صفحة جزء
[ ص: 293 ] وتجب إذا ملك العقار بعوض هو مال ، وتجب بعد البيع ، وتستقر بالإشهاد ، وتملك بالأخذ ، والمسلم والذمي والمأذون والمكاتب ومعتق البعض سواء ، وتجب للخليط في نفس المبيع ثم في حق المبيع ، ثم للجار ، وتقسم على عدد الرؤوس ، وإذا علم الشفيع بالبيع ينبغي أن يشهد في مجلس علمه على الطلب ، فإن لم يشهد بعد التمكن منه بطلت ، ثم يشهد على البائع إذا كان المبيع في يده أو على المشتري أو عند العقار ، .

ولا تسقط بالتأخير ، وإذا طلب الشفيع الشفعة عند الحاكم سأل الحاكم المدعى عليه ، فإن اعترف بملكه الذي يشفع به ، أو قامت عليه بينة ، أو نكل عن اليمين أنه ما يعلم به ثبت ملكه

وللشفيع أن يخاصم البائع إذا كان المبيع في يده ، ولا يسمع القاضي البينة إلا بحضرة المشتري ، ثم يفسخ البيع ويجعل العهدة على البائع ، وللشفيع أن يخاصم وإن لم يحضر الثمن ، فإذا قضي له لزمه إحضاره ، والوكيل بالشراء خصم في الشفعة حتى يسلم إلى الموكل ، وعلى الشفيع مثل الثمن إن كان مثليا وإلا قيمته ، وإن حط البائع عن المشتري بعض الثمن سقط عن الشفيع ، فإن حط النصف ثم النصف أخذها بالنصف الأخير ، وإن زاد المشتري في الثمن لا يلزم الشفيع ، وإن اختلفا في الثمن فالقول قول المشتري ، والبينة بينة الشفيع .


( وتجب إذا ملك العقار بعوض هو مال ) حتى لو ملكه بعوض ليس بمال كالنكاح والخلع والإجارة والصلح عن دم العمد لا تجب الشفعة ، وكذا لو ملكه لا بعوض كالهبة والوصية والصدقة والإرث ، لأن الشفيع إنما يأخذها بمثل ما أخذها به الدخيل أو بقيمته ، وهذه الأشياء لا مثل لها ولا قيمة ، أما الخالية عن الأعواض فظاهر .

وأما المقابلة بالأعواض المذكورة ، أما عدم المماثلة فظاهر ، وأما القيمة فلأن قيمتها غير معلومة حقيقة ، لأن القيمة ما تقوم مقام المقوم في المعنى ، وأنه لا يتحقق في هذه الأشياء ، وإنما تقومت في النكاح والإجارة بمهر المثل وأجرة المثل ضرورة صحة العقد فلا يتعداهما ، وتجب في الموهوب بشرط العوض ابتداء لأنه بيع انتهاء على ما يأتيك في الهبة ، وكذا تجب في الصلح عن إقرار أو سكوت ؛ لأنه مقابلة المال بالمال على ما يأتي في الصلح إن شاء الله تعالى .

قال : ( وتجب بعد البيع ) لأن بالرغبة عن الملك تجب الشفعة ، وبالبيع يعرف ذلك ، ولهذا لو أقر المالك بالبيع أخذها الشفيع وإن كذبه المشتري ، وخيار البائع يمنع الشفعة لأنها لم تخرج عن ملكه ، وخيار المشتري لا يمنعه لخروجها عن ملك البائع ، وخيار الرؤية والعيب لا يمنع . قال : ( وتستقر بالإشهاد ) لأن بالإشهاد يعلم طلبه إذ لا بد من طلب المواثبة على ما يأتي ، فيحتاج إلى إثباته عند القاضي وذلك بالإشهاد ، فإذا شهد به الشهود استقرت .

قال : ( وتملك بالأخذ ) إذا أخذها من المشتري أو حكم له بها حاكم ، لأن بالعقد تم الملك للمشتري فلا ينتقل عنه إلا برضاه أو بقضاء كالرجوع في الهبة ، حتى لو باع الشفيع ما يشفع به قبل ذلك الطلب بعد الطلب بطلت شفعته ، وكذا لو مات في هذه الحالة بطلت ولا تورث .

[ ص: 294 ] قال : ( والمسلم والذمي والمأذون والمكاتب ومعتق البعض سواء ) لعموم النصوص ، ولأن السبب موجود وهو الاتصال ، والمعنى يشملهم وهو دفع الضرر .

قال : ( وتجب للخليط في نفس المبيع ، ثم في حق المبيع ، ثم للجار ) أما الخليط فلقوله - عليه الصلاة والسلام - : " الشفعة لشريك لم يقاسم " وأما في حق المبيع فلقوله - عليه الصلاة والسلام - : " جار الدار أحق بشفعة الدار والأرض ، وينتظر إن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا " وأما الجار فلما تقدم ، ولقوله - عليه الصلاة والسلام - : " الجار أحق بسقبه " أي بسبب قربه . وروي أنه قيل : يا رسول الله ، ما سقبه ؟ قال : " شفعته " ولأنها تثبت لدفع ضرر الجار من حيث إيقاد النار ، وإثارة الغبار ، وإعلاء الجدار; وتجب على ما ذكرنا من الترتيب لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " الشريك أحق من الخليط ، والخليط أحق من غيره " وفي رواية : " والخليط أحق من الجار " فالشريك في الرقبة ، والخليط في الحقوق ، ولأن الشريك أخص بالضرر ، ثم الخليط ، ثم الجار ، لأن الشريك شاركهما في المعنى وزاد ، وكذلك الخليط شارك الجار وزاد عليه فيترجح لقوة السبب ، فإن سلم الشريك في الرقبة يصير كأن لم يكن فيأخذها الشريك في الحقوق ، فإن سلم أخذها الجار; والمراد الجار الملاصق وإن كان بابه إلى سكة أخرى ؛ لأنه هو الذي يستضر بما ذكرنا من المعاني .

وعن أبي يوسف لا حق لهما مع الشريك في الرقبة وإن سلم ؛ لأنه حجبهما فلا حق لهما معه كالحجب في الميراث ، ووجه الظاهر ما ذكرنا ، ولأنهم استووا في السبب لكنه تقدم لما ذكرنا ، [ ص: 295 ] فإذا سلم عمل السبب في حقهما لزوال المانع كالدين بالرهن وبغير رهن إذا أسقط المرتهن حقه ، وحق المبيع الطريق الخاص وهو ما لا يكون نافذا ، والنهر الخاص وهو ما لا تجري فيه السفن .

قال : ( وتقسم على عدد الرؤوس ) وصورته دار بين ثلاثة لأحدهما النصف وللآخر الثلث وللآخر السدس ، باع أحدهم نصيبه فالشفعة للباقين على السواء لاستوائهما في السبب وهو الاتصال ألا ترى أنه لو انفرد أحدهم أخذ الجميع ، فدل على استوائهم في السبب ، وكذا المعنى يشملهم وهو لحوق الأذى فيستوون في الاستحقاق ، وكذا لو كان لهما جاران أحدهما ملاصق من ثلاث جوانب والآخر من جانب واحد ، فهما سواء لاستوائهما في لحوق الضرر والسبب .

قال : ( وإذا علم الشفيع بالبيع ينبغي أن يشهد في مجلس علمه على الطلب ) وهذا طلب المواثبة وهو على الفور . قال - عليه الصلاة والسلام - : " الشفعة لمن واثبها " وقال - عليه الصلاة والسلام - : " إنما الشفعة كنشطة عقال ، إن قيدتها ثبتت وإلا ذهبت " وروي عن محمد أنه على المجلس لأنه تمليك فيحتاج إلى التروي والنظر فلا يبطل خياره ما لم يوجد منه ما يدل على الإعراض كخيار القبول والمخيرة .

( فإن لم يشهد بعد التمكن منه بطلت ) لأنه دليل الإعراض ، ولا تبطل إذا حمد الله أو سبحه أو سلم أو شمت لأنه لا يدل على الإعراض; وكذا إذا سأل عن المشتري وكمية المن وماهيته لأنه دليل الطلب ، ولو كان في الأربعة بعد الجمعة أو قبل الظهر فأتمها لم تبطل ، ولو زاد على ركعتين في غيرها من السنن بطلت ، ثم هذا الطلب إنما يجب عليه إذا أخبره به رجل عدل ، أو رجلان مستوران ، أو رجل وامرأتان . وعندهما يكفي خبر الواحد رجلا كان أو امرأة أو صبيا ، حرا أو عبدا إذا كان الخبر حقا ، وتمامه يأتيك في الوكالة إن شاء الله تعالى ، والمعتبر الطلب دون الإشهاد ، وإنما الإشهاد للإثبات حتى لو صدقه المشتري على الطلب لا يحتاج إلى الشهود .

قال : ( ثم يشهد على البائع إذا كان المبيع في يده أو على المشتري أو عند العقار ) وهذا طلب [ ص: 296 ] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . التقرير ؛ لأنه قد لا يمكنه الإشهاد على طلب المواثبة لأنه على الفور فيحتاج إلى هذا الطلب الثاني للإثبات عند القاضي ، فإن كان المبيع في يد البائع لم يسلمه ، فإن شاء أشهد عليه ، وإن شاء على المشتري ، لأن كل واحد منهما خصم البائع باليد والمشتري بالملك ، وإن شاء عند المبيع لتعلق الحق به وهو أن يقول : إن فلانا باع هذه الدار ويذكر حدودها الأربعة ، وأنا شفيعها طلبت شفعتها وأطلبها الآن فاشهدوا علي بذلك ، وإن كان البائع قد سلمها لا يجوز الإشهاد عليه لأنه لم يبق خصما ، فإذا فعل ذلك لا يثبت .

( ولا تسقط بالتأخير ) وعن أبي يوسف إن تركه مجلسا أو مجلسين من مجالس الحكم بطل .

وعنه ثلاثة أيام لأنه دليل الإعراض . وقدره محمد بشهر لأن المشتري يتضرر بالتأخير لنقض تصرفاته ، فقدره بالشهر لأنه أقل الآجل وأكثر العاجل ، ومرادهما إذا ترك لغير عذر .

ولأبي حنيفة أنه حق ثبت فلا يسقط بالتأخير كسائر الحقوق ، وضرر المشتري يمكن دفعه بالمرافعة إلى القاضي حتى يوقت له وقتا يوفيه فيه الثمن وإلا يبطل حقه . قال في الهداية والفتوى على قول أبي حنيفة . وقال في المحيط : والفتوى على قولهما دفعا للضرر عن المشتري لأنه قد يختفي الشفيع فلا يقدر على إحضاره إلى القاضي فيدفع الضرر بقولهما .

قال : ( وإذا طلب الشفيع الشفعة عند الحاكم سأل الحاكم المدعى عليه ، فإن اعترف بملكه الذي يشفع به ، أو قامت عليه بينة ، أو نكل عن اليمين أنه ما يعلم به ثبت ملكه ) وينبغي أن يسأل المدعي أولا عن موضع الدار وحدودها نفيا للاشتباه ، ثم يسأله عن سبب الاستحقاق لاختلاف الأسباب ، فإذا بين ذلك وقال أنا شفيعها بدار لي تلاصقها صحت دعواه ، وشرط بعضهم تحديد داره أيضا ، ثم بعد ذلك يسأل القاضي المدعى عليه ، فإن اعترف بملكه الذي يشفع به فلا حاجة إلى البينة ، وإن لم يعترف طلب من المدعي البينة; لأن اليد لا تكفي للاستحقاق ، فإن أقامها يثبت وإلا استحلف المدعى عليه بالله لا يعلم أنه مالك للدار التي ذكرها يشفع بها ؛ لأنه لو أقر بذلك لزمه ، فإذا أنكر عليه يحلف ويحلف على العلم لأنه فعل الغير ، فإذا نكل ثبت الملك ، ثم يسأله القاضي عن الشراء ، فإن اعترف به أو قامت البينة عليه ثبت وإلا استحلف المشتري بالله ما ابتاع أو ما يستحق عليه شفعة من الوجه الذي ذكر ، ويستحلف على البتات لأنه فعله ، فإذا نكل قضى له بالشفعة ، وإن لم يحضر الثمن ذكره في الأصل لأن الثمن إنما يجب بانتقال الملك إليه ، ولا [ ص: 297 ] ينتقل إلا بالقضاء فلا يجب الإحضار قبله كما لا يجب على المشتري قبل البيع .

وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا يقضي ما لم يحضر الثمن ؛ لأنه قد يكون مفلسا فيتضرر المشتري ، وهو مروي عن محمد ، وإذا قضى له وأخذها من المشتري يثبت له فيها أحكام البيع من خيار رؤية وعيب وغيرهما لأنه بمنزلة الشراء لأنه مقابلة مال بمال ، ولا يثبت له خيار الشرط ولا الأجل لعدم الشرط .

قال : ( وللشفيع أن يخاصم البائع إذا كان المبيع في يده ) لأنه خصم على ما بينا .

( ولا يسمع القاضي البينة إلا بحضرة المشتري ، ثم يفسخ البيع ويجعل العهدة على البائع ) لأن اليد للبائع والملك للمشتري والقاضي يقضي بها للشفيع فيشترط حضورهما ، بخلاف ما بعد القبض لأن البائع كالأجنبي ، فإذا أخذها من البائع تتحول الصفقة ويصير كأن الشفيع اشتراها من البائع ، فلهذا تكون العهدة عليه ، ولو أخذها من المشتري بعد القبض فالعهدة عليه لأنه تم ملكه بالقبض .

قال : ( وللشفيع أن يخاصم وإن لم يحضر الثمن ، فإذا قضي له لزمه إحضاره ) وقد تقدم الكلام فيه .

قال : ( والوكيل بالشراء خصم في الشفعة حتى يسلم إلى الموكل ) لأن حقوق العقد ترجع إلى الوكيل على ما يأتي بيانه في الوكالة إن شاء الله تعالى ، والشفعة من حقوق العقد ، فإذا أسلمها إلى الموكل لم يبق له يد ولا ملك فيصير الموكل خصما .

قال : ( وعلى الشفيع مثل الثمن إن كان مثليا وإلا قيمته ) لأن القاضي حكم له بالملك بالعقد الأول ، فيجب عليه ما وجب بالعقد الأول .

وإن اشترى الذمي دارا بخمر أو خنزير والشفيع ذمي أخذها بمثل الخمر لأنه مثلي ، وقيمة الخنزير لأنه ليس بمثلي ، وإن كان مسلما أخذها بقيمة كل واحد منهما ، أما الخنزير فلما مر ، وأما الخمر فلأنه ممنوع من تمليكها وتملكها فاستحال المثل في حقه فيصار إلى القيمة .

قال : ( وإن حط البائع عن المشتري بعض الثمن سقط عن الشفيع ) لما تقدم أن الحط يلتحق بأصل العقد .

[ ص: 298 ] ( فإن حط النصف ثم النصف أخذها بالنصف الأخير ) لأنه لما حط النصف الأول التحق بأصل العقد فوجب عليه نصف الثمن ، فلما حط النصف الآخر كان حطا للجميع فلا يسقط ، ألا ترى أنه لو حط الجميع ابتداء لا يسقط عن الشفيع ؛ لأنه لا يلتحق بأصل العقد بل يكون هبة فلا يسقط عن الشفيع .

( وإن زاد المشتري في الثمن لا يلزم الشفيع ) لاحتمال أنهما تواضعا على ذلك إضرارا بالشفيع ، بخلاف الحط لأنه نفع له .

قال : ( وإن اختلفا في الثمن فالقول قول المشتري ، والبينة بينة الشفيع ) لأن الشفيع يدعي استحقاق الدار عند أداء الأقل ، والبينة بينة المدعي ، والمشتري ينكر ذلك ، والقول قوله مع يمينه .

التالي السابق


الخدمات العلمية