صفحة جزء
والماء الراكد إذا وقعت فيه نجاسة لا يجوز به الوضوء إلا أن يكون عشرة ( ف ) أذرع في عشرة . والماء الجاري إذا وقعت فيه نجاسة ولم ير لها أثر جاز الوضوء منه ، والأثر طعم أو لون أو ريح .

وما كان مائي المولد من الحيوان موته في الماء لا يفسده ( ف ) وكذا ما ليس له نفس سائلة كالذباب والبعوض والبق ، وما عداهما يفسد الماء القليل . والماء المستعمل لا يطهر الأحداث ، وهو ما أزيل ( م ) به حدث ، أو استعمل في البدن على وجه القربة ويصير مستعملا إذا انفصل عن العضو .


( و ) أما ( الماء الراكد إذا وقعت فيه نجاسة لا يجوز الوضوء به ) لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه أو يشرب " .

قال : ( إلا أن يكون عشرة أذرع في عشرة أذرع ) ، والأصل أن الماء القليل ينجس بوقوع النجاسة فيه والكثير لا ، لقوله - عليه الصلاة والسلام - في البحر : ( هو الطهور ماؤه " واعتبرناه فوجدناه ما لا يخلص بعضه إلى بعض . فنقول : كل ما لا يخلص بعضه إلى بعض لا ينجس بوقوع النجاسة فيه ، وهذا معنى قولهم لا يتحرك أحد طرفيه بتحرك الطرف الآخر ، وامتحن المشايخ [ ص: 21 ] الخلوص بالمساحة فوجدوه عشرا في عشر فقدروه بذلك تيسيرا . وقال أبو مطيع البلخي : إذا كان خمسة عشر في خمسة عشر لا يخلص ، أما عشرين في عشرين لا أرى في نفسي شيئا ، وإن كان له طول ولا عرض له ، فالأصح أنه إن كان بحال لو ضم طوله إلى عرضه يصير عشرا في عشر فهو كثير ، والمختار في العمق ما لا ينحسر أسفله بالغرف ، ثم إن كانت النجاسة مرئية لا يتوضأ من موضع الوقوع للتيقن بالنجاسة برؤية عينها وإن كانت غير مرئية ، فلو توضأ منه جاز لعدم التيقن بالنجاسة لاحتمال انتقالها ، ومنهم من قال : لا يجوز أيضا ؛ لأن الظاهر بقاؤها في الحال .

قال : ( والماء الجاري إذا وقعت فيه نجاسة ولم ير لها أثر جاز الوضوء منه ) من أي موضع شاء .

( والأثر طعم أو لون أو ريح ) لأنها لا تبقى مع الجريان ، والجاري : ما يعده الناس جاريا هو الأصح ، ولو وقعت جيفة في نهر كبير لا يتوضأ من أسفل الجانب الذي فيه الجيفة ويتوضأ من أسفل الجانب الآخر ، وإن كان النهر صغيرا إن كان يجري أكثر الماء عليها لا يجوز ، وإن كان أقله يجوز ، وإن كان نصفه يجوز ، والأحوط الترك . وعن محمد في ماء المطر إذا مر بالنجاسة ولا يوجد أثرها يتوضأ منه ; لأنه كالجاري .

قال : ( وما كان مائي المولد من الحيوان موته في الماء لا يفسده ) كالسمك والضفدع والسرطان لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " ، فاستفدنا به عدم تنجسه بالموت وإذا لم يكن نجسا لا ينجس ما يجاوره ، ولأنه لا دم في هذه الأشياء وهو المنجس ، إذ الدموي لا يتوالد في الماء ، وكذا لو مات خارج الماء ثم وقع فيه لما بينا ، ولو مات في غير الماء كالخل واللبن روي عن محمد أنه لا يفسده ، وسواء فيه المنتفخ وغيره ، وعنه أنه سوى بين الضفدع البري والمائي ، وقيل إن كان للبري دم سائل أفسده ، وهو الصحيح .

قال : ( وكذا ما ليس له نفس سائلة كالذباب والبعوض والبق ) إذا مات في المائع لا يفسده ، [ ص: 22 ] لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " إذا وقع الذباب في طعام أحدكم فامقلوه ثم انقلوه " الحديث ، وأنه يموت بالمقل في الطعام سيما الحار منه ، ولو كان موته ينجس الطعام لما أمر به . قال ( وما عداهما يفسد الماء القليل ) لأنه دموي ينجس بالموت فينجس ما يجاوره كالآدمي الميت إذا وقع في الماء ينجسه ; لأنه تنجس بالموت . وإن وقع بعد الغسل فكذلك إن كان كافرا ، وإن كان مسلما لا ينجسه ، لأنه لما حكم بجواز الصلاة على المسلم حكم بطهارته ولا كذلك الكافر فافترقا .

قال : ( والماء المستعمل لا يطهر الأحداث ، وهو ما أزيل به حدث ، أو استعمل في البدن على وجه القربة ) كالوضوء على الوضوء بنية العبادة .

( ويصير مستعملا إذا انفصل عن العضو ) . وروى النسفي أنه لا يصير مستعملا حتى يستقر في مكان ، والأول المختار . وقال محمد : لا يصير مستعملا إلا بإقامة القربة لا غير ، وإنما يقع قربة بالنية ، وتظهر ثمرته في الجنب المنغمس في البئر لطلب الدلو فعندهما طاهران ; لأن النية عنده شرط في صيرورة الماء مستعملا ، وليست بشرط في إزالة الجنابة ، وعند أبي يوسف الرجل بحاله لعدم الصب ، والماء بحاله لعدم إزالة الحدث ، وعند أبي حنيفة هما نجسان : الماء لإزالته الجنابة عن البعض ، والرجل لبقاء الحدث في باقي الأعضاء . وقيل يطهر من الجنابة ثم يتنجس بنجاسة الماء المستعمل حتى يجوز له قراءة القرآن ونحوه ، وقيل هو طاهر لأن الماء لا يصير مستعملا إلا بعد الانفصال ، وعلى هذا لو توضأ محدث للتبرد يصير الماء مستعملا خلافا لمحمد ، ثم الماء المستعمل طاهر غير طهور عند محمد ، وهو روايته عن أبي حنيفة ، وهو اختيار أكثر المشايخ ; لأن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يتبادرون إلى وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيمسحون به وجوههم ولم يمنعهم ، ولو كان نجسا لمنعهم كما منع الحجام من شرب دمه . وروىالحسن عن أبي حنيفة أنه نجس نجاسة مغلظة لأنه أزال النجاسة الحكمية فصار كما إذا أزال الحقيقية ، بل أولى لأن النجاسة الحكمية أغلظ حتى لا يعفى عن القليل منها ، وعند أبي يوسف وهي روايته عن أبي حنيفة إن نجاسته خفيفة لمكان الاختلاف .

[ ص: 23 ] وقال زفر : إن كان المستعمل محدثا فهو كما قال محمد ، وإن كان طاهرا فهو طهور ; لأنه لم يزل النجاسة فلم يتغير وصفه .

التالي السابق


الخدمات العلمية