صفحة جزء
[ ص: 227 ] باب الإحصار

المحرم إذا أحصر بعدو أو مرض أو عدم محرم أو ضياع نفقة يبعث شاة تذبح عنه في الحرم أو ثمنها ليشترى بها ثم يتحلل ، ويجوز ذبحه قبل يوم النحر ( سم ) . والقارن يبعث شاتين ، وإذا تحلل المحصر بالحج فعليه حجة وعمرة وعلى القارن حجة وعمرتان ، وعلى المعتمر عمرة ، فإن بعث ثم زال الإحصار ، فإن قدر على إدراك الهدي والحج لم يتحلل ولزمه المضي ، وإن قدر على أحدهما دون الآخر تحلل ، ومن أحصر بمكة عن الوقوف وطواف الزيارة فهو محصر ، وإن قدر على أحدهما فليس بمحصر .


باب الإحصار

هو المنع والحبس ، ومنه حصار الحصون والمعاقل إذا منعوا عن التصرف في مقاصدهم وأمورهم ، والحصور : الممنوع عن النساء .

وفي الشرع : المنع عن المضي في أفعال الحج بموانع نذكرها إن شاء الله تعالى .

( المحرم إذا أحصر بعدو أو مرض أو عدم محرم أو ضياع نفقة ، يبعث شاة تذبح عنه في الحرم ، أو ثمنها ليشترى بها ثم يتحلل ) والأصل في ذلك قوله تعالى : ( فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ) والنبي - عليه الصلاة والسلام - أحصر هو وأصحابه عام الحديبية حين أحرموا معتمرين فصدهم المشركون عن البيت ، فصالحهم - عليه الصلاة والسلام - وذبح الهدي وتحلل ثم قضى العمرة من قابل . قالوا : وفيهم نزلت الآية ، فكل من أحرم بحجة أو عمرة ثم منع من الوصول إلى البيت فهو محصر ، ويستوي في ذلك جميع ما ذكرنا من الموانع ؛ لأن التحلل قبل أوانه إنما شرع دفعا للحرج الناشئ من بقائه محرما ، وهذا المعنى يعم جميع ما ذكرنا من الموانع ، وكذلك ما في معناها كضلال الراحلة ، ومنع الزوج والسيد إذا وقع الإحرام بغير أمرهما ; ومن قال : إن الإحصار يختص بالعدو فهو مردود بالكتاب .

قال الكسائي وأبو عبيدة : ما كان من مرض أو ذهاب نفقة يقال منه أحصر فهو محصر ; وما [ ص: 228 ] كان من حبس عدو أو سجن يقال حصر فهو محصور ; ونقل بعضهم إجماع أئمة اللغة على هذا ، والنبي - عليه الصلاة والسلام - حصر بالعدو ، فعلمنا أن المراد ما يمنع من المضي والوصول إلى البيت .

وقوله : ( في الحرم ) إشارة إلى أنه لا يجوز خارج الحرم لقوله تعالى : ( ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله ) ومحله الحرم ؛ لأن الهدي ما عرف قربة إلا بمكان مخصوص أو زمان مخصوص ، والزمان قد انتفى فتعين المكان ، ولأنه لو جاز ذبحه حيث أحصر لكان محله فلا تبقى فائدة في قوله : ( حتى يبلغ ) . وما روي أنه - عليه الصلاة والسلام - ذبح بالحديبية حين أحصر بها ، فالحديبية بعضها من الحرم ، فيحمل ذبحه - عليه الصلاة والسلام - فيه توقيفا بين الكتاب والسنة .

قال : ( ويجوز ذبحه قبل يوم النحر ) وقالا : لا كدم المتعة والقران . وجوابه : أنه دم جناية لتحلله قبل أوانه والجنايات لا تتوقف بخلاف المتعة والقران فإنهما دم نسك ، ولأن التأقيت بالزمان زيادة على النص ، فلا يجوز ; ولو عجز عن الذبح لا يتحلل بالصوم ويبقى محرما حتى يذبح عنه أو يزول المانع فيأتي مكة ويتحلل بأفعال العمرة ، ولو صبر حتى زال المانع ومضى إلى مكة وتحلل بالأفعال لا هدي عليه .

قال : ( والقارن يبعث شاتين ) لأنه يتحلل عن إحرامين ، وقد أدخل النقص على كل واحد منهما .

قال : ( وإذا تحلل المحصر بالحج فعليه حجة وعمرة ) روي ذلك عن عمر وابن مسعود ، ولأن الحجة تجب بالشروع فيها ; وأما العمرة فلأنه في معنى فائت الحج ، فيتحلل بأفعال العمرة ، وقد عجز فيجب قضاؤها .

( وعلى القارن حجة وعمرتان ) حجة وعمرة لما ذكرنا ، وعمرة لصحة الشروع فيها .

( وعلى المعتمر عمرة ) لأن النبي - عليه الصلاة والسلام - وأصحابه لما أحصروا بالحديبية عن المضي في العمرة وتحللوا قضوها حتى سميت عمرة القضاء .

[ ص: 229 ] قال : ( فإن بعث ثم زال الإحصار فإن قدر على إدراك الهدي والحج لم يتحلل ولزمه المضي ) لأنه قدر على الأصل قبل تمام الخلف .

( وإن قدر على أحدهما دون الآخر تحلل ) أما إذا قدر على الهدي دون الحج فلا فائدة في المضي ; وأما بالعكس القياس أن لا يتحلل لقدرته على الأصل ، والأفضل أن لا يتحلل ويمضي ويأتي بأفعال الحج ليأتي به على الوجه الأكمل ، لكن استحسنوا وجوزوا له التحلل لأنه لما عجز عن إدراك الهدي على وجه لا يضمنه الذابح صار كأنه قد ذبح فيتحلل ، ولأن الخوف على المال كالخوف على النفس ، ولو خاف على النفس تحلل ، فكذا على المال .

قال : ( ومن أحصر بمكة عن الوقوف وطواف الزيارة فهو محصر ) لما بينا .

( وإن قدر على أحدهما فليس بمحصر ) لأنه إن قدر على الوقوف فقد أمن فوات الحج ، وإن قدر على الطواف يصبر حتى يفوته الحج ، ثم يتحلل بأفعال العمرة ولا دم عليه . وعن أبي حنيفة أنه ليس لأهل مكة إحصار ؛ لأن الدار دار الإسلام ، بخلاف عام الحديبية حين أحصر - عليه الصلاة والسلام - .



التالي السابق


الخدمات العلمية