صفحة جزء
[ ص: 248 ] ولا يجوز أن يبيع ثمرة ، ويستثني منها أرطالا معلومة ويجوز بيع الحنطة في سنبلها ، والباقلاء في قشره ، ويجوز بيع الطريق وهبته ، ولا يجوز ذلك في المسيل ، ومن باع سلعة بثمن سلمه أولا ، إلا أن يكون مؤجلا ؟ وإن باع سلعة بسلعة أو ثمنا بثمن سلما معا ، ولا يجوز بيع المنقول قبل القبض ، ويجوز بيع العقار قبل القبض ( م ) ، ويجوز التصرف في الثمن قبل قبضه ، وتجوز الزيادة في الثمن ( ز ) والسلعة ( ز ) والحط من الثمن ، ويلتحق ( ز ) بأصل العقد; ومن باع بثمن حال ثم أجله صح ، ومن ملك جارية يحرم عليه وطؤها ودواعيه حتى يستبرئها بحيضة أو شهر أو وضع حمل ; ويجوز بيع الكلب والفهد والسباع معلما كان أو غير معلم ، وأهل الذمة في البيع كالمسلمين ، ويجوز لهم بيع الخمر والخنزير; ويجوز بيع الأخرس ، وسائر عقوده بالإشارة المفهومة; ويجوز بيع الأعمى وشراؤه ، ويثبت له خيار الرؤية ، ويسقط خياره بجس المبيع أو بشمه أو بذوقه ، وفي العقار بوصفه .


قال : ( ولا يجوز أن يبيع ثمرة ويستثني منها أرطالا معلومة ) لجهالة الباقي ، وقيل : يجوز لجواز بيعه ابتداء ; والأصل أن ما جاز بيعه ابتداء يجوز استثناؤه كبيع صبرة إلا قفيزا ، وقفيز من صبرة ، بخلاف الحمل وأطراف الحيوان حيث لا يجوز استثناؤه لأنه لا يجوز بيعه ابتداء .

قال : ( ويجوز بيع الحنطة في سنبلها والباقلاء في قشره ) وكذا السمسم والأرز والجوز واللوز لما روي أنه - عليه الصلاة والسلام - نهى عن بيع السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة ، ولأنه مال منتفع به فيجوز بيعه وعلى البائع تخليصه بالدياس والتذرية ، وكذا قطن في فراش وعلى البائع فتقه لأنه عليه تسليمه . أما جذاذ الثمرة ، وقطع الرطبة ، وقلع الجذور والبصل وأمثاله على المشتري لأنه يعمل في ملكه وللعرف .

قال : ( ويجوز بيع الطريق وهبته ، ولا يجوز ذلك في المسيل ) لأن الطريق موضع من الأرض [ ص: 249 ] معلوم الطول والعرض فيجوز; والمسيل : موضع جريان الماء وهو مجهول لأنه يقل ويكثر .

قال : ( ومن باع سلعة بثمن سلمه أولا ) تحقيقا للمساواة بين المتعاقدين ، لأن البيع يتعين بالتعيين ، والثمن لا يتعين إلا بالقبض ، فلهذا اشترط تسليمه .

( إلا أن يكون مؤجلا ) لأنه أسقط حقه بالتأجيل ولا يسقط حق الآخر .

( وإن باع سلعة بسلعة أو ثمنا بثمن سلما معا ) تسوية بينهما .

قال : ( ولا يجوز بيع المنقول قبل القبض ) لأنه - عليه الصلاة والسلام - نهى عن بيع ما لم يقبض ، ولأنه عساه يهلك فينفسخ البيع فيكون غررا ، وكذا كل ما ينفسخ العقد بهلاكه كبدل الصلح والإجارة لما ذكرنا ، وما لا ينفسخ العقد بهلاكه يجوز التصرف فيه قبل القبض كالمهر وبدل الخلع والصلح عن دم العمد لأنه لا غرر فيه .

