صفحة جزء
[ ص: 339 ] فصل

[ المهايأة ]

المهايأة جائزة استحسانا ، ولا تبطل بموتهما ولا بموت أحدهما ، ولو طلب أحدهما القسمة بطلت ، وتجوز في دار واحدة بأن يسكن كل منهما طائفة أو أحدهما علوها والآخر سفلها ، ولكل واحد منهما إجارة ما أصابه وأخذ غلته ، وتجوز في عبد واحد يخدم هذا يوما وهذا يوما ، وكذا في البيت الصغير ، وفي عبدين يخدم كل واحد واحدا ، فإن شرطا طعام العبد على من يخدمه جاز ، وفي الكسوة لا يجوز ، ولا تجوز في غلة عبد ولا عبدين ( سم ) ، ولا في ركوب دابة ولا دابتين ، ولا في ثمرة الشجر ، ولا في لبن الغنم وأولادها ، وتجوز في عبد ودار على السكنى والخدمة ، وكذلك كل مختلفي المنفعة .


فصل

( المهايأة جائزة استحسانا ) والقياس يأبى جوازها ؛ لأنها مبادلة المنفعة بجنسها نسيئة لتأخر حق أحدهما ، إلا أنا استحسنا الجواز ؛ لقوله تعالى : لها شرب ولكم شرب يوم معلوم لأن المنافع تستحق بعوض وغير عوض كالأعيان ، والقسمة تجوز في الأعيان فتجوز في المنافع وهي مبادلة معنى إفراز صورة حتى تجري في الأعيان المتفاوتة كالدور والعبيد دون المثليات ، ويجبر الممتنع إذا لم يكن الطالب متعنتا وليست كالإجارة ؛ لأن المنفعة تستحق هنا بالملك ، ومعنى المعاوضة تبع ، ولهذا لا تشترط فيها المدة ، وفي الإجارة بالعقد ، ولهذا يشترط ذكر المدة ؛ لأنه لا يعلم قدر ما يستحقه من المنفعة إلا بذكرها ، وليست كالعارية لما بينا .

قال : ( ولا تبطل بموتهما ولا بموت أحدهما ) لأنا نحتاج إلى إعادتهما بطلب الوارثين أو أحدهما ، بخلاف الإجارة والعارية . قال : ( ولو طلب أحدهما القسمة بطلت ) المهايأة ، معناه فيما يحتمل القسمة ؛ لأن القسمة أقوى في استعمال المنفعة; ولو طلب أحدهما القسمة والآخر المهايأة قسم لما بينا وبل أولى .

قال : ( وتجوز في دار واحدة بأن يسكن كل منهما طائفة ، أو أحدهما علوها والآخر سفلها ) [ ص: 340 ] لأن القسمة على هذا الوجه جائزة ، فكذا المهايأة ؛ لأن المنفعة غير مختلفة ، وبيان المكان يقطع المنازعة ، وهذه إفراز للنصيب وليست مبادلة .

( ولكل واحد منهما إجارة ما أصابه وأخذ غلته ) ؛ لأنها قسمة المنافع وقد ملكها فله استغلالها وشرط بعضهم في جواز الاستغلال أن يشرطه في العقد كالعارية وليس بشيء ، وجوابه ما مر ، ولو تهايئا في دارين على أن يسكن كل واحد دارا جاز جبرا واختيارا ، وهذا عندهما ظاهر اعتبارا بقسمة الأصل ، أما عنده قيل لا يجبر كما في القسمة ، وقيل لا يجوز أصلا ؛ لأنه بيع السكنى بالسكنى ، بخلاف القسمة ؛ لأنه بيع بعض أحدهما ببعض الأخرى وأنه جائز; وقيل يجوز مطلقا لقلة التفاوت في المنافع ويكون إفرازا .

قال : ( وتجوز في عبد واحد يخدم هذا يوما وهذا يوما ، وكذا في البيت الصغير ) ؛ لأن المهايأة تكون في الزمان والمكان استيفاء للمنفعة بقدر الإمكان ، وقد تعذر المكان فيتعين الزمان .

قال : ( وفي عبدين يخدم كل واحد واحدا ) ولا إشكال على أصلهما ؛ لأن عندهما تجوز قسمة الرقيق جبرا واختيارا فكذا منفعتهم . وأما عند أبي حنيفة فالقياس على عدم جواز القسمة يمنع الجواز ، لكن الصحيح الجواز لقلة التفاوت في الخدمة ، ولا كذلك في الأعيان لما مر .

قال : ( فإن شرطا طعام العبد على من يخدمه جاز ، وفي الكسوة لا يجوز ) لأن العادة جرت بالمسامحة في الطعام دون الكسوة ، ولقلة التفاوت في الطعام وكثرتها في الكسوة ، فإن وقتا شيئا من الكسوة معروفا جاز استحسانا ؛ لأن عند ذكر الوصف ينعدم التفاوت أو يقل .

قال : ( ولا تجوز في غلة عبد ولا عبدين ) وقالا : تجوز في العبدين ؛ لأن الغلة بدل المنفعة فتجوز كالمنفعة ؛ ولأن التفاوت في استغلال العبدين إذا استويا في الحرفة والمنفعة قليل ، وقيل هذا بناء على اختلافهم في القسمة ، ولهذا لا تجوز في الواحد إجماعا . وله أن الأجرة تجب بالعمل حتى لو سلمه ولم يعمل لا أجر له فكان فيه خطر ، ولأنه ربما لا يجد من يستأجره فلا تقع المعادلة ، والتفاوت بينهما فاحش لتفاوتهما في الأمانة والحذاقة والهداية إلى العمل فتكون أجرته أكثر من الآخر فلا توجد المعادلة ، وعلى هذا الخلاف غلة الدابتين ، ولا تجوز في العبد الواحد ولا في الدابة الواحدة ، وتجوز في الدار الواحدة ، والفرق أن أحد النصيبين مقدم على الآخر في [ ص: 134 ] الاستيفاء ، والاعتدال ثابت وقت المهايأة ، والظاهر بقاؤه في العقار دون الحيوان ، لتوالي أسباب التغيير عليه دون العقار فتفوت المعادلة فيه .

( ولا ) تجوز . ( في ركوب دابة ولا دابتين ) لأن الركوب يختلف باختلاف الراكب ؛ لأن من الحاذق والجاهل فلا تحصل المعادلة بخلاف العبد فإنه يخدم باختياره فلا يتحمل فوق طاقته ، وهذه العلة في استغلال الدواب أيضا .

قال : ( ولا ) تجوز . ( في ثمرة الشجر ، ولا في لبن الغنم وأولادها ) لأن المهايأة قسمة المنافع ، وفي هذا تستحق الأعيان ، وما يحصل من ذلك يتفاوت . ولا تجوز قسمة الأعيان إلا بالتعديل ؛ ولأن قسمة المنافع قبل وجودها ضرورية ؛ لأنه لا يمكن قسمتها بعد الوجود ولا ضرورة في الأعيان .

قال : ( وتجوز في عبد ودار على السكنى والخدمة ) ؛ لأن المقصود منهما يجوز عند اتحاد الجنس ، فعند الاختلاف أولى .

قال : ( وكذلك كل مختلفي المنفعة ) كسكنى الدار وزرع الأرض ، وكذا الحمام والدار ، لأن كل واحد من المنفعتين يجوز استحقاقها بالمهايأة ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية