، وهو الحجر لأنه حجر من البيت : أي منع ، وبينه وبين البيت فرجة من الجانبين ، فلو دخل فيها في طوافه لم يجزه لأنه من البيت . قال - عليه الصلاة والسلام - : " الحطيم من البيت " فيعيد الطواف ، فإن أعاده على الحطيم وحده أجزأه لأنه تم طوافه ، والأولى أن يعيده على البيت أيضا ليؤديه على الوجه الأحسن والأكمل ويخرج به عن خلاف بعض الفقهاء .

والرمل هز الكتفين كالتبختر ، وسببه إظهار الجلد للمشركين حيث قالوا عن الصحابة : أوهنتهم حمى يثرب ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : " رحم الله امرأ أظهر من نفسه جلدا " وزال السبب وبقي الحكم إلى يومنا به التوارث ; واستلام الحجر أول الطواف وآخره سنة ، وما بقي بينهما أدب ; ويستحب أن يستلم الركن اليماني ولا يقبله . وعن محمد أنه سنة ولا يقبل بقية الأركان ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يستلم الحجر والركن اليماني لا غير ; ويستحب أن يقول إذا بلغ الركن العراقي : اللهم إني أعوذ بك من الشرك ، والكفر ، والنفاق ، وسوء الأخلاق .

وعند الميزاب : اللهم اسقني بكأس نبيك محمد شربة لا أظمأ بعدها .

وعند الركن الشامي : اللهم اجعله حجا مبرورا ، وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا ، وتجارة لن تبور ، برحمتك يا عزيز يا [ ص: 200 ] غفور . وعند الركن اليماني : اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وفتنة المحيا والممات .

قال : ( ثم يصلي ركعتين في مقام إبراهيم أو حيث تيسر له من المسجد ) وهي واجبة ، قال - عليه الصلاة والسلام - : " ليصل الطائف لكل أسبوع ركعتين " ، وقيل في تفسير قوله تعالى : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) إنه ركعتي الطواف ، ويقول عقيبهما : اللهم هذا مقام العائذ بك من النار ، فاغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم .

( ثم يستلم الحجر ) لأنه - عليه الصلاة والسلام - استلمه بعد الركعتين .

قال : ( ويخرج إلى الصفا ) من أي باب شاء ، والأولى أن يخرج من باب بني مخزوم اتباعا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولأنه أقرب إلى الصفا ، وهو الذي يسمى اليوم باب الصفا .

( فيصعد عليه ، ويستقبل البيت ويكبر ، ويرفع يديه ويهلل ، ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويدعو بحاجته ) هكذا فعل - صلى الله عليه وسلم - ولأن الدعاء عقيب الثناء والصلاة أقرب إلى الإجابة فيقدمان عليه . ( ثم ينحط نحو المروة على هينته ، فإذا بلغ الميل الآخضر سعى حتى يجاوز الميل الآخر ، ثم يمشي إلى المروة فيفعل كالصفا ) هكذا فعل - عليه الصلاة والسلام - .

( وهذا شوط ، يسعى سبعة أشواط ) كما وصفنا .

( يبدأ بالصفا ويختم بالمروة ) فالمشي من الصفا إلى المروة شوط ، والعود من المروة إلى [ ص: 201 ] الصفا آخر . وذكر الطحاوي أن العود ليس بشوط ، ويشترط البداءة في كل شوط بالصفا والختم به ، والأول أصح لأنه المنقول المتوارث ، ولئلا يتخلل بين كل شوطين ما لا يعتد به والأصل في العبادات الاتصال كالطواف وركعات الصلاة ، ثم السعي بين الصفا والمروة واجب ، لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " كتب عليكم السعي فاسعوا " وأنه خبر آحاد فلا يوجب الركنية فقلنا بالوجوب ، وقوله تعالى : ( فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) ينفي الركنية أيضا والأفضل ترك السعي حتى يأتي به عقيب طواف الزيارة لأن السعي واجب ، وإنما شرع مرة واحدة ، وطواف القدوم سنة ، ولا يجعل الواجب تبعا للسنة ، وإنما رخص في ذلك ؛ لأن يوم النحر يوم اشتغال بالذبح والرمي وغيره ، فربما لا يتفرغ للسعي ; ويستحب أن يقول عند خروجه إلى الصفا : باسم الله ، والصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللهم افتح لي أبواب رحمتك ، وأدخلني فيها ; ويقول على الصفا : الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، يحيي ويميت ، وهو حي لا يموت ، بيده الخير ، وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله ، ولا نعبد إلا إياه ، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ، لا إله إلا الله ، أهل التكبير والتحميد والتهليل ، لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، فله الملك ، وله الحمد . ويسأل حوائجه ; فإذا نزل من الصفا قال : اللهم يسر لي اليسرى ، وجنبني العسرى ، واغفر لي في الآخرة والأولى ; ويقول في السعي : رب اغفر وارحم ، وتجاوز عما تعلم ، إنك أنت الأعز الأكرم ، ويستكثر من قول : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ; ويقول على المروة مثل الصفا .

قال : ( ثم يقيم بمكة حراما يطوف بالبيت ما شاء ) لأنه عبادة وهو أفضل من الصلاة ، وخصوصا للآفاقي ، ويصلي لكل طواف ركعتين ، ولا يسعى بعده لما بينا .

قال : ( ثم يخرج غداة التروية ) وهو ثامن ذي الحجة .

( إلى منى ) فينزل بقرب مسجد الخيف .

( فيبيت بها حتى يصلي الفجر يوم عرفة ) فيصلي بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ، هكذا فعل جبريل بإبراهيم ومحمد عليهم الصلاة والسلام وهو المنقول من نسك [ ص: 202 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذه البيتوتة سنة ، ولو بات بمكة وصلى هذه الصلوات بها جاز ؛ لأنه لا نسك بمنى هذا اليوم ، وقد أساء لمخالفته السنة ; ويقول عند نزوله بمنى : اللهم هذه منى ، وهي مما مننت بها علينا من المناسك ، فامنن علي بما مننت به على عبادك الصالحين .

قال : ( ثم يتوجه إلى عرفات ) اقتداء - بفعله - عليه الصلاة والسلام - ولأنه يحتاج إلى أداء فرض الوقوف بها في هذا اليوم وينزل بها حيث شاء .

( فإن زالت الشمس توضأ واغتسل ) لأنه يوم جمع فيستحب له الغسل ، وقيل : هو منه .

( فإن صلى مع الإمام صلى الظهر والعصر بأذان وإقامتين في وقت الظهر ) فقد تواتر النقل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجمع بينهما . وروى جابر بأذان وإقامتين ، وهو أن يؤذن ويقيم للظهر ثم يقيم للعصر لأنها تؤدى في غير وقتها فيقيم إعلاما لهم ؛ لأنه لو لم يقم ربما ظنوا أنه يتطوع فلا يشرعون مع الإمام ، ولا يتطوع بين الصلاتين لأن العصر إنما قدمت ليتفرغ إلى الوقوف ، فالتطوع بينهما يخل به .

قال : ( وإن صلى وحده صلى كل واحدة في وقتها ) وقال أبو يوسف ومحمد : يجمع بينهما المنفرد ؛ لأن جوازه ليتفرغ للوقوف ويمتد وقته والكل في ذلك سواء .

ولأبي حنيفة أن تقديم العصر على خلاف الأصل ؛ لأن الأصل أداء كل صلاة في وقتها ، لكن خالفناه فيما ورد به الشرع ، وهو الإمام في الصلاتين ، والإحرام بالحج قبل الزوال ، وفيما عداه بقي على الأصل .

قال : ( ثم يقف راكبا رافعا يديه بسطا يحمد الله ، ويثني عليه ، ويصلي على نبيه - عليه الصلاة والسلام - ويسأل حوائجه ) والأفضل أن يتوجه عقيب صلاة العصر مع الإمام فيقف بالموقف مستقبل القبلة قريبا من جبل الرحمة ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - راح عقيب صلاة العصر إلى الموقف ووقف على راحلته مستقبل القبلة يدعو باسطا يديه كالمستطعم المسكين ، رواه ابن عباس ، ويقدم الثناء [ ص: 203 ] والحمد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - كما تقدم ، وإن وقف قائما أو قاعدا جاز ، والأول أفضل ، ويلبي في الموقف ساعة بعد ساعة ؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - ما زال يلبي حتى أتى جمرة العقبة .

قال : ( وعرفات كلها موقف إلا بطن عرفة ) لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " عرفات كلها موقف وارتفعوا عن بطن عرفة ) .

( ووقت الوقوف من زوال الشمس إلى طلوع الفجر الثاني من الغد ) لأنه - عليه الصلاة والسلام - وقف بعد الزوال . وقال - عليه الصلاة والسلام - : " الحج عرفة " فمن وقف بها ليلا أو نهارا فقد تم حجه ، ومن فاته عرفة بليل فقد فاته الحج ، فليحل بعمرة وعليه الحج من قابل " وإن وقف ساعة بعد الزوال ثم أفاض أجزأه ، بقوله - عليه الصلاة والسلام - : " من وقف ساعة بعرفة من ليل أو نهار فقد تم حجه " ولأن الركن أصل الوقوف وامتداده إلى غروب الشمس واجب ، لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " امكثوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم صلوات الله عليه " أمر بالمكث وأنه للوجوب .

قال : ( فمن فاته الوقوف ) في هذا الوقت ، ( فقد فاته الحج فيطوف ويسعى ، ويتحلل من الإحرام ، ويقضي الحج ) لما روينا .

واعلم أن الأحاديث كثيرة في فضيلة يوم عرفة وإجابة الدعاء فيه ، فينبغي أن تجتهد فيه بالدعاء ، وتدعو بكل دعاء تحفظه ، وإن لم تقدر على الحفظ فاقرأ المكتوب ; ويستحب أن يقرأ [ ص: 204 ] عقيب صلاته الفاتحة والإخلاص عشر مرات ، ويقول : لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، يحيي ويميت ، وهو حي لا يموت ، بيده الخير وهو على كل شيء قدير ، سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، يا رفيع الدرجات ، يا منزل البركات ، يا فاطر الأرضين والسموات ، ضجت لك الأصوات بصنوف اللغات ، تسألك الحاجات ، وحاجتي أن ترحمني في دار البلاء إذا نسيني أهل الدنيا ، أسألك أن توفقني لما افترضت علي ، وتعينني على طاعتك ، وأداء حقك ، وقضاء المناسك التي أريتها خليلك إبراهيم ، ودللت عليها محمدا حبيبك ; اللهم لكل متضرع إليك إجابة ، ولكل مسكين لديك رأفة ، وقد جئتك متضرعا إليك ، مسكينا لديك ، فاقض حاجتي ، واغفر ذنوبي ، ولا تجعلني من أخيب وفدك ، وقد قلت - وأنت لا تخلف الميعاد - : ( ادعوني أستجب لكم ) وقد دعوتك متضرعا سائلا ، فأجب دعائي وأعتقني من النار ، ولوالدي ولجميع المسلمين والمسلمات برحمتك يا أرحم الراحمين .

قال : ( فإذا غربت الشمس أفاض مع الإمام إلى المزدلفة ) لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " إن أهل الشرك كانوا يدفعون من عرفة إذا صارت الشمس على رءوس الجبال مثل عمائم الرجال ، وأنا أدفع بعد غروب الشمس مخالفة لهم " ويمشي على هينته ، كذا فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك اليوم .

وقال : " يا أيها الناس عليكم بالسكينة " ويستحب أن يقول عند غروبها قبل الإفاضة : اللهم لا تجعله آخر العهد بهذا الموقف ، وارزقنيه ما أبقيتني ، واجعلني اليوم مفلحا مرحوما مستجابا دعائي ، مغفورا ذنوبي يا أرحم الراحمين .

وينبغي أن يدفع مع الإمام ، ولا يتقدم عليه إلا إذا تأخر الإمام عن غروب الشمس ، فيدفع الناس قبله لدخول الوقت ، ولو مكث بعد الغروب وإفاضة الإمام قليلا خوف الزحمة جاز ، هكذا فعلت عائشة ; وينبغي أن يكثر من الاستغفار . قال الله تعالى : ( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم ) .

[ ص: 205 ] قال : ( ويأخذ الجمار من الطريق سبعين حصاة كالباقلاء ولا يصلي المغرب حتى يأتي المزدلفة فيصليها مع العشاء بأذان وإقامة ) أما تأخير المغرب فلحديث أسامة بن زيد قال : كنت رديف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عرفات إلى المزدلفة ، فنزل بالشعب وقضى حاجته ولم يسبغ الوضوء ، فقلت يا رسول الله ، الصلاة ، فقال : " الصلاة ليست هنا الصلاة أمامك " وأما الجمع بينهما بأذان وإقامة فلرواية جابر " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل كذلك " ولأن العشاء في وقتها فلا حاجة إلى الإعلام بوقتها بخلاف العصر يوم عرفة ، ولا يتطوع بينهما لأنه يقطع الجمع ، فإن تطوع أو اشتغل بشيء آخر أعاد الإقامة ؛ لأنه انقطع حكم الإقامة الأولى ، ولو صلى المغرب في الطريق أو بعرفة لم يجزه . وقال أبو يوسف : يجزيه لأنه صلاها في وقتها . ولنا ما تقدم من حديث أسامة ، ويقضيها ما لم يطلع الفجر ، فإذا طلع الفجر فلا قضاء ؛ لأنه فات وقت الجمع ، وينبغي أن ينزل بقرب الجبل الذي عليه الميقدة لأنه - عليه الصلاة والسلام - وقف هناك .

( ويبيت بها ) وهي سنة .

قال : ( ثم يصلي الفجر بغلس ) كذا روى ابن مسعود عن النبي - عليه الصلاة والسلام - وليتفرغ للوقوف والدعاء .

( ثم يقف بالمشعر الحرام ) ويدعو ويجتهد في الدعاء كما مر بعرفة ; ويستحب أن يقول إذا نزل بها : اللهم هذه مزدلفة وجمع ، أسألك أن ترزقني جوامع الخير ، واجعلني ممن سألك فأعطيته ودعاك فأجبته ، وتوكل عليك فكفيته ، وآمن بك فهديته ; وإذا فرغ من الصلاتين يقول : اللهم حرم لحمي وشعري ودمي وعظمي وجميع جوارحي على النار يا أرحم الراحمين ، ويسأل الله تعالى إرضاء الخصوم ؛ فإن الله تعالى وعد ذلك لمن طلبه في هذه الليلة ; ويستحب أن يقف بعد صلاة [ ص: 206 ] .

الفجر مع الإمام ويدعو ، قال الله تعالى : ( فاذكروا الله عند المشعر الحرام ) ويستحب أن يكبر ، ويهلل ، ويلبي ويقول : اللهم أنت خير مطلوب ، وخير مرغوب إليه ، إلهي لكل وفد جائزة وقرى ، فاجعل اللهم جائزتي وقراي في هذا المقام أن تتقبل توبتي ، وتتجاوز عن خطيئتي ، وتجمع على الهدى أمري ، وتجعل اليقين من الدنيا همي ، اللهم ارحمني ، وأجرني من النار ، وأوسع علي الرزق الحلال ، اللهم لا تجعله آخر العهد بهذا الموقف ، وارزقنيه أبدا ما أحييتني برحمتك يا أرحم الراحمين .

( والمزدلفة كلها موقف إلا وادي محسر لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " المزدلفة كلها موقف إلا وادي محسر " .

قال : ( ثم يتوجه إلى منى قبل طلوع الشمس ) كذا فعل - صلى الله عليه وسلم - ويمشي بالسكينة ، فإذا بلغ بطن محسر أسرع مقدار رمية حجر ماشيا كان أو راكبا ، هكذا فعله - عليه الصلاة والسلام - .

( ف ) إذا وصل إلى منى .

( يبتدئ بجمرة العقبة يرميها بسبع حصيات من بطن الوادي يكبر مع كل حصاة ولا يقف عندها ، ويقطع التلبية مع أول حصاة ) لما روى جابر " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أتى منى لم يعرج إلى شيء حتى رمى جمرة العقبة بسبع حصيات ، وقطع التلبية عند أول حصاة رماها ، وكبر مع كل حصاة ، ثم نحر ، ثم حلق رأسه ، ثم أتى مكة فطاف بالبيت " ويرمي من بطن الوادي من أسفل إلى أعلى ، ويجعل منى عن يمينه ، والكعبة عن يساره ، ويقف حيث يرى موضع الحصاة ، هكذا نقل عنه - عليه الصلاة والسلام - وهو مثل حصى الخذف . قال - عليه الصلاة والسلام - للفضل بن العباس غداة يوم النحر : " ائتني بسبع حصيات مثل حصى الخذف " فأتاه بهن ، فجعل يقلبهن ويقول : " بمثلهن [ ص: 207 ] بمثلهن لا تغلوا " والخذف : أن يضع الحصاة على رأس السبابة ، ويضع إبهامه عليها ثم يرمي بها . واختلفوا في مقدارها ، والمختار قدر الباقلاء ، ولو رمى بحجر أكبر أو أصغر جاز لحصول الرمي ، ويقول عند الرمي : بسم الله ، والله أكبر ، رغما للشيطان وحزبه ; ويجوز الرمي بكل ما كان من جنس الأرض ، ولا يجوز بما ليس من جنسها ، ومن أي موضع أخذه جاز إلا الحصاة المرمي بها فإنه يكره لأنها حصى من لم يقبل حجه ، فقد جاء في الحديث : " ومن قبل حجه رفع حصاه " ولأنه رمى به مرة فأشبه الماء المستعمل ، وكيفما رمى جاز ، وعدد حصى الجمار سبعون : جمرة العقبة يوم النحر سبعة ، وثلاثة أيام منى كل يوم ثلاث جمرات بإحدى وعشرين ; وقد استحب بعضهم غسل الحصى ليكون طاهرا بيقين .

قال : ( ثم يذبح إن شاء ) لأنه مسافر وهو مفرد ولا وجوب عليه .

( ثم يقصر أو يحلق وهو أفضل ) قال - عليه الصلاة والسلام - : " إن أول نسكنا في يومنا هذا أن نرمي ، ثم نذبح ، ثم نحلق " ولأن الحلق من محظورات الإحرام فيؤخر عن الذبح .

والحلق أفضل لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " يغفر الله للمحلقين " قيل يا رسول الله ، وللمقصرين ، فقال : " يغفر الله للمحلقين " ، قالها ثلاثا ، ثم قال : " وللمقصرين " وإن لم يكن على رأسه شعر أجرى الموسى على رأسه تشبيها بالحلق كالتشبيه بالصوم عند العجز عن الصوم ; والسنة حلق الجميع فإن نقص من ذلك فقد أساء لمخالفة السنة ، ولا يجوز أقل من الربع ، ونظيره مسح الرأس في الوضوء في الاختلاف والدلائل ، والتقصير : أن يأخذ من رءوس شعره وأقله مقدار الأنملة ، ويستحب أن يدفن الشعر . قال الله تعالى : ( ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء ‎وأمواتا ) ويستحب أن يقول عند الحلق : اللهم هذه ناصيتي بيدك ، فاجعل لي بكل شعرة نورا يوم القيامة يا أرحم الراحمين .

[ ص: 208 ] ( وحل له كل شيء إلا النساء ) لقوله - عليه الصلاة والسلام - فيه : " حل له كل شيء إلا النساء " .

قال : ( ثم يمشي إلى مكة فيطوف طواف الزيارة من يومه أو من غده أو بعده ، وهو ركن إن تركه أو أربعة أشواط منه بقي محرما حتى يطوفها .

وصفته : أن يطوف بالبيت سبعة أشواط لا رمل فيها ولا سعي بعدها ، وإن لم يكن طاف للقدوم رمل وسعى وحل له النساء ) ويسمى أيضا طواف الإفاضة ، والأفضل أن يطوفه أول أيام النحر ؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - لما رمى جمرة العقبة ذبح وحلق ومشى إلى مكة ، فطاف للزيارة ثم عاد إلى منى فصلى بها الظهر ، ووقت الطواف أيام النحر . قال الله تعالى : ( فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ) ، ثم قال : ( وليطوفوا بالبيت العتيق ) جعل وقتهما واحدا ، فلو أخره عنها لزمه شاة ، وكذا إذا أخر الحلق عنها أو أخر الرمي . وقال أبو يوسف ومحمد : لا يلزمه لأنه استدرك ما فاته ; وله حديث ابن مسعود : " من قدم نسكا على نسك فعليه دم " ولأن ما هو مؤقت بالمكان وهو الإحرام يجب بتأخيره عنه دم ، فكذا ما هو مؤقت بالزمان وهو ركن لأنه المراد بقوله تعالى : ( وليطوفوا ) فكان فرضا ، فإن تركه أو أربعة أشواط منه بقي محرما حتى يطوفها . أما إذا تركه فلما بينا أنه ركن . وأما إذا ترك أربعة أشواط فهو الأكثر ، وللأكثر حكم الكل ، فكأنه لم يطف أصلا ، ولا رمل فيه ولا سعي بعده إن كان أتى بهما في طواف القدوم لأنهما شرعا مرة واحدة ، وإن لم يكن فعلهما أتى بهما في هذا الطواف ، وقد بيناه ، وحل له النساء لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " إذا طفتم بالبيت حللن لكم " ولأنه أتى بما عليه من فرائض الحج التي عقد لها الإحرام ، ويطوف على قدميه حتى لو طاف راكبا أو محمولا لغير عذر أعاد ما دام بمكة ; وإن خرج من غير إعادة فعليه دم ، وإن كان [ ص: 209 ]

