صفحة جزء
[ ص: 358 ] كتاب الحجر

وأسبابه : الصغر والجنون والرق ، ولا يجوز تصرف المجنون والصبي الذي لا يعقل أصلا ، وتصرف الذي يعقل إن أجازه وليه ، أو كان أذن له يجوز ، والعبد كالصبي الذي يعقل; والصبي والمجنون لا يصح عقودهما وإقرارهما وطلاقهما وعتاقهما ، وإن أتلفا شيئا لزمهما ، وأقوال العبد نافذة في حق نفسه ، فإن أقر بمال لزمه بعد عتقه ، وإن أقر بحد أو قصاص أو طلاق لزمه في الحال ، وبلوغ الغلام بالاحتلام أو الإحبال أو الإنزال ، أو بلوغ ثماني عشرة سنة ( سم ) . والجارية بالاحتلام ، أو الحيض ، أو الحبل ، أو بلوغ سبع عشرة سنة ( سم ) ; وإذا راهقا وقالا بلغنا صدقا ، ولا يحجر على ( سم ) الحر العاقل البالغ وإن كان سفيها ينفق ماله فيما لا مصلحة له فيه . ثم إذا بلغ غير رشيد لا يسلم إليه ماله ، فإذا بلغ خمسا وعشرين سنة سلم إليه ماله ، وإن لم يؤنس رشده ( سم ) وإن تصرف فيه قبل ذلك نفذ )

ولا يحجر على الفاسق ، ولا على المديون ، فإن طلب غرماؤه حبسه ، حبسه حتى يبيع ويوفي الدين ، فإن كان ماله دراهم أو دنانير والدين مثله قضاه القاضي بغير أمره ، وإن كان أحدهما دراهم ، والآخر دنانير أو بالعكس باعه القاضي في الدين ، ولا يبيع العروض ولا العقار ، وقالا : يبيع وعليه الفتوى ، وإن لم يظهر للمفلس مال فالحكم ما مر في أدب القاضي ، ولا يحول بينه وبين غرمائه بعد خروجه من الحبس يلازمونه ، ولا يمنعونه من التصرف والسفر ، ويأخذون فضل كسبه يقتسمونه بينهم بالحصص .


[ ص: 358 ] وهو في اللغة : مطلق المنع ، ومنه حجر الكعبة ؛ لأنه منع من الدخول فيها ، وسمي الحرام حجرا ؛ لأنه ممنوع من التصرف فيه .

وفي الشرع : المنع عن أشياء مخصوصة بأوصاف مخصوصة على ما يأتيك إن شاء الله تعالى .

( وأسبابه : الصغر والجنون والرق ) لأن الصغير والمجنون لا يهتديان إلى المصالح ولا يعرفانها فناسب الحجر عليهما ، والعبد تصرفه نافذ على مولاه فلا ينفذ إلا بإذنه .

قال : ( ولا يجوز تصرف المجنون والصبي الذي لا يعقل أصلا ) لعدم الأهلية .

( وتصرف الذي يعقل إن أجازه وليه أو كان أذن له يجوز ) لأن الظاهر أن الولي ما أجاز ذلك إلا لمصلحة راجحة نظرا له وإلا لما أجاز .

( والعبد ) مع مولاه . ( كالصبي الذي يعقل ) مع وليه ؛ لأن الحق للمولى فإذا أجازه جاز .

قال : ( والصبي والمجنون لا يصح عقودهما وإقرارهما وطلاقهما وعتاقهما ) قال - عليه الصلاة والسلام - : ( كل طلاق واقع إلا طلاق الصبي والمعتوه " والعتق تمحض ضررا ؛ ولأنه تبرع [ ص: 359 ] وليسا من أهله ، وكذلك الإقرار لما فيه من الضرر ، وكذلك سائر العقود لرجحان جانب الضرر نظرا إلى سفههما وقلة مبالاتهما وعدم قصدهما المصالح .

قال : ( وإن أتلفا شيئا لزمهما ) إحياء لحق المتلف عليه ، والضمان يجب بغير قصد كجناية النائم والحائط المائل ؛ ولأن الإتلاف موجود حسا وهو سبب الضمان ، فلا يرد إلا في الحدود والقصاص ، فيجعل عدم القصد شبهة ، وينقلب القتل في العمد إلى الدية على ما يعرف في بابه إن شاء الله تعالى .

