صفحة جزء
[ ص: 354 ] فصل

[ كتاب القاضي ]

يقبل كتاب القاضي إلى القاضي في كل حق لا يسقط بالشبهة ، وفي النكاح والدين والغصب والأمانة المجحودة والمضاربة وفي النسب وفي العقار ، ولا يقبل في المنقولات وعن محمد أنه يقبل في جميع المنقولات ، وعليه الفتوى ، ولا يقبل إلا ببينة أنه كتاب فلان القاضي ، ولا بد أن يكتب إلى معلوم فإن شاء قال بعد ذلك : وإلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين وإلا فلا ، ويقرأ الكتاب على الشهود ، ويعلمهم بما فيه ، ويختمه بحضرتهم ويحفظوا ما فيه ، وتكون أسماؤهم داخل الكتاب بالأب والجد; وأبو يوسف لم يشترط شيئا من ذلك لما ابتلي بالقضاء واختاره السرخسي وليس الخبر كالعيان ، فإذا وصل إلى القاضي المكتوب إليه نظر في ختمه ، فإذا شهدوا أنه كتاب فلان القاضي سلمه إلينا في مجلس حكمه ، وقرأه علينا وختمه وفتحه وقرأه على الخصم وألزمه ما فيه ولا يقبله إلا بحضرة الخصم ، فإن مات الكاتب ، أو عزل ، أو خرج عن أهلية القضاء قبل وصول كتابه بطل ، وإن مات المكتوب إليه بطل ، إلا أن يكون قال بعد اسمه : وإلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين ، وإن مات الخصم نفذ على ورثته ، وإن لم يكن الخصم في بلد المكتوب إليه وطلب الطالب أن يسمع بينته ويكتب له كتابا إلى قاضي البلد الذي فيه خصمه كتب له ، ويكتب في كتابه نسخة الكتاب الأول أو معناه .


[ ص: 354 ] فصل

( يقبل كتاب القاضي إلى القاضي في كل حق لا يسقط بالشبهة ) للحاجة إلى ذلك ، وهو العجز عن الجمع بين الخصوم والشهود ، بخلاف ما يسقط بالشبهة كالحدود والقصاص لشبهة البدلية ; والأصل في الجواز أن الكتاب يقوم مقام عبارة المكتوب عنه وخطابه ، بدلالة أن كتاب الله تعالى إلى رسوله قام مقام خطابه له في الأمر والنهي وغيرهما ; وكذلك كتب رسوله - عليه الصلاة والسلام - إلى ملك الفرس والروم وإلى نوابه في البلاد قامت مقام خطابه لهم ، حتى وجب عليهم ما أمرهم به في كتبه كما وجب بخطابه; وإذا ثبت هذا فنقول : كتاب القاضي إلى القاضي كخطابه له ، ولو خاطبه بذلك وأعلمه صح ، فكذلك كتابه ، وهو أن يشهد الشهود عند القاضي أن لهذا على فلان الغائب كذا ، فيكتب القاضي إلى القاضي الذي الخصم في بلده ، وهو نقل الشهادة ، ولهذا يحكم المكتوب إليه برأيه ، ولو كانت الشهادة على حاضر حكم عليه وكتب بحكمه ، وهو السجل .

( و ) يكتب ( في النكاح والدين والغصب والأمانة المجحودة والمضاربة ) لأن ذلك دين يعرف بالوصف .

( وفي النسب ) لأنه يعرف بذكر الأب والجد والقبيلة وغير ذلك .

( وفي العقار ) لأنه يعرف بالحدود .

( ولا يقبل في المنقولات ) لأنه يحتاج فيها إلى الشهادة للإشارة .

[ ص: 355 ] ( وعن محمد أنه يقبل في جميع المنقولات ، وعليه الفتوى ) للحاجة إليه ، ويمكن تعريفه بأوصافه ومقداره وغير ذلك . وعن أبي يوسف أنه يقبل في العبد دون الأمة لكثرة إباقه دونها . وعنه أنه يقبل فيهما; وصورته : أن يكتب أنهم شهدوا عنده أن عبدا لفلان ويذكر اسمه وحليته وجنسه آبق منه وقد أخذه فلان .