بعذر فلا شيء عليه وما روي " أنه - عليه الصلاة والسلام - طاف راكبا " محمول على العذر حالة الكبر وكذا التيامن واجب ، وهو أن يأخذ في الطواف عن يمينه من باب الكعبة حتى لو طاف منكوسا أو أكثره أعاد ما دام بمكة ، فإن لم يعد فعليه دم ، فإذا طاف للزيارة عاد إلى منى فبات بها لياليها ، والمبيت بها سنة لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - .

( فإذا كان اليوم الثاني من أيام النحر ) وهو حادي عشر الشهر ويسمى يوم القر لأنهم يقرون فيه بمنى .

( رمى الجمار الثلاث بعد الزوال ) يبتدئ بالتي تلي مسجد الخيف .

( يرميها بسبع حصيات ثم يقف عندها مع الناس مستقبل الكعبة ) يرفع يديه حذاء منكبيه بسطا يذكر الله تعالى ويثني عليه ، ويهلل ، ويكبر ، ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويدعو الله بحاجته .

وعن أبي يوسف أنه يقول : اللهم اجعله حجا مبرورا ، وذنبا مغفورا ، اللهم إليك أفضت ، ومن عذابك أشفقت ، وإليك رغبت ، ومنك رهبت ، فاقبل نسكي وعظم أجري وارحم تضرعي واقبل توبتي واستجب دعوتي وأعطني سؤلي ، ثم يأتي الجمرة الوسطى فيفعل كذلك ، ثم يأتي جمرة العقبة فيرميها ولا يقف عندها ، ولو لم يقف عند الجمرتين لا شيء عليه لأنه للدعاء .

قال : ( وكذلك يرميها في اليوم الثالث من أيام النحر بعد الزوال ) كما وصفنا .

( وكذلك في اليوم الرابع إن أقام ) وجميع ما ذكرنا من صفة الرمي والوقوف والدعاء مروي في حديث جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

[ ص: 210 ] قال : ( وإن نفر إلى مكة في اليوم الثالث سقط عنه رمي اليوم الرابع ) ولا شيء عليه لقوله تعالى : ( فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ) والأفضل أن يقف حتى يرمي اليوم الرابع لأنه أتم لنسكه ، فلو رماها في اليوم الرابع قبل الزوال جاز . وقالا : لا يجوز لأن وقته بعد الزوال كما في اليومين الأولين ، وهو مروي عن عمر - رضي الله عنه - .

ولأبي حنيفة أنه لما جاز ترك الرمي أصلا فلأن يجوز تقديمه أولى ، وهو مروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - .

قال : ( فإذا نفر إلى مكة نزل بالأبطح ولو ساعة ) وهو المحصب وهو سنة ؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - نزل به قصدا وهو نسك ، كذا روي عن عمر - رضي الله عنه - .

( ثم يدخل مكة ويقيم بها ) ويكثر فيها من أفعال الخير كالطواف والصلاة والصدقة والتلاوة وذكر الله تعالى ، ويجتنب إنشاد الشعر وحديث الفحش وما لا يعنيه ، ففي الحديث النبوي ، أن الحسنة فيه تضاعف إلى مائة ألف وكذلك السيئة ، ولهذا كره أبو حنيفة المجاورة خوفا من الوقوع فيما لا يجوز فيتضاعف عليه العقاب بتضاعف السيئات حتى لو كان ممن يثق من نفسه ويملكها عما لا ينبغي من الأفعال والأقوال ، فالمجاورة أفضل بالإجماع .