قال : ( وأقوال العبد نافذة في حق نفسه ) لأهليته .

( فإن أقر بمال لزمه بعد عتقه ) لعجزه في الحال وصار كالمعسر .

( وإن أقر بحد أو قصاص أو طلاق لزمه في الحال ) لأنه في حق الدم مبق على أصل الحرية ، ولهذا لا ينفذ إقرار الدعوى عليه بذلك ولا يستباح بإباحته . وأما الطلاق فلقوله - عليه الصلاة والسلام - : " لا يملك العبد إلا الطلاق " ولأنه أهل ولا ضرر فيه على المولى فيقع .

قال : ( وبلوغ الغلام بالاحتلام أو الإحبال ، أو الإنزال ، أو بلوغ ثماني عشرة سنة . والجارية بالاحتلام ، أو الحيض ، أو الحبل ، أو بلوغ سبع عشرة سنة ) لأن حقيقة البلوغ بالاحتلام والإنزال . قال - عليه الصلاة والسلام - : " خذ من كل حالم وحالمة دينارا " أي بالغ وبالغة ، والحبل والإحبال لا يكون إلا به ، والحيض علامة البلوغ أيضا ، قال - عليه الصلاة والسلام - : " لا صلاة لحائض إلا بخمار " أي بالغ; وأما البلوغ بالسن فالمذكور مذهب أبي حنيفة ، وقالا : بلوغهما بتمام خمس عشرة سنة لأنه المعتاد الغالب .

[ ص: 360 ] وعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال : " عرضت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا ابن أربع عشرة سنة فردني ، وعرضت عليه في السنة الثانية فأجازني " وله قوله تعالى : ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده ) . قال ابن عباس - رضي الله عنه - : ثماني عشرة سنة ، وهي أقل ما قيل فيه ، فأخذنا به احتياطا ، هذا أشد الصبي ، فأما أشد الرجل فأربعون ، قال الله تعالى : ( حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة ) والأنثى أسرع بلوغا فنقصناها سنة; فأما الحديث فالنبي - عليه الصلاة والسلام - كان يجيز غير البالغ ، فإنه روي " أن رجلا عرض على النبي - عليه الصلاة والسلام - ابنه فرده ، فقال : يا رسول الله أترد ابني وتجيز رافعا وابني يصرع رافعا ؟ فأمرهما فاصطرعا فصرعه فأجازه " . وأدنى مدة يصدق الغلام فيها على البلوغ اثنتا عشرة سنة ، والجارية تسع سنين ، وقيل غير ذلك ، وهذا هو المختار .

( وإذا راهقا وقالا بلغنا صدقا ) لأن ذلك لا يعرف إلا من جهتهما ، فيصدقان فيه إذا احتمل الصدق .

قال : ( ولا يحجر على الحر العاقل البالغ ، وإن كان سفيها ينفق ماله فيما لا مصلحة له فيه ) وقالا : نحجر عليه ويمنع من التصرف في ماله نظرا له ، لأنا حجرنا على الصبي لاحتمال التبذير ، فلأن نحجر على السفيه مع تيقنه كان أولى ، ولهذا يمنع عنه ماله ولا فائدة فيه بدون الحجر ؛ لأنه يمكنه التبذير بما يعقده من البياعات الظاهرة الخسران ، وقد روي " أنه - عليه الصلاة والسلام - باع على معاذ ماله وقضى ديونه " وباع عمر - رضي الله عنه - مال أسيفع جهينة لسفهه .

[ ص: 361 ] ولأبي حنيفة ما روي : أن حبان بن منقذ كان يغبن في البياعات فطلب أولياؤه من النبي - عليه الصلاة والسلام - الحجر عليه ، فقال له : " إذا ابتعت فقل لا خلابة وفي الخيار ثلاثة أيام " ولم يحجر عليه ؛ ولأنه مخاطب فلا يحجر عليه كالرشيد ؛ ولأنه لا يدفع الضرر عنه بالحجر فإنه يقدر على إتلاف أمواله بتزويج الأربع وتطليقهن قبل الدخول وبعده في كل يوم ووقت ، ولا معنى للحجر عليه لدفع الضرر عنه ، ولا يندفع ؛ ولأن الحجر عليه إهدار لآدميته وإلحاق له بالبهائم ، وضرره بذلك أعظم من ضرره بالتبذير وإضاعة المال ، وهذا مما يعرفه ذوو العقول والروس الأبية ، ولا يجوز تحمل الضرر الأعلى لدفع الضرر الأدنى حتى لو كان في الحجر عليه دفع الضرر العام جاز كالمفتي الماجن ، والطبيب الجاهل ، والمكاري المفلس لعموم الضرر من الأول في الأديان ، ومن الثاني في الأبدان ، ومن الثالث في الأموال .

وأما حديث معاذ قلنا : إنما باع ماله برضاه ؛ لأن معاذا لم يكن سفيها ، وكيف يظن به ذلك وقد اختاره - صلى الله عليه وسلم - للقضاء وفصل الحكم ، وكذلك بيع عمر رضي الله عنه ، وقيل كان يبيع الدراهم بالدنانير وأنه جائز ، والحجر عليه أبلغ عقوبة من منع المال فلا يقاس عليه ، ومنع المال عنه مفيد ؛ لأن غالب السفه يكون في الهبات والنفقات فيما لا مصلحة فيها ، وذلك إنما يكون باليد; وإذا حجر عليه القاضي ورفع إلى قاض آخر فأبطله جاز ؛ لأن القضاء الأول مختلف فيه ولا قضاء في مختلف فيه ، فلو أمضاه الثاني ثم رفع إلى ثالث لا ينقضه ؛ لأن الثاني قضى في مختلف فيه فلا ينقض ، ثم عند أبي يوسف : إن كان مبذرا استحق الحجر فينفذ تصرفه ما لم يحجر عليه القاضي ، فإذا صلح لا ينطلق إلا بإطلاقه . وقال محمد : تبذيره يحجره وإصلاحه يطلقه نظرا إلى الموجب وزواله . ولأبي يوسف : أنه فصل مجتهد فيه فلا بد من القضاء ليترجح به .

( ثم ) عند أبي حنيفة . ( إذا بلغ غير رشيد لا يسلم إليه ماله ) لعدم شرطه ، وهو إيناس الرشد بالنص .

( فإذا بلغ خمسا وعشرين سنة سلم إليه ماله ، وإن لم يؤنس رشده ، وإن تصرف فيه قبل ذلك [ ص: 362 ] نفذ ) وقالا : لا يدفع إليه ماله حتى يؤنس رشده بالنص ، ولا يجوز تصرفه فيه لأن علة المنع السفه ، فيبقى ببقائه . ولأبي حنيفة قوله تعالى : ( ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ) وهذا إشارة إلى أنه لا يمنع عنه إذا كبر ، وقدره أبو حنيفة بهذه المدة ، لأن الغالب إيناس الرشد فيها ، ألا ترى أنه يصلح أن يكون جدا .

وعن عمر - رضي الله عنه - أنه قال : ينتهي لب الرجل إلى خمس وعشرين سنة ، وفسر الأشد ذلك في قوله تعالى : ( حتى يبلغ أشده ) وتصرفه قبل ذلك نافذ ، لأن المنع عنه للتأديب لا للحجر ، فلهذا نفذ تصرفه فيه .

ثم نفرع المسائل على قولهما فنقول : إذا حجر القاضي عليه صار في حكم الصبي ، إلا في أشياء فإنها تصح منه كالعاقل ، وهي : النكاح ، والطلاق ، والعتاق ، الاستيلاد ، والتدبير ، والوصية مثل وصايا الناس ، والإقرار بالحدود والقصاص ؛ لأنه من أهل التصرفات لكونه مخاطبا .

أما النكاح فهو من الحوائج الأصلية ، ويلزم بمثل مهر المثل لأنه لا غبن فيه ، ويبطل ما زاد عليه لأنه تصرف في المال مال وصار كالمريض المديون ، وإن كانت المرأة سفيهة فزوجت نفسها من كفء بأقل من مهر المثل جاز ، فإن كان أقل بما لا يتغابن فيه الناس ولم يدخل بها يقال للزوج : إما أن تتم لها أو تفارقها ؛ لأن رضاها بالنقصان لم يصح ، ويخير الزوج لأنه ما رضي بالزيادة ، وإن دخل بها لم يخير ووجب مهر المثل فلا فائدة في التخيير .

