صفحة جزء
[ ص: 410 ] فصل

[ الإقرار حال الصحة والمرض ]

وديون الصحة وما لزمه في مرضه بسبب معروف مقدم على ما أقر به في مرضه ، وما أقر به في مرضه مقدم على الميراث ، وإقرار المريض لوارثه باطل ، إلا أن يصدقه بقية الورثة . ومن طلق امرأته في مرضه ثلاثا ثم أقر لها ومات فلها الأقل من الإقرار والميراث ، وإن أقر المريض لأجنبي ثم قال هو ابني بطل إقراره ، وإن أقر لامرأة ثم تزوجها لم يبطل ، ويصح إقرار الرجل بالولد والوالدين والزوجة والمولى إذا صدقوه ، وكذلك المرأة إلا في الولد فإنه يتوقف على تصديق الزوج أو شهادة القابلة ، ومن مات أبوه فأقر بأخ شاركه في الميراث ، ولا يثبت نسبه .


[ ص: 410 ]

فصل ( وديون الصحة وما لزمه في مرضه بسبب معروف مقدم على ما أقر به في مرضه ، وما أقر به في مرضه مقدم على الميراث ) ومعناه أنه يقضي دين الصحة والدين المعروف السبب ، فإن فضل شيء قضي ما أقر به في مرضه ، فإن فضل شيء فللورثة ، والدليل عليه أنه تعلق حق غرماء الصحة بماله بأول مرضه حتى ينتقض تبرعه لحقهم ، ففي إقراره لغيرهم إبطاله حقهم فلا يصح ، وكذا لا يجوز أن يقر بعين في يده وعليه ديون ؛ وهذا لأن الإقرار حجة قاصرة فلا يثبت في حق غيره ، وما ثبت بالبينة أو بمعاينة القاضي حجة في حق الكافة فكان أولى ، وكذلك النكاح لأنه من الحوائج الأصلية وكذا الديون المعروفة السبب ؛ لأنه لا تهمة فيها ، وكذا لا يجوز له أن يقضي دين بعض الغرماء دون البعض لما فيه من إبطال حق الباقين ، فإذا قضيت ديون الصحة والمعروفة الأسباب يقضي ما أقر به في مرضه; كما لو لم يكن عليه دين الصحة ، وكان أحق من الورثة لحاجته إليه ؛ لأن ماله إنما ينتقل إلى الورثة عند فراغ حاجته ، وفراغ ذمته من أهم الحوائج .

قال : ( وإقرار المريض لوارثه باطل إلا أن يصدقه بقية الورثة ) قال - عليه الصلاة والسلام - : " لا وصية لوارث ولا إقرار بدين " ولأنه تعلق به حق جميع الورثة ، فإقراره لبعضهم إبطال لحق الباقين ، وفيه إيقاع العداوة بينهم كما فيه من إيثار البعض على البعض ، وأنه منشأ للعداوة والبغضاء ، وقضية يوسف وإخوته أكبر شاهد ، وكذا لا يصح إقراره إن قبض منه دينه أو رجع فيما وهبه منه في مرضه ، أو قبض ما غصبه منه أو رهنه عنده ، أو استرد المبيع في البيع الفاسد لما بينا ، وكذا لا يجوز ذلك لعبد وارثه ولا مكاتبه ؛ لأنه يقع لمولاه ملكا أو حقا ، ولو صدرت هذه الأشياء منه للوارث وهو مريض ثم برأ ثم مات جاز ذلك كله ؛ لأنه لم يكن مرض الموت فلم يتعلق به حق الورثة; ولو أقر لأخيه وهو وارثه ثم جاءه ابن ومات صح الإقرار لأخيه ، ولو أقر له وله ابن فمات الابن ثم مات المقر بطل الإقرار للأخ ، وهذا لأن الوارث من يرثه وذلك إنما يتبين بالموت ، ففي [ ص: 411 ] المسألة الأولى لم يرث فصح ، وفي الثانية ورث فلم يصح .

