صفحة جزء
[ ص: 334 ] وإذا طلب أحد الشركاء القسمة وكل منهم ينتفع بنصيبه قسم بينهم ، وإن كانوا يستضرون لا يقسم ، وإن كان أحدهما ينتفع بنصيبه والآخر يستضر قسم بطلب المنتفع ، ولا يقسم الجوهر والرقيق ( ف سم ) والحمام والحائط والبئر بين دارين والرحى إلا بتراضيهم ، ويقسم كل واحد من الدور والأراضي والحوانيت وحده ، وتقسم البيوت قسمة واحدة ، ويقسم سهمين من العلو بسهم من السفل ( سم ) ، ولا تدخل الدراهم في القسمة إلا بتراضيهم .


فصل

( وإذا طلب أحد الشركاء القسمة وكل منهم ينتفع بنصيبه قسم بينهم ) لما بينا .

( وإن كانوا يستضرون لا يقسم ) اعلم أن القسمة على ضربين : قسمة يتولاها الشركاء بأنفسهم فتجوز وإن كان فيها ضرر ، لأن الحق لهم والإنسان مخير في استيفاء حقه وإبطاله ما لم يتعلق به حق الغير ، وقسمة يتولاها الحاكم أو أمينه فتجوز فيما فيه مصلحة لا فيما فيه ضرر عليهم ولا فيما لا فائدة فيه كالحائط والبئر ، لأن القاضي نصب لإقامة المصالح ودفع المضار ، فلا يجوز له فعل الضرر والاشتغال بما لا يفيد من قبيل الهزل ، ومنصبه منزه عن ذلك ، ولأن ما لا فائدة فيه ليس في حكم الملك ، فليس على القاضي أن يجيبه إليه ، فإن طلبا القسمة من القاضي في رواية لا يقسم لما بينا ، وفي رواية يقسم لاحتمال أن يكون لهما منفعة لا تظهر لنا فإنما يحكم بالظاهر .

( وإن كان أحدهما ينتفع بنصيبه والآخر يستضر قسم بطلب المنتفع ) لأنه ينفعه فاعتبر بطلبه ، [ ص: 335 ] وإن طلب الآخر ذكر الكرخي أنه لا يقسم ؛ لأنه متعنت لا متظلم . وذكر الحاكم في مختصره أنه يقسم أيهما طلب وهو الأصح ، لأن الامتناع إنما كان للضرر ولا اعتبار للضرر مع الرضى كما إذا اقتسما بأنفسهما .

قال : ( ولا يقسم الجوهر والرقيق والحمام والحائط والبئر بين دارين والرحى إلا بتراضيهم ) وكذا كل ما في قسمته ضرر كالبيت الصغير والباب والخشبة والقميص ، وقد تقدم ما فيه من التفصيل والروايات والتعليل ، ولأنه لا بد في القسمة من التعديل ولا يمكن في البعض كالجوهر والرقيق لتفاوتهما ، وقالا : يقسم الرقيق لأنه جنس واحد كغيره من الحيوان وكرقيق المغنم .

ولأبي حنيفة أنهم بمنزلة أجناس مختلفة ؛ لتفاوتهم في المعاني الباطنة المطلوبة من الذكاء والعقل والهداية إلى تعليم الحرف تفاوتا فاحشا ، وغيرهم من الحيوان يقل التفاوت بينهما عند اتحاد الجنس ، ألا ترى أن الذكر والأنثى جنس واحد في سائر الحيوانات ، وهما جنسان في بني آدم ؟ ولأن المقصود من غيرهم من الحيوانات وما بينهما من التفاوت يعرف بالظاهر والجس والركوب والاختبار في يوم واحد بل في ساعة واحدة ، ولا كذلك بنو آدم; وأما رقيق المغنم فإن حق الغانمين في المالية ، ولهذا جاز للإمام بيعها وقسمة ثمنها ، وهنا الحق تعلق بالعين والمال فافترقا .

قال : ( ويقسم كل واحد من الدور والأراضي والحوانيت وحده ) لأنها أجناس مختلفة نظرا إلى اختلاف المقاصد ، وإن كانت دور مشتركة في مصر واحد أو أرض متفرقة قسم كل دار وأرض على حدتها عند أبي حنيفة وقالا : يقسم بعضها في بعض إن كان أصلح ؛ لأنها جنس واحد صورة ومعنى نظرا إلى المقصود وهو أصل السكنى والزرع ، وهي أجناس معنى ؛ نظرا إلى وجوه السكنى واختلاف الزرع ، فكان مفوضا إلى نظر القاضي يعمل ما يترجح عنده . وله أنه لا يمكن التعديل فيها ؛ لكونها مختلفة باختلاف البلدان والجوار والقرب من المسجد والماء والشرب وصلاحيتها للزراعة اختلافا بينا ، ولو كانت داران في مصر قسم كل واحدة وحدها بالإجماع . وعن محمد لو كانت إحداهما بالرقة والأخرى بالبصرة قسمت إحداهما في الأخرى .