قال : ( ولا يقبل إلا ببينة أنه كتاب فلان القاضي ) لأنه للإلزام ، ولا إلزام بدون البينة ، ولأن الخط يشبه الخط ، والبينة تعينه ، ويكتب اسم المدعي والمدعى عليه وينسبهما إلى الأب والجد والفخذ والقبيلة ، أو إلى الصناعة ، وإن لم يذكر الجد لم يجز إلا عند أبي يوسف ، وإن كان في الفخذ مثله في النسب لم يجز ، ولا بد من ذكر شيء يخصه ويعينه حتى يزول الالتباس .

( ولا بد أن يكتب إلى معلوم ) بأن يقول من فلان بن فلان بن فلان إلى فلان بن فلان بن فلان .

( فإن شاء قال بعد ذلك وإلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين ، وإلا فلا ) حتى يصير المكتوب إليه معروفا والباقي يكون تبعا .

( ويقرأ الكتاب على الشهود ويعلمهم بما فيه ) ليعلموا بما يشهدون .

( ويختمه بحضرتهم ويحفظوا ما فيه ) حتى لو شهدوا أنه كتاب فلان القاضي وختمه ولم يشهدوا بما فيه لا تقبل ، لأن الختم يشبه الختم ، فمتى كان في يد المدعي يتوهم التبديل .

( وتكون أسماؤهم داخل الكتاب بالأب والجد ) لنفي الالتباس .

( وأبو يوسف لم يشترط شيئا من ذلك لما ابتلي بالقضاء ) تسهيلا على الناس .

( واختاره السرخسي ، وليس الخبر كالعيان ) قال أبو بكر الرازي : ولو كتب من فلان بن فلان بن فلان إلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين وحكامهم ينبغي لكل من ورد الكتاب عليه من القضاة أن يقبله ؛ لأن الخطاب جائز لقوم مجهولين ، فإن رسول الله - عليه الصلاة والسلام - كتب إلى الآفاق ودعاهم إلى الإسلام ولم يعرفهم ، وكذلك أمرنا ونهانا وكنا مجهولين عنده وصح [ ص: 356 ] خطابه ولزمنا والقضاة اليوم عليه; وينبغي أن يكون داخل الكتاب اسم القاضي الكاتب والمكتوب إليه ، وعلى العنوان أيضا ، فلو كان على العنوان وحده لم تقبل خلافا لأبي يوسف ؛ لأن ما ليس تحت الختم متوهم التبديل .

قال : ( فإذا وصل إلى القاضي المكتوب إليه نظر في ختمه ، فإذا شهدوا أنه كتاب فلان القاضي سلمه إلينا في مجلس حكمه وقرأه علينا وختمه وفتحه وقرأه على الخصم وألزمه ما فيه ) لثبوت الحق عليه .

( ولا يقبله إلا بحضرة الخصم ) لأنه للإلزام كالشهادة لا يسمعها إلا بحضرة الخصم ، ولا يفتحه إلا بحضرته . وقيل يجوز ؛ لأنه ثبت بحضوره فلا حاجة إليه حالة الفتح .

قال : ( فإن مات الكاتب أو عزل أو خرج عن أهلية القضاء ) بأن جن أو أغمي عليه أو غير ذلك . ( قبل وصول كتابه بطل ) ؛ لأن الكتاب كالخطاب حالة وصوله وهو بالموت خرج عن أهلية الخطاب ، وبالعزل وغيره صار كغيره من الرعايا .

( وإن مات المكتوب إليه بطل ، إلا أن يكون قال بعد اسمه : وإلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين ) لما بينا .

( وإن مات الخصم نفذ على ورثته ) لقيامهم مقامه .

( وإن لم يكن الخصم في بلد المكتوب إليه وطلب الطالب أن يسمع بينته ويكتب له كتابا إلى قاضي البلد الذي فيه خصمه كتب له ) للحاجة إليه .

( ويكتب في كتابه نسخة الكتاب الأول أو معناه ) ليكتب بما ثبت عنده .

التالي السابق


الخدمات العلمية