قال : ( فإذا أراد العود إلى أهله طاف طواف الصدر ) ويسمى طواف الوداع لأنه يصدر عن البيت ويودعه .

( وهو سبعة أشواط لا رمل فيها ولا سعي ) لما بينا .

( وهو واجب على الآفاقي ) لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " من حج هذا البيت فليكن آخر عهده به الطواف " بخلاف المكي فإنه لا يصدر عنه ولا يودعه .

( ثم يأتي زمزم يستقي بنفسه ويشرب إن قدر ) فهو أفضل لما روي أنه - عليه الصلاة والسلام - [ ص: 211 ] أتى زمزم ونزع بنفسه دلوا فشرب ثم أفرغ ماء الدلو عليه ويستحب أن يتنفس في الشرب ثلاث مرات ، وينظر إلى البيت في كل مرة ويقول : بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة على رسول الله ; ويقول في المرة الأخيرة : اللهم إني أسألك رزقا واسعا ، وعلما نافعا ، وشفاء من كل داء وسقم ، يا أرحم الراحمين ; ثم يمسح به وجهه ورأسه ، ويصب عليه إن تيسر له .

( ثم يأتي باب الكعبة ويقبل العتبة ) لما فيه من زيادة التضرع .

( ثم يأتي الملتزم ) وهو بين الباب والحجر الأسود .

( فيلصق بطنه بالبيت ويضع خده الأيمن عليه ويتشبث بأستار الكعبة ) كالمتعلق بطرف ثوب مولاه يستغيثه في أمر عظيم .

( ويجتهد في الدعاء ) فإنه موضع إجابة الدعاء جاء به الأثر .

( ويبكي ) أو يتباكى فإنه من علامات القبول .

( ويرجع القهقرى حتى يخرج من المسجد ) ليكون نظره إلى الكعبة ; ويستحب أن يقول عند الوداع : اللهم هذا بيتك الذي جعلته مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، اللهم فكما هديتنا لذلك ، فتقبله منا ، ولا تجعله آخر العهد من بيتك الحرام ، وارزقني العود إليه حتى ترضى عني برحمتك يا أرحم الراحمين .

قال : ( وإذا لم يدخل المحرم مكة وتوجه إلى عرفة ووقف بها ) على الوجه الذي بيناه . ( سقط عنه طواف القدوم ) لأنه شرع في أفعال الحج ، فيجب عليه الإتيان بسائر أفعاله على وجه الترتيب ، ولا دم عليه لأنه سنة فلا يجب بتركها شيء .

قال : ( ومن اجتاز بعرفة نائما أو مغمى عليه أو لا يعلم بها أجزأه عن الوقوف ) لوجود الركن [ ص: 212 ] وهو الوقوف ، ولإطلاق قوله - عليه الصلاة والسلام - : " من وقف بعرفة فقد تم حجه " .

قال : ( والمرأة كالرجل ) لأن النص يعمهما .

( إلا أنها تكشف وجهها دون رأسها ) لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " إحرام المرأة في وجهها " .

( ولا ترفع صوتها بالتلبية ) خوفا من الفتنة .

( ولا ترمل ولا تسعى ) لأن مبنى أمرها على الستر ، وفي ذلك احتمال الكشف .

( وتقصر ولا تحلق ) لأنه - عليه الصلاة والسلام - نهى النساء عن الحلق وأمرهن بالتقصير .

( وتلبس المخيط ) لأن في تركه خوف كشف العورة .

( ولا تستلم الحجر إذا كان هناك رجال ) لأنها ممنوعة عن مماستهم .

قال : ( ولو حاضت عند الإحرام اغتسلت وأحرمت ) لما مر في الرجل .

( إلا أنها لا تطوف ) لأن الطواف في المسجد وهي ممنوعة من دخول المسجد .

( وإن حاضت بعد الوقوف وطواف الزيارة عادت ولا شيء عليها لطواف الصدر ) لأنه - عليه الصلاة والسلام - رخص للحيض في طواف الصدر .

التالي السابق


الخدمات العلمية