صفحة جزء
[ ص: 68 ] فصل

[ الرجوع في الهبة ]

ويجوز الرجوع فيما يهبه للأجنبي ( ف ) ويكره ، فإن عوضه أو زادت زيادة متصلة أو مات أحدهما أو خرجت عن ملك الموهوب له فلا رجوع ، ولا رجوع فيما يهبه لذي رحم محرم منه أو زوجة أو زوج ، ولو قال الموهوب له خذ هذا بدلا عن هبتك أو عوضها أو مقابلها أو عوضه أجنبي متبرعا فقبضه سقط الرجوع ، ولو استحق نصف الهبة رجع ، وإن استحق جميع العوض رجع بالهبة ، والهبة بشرط العوض يراعى فيها حكم الهبة قبل القبض والبيع بعده ، ولا يصح الرجوع إلا بتراضيهما أو بحكم الحاكم ، وإن هلكت في يده بعد الحكم لم يضمن .


فصل

[ الرجوع في الهبة ]

المعاني المانعة من الرجوع في الهبة : المحرمية من القرابة ، والزوجية ، والمعاوضة ، وخروجها من ملك الموهوب له ، وحدوث الزيادة أو التغيير في عينها ، وموت الواهب أو الموهوب له على ما نبينه - إن شاء الله تعالى - .

قال : ( ويجوز الرجوع فيما يهبه للأجنبي ) لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها " أي ما لم يعوض عنها ( ويكره ) ذلك لأنه من باب الخساسة والدناءة . وقال - عليه الصلاة والسلام - : " العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه " شبهه له لخساسة الفعل ودناءة الفاعل ، وتأويل قوله - عليه الصلاة والسلام - : " لا يحل للواهب أن يرجع في هبته إلا الوالد فيما يهب لولده " أي لا يحل له الرجوع من غير قضاء ولا رضى إلا الوالد فإنه يحل له ذلك عند الحاجة ، فهذا الحمل أولى جمعا بين الحديثين .

قال : ( فإن عوضه أو زادت زيادة متصلة ) في نفسها ( أو مات أحدهما ، أو خرجت عن [ ص: 69 ] ملك الموهوب له فلا رجوع ) أما إذا عوضه فلما روينا من الحديث ، ولأن المقصود من الهبة التعويض عادة وقد حصل . وأما الزيادة كالسمن والكبر والبناء والغرس والصبغ والخياطة فلأنه لا يمكن الرجوع بدون الزيادة ، ولا سبيل إلى الرجوع مع الزيادة لأن العقد ما ورد عليها . وأما موت الواهب فلا سبيل للوارث عليها إذ هو أجنبي من العقد . وأما موت الموهوب له فللانتقال إلى ورثته ، والتمليك لم يوجد منه وصار كما إذا انتقل منه حال حياته وأما إذا خرجت من ملك الموهوب له فلأنه إنما أخرجها بتسليطه فلا يملك نقضه كالوكيل ، ونقصان الموهوب لا يمنع الرجوع بأن انتقصت قيمته أو انهدم البناء أو ولدت الجارية ، بنصف العوض ، وإن استحق بعض العوض لا يرجع بشيء منه ( ز ) ، إلا أنه لا يرجع فيها حتى يستغني عنها ولدها ، ولو وهبه عبدا فشب فازدادت قيمته ثم شاخ فنقصت لا يرجع فيه لأنه ازداد في بدنه وطال في جثته ثم انتقص بوجه آخر وهو شيخوخته فلا يرجع .