قال : ( وتقسم البيوت قسمة واحدة ) أما إذا كانت في دار واحدة ؛ فلأن قسمة كل بيت بانفراده ضرر ، وإن كانت في محلة أو محال فالتفاوت بينهما يسير ؛ لأنه لا تفاوت في السكنى; والمنازل إن كانت في دار واحدة متلازقة كالبيوت وإن كانت متفرقة تقسم كالدور سواء كانت في دار أو محال [ ص: 336 ] لأنها تتفاوت في السكنى ، لكن دون الدور فكان لها شبه بكل واحد منهما ، فإذا كانت ملتزقة ألحقناها بالبيوت ، وإن كانت متباينة بالدور; وإذا قسم الدار تقسم العرصة بالذراع والبناء بالقيمة; ويجوز أن يفضل بعضها على بعض تحقيقا للمعادلة في الصورة والمعنى أو في المعنى عند تعذر الصورة; ولو اختلفا فقال بعضهم : نجعل قيمة البناء بذراع من الأرض وقال الآخر بالدراهم ، فالأول أولى لأنه إنما يقسم الميراث ، والدراهم ليست من الميراث ، إلا إذا تعذر بأن تكون قيمة البناء أضعاف قيمة الأرض ، أو يقع لأحدهما جميع البناء فيجعل القسمة في البناء على الدراهم ؛ لأنه تثبت له القسمة فيتعدى إلى ما لا يتأتى إلا به كالأخ ولايته على النكاح دون المال ، وله تسمية الصداق لما قلنا ، وهذا مروي عن محمد .

وعن أبي يوسف يقسم الكل باعتبار القيمة لتعذر التعديل إلا بالقيمة . وعن أبي حنيفة أنه تقسم الأرض بالمساحة على الأصل في المسوحات ، فمن كان نصيبه أجود أو وقع له البناء يرد على الآخر دراهم حتى يساويه فتدخل الدراهم في القسمة ضرورة كولاية الأخ ، وقول محمد أحسن وأوفق للأصول; ولو اختلفوا في الطريق فقال بعضهم نرفع طريقا بيننا وامتنع الآخر ، فإن كان يستقيم لكل واحد طريق في نصيبه قسم بينهم بغير طريق ، وإن كان لا يستقيم رفع بينهم طريق ولا يلتفت إلى الممتنع ؛ لأنه تكميل المنفعة وتوفيرها ، ويجعل الطريق على عرض باب الدار ؛ لأن الحاجة تندفع به ، وهو على ما كان عليه من الشركة ، وطريق الأرض قدر ما تمر فيه البقر للحراثة ؛ لأنه لا بد من الزرع ، ولو وقعت شجرة في نصيب أحدهما أغصانها متدلية في نصيب الآخر ، روى ابن رستم عن محمد له أن يجبره على قطعها ، وروى ابن سماعة لا يجبره لأنه استحق الشجرة بأغصانها وعليه الفتوى . ولأحد الشريكين أن يجعل في نصيبه بئرا وبالوعة وتنورا وحماما وإن كان يضر بحائط جاره ، وله أن يسد كوة الآخر ؛ لأنه يتصرف في خالص ملكه فلا يكون متعديا ، وضرر الجار حصل ضمنا فلا يضمن ، وكذلك لصاحب الحائط أن يفتح فيه بابا وإن تأذى جاره لما ذكرنا ، والكف عما يؤذي الجار أحسن .

قال : ( ويقسم سهمين من العلو بسهم من السفل ) وعند أبي يوسف سهم بسهم . وعند محمد بالقيمة ، وعليه الفتوى ؛ لأنهما أجناس بالنظر إلى اختلاف المنافع ، فإن السفل يصلح إصطبلا ولحفر البئر والسرداب ، ولا كذلك العلو; وكذلك تختلف قيمتاهما باختلاف البلدان فلا يمكن التعديل إلا بالقيمة . ولهما أن الأصل في المزروع أن يقسم بالزرع ، والمقصود الأصلي السكنى ، [ ص: 337 ] إلا أن أبا يوسف قال : ذراع بذراع نظرا إلى ما هو المقصود وهو السكنى ، وهما يستويان فيها ، ولكل واحد منهما أن يفعل في نصيبه ما لا يضر بالآخر ، والمنفعتان متماثلتان ، فكما أن لصاحب السفل حفر البئر والسرداب ، لصاحب العلو أن يبني فوق علوه ما لم يضر بالسفل على أصله .

ولأبي حنيفة أن منفعة السفل ضعف منفعة العلو ؛ لأنها تبقى بعد فوات العلو ، وفي السفل منفعة البناء والسكنى ، وفي العلو السكنى لا غير ، وليس له التعلي إلا بأمر صاحبه على أصله ، فيعتبر ذراعين بذراع نظرا إلى اختلاف المنفعة ، ثم قيل : أبو حنيفة بنى على أصله أنه ليس لصاحب العلو أن يبني على علوه إلا برضى صاحبه ، وعندهما يجوز . وقيل أجاب على عادة أهل الكوفة في اختيار السفل على العلو .

قال : ( ولا تدخل الدراهم في القسمة إلا بتراضيهم ) ؛ لأن القسمة في المشترك ولا شركة في الدراهم ، فإذا رضيا جاز لما بينا .

التالي السابق


الخدمات العلمية