صفحة جزء
[ ص: 71 ] فصل

[ العمرى والرقبى ]

العمرى جائزة للمعمر حال حياته ، ولورثته بعد مماته ، وهي أن يجعل داره له عمره ، فإذا مات ترد عليه ، والرقبى باطلة ( س ) ، وهي أن تقول : إن مت فهي لي ، وإن مت فهي لك .

والصدقة كالهبة إلا أنه لا رجوع فيها ، ومن نذر أن يتصدق بماله فهو على جنس مال الزكاة ( ز ) ، وبملكه على الجميع ، ويمسك ما ينفقه حتى يكتسب ثم يتصدق بمثل ما أمسك .


[ ص: 71 ] فصل

[ العمرى والرقبى ]

( العمرى جائزة للمعمر حال حياته ولورثته ) من ( بعد مماته ) ويبطل الشرط ( وهي أن يجعل داره له عمره ، فإذا مات ترد عليه ) لما تقدم من الحديث ، ولما روي أنه - عليه الصلاة والسلام - أجاز العمرى وأبطل شرط المعمر ، ولو قال : داري لك عمرى سكنى أو نحلى سكنى أو سكنى صدقة أو صدقة عارية أو عارية هبة أو هبة سكنى أو سكنى هبة فهي عارية ; لأن ذكر المنفعة وهي السكنى حقيقة في العارية ; لأن العارية تمليك المنفعة وتحتمل الهبة ، والحمل على الحقيقة أولى ، ولو قال : هبة تسكنها فهي هبة ; لأن قوله تسكنها مشورة وتنبيه على المقصود وليس بتفسير ، بخلاف قوله سكنى .

قال : ( والرقبى باطلة ، وهي أن تقول ) داري لك رقبى ، ومعناه : ( إن مت فهي لي ، وإن مت فهي لك ) ، كأن كل واحد منهما يرقب موت الآخر لما روى شريح : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أجاز العمرى ورد الرقبى " ومراده الرقبى من الترقب ، أما من الإرقاب ومعناه رقبة داري لك فإنه يجوز ، وهو محمل حديث جابر ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أجاز العمرى والرقبى " إلا أنه محتمل ، ولا تثبت الهبة بالشك لتكون عارية . وقال أبو يوسف : الرقبى جائزة لحديث جابر ، ولأن قوله : داري لك تمليك ، وقوله رقبى شرط فاسد لا يبطل الهبة . ولهما حديث شريح ، ولأنه تعليق الملك بالخطر فلا يصح ، وإذا لم يصح يكون عارية عندهما ; لأنه يقتضي إطلاق الانتفاع به ، ولو قال : جميع مالي أو كل شيء أملكه أو جميع ما أملكه لفلان فهو هبة ; لأن ملكه لا يصير [ ص: 72 ] لغيره إلا بتمليكه ، ولو قال : جميع ما يعرف بي أو ينسب إلي لفلان فهو إقرار لجواز أن يكون للمقر له ، وهو في يد المقر يعرف به وينسب إليه .

قال : ( والصدقة كالهبة ) في جميع أحكامها لأنه تبرع ( إلا أنه لا رجوع فيها ) لأن المقصود منها الثواب وقد حصل ، وكذا الهبة للفقير لأن المقصود الثواب ، وكذا لو تصدق على غني لأنه قد يطلب منه الثواب بأن يعينه على النفقة لكثرة عياله ، ويؤيد ذلك أنه عبر بالصدقة عنها .

قال : ( ومن نذر أن يتصدق بماله فهو على جنس مال الزكاة ) ; لأن إيجاب العبد معتبر بإيجاب الله - تعالى - ، وإيجاب الله - تعالى - الصدقة المضافة إلى المال يتناول أموال الزكاة ، قال الله - تعالى - : ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم ) الآية ، فكذا إيجاب العبد ، فيتصدق بالذهب والفضة وعروض التجارة والسوائم والغلة والثمرة العشرية والأرض العشرية ، خلافا لمحمد لأن الغالب في العشر معنى العبادة حتى لا تجب على الكافر فكانت في معنى الزكاة ، ولا يتصدق بغير ذلك من الأموال ; لأنها ليست أموال الزكاة . وقال زفر : يتناول جميع ماله وهو القياس عملا بعموم اللفظ ، وجوابه ما مر ، ولو نذر أن يتصدق بملكه فهو على الجميع ، وذكر الحاكم الشهيد أنه والأول سواء في الاستحسان ; لأن ذكر المال والملك سواء ، وكذلك ذكر النسفي عنهما . قال : وأبو يوسف فرق بينهما وقال : لفظة الملك أعم عرفا ، والأول أصح ; لأن الشرع إنما أضاف الصدقة إلى المال لا إلى الملك وذلك موجب تخصيص المال فبقي الملك على عمومه ، وإن لم يكن سوى مال الزكاة لزمه التصدق بالكل بالإجماع .

( ويمسك ما ينفقه حتى يكتسب ثم يتصدق بمثل ما أمسك ) ; لأنه لو تصدق بالجميع احتاج أن يسأل أو يموت جوعا وأنه ضرر فاحش ، فيمسك قدر حاجته دفعا للضرر عنه ، ولم نقدره بشيء لأن الناس يختلفون في ذلك باختلاف أحوالهم في النفقات فالحاصل أنه يمسك مقدار كفايته في نفقته إلى أن يقدر على أداء مثله ، ولو قال : داري في المساكين صدقة فعليه أن يتصدق بها ، وإن تصدق بقيمتها أجزأه ، ولو قال لآخر : كل ما يصل إلي من مالك فعلي أن أتصدق به فوهبه شيئا فعليه أن يتصدق به ، ولو أذن له أن يأكل من طعامه لا يتصدق به ; لأن الإباحة لا يملكه إلا بالأكل ، وبعد الأكل لا يمكن التصدق به .

التالي السابق


الخدمات العلمية