صفحة جزء
[ ص: 326 ] فصل

فإذا باع الراهن الرهن فهو موقوف على إجازة المرتهن أو قضاء دينه ، وإن أعتق العبد الرهن نفذ عتقه ، فيطالب بأداء الدين إن كان حالا ، وإن كان مؤجلا رهن قيمة العبد ، وإن كان معسرا سعى العبد في الأقل من قيمته والدين ، ويرجع على المولى إذا أيسر ، وإن استهلكه أجنبي فالمرتهن يضمنه قيمته يوم هلك ، وليس له أن ينتفع ( ف ) بالرهن ، فإن أعاره المرتهن فقبضه الراهن خرج من ضمانه ، فلو هلك في يد الراهن هلك بغير شيء ، وإن وضعاه على يد عدل جاز ، وإن شرطا ذلك في العقد فليس لأحدهما أخذه ، ويهلك من ضمان المرتهن ، ويجوز أن يوكل المرتهن وغيره على بيع الرهن ، فإن شرطها في عقد الرهن لم ينعزل بموت الراهن ولا بعزله; وإذا مات الراهن باع وصيه الرهن وقضى الدين ، فإن لم يكن له وصي نصب القاضي من يفعل ذلك; ومن استعار شيئا ليرهنه جاز ، وإن لم يسم ما يرهنه به ، فإن عين ما يرهنه به فليس له أن يزيد عليه ولا ينقص .


فصل

( فإذا باع الراهن الرهن فهو موقوف على إجازة المرتهن أو قضاء دينه ) لتعلق حقه بحبسه [ ص: 327 ] على ما بينا فيتوقف إبطاله على رضاه أو زوال حقه ، فإذا أجاز فقد رضي بزوال حقه في الحبس ، وإذا قضى دينه فقد زال حقه في الحبس فعمل المقتضى عمله ، وهو صدور الركن من الأهل مضافا إلى المحل ، ثم إذا أجاز البيع ونفذ انتقل حقه إلى بدنه ، لأن له الحكم المبدل كالعبد المديون إذا بيع برضا الغرماء انتقل حقهم إلى بدله ، والفقه فيه أنه إنما رضي بالانتقال دون السقوط ، وإن لم يجز البيع قيل ينفسخ كعقد الفضولي حتى لو استفكه الراهن لا سبيل للمشتري عليه ، وقيل لا ينفسخ ، قالوا : وهو الأصح لأن التوقف إنما كان صيانة لحق المرتهن عن البطلان ، وحقه في الحبس ، وذلك لا يمنع الانعقاد فيبقى موقوفا إن شاء المشتري صبر حتى يستفكه الراهن ، وإن شاء فسخ القاضي لعجزه عن التسليم ، وصار كإباق العبد بعد البيع قبل القبض ، فإن المشتري يتخير كما ذكرنا .

قال : ( وإن أعتق العبد الرهن نفذ عتقه ) لصدور ركن الإعتاق من الأهل مضافا إلى المحل ، ولا خفاء فيهما عن ولاية ، وهي ملك الرقبة ، فيعتق كما إذا أعتق المشتري قبل القبض ، والآبق والمغصوب . وإذا زال ملكه عن الرقبة بالإعتاق زال ملك المرتهن في اليد بناء عليه كالعبد المشترك ، وثم يزول ملك الرقبة فلأن يزول هنا ملك اليد أولى ، بخلاف البيع والهبة ، فإنه إنما يوقف لعدم القدرة على التسليم ، ولأن في نفاذ العتق تحصيل منفعة العبد والمولى ، وهو ظاهر من غير فوات مصلحة المرتهن لأنه يجب له إما سعاية العبد ، أو رهنية قيمته ، أو أداء الدين حالا ، ولو لم ينفذ العتق بطلت مصلحة المعتق والمعتق لا إلى جابر ، فكان نفاذه أتم مصلحة وأعم فائدة فكان أولى ، وإذا نفذ العتق بطل الرهن لفوات محله ( فيطالب بأداء الدين إن كان حالا ) إذ هو الواجب في الديون الحالة ، ولا فائدة في طلب القيمة فإنه متى قبضها والدين حال وقعت المقاصة .

( وإن كان مؤجلا رهن قيمة العبد ) لقيامها مقام العبد ، فإذا حل الدين وهو من جنس حقه اقتص منه بقدره ورد الفضل .

( وإن كان معسرا سعى العبد في الأقل من قيمته والدين ) لأنه تعذر أخذ الحق من جهة المعتق ، فيؤخذ ممن حصلت له فائدة العتق وهو العبد ، لأن الخراج بالضمان ، ويسعى في الأقل منهما ، لأن الدين إن كان أقل فالحاجة تندفع به ، وإن كانت القيمة أقل فهو إنما حصل له هذا القدر فلا تجب عليه الزيادة .

[ ص: 328 ] ( ويرجع على المولى إذا أيسر ) لأنه اضطر إلى قضاء دينه بحكم الشرع فيرجع عليه ، خلاف المستسعى ؛ لأنه يسعى لتحصيل العتق عند أبي حنيفة ، ولتكميله عندهما ، وهاهنا تم عتقه ، وإنما يسعى في ضمان على غيره فيرجع كمعير الرهن; ولو دبر الراهن الرهن أو كانت أمة فاستولدها صح; أما التدبير فلما مر ، وأما الاستيلاد فلأن حقه أقوى من حق الأب في جارية الابن ، وقد صح ثم فهنا أولى ، وحق المرتهن مجبور بالسعاية أو التضمين ، فإن كان المولى موسرا فحكمه ما مر في العتق ، وإن كان معسرا سعيا في جميع الدين ، لأن كسبهما للمولى ولهذا لا يرجعان عليه ، وإذا استهلك الراهن الرهن فهو كالعتق .

قال : ( وإن استهلكه أجنبي فالمرتهن يضمنه قيمته يوم هلك ) فيكون رهنا مكانه لأن حقه ثابت في حبس العين ، فكذا في بدله ، فإن كانت قيمته يوم القبض ألفا وضمنه خمسمائة سقط من الدين خمسمائة كأنها هلكت بآفة سماوية .

قال : ( وليس له أن ينتفع بالرهن ) لما فيه من تفويت حق المرتهن وهو الحبس الدائم الذي يقتضيه العقد كما بينا .

قال : ( فإن أعاره المرتهن فقبضه الراهن خرج من ضمانه ، فلو هلك في يد الراهن هلك بغير شيء ) لزوال الحبس المضمون ووصوله إلى يد الراهن ، وله أن يسترجعه لبقاء عقد الراهن; ولهذا لو مات الراهن قبل رده فالمرتهن أحق به من سائر الغرماء ، وإذا أخذه عاد الضمان بعود القبض في عقد الرهن فتعود صفته .

قال : ( وإن وضعاه على يد عدل جاز ) لأنه نائب عن الراهن في الحفظ ، وعن المرتهن في الحبس ، ويجوز أن تكون اليد الواحدة في حكم يدين وشخص واحد بمنزلة شخصين ، كمن عجل الزكاة كان الساعي كالمالك حتى لو هلك النصاب قبل الحول أخذه من يده ، وفي منزلة الفقير حتى لو هلكت في يده سقطت كما لو دفعها إلى الفقير .

( وإن شرطا ذلك في العقد فليس لأحدهما أخذه ) لتعلق حقهما به الراهن في الحفظ والمرتهن في الاستيفاء ، ولا يملك أحدهما إبطال حق الآخر .

[ ص: 329 ] قال : ( ويهلك من ضمان المرتهن ) لأن يده يد المرتهن وهي مضمونة في حق المالية ، ولو دفعه إلى أحدهما ضمن لأنه مودع الراهن في العين ، والمرتهن في المالية وكل واحد منهما أجنبي عن الآخر فيضمن كالمودع إذا دفعه إلى أجنبي ، والعدل يبيع ولد المرهونة ويجبر على البيع عند طلب المرتهن ، ولا ينعزل بعزل الموكل وموته ، ويملك مصارفة الثمن إذا خالف جنس الدين ، والوكيل المفرد لا يملك شيئا من ذلك .

قال : ( ويجوز أن يوكل المرتهن وغيره على بيع الرهن ) لأنه أهل للتوكيل ، وقد وكل ببيع ماله .

( فإن شرطها في عقد الرهن لم ينعزل بموت الراهن ولا بعزله ) لأن الوكالة صارت وصفا للرهن بالشرط فتبقى ببقاء أصله ، وقد تعلق به حق المرتهن ، وليس للراهن إبطاله ولا للورثة لتقدم حقه على حقهم وبقاء الرهن بعد موته ، ولو شرط البيع بعد الرهن ، قال الكرخي ينعزل بالعزل والموت لعدم اشتراطه في العقد . وعن أبي يوسف أنه لا ينعزل ، واختاره بعض المشايخ .