وأما الطلاق فلقوله - عليه الصلاة والسلام - : " كل طلاق واقع إلا طلاق الصبي والمعتوه ؛ ولأن كل من ملك النكاح وقع طلاقه ، والعتق لوجود الأهلية ، ويسعى العبد في قيمته لمكان الحجر عن التبرعات بالمال ، إلا أن العتق لا يقبل الفسخ فقلنا بنفاذه ، ووجوب السعاية نظرا للجانبين . وعن محمد أنه لا يسعى .

وأما التدبير فلأنه يوجب حق العتق ، أو هو عتق من وجه ، فاعتبر بحقيقة العتق ، إلا أنه لا [ ص: 363 ] يسعى إلا بعد الموت ، فإذا مات ولم يؤنس رشده سعى في قيمته مدبرا كأنه أعتقه بعد التدبير .

وأما الاستيلاد فإن وطئها فولدت وادعاه ثبت نسبه لحاجته إلى بقاء النسل فلا تسعى إذا مات ، وكذلك إن أقر أنها أم ولده ومعها ولد ، وإن لم يكن معها ولد سعت في قيمتها بعد الموت ؛ لأنه متهم في ذلك فصار كالعتق .

وأما الوصية فالقياس أن لا تصح لأنها تبرع وهبة ، لكنا استحسنا ذلك إذا كانت مثل وصايا الناس ؛ لأنها قربة يتقرب بها إلى الله تعالى وهو محتاج إليها سيما في هذه الحالة .

وأما الإقرار بالحدود والقصاص ؛ فلأن الحجر عن التصرف في المال لا غير وهو عاقل بالغ فيصح إقراره فيما لا حجر عليه فيه ، ويلزمه حقوق الله تعالى من الزكاة والكفارات والحج لأنه مخاطب ، ولا حجر عن حقوق الله تعالى ، فتخرج عنه الزكاة بمحضر من القاضي أو أمينه احترازا من أن يصرفها في غير مصرفها .

وأما الكفارات فما للصوم فيه مدخل فيكفره بالصوم لا غير كابن السبيل المنقطع عن ماله; ولو أعتق عن ظهاره نفذ العتق وسعى في قيمته ، ولا يجزيه عن الظهار ؛ لأنه عتق ببدل كالمريض المديون إذا أعتق عن ظهاره ثم مات يسعى العبد للغرماء ولا يجزيه ، وكذا سائر الكفارات ; ولو كفر بالصوم ثم صلح قبل تمامه فعليه أن يكفر لزوال العجز .

وأما الحج فإن القاضي يسلم النفقة إلى ثقة في الحاج ينفقها عليه ، ولا يمنع من عمرة واحدة لوجوبها عند بعض العلماء ، ولا من القران لأنه أفضل وأثوب ؛ ولأنه لا يمنع من كل واحدة منهما على الانفراد ، فكذا على الاجتماع وبل أولى ؛ لأنه أفضل ، وله أن يسوق البدنة لمكان الاختلاف ، فإن عمر - رضي الله عنه - فسر الهدي بالبدنة ، ويلزمه حقوق العباد إذا تحققت أسبابها عملا بالسبب ، وكذلك النفقة على زوجته وولده وذوي أرحامه ؛ لأن السفه لا يبطل حقوق العباد ؛ ولأن نفقة الزوجة والأولاد من الحوائج الأصلية .

قال : ( ولا يحجر على الفاسق ) أما عنده فظاهر ، وأما عندهما إن كان مصلحا لماله ؛ لقوله تعالى : ( فإن آنستم منهم رشدا ) الآية ، وقد أونس منه نوع رشد وهو إصلاح المال فيتناوله النص ؛ ولأن الحجر للفساد في المال لا في الدين; ألا ترى أنه لا يحجر على الذمي والكفر أعظم من الفسق .

[ ص: 364 ] . . . . . . . . . . . . . قال : ( ولا ) يحجر . ( على المديون ) لما تقدم في الحجر على السفيه .

( فإن طلب غرماؤه حبسه حبسه حتى يبيع ويوفي الدين ) على الوجه الذي بيناه في أدب القاضي .

( فإن كان ماله دراهم أو دنانير والدين مثله قضاه القاضي بغير أمره ) لأن رب الدين له أخذه بغير أمره ، فالقاضي يعينه عليه .

( وإن كان أحدهما دراهم والآخر دنانير أو بالعكس باعه القاضي في الدين ) والقياس أنه لا يبيعه كالعروض ؛ لأنه نوع حجر . وجه الاستحسان أنهما كجنس واحد نظرا إلى الثمنية والمالية وعدم التعيين ، بخلاف العروض ؛ لأنها مباينة للديون من كل وجه ، والغرض يتعلق بعين العروض دون الأثمان فافترقا .

( ولا يبيع العروض ولا العقار ) ؛ لأنه حجر عليه وهو تجارة لا عن تراض .

( وقالا : يبيع وعليه الفتوى ) وقال أبو يوسف ومحمد : إذا طلب غرماء المفلس الحجر عليه حجر القاضي عليه ومنعه من التصرفات والإقرار حتى لا يضر بالغرماء نظرا لهم ؛ لأنه ربما ألجأ ماله فيفوت حقهم; ولا يمنع من البيع بمثل الثمن ؛ لأنه لا يبطل حق الغرماء ، ويبيع ماله إن امتنع المديون من بيعه وقسمه بين الغرماء بالحصص ؛ لأن إبقاء الدين مستحق عليه ، فيستحق عليه البيع لإيفائه ، فإذا امتنع باع القاضي عليه نيابة كالجب والعنة ، ولأبي حنيفة ما مر; وجوابهما أن التلجئة متوهمة فلا يبتنى عليها حكم متيقن وقضاء الدين مستحق عليه ، لكن لا نسلم تعيين البيع له ، بخلاف الجب والعنة ، وإنما يحبس ليوفي دينه بأي طريق شاء ، ثم التفريع على أصلهما أنه يباع في الدين النقود ، ثم العروض ، ثم العقار لما فيه من المسارعة إلى قضاء الدين ومراعاة المديون ، ويترك له ثياب بدنه دست أو دستان ، وإن أقر في حال الحجر بمال لزمه بعد قضاء الديون ؛ لأن هذا المال تعلق به حق الأولين ؛ ولأنه لو صح في الحال لما كان في الحجر فائدة حتى لو استفاد مالا بعد الحجر نفذ إقراره فيه لأنه لم يتعلق به حقهم ، ولو استهلك مالا لزمه في الحال ؛ لأنه مشاهد لا راد له ، وينفق من ماله عليه وعلى زوجته وأولاده الصغار وذوي أرحامه ، [ ص: 365 ] لأنها من الحوائج الأصلية وأنها مقدمة على حقهم ، ولو تزوج امرأة فهي في مهر مثلها أسوة بالغرماء .

قال : ( وإن لم يظهر للمفلس مال ، فالحكم ما مر في أدب القاضي ) إلى أن قال خلى سبيله .

قال : ( ولا يحول بينه وبين غرمائه بعد خروجه من الحبس يلازمونه ولا يمنعونه من التصرف والسفر ، ويأخذون فضل كسبه يقتسمونه بينهم بالحصص ) قال - عليه الصلاة والسلام - : " لصاحب الحق اليد واللسان " أي اليد بالملازمة ، واللسان بالاقتضاء . وقال أبو يوسف ومحمد : إذا فلسه القاضي حال بينه وبين الغرماء ، إلا أن يقيموا البينة أنه قد حصل له مال ، وهذا بناء على صحة القضاء بالإفلاس فيصح عندهما فيستحق الإنظار ، وعند أبي حنيفة لا يصح لأن الإفلاس لا يتحقق ، فإن المال غاد ورائح ، ولأن الشهادة شهادة على العدم حقيقة فلا تقبل ؛ ولأن الشهود لا يتحققون باطن أحوال الناس وأمورهم ، فربما له مال لا يطلع عليه أحد قد أخفاه خوفا من الظلمة واللصوص وهو يظهر الفقر والعسرة ، فإذا لازموه فربما أضجروه فأعطاهم ، والملازمة أن يدور معه حيث دار ، ويجلس على بابه إذا دخل بيته ، وإن كان المديون امرأة لا يلازمها حذارا من الفتنة ويبعث امرأة أمينة تلازمها ، وبينة اليسار مقدمة على بينة الإعسار ؛ لأنها مثبتة ؛ إذ الأصل الإعسار .

التالي السابق


الخدمات العلمية