صفحة جزء
[ ص: 396 ] فصل

ولو باع جارية فولدت لأقل من ستة أشهر فادعاه فهو ابنه وهي أم ولده ، ويفسخ البيع ويرد الثمن ( سم ) ، ولا تقبل دعوة المشتري معه ، فإن مات الولد ثم ادعاه لا يثبت الاستيلاد فيها ، فإن ماتت الأم ثم ادعاه يثبت نسبه ، ويرد كل الثمن ، وإن جاءت به ما بين ستة أشهر إلى سنتين ، فإن صدقه المشتري ثبت النسب وفسخ البيع وإلا فلا ، وإن جاءت به لأكثر من سنتين لا تصح دعوة البائع ، ولا يفسخ البيع ، ولا يعتق الولد ، ولا تصير أم ولد له ، ومن ادعى نسب أحد التوءمين ثبت نسبهما منه .


قال : ( ولو باع جارية فولدت لأقل من ستة أشهر فادعاه فهو ابنه وهي أم ولده ، ويفسخ البيع ويرد الثمن ) وهذا استحسان ، والقياس أن دعواه باطلة لوجود التناقض ؛ لأن بيعه دليل عبودية الولد . ووجه الاستحسان أن العلوق حصل في ملكه يقينا ، والظاهر عدم الزنا فيكون منه ، ومبنى العلوق على الخفاء فلا تناقض فصحت دعواه ، فيستند إلى وقت العلوق ويفسخ البيع لما بينا ويرد الثمن ؛ لأنه مقتضى فسخ البيع .

( ولا تقبل دعوى المشتري معه ) لسبقها ؛ لأنها تستند إلى وقت العلوق ولا كذلك دعوى المشتري .

قالت : ( فإن مات الولد ثم ادعاه ) يعني البائع . لا يثبت الاستيلاد فيها ، فإن ماتت الأم ثم ادعاه يثبت نسبه ) لما تقدم أن أمومية الولد تبع للنسب .

قال : ( ويرد كل الثمن ) وقالا : يرد حصة الولد خاصة بناء على أن أم الولد غير متقومة في العقد والغصب عنده وعندهما متقومة فيضمنها ، وكذا لو ادعاه بعد ما أعتقه المشتري لا يصح وبعد إعتاقها يصح ؛ لأن الامتناع في الأم لا يوجب الامتناع في الولد كولد المغرور المستولد بالنكاح ، ولا كذلك بالعكس; وإذا صحت الدعوة بعد إعتاقها ثبت النسب وفسخ العقد ورد الثمن على ما مر ، وإنما كان إعتاق الولد مانعا ؛ لأن العتق لا يحتمل النقض كحق استلحاق النسب فاستويا ؛ ولأن الثابت من المشتري حقيقة الإعتاق ، والثابت للبائع حق الدعوة في الولد وفي الأم حق الحرية فلا يعارض الحقيقة ، فعلى هذا لو ادعاه المشتري أولا لا يصح دعوى البائع بعده ؛ لأن دعوى المشتري دعوى تحرير فصار كما إذا أعتقه ، والتدبير كالعتق لأنه لا يحتمل النقض .

قال : ( وإن جاءت به ما بين ستة أشهر إلى سنتين فإن صدقه المشتري ثبت النسب وفسخ البيع وإلا فلا ) لاحتمال العلوق في ملكه فلم يوجد اليقين فيتوقف على تصديق المشتري ، فإذا صدقه ثبت النسب ؛ لأن الحق لهما فيثبت بتصادقهما إذا أمكن ، والولد حر والجارية أم ولد كما [ ص: 397 ] .

مر ، وإذا ادعياه فدعوة المشتري أولى لقيام ملكه واحتمال العلوق فيه .

قال : ( وإن جاءت به لأكثر من سنتين لا تصح دعوة البائع ) للتيقن بعدم العلوق في ملكه ، لكن إذا صدقه المشتري ثبت النسب ، ويحمل على الاستيلاد بالنكاح لتصادقهما حملا لأمره على الصلاة .

( ولا يفسخ البيع ولا يعتق الولد ولا تصير أم ولد له ) ووجهه ظاهر ، وإن لم تعلم مدة الولادة بعد البيع لا تصح دعوة البائع إلا بتصديق المشتري لوقوع الشك في وقت العلوق وتصح دعوة المشتري ؛ لأنه ينكر فسخ البيع ، ولا حجة للبائع ، وإن ادعياه لا تصح واحدة منهما للشك ، والمسلم والذمي والحربي والمكاتب في ذلك سواء; وإن ادعى البائع قبل الولادة فهو موقوف ، فإن ولد حيا صحت وإلا فلا ، ولو اشتراها حبلى ثم باعها لا تصح دعواه ، وإن اختلفا فالقول للبائع ؛ لأنه المتمكن من وطئها; وإن حبلت أمة في ملك رجل فباعها وتداولتها الأيدي ثم رجعت إلى الأول فولدت في يده وادعاه ثبت نسبه منه وبطلت البيوع كلها وتراجعوا الأثمان لما بينا ، ولو لم يكن أصل الحمل عنده لم تبطل العقود .

قال : ( ومن ادعى نسب أحد التوءمين ثبت نسبهما منه ) لأنهما خلقا من ماء واحد ؛ لأنه اسم لولدين ولدا ليس بينهما ستة أشهر فاستحال انعلاق الثاني من ماء آخر ، فإذا ثبت نسب أحدهما ثبت نسب الآخر ، ويبطل ما جرى فيه من العقود من بيع وعتق وغير ذلك .

فصل

كل قولين متناقضين صدرا من المدعي عند الحاكم إن أمكن التوفيق بينهما قبلت الدعوى صيانة لكلامه عن اللغو نظرا إلى عقله ودينه ، وإن تعذر التوفيق بينهما لم تقبل ، كما إذا صدر من الشهود ، وكل ما أثر في قدح الشهادة أثر في منع استماع الدعوى . قال أبو حنيفة : إذا قال المدعي ليس لي بينة على دعوى هذا الحق ثم أقام البينة عليه لم تقبل ؛ لأنه أكذب بينته ، وعن محمد أنها تقبل ؛ لأنه يجوز أنه نسيها; ولو قال : ليس لي على فلان شهادة ثم شهد له لم تقبل ، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه تقبل شهادته لاحتمال النسيان أيضا . وروى ابن رستم عن محمد : إذا قال لا شهادة لفلان عندي في حق بعينه ثم جاء وشهد له قبلت ؛ لأنه يقول نسيت ، ولو قال : لا أعلم لي [ ص: 398 ] حقا ، أو لا أعلم لي حجة ثم ادعى حقا أو جاء بحجة قبلت ، ولو قال : ليس لي حق لا تقبل ، ولو قال : ليس لي حجة قبلت لاحتمال الخفاء في البينة دون الحق .

وروى ابن سماعة عن محمد : لو قال هذه الدار ليست لي ثم أقام البينة أنها له قضى له بها ؛ لأنه لم يثبت بذلك حقا لأحد فكان ساقطا ، ألا ترى أن الملاعن إذا ادعى نسب الولد صح لما أنه لم يثبت النسب من غيره باللعان ؟ وروى هشام عن محمد : لو قال لا حق لي بالري في دار ولا أرض ثم أقام البينة على ذلك في يد إنسان بالري قبلت ، ولو عين فقال : لا حق لي بالري في رستاق كذا في يد فلان ، ثم أقام البينة لم تقبل إلا أن تقوم البينة أنه أخذه منه بعد الإقرار ، ولو قال لرجل : ادفع إلي هذه الدار أسكنها ، أو هذا الثوب ألبسه ونحو ذلك فأبى ثم ادعى السائل ذلك صح ؛ لأنه يقول : إنما طلبتها بطريق الملك لا بالعارية .

وفي الفتاوى : باع عقارا وابنه أو زوجته حاضران وتصرف المشتري فيه ثم ادعى الابن أنه ملكه ولم يكن لأبيه اتفق مشايخنا أنه لا تسمع مثل هذه الدعوى وهو تلبيس محض ، وحضوره عند البيع وترك المنازعة إقرار منه أنه ملك البائع ، وجعل سكوته في هذه الحالة كالإيضاح بالإقرار قطعا للأطماع الفاسدة لأهل العصر في الإضرار بالناس ، ولو باع ضيعة ثم ادعى أنها كانت وقفا عليه لا تسمع للتناقض ؛ لأن الإقدام على البيع إقرار بالملك ، وليس له تحليف المدعى عليه ، ولو أقام البينة ، قيل : تقبل لأن الشهادة على الوقف تقبل من غير دعوى وينقض البيع ، وقيل : لا تقبل هاهنا ؛ لأنها تثبت فساد البيع وحقا لنفسه فلا تسمع للتناقض ، ولو رد الجارية بعيب فأنكر البائع البيع فأقام المشتري البينة على الشراء وأقام البائع أنه قد برأ إليه من العيب لم تقبل ؛ لأن جحوده البيع إنكار للبراءة فيكون مكذبا شهوده ، ولو أنكر النكاح ثم ادعاه قبلت بينته على ذلك ، وفي البيع لا تقبل ؛ لأن البيع انفسخ بالإنكار والنكاح لا ، ألا ترى أنه لو ادعى تزويجا على ألف فأنكرت فأقامت البينة على ألفين قبلت ، ولا يكون إنكارها تكذيبا للشهود ؟ وفي البيع لا تقبل ويكون تكذيبا للشهود .

التالي السابق


الخدمات العلمية