قال : ( وإذا مات الراهن باع وصيه الرهن وقضى الدين ) لأن الدين حل بموته والوصي قائم مقامه ، ولو كان الراهن حيا كان له بيعه لإيفاء الدين بأمر المرتهن فكذا هذا .

( فإن لم يكن له وصي نصب القاضي من يفعل ذلك ) لأنه نصب لصالح المسلمين ، والنظر لهم عند عجزهم ، والنظر فيما ذكرنا ؛ لأنه يحتاج إلى قضاء ما عليه من الديون الحائلة بينه وبين الجنة .

قال : ( ومن استعار شيئا ليرهنه جاز ، وإن لم يسم ما يرهنه به ) لأن الإطلاق في العارية معتبر لأنه لا يفضي إلى المنازعة ، وله أن يرهنه بأي قدر شاء وأي نوع شاء ممن شاء عملا بالإطلاق .

( فإن عين ما يرهنه به ، فليس له أن يزيد عليه ولا ينقص ) أما الزيادة فلأنه ربما احتاج المعير إلى فكاك الرهن فيؤدي قدر الدين وما رضي بأداء القدر الزائد على ما عينه ، أو لأنه يتعسر عليه ذلك فيتضرر به; وأما النقصان فلأن الزائد على قدر الدين يكون أمانة ، وما رضي إلا أن يكون مضمونا كله ، فكان التعيين مفيدا فيتقيد به ، وإن رهنه بجنس آخر ضمن لأنه لم يرض به; وكذا لو عين رجلا فرهن عند غيره لتفاوت الناس في الحفظ والملاءة والقضاء; وكذلك لو قيده ببلدة فرهنه بأخرى ضمن ، والمعير إن شاء ضمن الراهن لتعديه حيث خالف ، وإن شاء المرتهن لأنه قبض ماله [ ص: 330 ] بغير أمره ، فإن ضمن الراهن ملك الرهن فصار كأنه رهن ملكه فترتب عليه أحكامه ، وإن ضمن المرتهن رجع بدينه وبما ضمن على الراهن لأنه بسببه وغروره ، ولو رهنه بما عين فهلك في يد المرتهن صار مستوفيا دينه كما تقدم ، وعلى الراهن للمعير مثله ؛ لأنه صار قاضيا دينه فيرجع بمثله : ولو دخله عيب نقص من الدين بحسابه ويضمنه لرب العارية; ولو كانت قيمته أقل من الدين ضمن الراهن للمعير قيمته ؛ لأنه صار قاضيا من دينه بقدرها; ولو هلك عند المستعير قبل الرهن أو بعد الفكاك لا يضمن ؛ لأنه قبضه بإذن المالك ولم يقض دينه منه .

وإذا أعطى المعير الدين ليأخذ الرهن أجبر المرتهن على دفعه إليه ، ورجع بذلك على الراهن لأنه غير متبرع في ذلك لحاجته إلى خلاص ملكه ولو اختلفا في مقدار ما أمره به فالقول للمعير ؛ لأنه منه يستفاد ، ألا يرى أن له إنكار الأصل ؟ فكذا الوصف .

فصل

جناية الراهن على الرهن مضمونة ؛ لأنه كالأجنبي في المالية حيث تعلق بها حق الغير حبسا واستيفاء ، وجناية المرتهن يسقط من الدين بقدرها ؛ لأنه لو نقص لا بفعله يسقط فبفعله أولى ، وجناية الرهن على الراهن وماله هدر; والمراد جناية توجب المال لأنها جناية المملوك على مالكه ، وكذلك جنايته على المرتهن ، لأنها لو اعتبرت كان عليه تطهيره منها لحدوثها في ضمانه ، ولا يجب له الضمان ، وعليه الخلاص لعدم الفائدة .

وقال أبو يوسف ومحمد : هي معتبرة لأنها على غير المالك ، وفي اعتبارها فائدة وهي دفعه إلى الجناية ، ويبطل الرهن ، وإن لم يطلب المرتهن الجناية بقي رهنا على حاله ، وإن جنى على ماله وقيمته والدين سواء لا يعتبر بالإجماع لعدم الفائدة ، وإن كانت القيمة أكثر فكذا عند أبي حنيفة ، وعنه أنه يعتبر بقدر الأمانة لجناية الوديعة على المستودع .

التالي السابق


الخدمات العلمية