قال : ( ويجوز بيع العقار قبل القبض ) وقال محمد : لا يجوز لإطلاق ما روينا وقياسا على المنقول . ولهما أن المبيع هو العرصة ، وهي مأمونة الهلاك غالبا فلا يتعلق به غرر الانفساخ حتى لو كانت على شاطئ البحر ، أو كان المبيع علوا لا يجوز بيعه قبل القبض; والمراد بالحديث النقلي ، لأن القبض الحقيقي إنما يتصور فيه وعملا بدلائل الجواز ، ثم إن كان نقد الثمن في البيع الأول فالثاني نافذ وإلا فموقوف كبيع المرهون والإجارة على هذا الاختلاف . وقيل لا يجوز بالاتفاق لأن المعقود عليه المنافع ، وهلاكها غير نادر بهلاك البناء .

قال : ( ويجوز التصرف في الثمن قبل قبضه ) لقيام الملك ، ولا يتعين بالتعيين ولا يكون فيه غرر الانفساخ .

قال : ( وتجوز الزيادة في الثمن والسلعة ، والحط من الثمن ويلتحق بأصل العقد ) وقال زفر :

هي مبتدأة لأنه لا يمكن جعله ثمنا ومثمنا ؛ لأنه يصير ملكه عوض ملكه فجعلناه هبة مبتدأة . ولنا أن بالزيادة والحط غيرا وصف العقد من الربح إلى الخسران أو بالعكس ، وهما يملكان إبطاله [ ص: 250 ] فيملكان تغييره ، ولا بد في الزيادة من القبول في المجلس لأنها تمليك ، ولا بد أن يكون المعقود عليه قائما قابلا للتصرف ابتداء حتى لا تصح الزيادة في الثمن بعد هلاكه ، ويصح الحط بعد هلاك المبيع لأنه إسقاط محض والزيادة إثبات ، ولو حط بعض الثمن والمبيع قائم التحق بأصل العقد ، وإن حط الجميع لم يلتحق لأنه يصير الثمن كأن لم يكن فيبطل الحط ، وإذا صحت الزيادة يصير لها حصة من الثمن فيظهر ذلك في المرابحة والتولية ، ولو هلكت قبل القبض سقط حصتها من الثمن . قال : ( ومن باع بثمن حال ثم أجله صح ) لأنه حقه; ألا ترى أنه يملك إسقاطه فيملك تأجيله ؟ وكل دين حال يصح تأجيله لما ذكرنا إلا القرض لأنه صلة ابتداء حتى لا يجوز ممن لا يملك التبرعات ، والتأجيل في التبرعات غير لازم كالإعارة معاوضة انتهاء ، ولا يجوز التأجيل فيه لأنه يصير بيع الدرهم بالدرهم نسيئة وأنه حرام .

قال : ( ومن ملك جارية يحرم عليه وطؤها ودواعيه حتى يستبرئها بحيضة أو شهر أو وضع حمل ) وأصله قوله - عليه الصلاة والسلام - في سبايا أوطاس : " ألا لا توطأ الحبالى حتى يضعن ، ولا غير الحبالى حتى يستبرئن بحيضة " نهي عن وطء المملوكات بالسبي إلى غاية الاستبراء ، فيتعلق الحكم به عند تجدد الملك بأي سبب كان كالشراء والهبة والوصية والميراث ونحوها ، والشهر كالحيضة عند عدمها لما عرف; وإن حاضت في أثناء الشهر انتقل إلى الحيضة كما في العدة; والمعتبر ما يوجد بعد القبض حتى لو حاضت أو وضعت قبل القبض يجب الاستبراء ، وكما يحرم الوطء يحرم دواعيه احترازا عن الوقوع فيه كما في العدة ، بخلاف الحيض لأن الحرمة للأذى ولا أذى في الدواعي; ومن وطئ جاريته ثم أراد أن يبيعها أو يزوجها يستحب له أن يستبرئها ، وإن لم يستبرئها فالأحسن للزوج أن يستبرئها .

وأما ممتدة الطهر ، قال أبو حنيفة : لا يطؤها حتى تتيقن بعدم الحمل ، وروي عنه سنتان وهو الأحوط وهو قول زفر ، لأن الولد لا يبقى أكثر من سنتين على ما عرف . وعنه أربعة أشهر وعشرة أيام ، وهو قول محمد لأنها عدة الوفاة للحرة تعرف بها براءة الرحم . وعن محمد شهران وخمسة [ ص: 251 ] أيام لأنه عدة الأمة ، وعن أبي حنيفة ، وهو قول أبي يوسف ثلاثة أشهر لأنها تعرف براءة الرحم في حق الآيسة والصغيرة .

وعند الشافعي أربع سنين لأنه أكثر مدة الحمل عنده .

وقال أبو مطيع البلخي : تسعة أشهر لأنه المعتاد في مدة الحمل; ويجب الاستبراء إذا حدث له ملك الاستمتاع بملك اليمين ، سواء وطئها البائع أو لا ، أو كان بائعها ممن لا يطأ كالمرأة والصغير والأخ من الرضاع ، وكذا إن كانت بكرا . وعن أبي يوسف أنه لا استبراء في هذه الصورة ، وهو قول مالك ، وعلى هذا الخلاف إذا حاضت في يد البائع بعد البيع قبل القبض لأن الاستبراء للتعرف على براءة الرحم وهي ثابتة في هذه الصور ظاهرا . وجه الأول أن سبب الاستبراء الإقدام على الوطء في ملك متجدد بملك اليمين ، وحكمته التعرف عن براءة الرحم ، والحكم يدار على السبب لا على الحكمة; ولو اشترى امرأته فلا استبراء لأنه لا يجب صيانة مائه عن مائه .

قال : ( ويجوز بيع الكلب والفهد والسباع معلما كان أو غير معلم ) لأنه حيوان منتفع به حراسة واصطيادا فيجوز ، ولهذا ينتقل إلى ملك الموصى له والوارث ، بخلاف الحشرات كالحية والعقرب والضب والقنفذ ونحوها ؛ لأنه لا ينتفع بها .

وعن أبي يوسف أنه لا يجوز بيع الكلب العقور لأنه ممنوع عن إمساكه مأمور بقتله; ويجوز بيع الفيل . وفي بيع القرد روايتان عن أبي حنيفة ، والأصح الجواز لأنه ينتفع بجلده . وعن أبي حنيفة جواز بيع الحي من السرطان والسلحفاة والضفدع دون الميت منه; ويجوز بيع العلق لحاجة الناس إليه .

قال : ( وأهل الذمة في البيع كالمسلمين ) لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " إذا قبلوا الجزية فأعلمهم أن لهم ما للمسلمين ، وعليهم ما على المسلمين " .

( ويجوز لهم بيع الخمر والخنزير ) لأنه من أعز الأموال عندهم ، وقد أمرنا أن نتركهم وما يدينون ، يؤيده قول عمر - رضي الله عنه - : ولوهم بيعها . قال :

[ ص: 252 ] ( ويجوز بيع الأخرس ، وسائر عقوده بالإشارة المفهومة ) ويقتص منه وله ، ولا يحد للقذف ولا يحد له ، وكذلك إذا كان يكتب ، لأن الكتابة من الغائب كالخطاب من الحاضر والنبي - عليه الصلاة والسلام - أمر بتبليغ الرسالة ، وقد بلغ البعض بالكتاب ، وإنما جاز ذلك لمكان العجز ، والعجز في الأخرس أظهر ، ولا يجوز ذلك فيمن اعتقل لسانه أو صمت يوما ، لأن الإشارة إنما تعتبر إذا صارت معهودة ومعلومة ، فمن كان كذلك فهو بمنزلة الأخرس بخلاف الحدود لأنها تندرئ بالشبهات .

قال : ( ويجوز بيع الأعمى وشراؤه ) لأن الناس تعاهدوا ذلك من لدن الصدر الأول إلى يومنا هذا ، ومن الصحابة من عمي وكان يتولى ذلك من غير نكير . والأصل فيه حديث حبان بن منقذ ، وهو ما رواه عمر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا ابتعت فقل لا خلابة ولي الخيار ثلاثة أيام " وكان أعمى ذكره الدارقطني . ولأن من جاز له التوكيل جاز له المباشرة كالبصير .

( ويثبت له خيار الرؤية ) لأنه اشترى ما لم يره على ما يأتي إن شاء الله تعالى .

( ويسقط خياره بجس المبيع أو بشمه أو بذوقه ، وفي العقار بوصفه ) وفي الثوب بذكر طوله وعرضه لأنه يحصل له بذلك العلم بالمشترى كالنظر من البصير وبل أكثر; ولو وصف له العقار ثم أبصر لا خيار له; ولو اشترى البصير ما لم يره ثم عمي فهو كالأعمى عند العقد .

التالي السابق


الخدمات العلمية