صفحة جزء
[ ص: 5 ] " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين " .

( حديث شريف )

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الحوالة

وهي جائزة بالديون دون الأعيان ، وتصح برضا المحيل والمحتال والمحال عليه ، وإذا تمت الحوالة برئ ( ز ) المحيل حتى لو مات لا يأخذ المحتال من تركته ، لكن يأخذ كفيلا من الورثة أو من الغرماء مخافة التوى ، ولا يرجع عليه المحتال إلا أن يموت المحال عليهما مفلسا ( سم ) ، أو يجحد ( ف ) ولا بينة عليه ، فإن طالب المحتال عليه المحيل فقال : إنما أحلت بدين لي عليك لم يقبل ، وإن طالب المحيل المحتال بما أحاله به فقال : إنما أحلتني بدين لي عليك لم يقبل .


[ ص: 5 ] كتاب الحوالة

وهي مشتقة من التحول بمعنى الانتقال ، يقال : تحول من المنزل إذا انتقل عنه ، ومنه تحويل الفراش .

وفي الشرع : نقل الدين وتحويله من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه ، ولهذا قلنا : إذا صحت الحوالة برئ المحيل لتحوله إلى ذمة المحال عليه ; لأن من المحال بقاء الشيء الواحد في محلين في زمان واحد .

وهو عقد مشروع ، قال - صلى الله عليه وسلم - : " من أحيل على مليء فليتبع " أمر باتباعه ، ولولا الجواز لما أمر به ، حتى إن من العلماء من قال بوجوب الاتباع نظرا إلى ظاهر الحديث ، ونحن نقول : المراد منه الإباحة ; لأن تحول حقه إلى ذمة أخرى من غير اختياره ضرر به ، وإنما خصه - عليه الصلاة والسلام - بالمليء حكما للغالب ; لأن الغالب في الحوالات ذلك لا أنه شرط الجواز .

[ ص: 6 ] ثم عند أبي يوسف الحوالة توجب براءة المحيل من الدين ، والمطالبة براءة مؤقتة إلى أن يتوى ، ما على المحال عليه ، حتى لو أبرأ المحال المحيل صح ، ولو أحال الراهن المرتهن بدينه استرد الرهن .

وعند محمد توجب البراءة من المطالبة دون الدين فلا يصح الإبراء ، ولا يسترد الراهن الرهن . لمحمد - رحمه الله - أن نقل الدين غير ممكن ; لأنه تمليك المال وذلك لا يقبل النقل ، وموجبه المطالبة وهي تقبل النقل ، ولهذا لو أدى المحيل الدين أجبر المحال على قبوله . ولأبي يوسف - رحمه الله - أن الحوالة أضيفت إلى الدين ، ولو أضيفت إلى المطالبة لا تكون حوالة ، فوجب القول بتحويل الدين لحقيقة الإضافة ، وإنما صح الأداء من المحيل لأنه ثبت له بالحوالة براءة مؤقتة ، وبالأداء تثبت له براءة مؤبدة وأنه زيادة فائدة .

قال : ( وهي جائزة بالديون دون الأعيان ) لما مر أنها تبنى على التحول ، وإنما تتحول الديون دون الأعيان .

قال : ( وتصح برضا المحيل والمحتال والمحال عليه ) أما المحيل فلأنه الأصل في الحوالة ، ومنه توجد ، وذكر في الزيادات أن رضا المحيل ليس بشرط لأن المحال عليه يتصرف في نفسه بالتزام الدين ولا ضرر على المحيل بل فيه نفعه ; لأنه لا يرجع عليه إلا برضاه .

وأما المحتال والمحال عليه ، فلتفاوت الناس في القضاء والاقتضاء ، فلعل المحال عليه أعسر وأفلس ، والمحتال أشد اقتضاء ومطالبة ، فيشترط رضاهما دفعا للضرر عنهما .

قال : ( وإذا تمت الحوالة برئ المحيل ) لما مر . وقال زفر : لا يبرأ ; لأنها للاستيثاق فبقي الدين على المحيل كالكفالة . وجوابه ما مر أنها من التحويل ، ولا بقاء مع التحويل على ما بينا فيبرأ المحيل .

( حتى لو مات لا يأخذ المحتال من تركته ، لكن يأخذ كفيلا من الورثة أو من الغرماء مخافة التوى ، ولا يرجع عليه المحتال إلا أن يموت المحال عليه مفلسا أو يجحد ولا بينة عليه ) [ ص: 7 ] لأنه عجز عن الوصول إلى حقه ، والمقصود من الحوالة سلامة حقه فكانت مقيدة بالسلامة ، فإذا فاتت السلامة انفسخت كالعيب في المبيع . وعندهما يرجع بوجه آخر أيضا ، وهو أن يحكم الحاكم بإفلاسه في حياته بناء على أن الإفلاس يتحقق عندهما بقضاء القاضي وعنده لا .

قال : ( فإن طالب المحتال عليه المحيل فقال : إنما أحلت بدين لي عليك لم يقبل ) وعليه مثل ما أحال لتحقق السبب وهو قضاء دينه بأمره ، لكن المحيل يدعي عليه دينا وهو ينكر ، والقول قول المنكر ، والحوالة ليست إقرارا بالدين فإنها تكون بدونه .

( وإن طالب المحيل المحتال بما أحاله به فقال : إنما أحلتني بدين لي عليك لم يقبل ) ; لأن المحتال يدعي عليه الدين وهو ينكر ، وفي الحوالة معنى الوكالة فيكون القول قوله .

التالي السابق


الخدمات العلمية