صفحة جزء
[ ص: 386 ] فصل

البينة

بينة الخارج أولى من بينة ذي اليد على مطلق الملك ، وإن أقام الخارج البينة على ملك مؤرخ ، وذو اليد على ملك أسبق منه تأريخا فذو اليد أولى ، ولو أقاما البينة على النتاج أو على نسج ثوب لا يتكرر نسجه فبينة ذي اليد أولى ، وإن أقام كل واحد البينة على الشراء من الآخر ولا تاريخ لهما تهاترتا ، إن ادعيا نكاح امرأة ، أقاما البينة لم يقض لواحد منهما ، وإن وقتا فهي للأول ، وإن ادعيا عينا ليد ثالث وأقام كل واحد منهما البينة أنها له قضي بها بينهما ، وإن ادعى كل واحد منهما الشراء من صاحب اليد ، وأقام البينة فإن شاء كل واحد منهما أخذ نصف العبد وإن شاء ترك ، فإن ترك أحدهما فليس للآخر أخذ جميعه ، وإن وقتا فهو للأول ، وإن وقت أحدهما أو كان معه قبض فهو أولى ، وإن ادعى أحدهما شراء والآخر هبة وقبضا أو صدقة وقبضا ولا تاريخ لهما فالشراء أولى ، وإن ادعى الشراء وادعت أنه تزوجها عليه فهما سواء ، وإن أقام الخارجان البينة على الملك والتاريخ ، أو على الشراء من واحد أو من اثنين فأولهما أولى ، وإن أرخ أحدهما فهو له ، وإن تنازعا في دابة أحدهما راكبها أو له عليها حمل فهو أولى ( ف ) وكذلك إن كان راكبا في السرج والآخر رديفه أو لابس القميص والآخر متعلق به ، وبينة النتاج والنسج أولى من بينة مطلق الملك ، والبينة بشاهدين وثلاثة ( ف ) وأكثر سواء .


فصل

( بينة الخارج أولى من بينة ذي اليد على مطلق الملك ) لأنها أكثر إثباتا لأنها تثبت الملك [ ص: 387 ] للخارج وبينة ذي اليد لا ؛ لأن الملك ثابت له باليد ، وإذا كانت أكثر إثباتا كانت أقوى .

قال : ( وإن أقام الخارج البينة على ملك مؤرخ ، وذو اليد على ملك أسبق منه تأريخا فذو اليد أولى ) لأن بينته تثبت الملك له وقت التأريخ ، والخارج لا يدعيه في ذلك الوقت ، وإذا ثبت الملك له ذلك الوقت فلا يثبت بعد ذلك وغيره إلا بالتلقي منه ؛ إذ الأصل في الثابت دوامه ، وكذا لو كانت في أيديهما وأقاما البينة على ما ذكرنا .

( ولو أقاما البينة على النتاج أو على نسج ثوب لا يتكرر نسجه فبينة ذي اليد أولى ) لأن ما قامت عليه بينة لا تدل عليه اليد فتعارضتا فترجحت بينة ذي اليد باليد ، وكذا كل سبب لا يتكرر كغزل القطن وعمل الجبن واللبد وجز الصوف وحلب اللبن ؛ لأنه في معنى النتاج ، وإن كان يتكرر كالبناء وزرع الحبوب ونسج الخز ونحوه فبينة الخارج أولى كما في الملك المطلق ، وإن أشكل قضى للخارج ، وإن تنازعا في دابة وأقاما البينة على النتاج وأرخا سن الدابة فهو أولى ، وإن أشكل فهي بينهما لعدم الأولوية ، وإن خالف سن الدابة التأريخين تهاترتا وتركت في يد من كانت في يده .

قال : ( وإن أقام كل واحد البينة على الشراء من الآخر ولا تأريخ لهما تهاترتا ) قال محمد : يقضي للخارج لأنه أمكن العمل بالبينتين بأن باعه الخارج وقبض ثم باعه ذو اليد ولم يقبض ، ولا ينعكس لعدم جواز البيع قبل القبض وإن كان عقارا عنده ، والعمل بالبينتين واجب ما أمكن ؛ لأن البينة من الدلائل الشرعية ، وإن ذكرت البينتان القبض عمل بهما ويكون لذي اليد ، ويجعل كأنه باع من الخارج وقبضها الخارج ، ثم باعها من ذي اليد وقبضها ذو اليد عملا بالبينتين .

ولهما أن شراء كل واحد من الآخر اعتراف بكون الملك له ، فكأن البينتين قامتا على الاعترافين وإنه موجب للتهاتر ؛ لأنه لا يتصور أن يكون كل واحد بائعا ومشتريا في حالة واحدة ، ولا دلالة على السبق ولا ترجيح فيتعذر القضاء أصلا ، ثم هذا شيء بناه على أصله ، فإن عندهما يجوز بيع العقار قبل القبض ، فجاز أن يكون الخارج اشتراه أولا ثم باعه قبل القبض لذي اليد فيكون لذي اليد ، ومع الاحتمال لا يثبت الملك وإن وقتا ، فإن كان الخارج أولا قضى بهما ويكون لذي اليد ، وإن كان ذو اليد أولا قضى بهما أيضا والملك للخارج بالإجماع .

[ ص: 388 ] قال : ( وإن ادعيا نكاح امرأة وأقاما البينة لم يقض لواحد منهما ) لتعذر الاشتراك في النكاح ويرجع إلى تصديقها ، فمن صدقته كان زوجها ، لأن النكاح يثبت بتصادق الزوجين .

( وإن وقتا فهي للأول ) منهما لأنه ثبت في وقت لا منازع له فيه فترجحت على الثانية .

قال : ( وإن ادعيا عينا في يد ثالث وأقام كل واحد منهما البينة أنها له قضى بها بينهما ) لاستوائهما في السبب .

( وإن ادعى كل واحد منهما الشراء من صاحب اليد وأقام البينة ، فإن شاء كل واحد منهما أخذ نصف العبد ) بنصف الثمن لاستوائهما في السبب .

( وإن شاء ترك ) لوجود العيب بالشركة .

( فإن ترك أحدهما فليس للآخر أخذ جميعه ) لأن بيع الكل انفسخ بقضاء القاضي بالنصف حتى لو فعل ذلك قبل القضاء جاز ؛ لأنه لم ينفسخ بيعه في الكل .

( وإن وقتا فهو للأول ) لما بينا .

( وإن وقت أحدهما أو كان معه قبض فهو أولى ) أما الوقت فلأنه ثبت ملكه فيه ووقع الشك في ملك الآخر فيه فلا يثبت بالشك ، وأما القبض فلأنهما استويا في الإثبات فلا تنقض اليد الثانية بالشك ، ولأن القبض دليل تقدم شرائه فكان أولى .

قال : ( وإن ادعى أحدهما شراء ، والآخر هبة وقبضا ، أو صدقة وقبضا ولا تاريخ لهما فالشراء أولى ) لأنه يثبت بنفسه ، والهبة والصدقة تفتقر إلى القبض فكان أسرع ثبوتا فكان أولى ، وإن ادعى أحدهما بيعا والآخر رهنا فالبيع أولى ؛ لأن البيع يثبت الملك حقيقة في الحال ، والرهن إنما يثبته عند الهلاك تقديرا ، وكذا الهبة بعوض أولى من الرهن لما بينا .

[ ص: 389 ] ( وإن ادعى الشراء وادعت أنه تزوجها عليه فهما سواء ) عند أبي يوسف ؛ لأنهما عقدا معاوضة يثبت الملك فيها بنفس العقد ، ثم ترجع على الزوج بنصف القيمة .

وقال محمد : الشراء أولى ، وعلى الزوج القيمة عملا بالبينتين بتقديم الشراء ؛ لأن التزويج على ملك الغير جائز ، ثم ترد القيمة عند تعذر التسليم .

قال : ( وإن أقام الخارجان البينة على الملك والتاريخ ، أو على الشراء من واحد أو من اثنين ) غير ذي اليد . ( فأولهما أولى ، وإن أرخ أحدهما فهو له ) وقد مر .

قال : ( وإن تنازعا في دابة أحدهما راكبها أو له عليها حمل فهو أولى ) لأنه تصرف أظهر وأدل على الملك .

( وكذلك إن كان راكبا في السرج والآخر رديفه ، أو لابس القميص والآخر متعلق به ) لما ذكرنا ، ولو كانا راكبين في السرج فهي بينهما لاستوائهما .

سفينة فيها راكب ، والآخر متمسك بسكانها وآخر يجدف فيها ، وآخر يمدها ، فهي بينهم إلا المداد لا شيء له .

عبد لرجل موسر على عنقه بدرة فيها عشرة آلاف درهم في دار رجل معسر لا شيء له ، فادعيا البدرة ، قال محمد : هي للموسر بشهادة الظاهر .

وعن محمد : قطار إبل على البعير الأول راكب ، وعلى الوسط راكب ، وعلى آخرها راكب ، فادعى كل واحد منهم القطار ، فلكل واحد البعير الذي هو راكبه ؛ لأنه في يده وتصرفه ، وما بين الأول والأوسط للأول ؛ لأنه قائد والقيادة تصرف ، وما بين الأوسط والأخير بين الأول والأوسط نصفان ؛ لاستوائهما في التصرف ، وليس للأخير إلا ما ركبه .

( وبينة النتاج والنسج ) أولى من بينة مطلق الملك ؛ لأنها تثبت أولية الملك فلا تثبت لغيره إلا بالتلقي منه .

[ ص: 390 ] قال : ( والبينة بشاهدين وبثلاث وأكثر سواء ) لأن الشرع جعل الكل سواء في إثبات الحق وإلزام القاضي الحكم عند الانفراد فيستويان عند الاجتماع ، وكذا إذا كانت إحدى البينتين أعدل ، لأن الشرط أصل العدالة وقد استويا فيه ، ولا اعتبار بما زاد لأنه لا ضابط له .

التالي السابق


الخدمات العلمية