قال : ( ولا رجوع فيما يهبه لذي رحم محرم منه أو زوجة أو زوج ) ; لأن المقصود صلة الرحم وزيادة الألفة بين الزوجين ، وفي الرجوع قطيعة الرحم والألفة ; لأنها تورث الوحشة والنفرة فلا يجوز صيانة للرحم عن القطيعة وإبقاء للزوجية على الألفة والمودة وفي الحديث : " إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع فيها " ، وسواء كان أحد الزوجين مسلما أو كافرا لشمول المعنى ، ولو وهبها ثم أبانها لم يرجع ، ولو وهب أجنبية ثم تزوجها له الرجوع ، والمعتبر المقصود وقت العقد ، وإن وهب لأخيه وهو عبد له الرجوع ، وكذلك إن وهب لعبد أخيه عند أبي حنيفة ، وقالا : لا رجوع له لأن الملك وقع للمولى فكان هبة للأخ ، وله أن الهبة وقعت للعبد حتى اعتبر قبوله ورده ، والملك يقع له ، ثم ينتقل إلى مولاه عند الفراغ من حاجته حتى لو كان مديونا لا ينتقل إلى مولاه ولا صلة بينه وبين العبد .

قال : ( ولو قال الموهوب له : خذ هذا بدلا عن هبتك أو عوضها أو مقابلها أو عوضه أجنبي متبرعا فقبضه سقط الرجوع ) ; لأن هذه الألفاظ في معنى المعاوضة ، وكذلك لو قال : خذ هذا مكان هبتك ، أو ثوابا منها ، أو كافأتك به ، أو جازيتك عليه ، أو أثبتك ، أو نحلتك هذا عن [ ص: 70 ] هبتك ، أو تصدقت به عليك بدلا عن هبتك فهذا كله عوض وحكمه حكم الهبة ، يصح بما تصح به الهبة ، ويبطل بما تبطل به ، ويتوقف الملك فيه على القبض ولا يكون في معنى المعاوضة أصلا ، وإن لم يضف العوض إلى الهبة بأن أعطاه شيئا ولم يقل عوضا عن هبتك لا يكون عوضا ولكل واحد منهما الرجوع ، فإن عوضه عن جميع الهبة بطل الرجوع في الجميع قل العوض أو كثر ، وإن عوضه عن نصفها فله الرجوع فيما بقي لأن المانع التعويض فيتقدر بقدره .

قال : ( ولو استحق نصف الهبة رجع بنصف العوض ) لأنه ما عوضه بهذا العوض إلا ليسلم له جميع الموهوب ولم يسلم إلا نصفه فيرجع بنصف ما عوضه ( وإن استحق بعض العوض لا يرجع بشيء منه ) وقال زفر : يرجع بحصته من الموهوب اعتبارا بالعوض الآخر . ولنا أنه لما استحق بعضه ظهر أنه ما عوضه إلا بالباقي وهو يصلح عوضا عن الكل ، فلا يرجع إلا أن يرد الباقي ثم يرجع ; لأنه ما أسقط حقه في الرجوع بقبول العوض إلا ليسلم له جميع العوض ولم يسلم فله رده ، وإذا رده بطل التعويض فعاد حق الرجوع .

قال : ( وإن استحق جميع العوض رجع بالهبة ) لما بينا . قال : ( والهبة بشرط العوض يراعى فيها حكم الهبة قبل القبض ) فلا يصح في المشاع ( و ) حكم ( البيع بعده ) رعاية للفظ والمعنى . وصورته : أن يهبه عبدا على أن يعوضه عنه ثوبا ، فلكل واحد منهما الامتناع ما لم يتقابضا كما في الهبة ، فإذا تقابضا صار بمنزلة البيع يردان بالعيب وتجب الشفعة ، وإن استحق ما في يد أحدهما رجع بعوضه إن كان قائما ، وبقيمته إن كان هالكا .

قال : ( ولا يصح الرجوع إلا بتراضيهما أو بحكم الحاكم ) ; لأنه فصل مجتهد فيه مختلف بين العلماء فله الامتناع ، وولاية الإلزام للقاضي ، وإن تراضيا فقد أبطل حقه فيجوز ( وإن هلكت في يده بعد الحكم ) بالرد ( لم يضمن ) ; لأنه أمانة في يده حيث قبضه لا على وجه الضمان .

التالي السابق


الخدمات العلمية