( ومن طلق امرأته في مرضه ثلاثا ثم أقر لها ومات فلها الأقل من الإقرار والميراث ) وكذا لو تصادقا على الطلاق وانقضاء العدة في مرضه ثم أقر لها أو أوصى ، وقالا لها في الثانية ما أقر لها أو أوصى; وقال زفر في الأولى كذلك أيضا ؛ لكونها أجنبية في المسألتين . ولهما أنها أجنبية بالطلاق وانقضاء العدة فيصح لها الإقرار والوصية لعدم التهمة ، بخلاف المسألة الأولى ؛ لأن بقاء العدة دليل التهمة .

ولأبي حنيفة أن التهمة قائمة فإنها تختار الفرقة لينفتح عليها باب الوصية والإقرار فيصل إليها أكثر من ميراثها ويصطلحان على البينونة وانقضاء العدة لذلك ، فإن كانت الوصية والإقرار أكثر من ميراثها جاءت التهمة ، وفيه إبطال حق الورثة فلا يجوز ، وإن كان الميراث أكثر فلا تهمة فيجوز الإقرار والوصية .

قال : ( وإن أقر المريض لأجنبي ثم قال هو ابني بطل إقراره ، وإن أقر لامرأة ثم تزوجها لم يبطل ) لأن البنوة تستند إلى وقت العلوق ، فكان ابنا له وقت الإقرار فتبين أنه كان وارثا وقت الإقرار ، والزوجية تقتصر على حالة العقد ، فصح الإقرار لكونها أجنبية فلا يبطل ، حتى لو أوصى لها أو وهبها ثم تزوجها لا يصح ؛ لأن الوصية إنما تصح بعد الموت وهي وارثة والهبة في المرض وصية فكانت كهي .

قال : ( ويصح إقرار الرجل بالولد والوالدين والزوجة والمولى إذا صدقوه ) إذا كان الولد يعبر عن نفسه وإلا يثبت بمجرد الدعوى منه لما فيه من النظر له من ثبوت النسب ووجوب النفقة وغير ذلك .

( وكذلك المرأة إلا في الولد فإنه يتوقف على تصديق الزوج أو شهادة القابلة ) وأصله أن شرط صحة هذا الإقرار تصديق المقر له ليصير حجة في حقه فيلزمهما الأحكام بتصادقهما ، وتصور كونه منه لئلا يكذبه العقل وأن لا يكون معروف النسب من غيره لئلا يكذبه الشرع ، وأما المرأة فإنها تحتاج إلى تصديق الزوج ؛ لأن فيه تحمل النسب عليه فلا يقبل إلا بتصديقه أو ببينة وفي شهادة القابلة على ما يعرف في موضعه إن شاء الله تعالى .

[ ص: 412 ] وإذا صح الإقرار بهؤلاء لا يملك الرجوع فيه ؛ لأن النسب إذا ثبت لا يبطل بالرجوع وله الرجوع إذا أقر بمن لا يثبت نسبه كقرابة غير الولاد لأنه وصية معنى ، وإنما لا يصح النسب بغير قرابة الولاد بالإقرار لما فيه من تحمل النسب على الغير فالأخ نسبه إلى الأب ، والعم إلى الجد وهكذا ، لكن إذا لم يكن له وارث غيره ورثه ، لأن إقراره تضمن أمرين : تحمل النسب على غيره ولا يملكه فبطل ، والإقرار له بالمال وإنما يملكه عند عدم الوارث فيصح .

( ومن مات أبوه فأقر بأخ شاركه في الميراث ) لأنه اعترف له بنصف الميراث .

( ولا يثبت نسبه ) لما بينا ، ثم التصديق يصح بعد الموت في النسب لبقائه ، وكذا تصديق الزوجة لبقاء أحكامه وهو غسلها له والعدة ، ولا يصح تصديق الزوج لانقطاع النكاح بالموت حتى لا يجوز له غسلها ، فصار كالتصديق بعد هلاك العين; وعندهما يصح ؛ لأن الإرث من الأحكام .

التالي السابق


الخدمات العلمية