صفحة جزء
[ ص: 288 ] باب الصرف

وهو بيع جنس الأثمان بعضه ببعض ، ويستوي في ذلك مضروبهما ومصوغهما وتبرهما ، فإن باع فضة بفضة أو ذهبا بذهب لم يجز إلا مثلا بمثل يدا بيد ، ولا اعتبار بالصياغة والجودة ، فإن باعها مجازفة ثم عرف التساوي في المجلس جاز وإلا فلا ، ويجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا ومجازفة مقابضة ، ويجوز بيع درهمين ودينار بدينارين ودرهم ، وبيع أحد عشر درهما بعشرة ودينار ( ز ) ، ومن باع سيفا محلى بثمن أكثر من قدر الحلية جاز ولا بد من قبض قدر الحلية قبل الافتراق .

وإن باع إناء فضة ، أو قطعة نقرة ، فقبض بعض الثمن ثم افترقا صار شركة بينهما ، فإن استحق بعض الإناء ، فإن شاء المشتري أخذ الباقي بحصته ، وإن شاء رده ، ولو استحق بعض القطعة أخذ الباقي بحصته ولا خيار له ويجوز البيع بالفلوس ، فإن كانت كاسدة عينها ، وإن كانت نافقة لم يعينها ، فإن باع بها ثم كسدت بطل البيع ( سم ) ; ومن أعطى صيرفيا درهما وقال : أعطني به فلوسا ونصفا إلا حبة جاز .


باب الصرف

وهو في اللغة الدفع والرد ، ومنه الدعاء : اصرف عنا كيد الكائدين ، وصرف الله عنك السوء .

وفي الشريعة : بيع الأثمان بعضها ببعض ، سمي به لوجوب دفع ما في يد كل واحد من المتعاقدين إلى صاحبه في المجلس .

قال : ( وهو بيع جنس الأثمان بعضه ببعض ، ويستوي في ذلك مضروبهما ومصوغهما وتبرهما ، فإن باع فضة بفضة أو ذهبا بذهب لم يجز إلا مثلا بمثل يدا بيد ) والأصل فيه قوله - عليه الصلاة والسلام - : " الذهب بالذهب ، مثلا بمثل ، يدا بيد ، والفضل ربا ، والفضة بالفضة ، مثلا بمثل ، يدا بيد ، والفضل ربا " ولقول عمر - رضي الله عنه - : وإن استنظرك إلى وراء السارية فلا تنظره . ولأنه لا بد من قبض أحد العوضين ليخرج من بيع الكالئ بالكالئ ، وليس أحدهما أولى من الآخر فيقبضان ، ولأنه إذا قبض أحدهما يجب قبض الآخر تحقيقا للمساواة ، والمعتبر في ذلك المفارقة بالأبدان حتى لو تصارفا وسارا عن مجلسهما كثيرا ثم تقابضا جاز ما لم يفترقا ، وكذلك مجلس عقد السلم ، ولو تصارفا ووكلا بالقبض فالمعتبر تفرق العاقدين لا تفرق الوكيلين ، ولو ناما جالسين لم يكن فرقة ، ولو ناما مضطجعين كان فرقة ، ولا يجوز خيار الشرط لأنه ينفي استحقاق القبض ولا الأجل لأنه يفوت القبض الذي هو شرط الصحة ، فإن أسقطهما قبل التفرق جاز خلافا لزفر وقد مر ، ولو اشترى بثمن الصرف عرضا قبل قبضه فهو فاسد ؛ لأنه يفوت القبض المستحق [ ص: 289 ] بالعقد ، وكذا كل تصرف في بدل الصرف قبل قبضه لما بينا .

قال : ( ولا اعتبار بالصياغة والجودة ) لقوله - عليه الصلاة والسلام - في آخر الحديث : " جيدها ورديئها فيه سواء " .

( فإن باعها مجازفة ثم عرف التساوي في المجلس جاز وإلا فلا ) لما عرف أن ساعات المجلس كساعة واحدة فصار كالعلم في ابتدائه; وإن لم يعلما لا يجوز لاحتمال الربا ، لأن الشرط وهو المساواة يجب علينا تحصيله ، أما وجوده في علم الله تعالى لا يصلح أن يكون شرطا ، لأن الأحكام تنبني على أفعال العباد تحقيقا لمعنى الابتلاء ، وتعتبر في الدراهم والدنانير الغلبة كما تقدم في الزكاة ، فإن تساويا فهي كالجياد في الصرف احتياطا للحرمة .

قال : ( ويجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا ومجازفة مقابضة ) . لقوله - عليه الصلاة والسلام - :

" إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم بعد أن يكون يدا بيد " وقال - عليه الصلاة والسلام - : الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء " ولو افترقا قبل القبض بطل العقد لفوات الشرط .

قال : ( ويجوز بيع درهمين ودينار بدينارين ودرهم ، وبيع أحد عشر درهما بعشرة ودينار ) وكذا درهمين ودينارين بدينار ودرهم ، وكذا كري حنطة ، وكر شعير بكر حنطة ، وكري شعير .

والأصل في ذلك أن عندنا يصرف كل واحد من الجنسين إلى خلافه حملا لتصرفهما على الصحة ، وفيه خلاف زفر ، فإنه يصرف الجنس إلى جنسه لأنه أسهل عند المقابلة . ولنا أنهما قصدا الصلة ظاهرا فيحمل عليه تحقيقا لقصدهما ، ودفعا لحاجتهما; ولو باع الجنس بمثله ، وأحدهما أقل ومعه عرض إن بلغت قيمة العرض قدر النقصان جاز ولا كراهة فيه ، وإن لم تبلغ جاز مع الكراهة ، وإن كان مما لا قيمة له لا يجوز لأنه ربا .

[ ص: 290 ] قال : ( ومن باع سيفا محلى بثمن أكثر من قدر الحلية جاز ) ومراده إذا كان الثمن من جنس الحلية جاز لتكون الحلية بمثلها والزيادة بالنصل والحمائل والجفن ، وإن كان مثلها أو أقل لا يجوز لأنه ربا ، وإن كان بخلاف جنسها جاز كيف كان لجواز التفاضل على ما بينا .

( ولا بد من قبض قدر الحلية قبل الافتراق ) لأنه صرف ، ولو اشتراه بعشرين درهما والحلية عشرة دراهم فقبض منها عشرة فهي حصة الحلية وإن لم يعينها حملا لتصرفه على الصحة ، وكذا إذا قال خذها من ثمنهما لأن قصده الصحة ، وقد يراد بالاثنين أحدهما كقوله تعالى : ( يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ) وكذا إن اشتراه بعشرين عشرة نقدا وعشرة نسيئة ، فالنقد حصة الحلية لما تقدم ; فإن افترقا لا عن قبض بطل البيع فيهما إن كانت الحلية لا تتخلص إلا بضرر كجذع في سقف ، وإن كانت تتخلص جاز في السيف وبطل في الحلية كالطوق في عنق الجارية ، وقس على هذا جميع أمثالها .

( وإن باع إناء فضة أو قطعة نقرة فقبض بعض الثمن ثم افترقا صار شركة بينهما ) فيكون للمشتري فيه بقدر ما نقد من الثمن ، ولا خيار له ، لأن العيب جاء من قبله حيث لم ينقد جميع الثمن .

( فإن استحق بعض الإناء ، فإن شاء المشتري أخذ الباقي بحصته ، وإن شاء رده ) لأن الشركة عيب في الإناء .

( ولو استحق بعض القطعة أخذ الباقي بحصته ولا خيار له ) لأن التشقيص لا يضر القطعة فلم تكن الشركة فيه عيبا .

[ ص: 291 ] قال : ( ويجوز البيع بالفلوس ) لأنها معلومة .

( فإن كانت كاسدة عينها ) لأنها عروض .

( فإن كانت نافقة لم يعينها ) لأنها من الأثمان كالذهب والفضة ( فإن باع ثم كسدت بطل البيع ) خلافا لهما لأن البيع صح فلا يفسد لتعذر التسليم بالكساد ، كما إذا اشترى بشيء من الفواكه وانقطع فتجب قيمتها ، غير أن أبا يوسف يوجبها يوم البيع لأن الثمن مضمون به ، ومحمدا : يوم الكساد لأن عنده تنتقل إلى القيمة .

ولأبي حنيفة أن ثمنية الفلوس بالاصطلاح فيهلك بالكساد فيبقى المبيع بلا ثمن فيبطل ، فيرد المبيع أو قيمته إن كان هالكا .

قال : ( ومن أعطى صيرفيا درهما ، وقال أعطني به فلوسا ونصفا إلا حبة جاز ) ويصرف النصف إلا حبة إلى مثله من الدرهم والباقي إلى الفلوس تصحيحا لتصرفهما ، وقد تقدم جنسه ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية