صفحة جزء
[ ص: 32 ] باب المسح على الخفين

ويجوز لمن وجب عليه الوضوء لا الغسل ، ويشترط لبسهما على طهارة كاملة ، ويمسح المقيم يوما وليلة ، والمسافر ثلاثة أيام ولياليها عقيب الحدث بعد اللبس ، ويمسح على ظاهرهما خطوطا بالأصابع ، وفرضه مقدار ثلاثة ( ف ) أصابع من اليد . والسنة أن يبدأ من أصابع الرجل إلى الساق ، ولا يجوز على خف فيه خرق يبين منه مقدار ثلاثة ( ف ) أصابع من أصابع الرجل الصغار ، وتجمع خروق كل خف على حدته . ويجوز المسح على الجرموق ( ف ) فوق الخف . ويجوز على الجوربين إذا كانا ثخينين ( ف ) أو مجلدين أو منعلين .

وينقضه ما ينقض الوضوء ونزع الخف ومضي المدة ، فإذا مضت المدة نزعهما وغسل رجليه ، وخروج القدم إلى ساق الخف نزع ، ولو مسح مسافر ثم أقام بعد يوم وليلة نزع ، وقبل ذلك يتم يوما وليلة ، ولو مسح مقيم ثم سافر قبل يوم وليلة تمم مدة المسافر ( ف ) .

ولا يجوز المسح على العمامة والقلنسوة والبرقع والقفازين ، ويجوز على الجبائر وإن شدها على غير وضوء فإن سقطت عن برء بطل .


باب المسح على الخفين

الأصل في جوازه السنة ، وهي ما روي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " يمسح المسافر ثلاثة أيام بلياليها ، والمقيم يوما وليلة " . وقال الحسن البصري : حدثني سبعون رجلا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم رأوه يمسح على الخفين . وقال أبو حنيفة : من أنكر المسح على الخفين يخاف عليه الكفر ، فإنه ورد فيه من الأخبار ما يشبه التواتر . وقال أبو يوسف : يجوز نسخ القرآن بمثله . وقال أبو حنيفة : لولا أن المسح لا يختلف فيه لما مسحنا .

قال : ( ويجوز لمن وجب عليه الوضوء لا الغسل ) لحديث صفوان قال : " أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كنا سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليها لا عن جنابة ، لكن عن بول أو غائط أو نوم " .

[ ص: 33 ] ( ويشترط لبسهما على طهارة كاملة ) سواء أكملت قبل اللبس أو بعده ، حتى لو غسل رجليه ثم لبس خفيه ، ثم أكمل الطهارة جاز المسح . وكمال الطهارة شرط عند الحدث ; لأن الخف يمنع سراية الحدث إلى الرجل ، ولا يرفعه فيظهر حكمه عند الحدث فيعتبر الشرط عنده .

قال : ( ويمسح المقيم يوما وليلة ، والمسافر ثلاثة أيام ولياليها ) للحديث أولها .

( عقيب الحدث بعد اللبس ) لأن ما قبل ذلك فهي طهارة الغسل لا المسح ; لأن الخف جعل مانعا من سراية الحدث ، وذلك عند الحدث لا قبله .

قال : ( ويمسح على ظاهرهما ) حتى لو مسح باطنه أو عقبه أو ساقه لا يجوز لقول علي - رضي الله عنه - : لو كان الدين بالرأي لكان باطن الخف أولى بالمسح ، لكني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح ظاهرهما .

( خطوطا بالأصابع ) .

قال : ( وفرضه مقدار ثلاثة أصابع من اليد ) ذكره محمد وهو الأصح ، لأنها آلة المسح .

وقال الكرخي : من أصابع الرجل ، ولو أصاب موضع المسح ماء قدر ثلاث أصابع جاز ، وكذلك لو مشى في حشيش مبتل بالمطر ، ولو كان مبتلا بالطل قيل يجوز لأنه ماء ، وقيل لا ، لأنه نفس دابة من البحر يجذبه الهواء إلى الأرض .

( والسنة أن يبدأ من أصابع الرجل إلى الساق ) هكذا نقل فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولو بدأ من الساق إلى الأصابع جاز لحصول المقصود إلا أنه خلاف السنة .

قال : ( ولا يجوز على خف فيه خرق يبين منه مقدار ثلاثة أصابع من أصابع الرجل الصغار ) وإن كان أقل من ذلك يجوز ؛ لأن خفاف الناس لا تخلو عن القليل ، فلو اعتبرناه لخرجوا ، ولا [ ص: 34 ] كذلك الكبير ; ولأن الكبير يمنع المشي المعتاد ، فلا يجوز المسح عليه كاللفافة ولا كذلك القليل ، والخرق المانع أن يكون منفرجا يظهر ما تحته حتى لو كان طولا ، أو كان الخف قويا لا يبين ما تحته لا يمنع ; لأن المعتبر الظهور حتى يجب الغسل ، فإذا لم يظهر لا يؤثر ولو كان الخرق تحت القدم ، فإن كان أكثر القدم منع ، وإن كان فوق الكعبين لم يمنع وإن كثر ، واعتبر ثلاثة أصابع لأنها أكثر الرجل والأصابع هي الأصل في القدم ، واعتبرنا الصغار احتياطا .

قال : ( وتجمع خروق كل خف على حدته ) ولا يجمع خروق الخفين ، ولو كانت النجاسة في خفي المصلي أو ثوبيه أو ثوبه وبدنه تجمع ; لأن النجاسة مانعة من الصلاة لعينها ، وخرق الخف ليس مانعا لعينه ، بل لكونه مانعا من تتابع المشي ، وذلك في الواحد لا في الخفين .

قال : ( ويجوز المسح على الجرموق فوق الخف ) لما روي أنه - عليه الصلاة والسلام - مسح على الجرموقين ، ولأنهما كخف ذي طاقين ، ومعناهما إذا لبسهما على الخفين قبل الحدث ، حتى لو لبسهما بعد الحدث أو بعد ما مسح على الخف لا يمسح عليهما ; لأن الحدث حل الخف ، ويجوز المسح على المكعب إذا ستر الكعبين ، وكذا إذا كانت مقدمته مشقوقة ، إلا أنها مشدودة أو مزررة لأنها بمنزلة المخرزة .

قال : ( ويجوز على الجوربين إذا كانا ثخينين أو مجلدين أو منعلين ) لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أنه مسح على الجوربين " ، وروي ذلك عن عشرة من الصحابة - رضي الله عنهم - . وكان أبو حنيفة - رضي الله عنه - أولا يقول : لا يجوز إلا أن يكونا منعلين ; لأنه لا يقطع فيهما المسافة ، ثم رجع إلى ما ذكرنا وعليه الفتوى . قال : ( وينقضه ما ينقض الوضوء ) لأنه ينقض الغسل فلأن ينقض المسح أولى .

[ ص: 35 ] قال : ( ونزع الخف ) لأنه المانع من سراية الحدث إلى الرجل ، فإذا نزعه زال المانع ، ولأن الجواز دفعا لحرج النزع ، ولم يبق فيغسلهما كما قبل اللبس ، وكذلك نزع أحد خفيه لأنه يجب غسلهما فيجب غسل الأخرى لئلا يجمع بين الأصل والبدل .

قال : ( ومضي المدة ) لأنه رخصة ثبتت مؤقتة فتزول بمضي الوقت كالمستحاضة .

قال : ( فإذا مضت المدة نزعهما وغسل رجليه ) لما بينا .

( وخروج القدم إلى ساق الخف نزع ) لأنه لا يمكنه المشي فيه كذلك ولو خرج بعضه . قال أبو حنيفة : إن خرج أكثر عقبه إلى الساق بطل مسحه لما تقدم . وقال أبو يوسف : ما لم يخرج أكثر القدم إلى الساق لا يبطل لأن للأكثر حكم الكل . وقال محمد : إن بقي من القدم مقدار ثلاثة أصابع لم يبطل لبقاء محل المسح .

قال : ( ولو مسح مسافر ثم قام بعد يوم وليلة نزع ) لأن الثلاث مدة السفر ، ولا سفر فلا يجوز .

( وقبل ذلك يتم يوما وليلة ) لأنه مقيم فليستكمل مدة الإقامة .

( ولو مسح مقيم ثم سافر قبل يوم وليلة تمم مدة المسافر ) لأنه مسافر ، فإن الحكم يتعلق بآخر الوقت كما في المسألة المتقدمة بخلاف ما إذا سافر بعد يوم وليلة ؛ لأن الحدث سرى إلى الرجل فلا بد من الغسل .

قال : ( ولا يجوز المسح على العمامة والقلنسوة والبرقع والقفازين ) واللفافة ; لأن المسح ثبت في الخفين للحرج ، ولا حرج في نزع هذه الأشياء .

قال : ( ويجوز ) المسح .

( على الجبائر ) وليس بفرض عند أبي حنيفة ، وهو الصحيح حتى لو تركه من غير ضرر جاز .

[ ص: 36 ] وقالا : لا يجوز . لهما ما روي " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عليا حين كسرت زنده يوم أحد بالمسح عليها " ، وقياسا على الخف . وله أن المسح بدل عن الغسل ولا يجب غسل ما تحت الجبيرة لو ظهر بخلاف ما تحت الخف وحديث علي لا يوجب الفرضية لأنه خبر آحاد .

قال : ( و ) يجوز .

( إن شدها على غير وضوء ) لأن في اعتباره حرجا ، ولأن غسل ما تحتها سقط بخلاف ما تحت الخفين .

( فإن سقطت عن برء بطل ) لأن المسح للعذر وقد زال ، بخلاف ما إذا سقطت لا عن برء لم يبطل المسح ؛ لأن العذر باق ، وإن كانت الجبيرة زائدة على رأس الجرح ، فإن كان حل الخرقة وغسل ما تحتها يضره مسح على الكل ، وإن كان لا يضره ذلك غسل ما حول الجراحة ومسح عليها لا على الخرقة ، وإن كان يضره المسح دون الحل مسح على الخرقة التي على الجرح وغسل حواليها وما تحت الخرقة الزائدة ; لأن جواز المسح للضرورة فيتقدر بقدرها ، وهذا التفصيل عن الحسن بن زياد ، وهكذا الكلام في عصابة الفصاد والقروح والجراحات . وعلى هذا لو وضع على شقاق رجليه دواء لا يصل الماء تحته يجري الماء على ظاهر الدواء لما ذكرنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية