صفحة جزء
[ ص: 298 ] فصل

وتبطل الشفعة بموت الشفيع وتسليمه الكل أو البعض ، وبصلحه عن الشفعة بعوض ، وببيع المشفوع به قبل القضاء بالشفعة ، وبضمان الدرك عن البائع ، وبمساومته المشتري بيعا وإجارة ، ولا تبطل بموت المشتري; ولا شفعة لوكيل البائع ، ولوكيل المشتري الشفعة ، وإذا قيل للشفيع : إن المشتري فلان فسلم ثم تبين أنه غيره فله الشفعة ، وإذا قيل له إنها بيعت بألف فسلم ثم تبين أنها بيعت بأقل أو بمكيل أو موزون فهو على شفعته ، ولا تكره ( م ) الحيلة في إسقاط الشفعة قبل وجوبها ، ومن باع سهما ثم باع الباقي فالشفعة في السهم الأول لا غير ، وإن اشتراها بثمن مؤجل فالشفيع إن شاء أداه حالا ، وإن شاء بعد الأجل ثم يأخذ الدار ، وإذا قضي للشفيع وقد بنى المشتري فيها ، فإن شاء أخذها بقيمة البناء وإن شاء كلف المشتري قلعه; ولو بنى الشفيع ثم استحقت رجع بالثمن لا غير ، وإذا خربت الدار أو جف الشجر فالشفيع إن شاء أخذ الساحة بجميع الثمن ، وإن شاء ترك; وإن نقض المشتري البناء فالشفيع إن شاء أخذ العرصة بحصتها ، وإن شاء ترك ، وإن اشترى نخلا عليه ثمر فهو للشفيع ، فإذا جذه المشتري نقص حصته من الثمن .


فصل

( وتبطل الشفعة بموت الشفيع وتسليمه الكل أو البعض ، وبصلحه عن الشفعة بعوض . وببيع المشفوع به قبل القضاء بالشفعة ، وبضمان الدرك عن البائع ، وبمساومته المشتري بيعا وإجارة ) أما بطلانها بالموت فلأن ملكه زال بالموت وانتقل إلى الوارث ، وبعد ثبوته للوارث لم يوجد البيع فلا يثبت له حق الشفعة ، والمراد إذا مات بعد البيع قبل القضاء بالشفعة ، أما إذا مات بعد القضاء لزم وانتقلت إلى ورثته ولزمهم الثمن; وأما تسليمه الكل فلأنه صريح في الإسقاط; وأما البعض فلأن حق الشفعة لا يتجزأ ثبوتا لأنه يملكه كما ملكه المشتري ، والمشتري لا يملك البعض لأنه تفريق الصفقة فلا يتجزأ إسقاطا فيكون ذكر بعضه كذكر كله ، وأما الصلح عنها لأنه الشفعة حق الملك وليس حقا متقررا ، فلا يصح الاعتياض عنه كالعنين إذا قال لامرأته : اختاري ترك الفسخ بألف ، أو [ ص: 299 ] قال للمخيرة : اختاريني بألف فاختارت سقط الفسخ ولا شيء لهما ، ويجب عليه رد العوض لأنه لم يقابله حق متقرر فلا يكون تجارة عن تراض فلا يحل; وأما بيع المشفوع به قبل القضاء بالشفعة لزوال سبب الاستحقاق قبل القضاء وهو نظير الموت; وأما ضمان الدرك عن البائع فلأنه قد ضمن للمشتري بقاءها على ملكه وسلامتها له ، وذلك يتضمن تسليم الشفعة; وأما مساومة المشتري بيعا وإجارة فلأنه دليل الرضا بثبوت الملك للمشتري وتصرفه فيه بيعا وإجارة ، وذلك لا يكون إلا بعد إسقاط الشفعة ، وكذلك إذا طلبها منه تولية أو أخذها مزارعة أو معاملة ، وكل ذلك إذا كان بعد العلم بالشراء .

قال : ( ولا تبطل بموت المشتري ) لأن المستحق وهو الشفيع قائم ، وحقه مقدم على حق المشتري حتى لا تنفذ وصيته فيه ، ولا يباع في دينه فيكون مقدما على حق الوارث .

قال : ( ولا شفعة لوكيل البائع ) لأنه سعى في نقض فعله وهو كالبيع ، وكذا إذا كان له الخيار فأمضاه ( ولوكيل المشتري الشفعة ) لأنه لا ينقض فعله لأنه مثل الشراء ؛ لأنه سعى في زوال ملك البائع .

قال : ( وإذا قيل للشفيع إن المشتري فلان فسلم ثم تبين أنه غيره فله الشفعة ) لتفاوت الناس في الجوار . فقد يرضى بفلان لخيره ، ولم يرض بغيره فلم يوجد التسليم في حقه; وكذا لو ظهر أن المشتري اشتراها لغيره; ولو قيل إن المشتري زيد ، فسلم فإذا هو زيد وعمرو فله أخذ نصيب عمرو .

( وإذا قيل له إنها بيعت بألف فسلم ثم تبين أنها بيعت بأقل أو بمكيل أو موزون فهو على شفعته ) أما الأول فلأن الرضا بالأكثر لا يكون رضا بالأقل; وأما الثاني فلاحتمال تعذر الدراهم عليه وتيسر ما بيع به من المكيل والموزون; وكذلك العددي المتقارب ، وسواء كانت قيمته ألفا أو أقل أو أكثر ، لأن الواجب المثل ، بخلاف ما إذا بيع بعبد أو أمة قيمتها ألف أو أكثر ، لأن الواجب ألف حتى لو كانت قيمته أقل من ألف لم تبطل شفعته لأن الواجب القيمة .

ولو قيل إنها بيعت بجارية فظهر أنها بيعت بعبد أو عرض آخر ، ننظر إن كانت قيمة العبد أو [ ص: 300 ] العرض مثل قيمة الجارية أو أكثر بطلت ، وإن كانت أقل لم تبطل لأن الواجب القيمة .

ولو قيل بيعت بألف درهم فظهر أنها بيعت بمائة دينار ، قال الكرخي : إن كانت قيمتها ألفا أو أكثر بطلت; وإن كانت أقل لم تبطل ، وهو قول أبي يوسف لأنهما جعلا كجنس واحد في الثمنية . وأشار محمد في الأصل إلى بقاء الشفعة ، وهو قول أبي حنيفة وزفر لأنهما جنسان مختلفان حتى يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا ، ولأنه ربما يسهل عليه أحدهما دون الآخر; ولو قيل بيعت بألف ثم حط البائع عن المشتري فله الشفعة ، لأن الحط يلتحق بأصل العقد فصار كأنه باعها بأقل .

قال : ( ولا تكره الحيلة في إسقاط الشفعة قبل وجوبها ) عند أبي يوسف ؛ لأنه منع من وجوب الحق ، ويكره عند محمد لأنها شرعت لدفع الضرر والحيلة تنافيه . والحيلة في إسقاط الزكاة على هذا .

قال : ( ومن باع سهما ثم باع الباقي فالشفعة في السهم الأول لا غير ) لأن الشفيع جار والمشتري شريك في المبيع ثانيا ، فيقدم عليه وهذه حيلة ، وهو أن يبيع الأول بثمن كثير والباقي بثمن قليل; وإن اشتراها بثمن ودفع عنه ثوبا أخذها بالثمن الأول لأنه يستحق المبيع بما وقع العقد عليه كما مر ، وهذه أيضا حيلة ، وهو أن يعقد العقد بألف مثلا ، فيدفع عنها ثوبا يساوي مائة .

قال : ( وإن اشتراها بثمن مؤجل فالشفيع إن شاء أداه حالا ، وإن شاء بعد الأجل ثم يأخذ الدار ) لأن الرضا بالتأجيل على المشتري لا يكون رضا بالتأجيل على الشفيع لتفاوت الناس في الملاءة والإعسار ، والوفاء والمطل ، ولأنه ليس من حقوق العقد ، ولم يشترطه الشفيع فلا يثبت له ، فإن أداه حالا وأخذها من البائع سقط الثمن عن المشتري لوصوله إلى البائع ، وإن أخذها من المشتري فالثمن على حاله مؤجل للبائع على المشتري عملا بالشرط ، وصار كما إذا اشتراه مؤجلا وباعه حالا ، وإن أداه بعد الأجل فله ذلك ، لأن له أن لا يلتزم زيادة الضرر ، لكن لا بد من طلبه على الوجه الذي بيناه ، فإذا ثبت أخر أداء الثمن .

قال : ( وإذا قضي للشفيع ، وقد بنى المشتري فيها ، فإن شاء أخذها بقيمة البناء ، وإن شاء كلف المشتري قلعه ) وهذا قول أبي حنيفة وزفر ومحمد ، وهو رواية عن أبي يوسف ، وروى عنه [ ص: 301 ] ابن زياد أنه يأخذها بالثمن وقيمة البناء أو يترك ; والغرس مثل البناء لأنه بنى في ملك نفسه ، لأن تصرفه فيه صحيح حتى لو أجره طاب له الأجر ، والقلع من أحكام العدوان فلا يكلفه كالزرع وكالموهوب له . ولنا أنه تعدى من حيث إنه بنى في ملك تعلق به حق الغير من غير تسليط من ذلك الغير فينقص صيانة لحقه ، وضرر القلع لحق المشتري بفعله فلا يعتبر ، ولأن الشفيع استحقه بسبب سابق ، وهو مقدم على المشتري فينقضه كما في الاستحقاق ، ولهذا تنتقص جميع تصرفاته ، بخلاف الموهوب له لأن صاحب الحق سلطه . وأما الزرع فالقياس أن يقلعه ، لكن استحسنوا أن يبقى في الأرض بالأجرة لأن له نهاية فلا ضرر فيه كالبناء . وذكر في المحيط أن الزرع يترك بغير أجر ، وإن أخذه بالقيمة فقيمته مقلوعا ويعرف تمامه في الغصب .

قال : ( ولو بنى الشفيع ثم استحقت رجع بالثمن لا غير ) ولا يرجع بقيمته على المشتري ولا على البائع ، لأن الرجوع إنما ثبت في المسألة الأولى ولأن البائع خدع المشتري وضمن له التمكن من التصرف كيف شاء ، ولم يضمن للشفيع ذلك أحد ؛ لأنه أخذه بغير اختيار البائع ولا المشتري فلم يكن مغرورا ولا يرجع ، ولأنه لما استحق ثبت أنه أخذه بغير حق ، أما الثمن فإنه عوض عن المبيع فإذا لم يسلم المبيع يرجع بالثمن .

قال : ( وإذا خربت الدار أو جف الشجر ، فالشفيع إن شاء أخذ الساحة بجميع الثمن ، وإن شاء ترك ) وكذلك لو احترقت أو غرقت ، لأن البناء تبع ووصف للساحة حتى يدخل في البيع بغير ذكر فلا يقابله شيء من الثمن ما لم يكن مقصودا كأطراف العبد ، ولو باعهما مرابحة باعها بجميع الثمن .

قال : ( وإن نقض المشتري البناء فالشفيع إن شاء أخذ العرصة بحصتها ، وإن شاء ترك ) لأنه صار مقصودا بالإتلاف فيقابله شيء من الثمن كأطراف العبد ، وكذا إذا فعله أجنبي ، وكذا إذا نزع باب الدار وباعه ، وليس له أخذ النقص لأنه صار مفصولا فلم يبق تبعا ، أو صار نقليا فلا شفعة فيه .

قال : ( وإن اشترى نخلا عليه ثمر فهو للشفيع ) معناه إذا شرطه في البيع لأنه لا يدخل بدون الشرط على ما مر في البيوع ، فإذا شرطه دخل في البيع واستحق بالشفعة لأنه باعتبار الاتصال صار [ ص: 302 ] كالنخل ، وهذا استحسان ، والقياس أن لا شفعة فيه لعدم التبعية حتى لا يدخل في البيع بدون الشرط . وإذا دخل في الشفعة .

( فإذا جذه المشتري نقص حصته من الثمن ) لأنه صار مقصودا بالذكر فقابله شيء من الثمن ، وليس له أن يأخذ الثمرة لأنها نفلية ، ولو لم يكن على النخل ثمر وقت البيع فأثمر فللشفيع أخذه بالثمرة ، لأن البيع سرى إليه فكان تبعا ، فإذا جذها المشتري ، فللشفيع أن يأخذ النخل بجميع الثمن ، لأن الثمرة لم تكن موجودة وقت العقد فلم تكن مقصودة ، فلا يقابلها شيء من الثمن .

التالي السابق


الخدمات العلمية