صفحة جزء
[ ص: 113 ] [ محرمات النكاح ]

ويحرم على الرجل نكاح أمه ، وجداته ، وبنته ، وبنات ولده ، وأخته وبنتها ، وبنت أخيه وعمته وخالته ، وأم امرأته وبنتها إن دخل بها ، وامرأة أبيه وأجداده وبنيه وبني أولاده ، والجمع بين الأختين نكاحا ووطئا بملك يمين ، ويحرم من الرضاع من ذكرنا من النسب

ولو تزوج أختين في عقد واحد فسد نكاحهما ، ولو تزوج أختين في عقدتين ولا يدري أيتهما أولى فرق بينه وبينهما ، وإذا طلق امرأته لا يجوز أن يتزوج أختها ولا رابعة حتى تنقضي عدتها ، ولا يجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها ، ولا يجوز نكاح الأمة على الحرة ولا معها ولا في عدتها ( سم ) ، ويجوز نكاح الحرة والأمة على الأمة ومعها وفي عدتها ، ويجوز للحر أن يتزوج أربعا من الإماء ، ويجوز أن يتزوج أمة مع القدرة على الحرة ، ولا يجوز أن يتزوج زوجة الغير ولا معتدته ، ولا يتزوج حاملا من غيره إلا الزانية ( س ف ) ، فإن فعل لا يطؤها حتى تضع ، ولا يجوز أن يتزوج أمته ولا المرأة عندها ، ولا يجوز نكاح المجوسيات والوثنيات ولا وطؤهن بملك يمين ، ويجوز تزويج الكتابيات والصابئيات ( سم ) والزنا يوجب حرمة المصاهرة ، وكذا المس بشهوة من الجانبين والنظر إلى الفرج من الجانبين أيضا .

ومن جمع بين امرأتين إحداهما لا يحل له نكاحها صح نكاح الأخرى ، ويجوز أن يتزوج المحرم حالة الإحرام .


فصل

في المحرمات

( ويحرم على الرجل نكاح أمه وجداته ، وبنته ، وبنات ولده ، وأخته وبنتها ، وبنت أخيه ، وعمته ، وخالته ، وأم امرأته وبنتها إن دخل بها ، وامرأة أبيه وأجداده وبنيه وبني أولاده ، والجمع بين الأختين نكاحا ووطئا بملك يمين ، ويحرم من الرضاع من ذكرنا ) ما يحرم ( من النسب ) .

اعلم أن المحرمات بكتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - تسعة أقسام : بالقرابة ، وبالصهرية ، وبالرضاع ، وبالجمع ، وبالتقديم ، وبتعلق حق الغير به ، وبالملك ، وبالكفر ، وبالطلقات الثلاث .

فالمحرمات بالقرابة سبعة أنواع : الأمهات وإن علون ، والبنات وإن سفلن ، والأخوات من أي جهة كن ، والخالات والعمات جميعهن ، وبنات الأخ وبنات الأخت وإن سفلن فهن محرمات بنص الكتاب نكاحا ووطئا ، ودواعيه على التأبيد ، قال الله - تعالى - : ( حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت ) نص على التحريم مطلقا فيقتضي حرمة جميع الأفعال في المحل المضاف إليه التحريم إلا فعلا فيه تعظيم وتكريم [ ص: 114 ] فإنه خارج عن الإرادة ، إما لأنه مأمور به بالنصوص الموجبة لصلة الرحم وبر الوالدين والإحسان بهما ، أو لوجوب ذلك عقلا ، أو بالإجماع . وما عداهن من القرابات محللات بقوله - تعالى - : ( وأحل لكم ما وراء ذلكم ) .

والمحرمات بالصهرية أربعة : أم امرأته وبناتها ، فتحرم أمها بنفس العقد على البنت . قال - تعالى - : ( وأمهات نسائكم ) مطلقا ، ولا تحرم البنت حتى يدخل بالأم ، قال - تعالى - : ( وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ) الآية ، وتحرم الربيبة وإن لم تكن في حجر الزوج ، وذكر الحجر في الآية خرج مخرج العادة لا للشرط ، وكذا بنات بنت المرأة وبنات ابنها لدخولهن تحت اسم الربيبة ، وحليلة الابن وابن الابن وابن البنت وإن سفل حرام على الأب دخل الابن بها أو لم يدخل لقوله - تعالى - : ( وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم ) فلا يدخل فيه حليلة الابن المتبنى ، وحليلة الأب والجد من قبل الأب والأم وإن علا حرام على الابن ، قال - تعالى - : ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف ) ، وفي كل موضع يحرم بالعقد إنما يحرم بالعقد الصحيح دون الفاسد ; لأن مطلق النكاح والزوجة والحليلة إنما ينطلق على الصحيح ، واسم الحليلة يتناول الزوجة والمملوكة ، غير أن الزوجة تحرم بمجرد العقد ، والأمة لا تحرم إلا بالوطء ; لأن الفراش قائم مقام الوطء وهو موجود في ملك النكاح دون ملك اليمين ، ولهذا لا يجوز أن يجمع بين الأختين بعقد النكاح وإن لم يطأ ، ويجوز ذلك في ملك اليمين إذا لم يطأهما ، ولو كان له جارية فقال وطئتها حرمت على أبيه وابنه ، ولو قال ذلك في جارية الغير لا تحرم أخذا بالظاهر فيهما ، ولو اشترى جارية من تركة أبيه وسعه وطؤها ما لم يعلم أن الأب وطئها ، ولو قصد امرأته ليجامعها وهي نائمة مع بنتها المشتهاة فوقعت يده على البنت فقرصها بشهوة يظن أنها زوجته حرمت عليه امرأته .

والمحرمات بالرضاع كل من تحرم بالقرابة والصهرية لقوله - تعالى - : ( وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة ) وقال - عليه الصلاة والسلام - : " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " .

[ ص: 115 ] والمحرمات بالجمع : لا يحل للرجل أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة لقوله - تعالى - : ( مثنى وثلاث ورباع ) نص على الأربع فلا يجوز الزيادة عليهن . وروي : " أن غيلان الديلمي أسلم وتحته عشر نسوة ، فأمره - عليه الصلاة والسلام - أن يمسك منهن أربعا ويفارق الباقي " ، ويستوي في ذلك الحرائر والإماء المنكوحات ; لأن النص لم يفصل . والجمع بين الإماء ملكا ووطئا حلال وإن كثرن ، قال - تعالى - : ( إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ) مطلقا من غير حصر خرج عنه الزوجات بما ذكرنا فبقي الإماء على الإطلاق .

ولا يجمع العبد بين أكثر من اثنتين لأن الرق منصف فينتصف ملك النكاح أيضا إظهارا لشرف الحرية ، ولا يجوز الجمع بين الأختين نكاحا ولا بملك يمين وطئا لقوله - تعالى - : ( وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف ) وقال - عليه الصلاة والسلام - : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمعن ماءه في رحم أختين " ، ويجوز أن يجمع بينهما في الملك دون الوطء ; لأن المراد بالنص حرمة الوطء إجماعا ، فإن كان له أمة قد وطئها فتزوج أختها جاز النكاح لصدوره من أهله وإضافته إلى محله ، ولا يطأ الأمة لأن المنكوحة موطوءة حكما ، ولا يطأ المنكوحة حتى يحرم الأمة عليه فإذا حرمها وطئ المنكوحة ، وإن لم يكن وطئ المملوكة وطئ المنكوحة وحرمت المملوكة حتى يفارق المنكوحة .

قال : ( ولو تزوج أختين في عقد واحد فسد نكاحهما ) لعدم أولوية جواز نكاح إحداهما ( ولو تزوج أختين في عقدتين ولا يدري أيتهما أولى فرق بينه وبينهما ) ; لأن نكاح إحداهما باطل بيقين ، ولا وجه إلى التيقن لعدم الأولوية ، ولهما نصف المهر بينهما لجهالة المستحقة فيشتركان فيه ، فإن تزوجهما على التعاقب فسد نكاح الأخيرة ويفارقها ، وإن علم القاضي بذلك فرق بينهما .

[ ص: 116 ] ( وإذا طلق امرأته لا يجوز أن يتزوج أختها ولا رابعة حتى تنقضي عدت ها ) وسواء كان الطلاق بائنا أو رجعيا لبقاء نكاح الأولى من وجه ببقاء العدة والنفقة والسكنى ، والفراش القائم في حق ثبوت النسب والمنع من الخروج والبروز والتزوج بزوج آخر ، فتثبت الحرمة أخذا بالاحتياط في باب الحرمة ، والمعتدة إذا لحقت بدار الحرب مرتدة يحل للزوج نكاح أختها وأربع سواها لسقوط أحكام الإسلام عنها .

وعدة أم الولد إذا أعتقها مولاها تمنع نكاح أختها دون الأربع ; لأن فراشها قائم فيكون جامعا ماءه في رحم أختين وأنه حرام بالحديث ، وحرمة الأربعة ورد في النكاح ، وقالا : لا يمنع لأن له أن يتزوجها قبل العتق فكذا بعده ، لكن إذا عقد عليها لا يطؤها حتى تنقضي العدة . وجوابه أن فراشها قبل العتق ضعيف يقبل النقل إلى غيره بالنكاح وبعده لا فافترقا ، والعقد قائم مقام الوطء حتى يثبت النسب منه فلا يجوز .

قال : ( ولا يجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها ) للحديث المشهور ، وهو قوله - عليه الصلاة والسلام - : " لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على بنت أخيها ولا على بنت أختها ، فإنكم إذا فعلتم ذلك فقد قطعتم أرحامهن " ويجوز أن يجمع بين امرأة وابنة زوج كان لها من قبله لأنه لا قرابة بينهما .

( و ) المحرمات بالتقديم ( لا يجوز نكاح الأمة على الحرة ولا معها ولا في عدتها ، ويجوز نكاح الحرة والأمة على الأمة ومعها في عدتها ) لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " لا تنكح الأمة على الحرة وتنكح الحرة عليها " ، وقال أبو يوسف ومحمد : يجوز نكاح الأمة في عدة الحرة من طلاق بائن لأنه ليس بنكاح عليها حتى لو حلف لا يتزوج عليها لا يحنث بهذا . ولأبي حنيفة أن نكاح الحرة قائم من وجه على ما بينا ، واليمين مبناها على المقصود وهو عدم المزاحمة في القسم وقد وجد ، ولو تزوج في عقد واحد أربعا من الإماء وخمسا من الحرائر جاز نكاح الإماء [ ص: 117 ] خاصة ; لأنه لا يجوز نكاح واحدة من الحرائر لعدم الأولوية فيبطل نكاحهن فلم توجد المزاحمة .

( ويجوز للحر أن يتزوج أربعا من الإماء ) ; لأن قوله - تعالى - : ( ورباع ) لا يفصل ( ويجوز أن يتزوج أمة مع القدرة على الحرة ) ; لأن النصوص لا تفصل ، وهي قوله - تعالى - : ( وأحل لكم ما وراء ذلكم ) ، وقوله سبحانه : ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء ) ، وغير ذلك .

( و ) المحرمات بتعلق حق الغير فـ ( لا يجوز أن يتزوج زوجة الغير ولا معتدته ) قال - عليه الصلاة والسلام - : " ملعون من سقى ماءه زرع غيره " ، ولأن ذلك يفضي إلى اشتباه الأنساب ، ولهذا لم يشرع الجمع بين الزوجين في امرأة واحدة في دين من الأديان .

قال : ( ولا يتزوج حاملا من غيره ) لما ذكرنا ( إلا الزانية ، فإن فعل لا يطؤها حتى تضع ) ، وقال أبو يوسف : النكاح فاسد لما سبق من الحديث ، ولأنه حمل محترم حتى لا يجوز إسقاطه . ولهما أن الامتناع لئلا يسقي ماءه زرع غيره في ثابت النسب لحق صاحب الماء ولا حرمة للزاني فدخلت تحت قوله - تعالى - : ( وأحل لكم ما وراء ذلكم ) ، فإن كان الحمل ثابت النسب كالحامل من السبي وحمل أم الولد من مولاها ونحوه فالنكاح فاسد لما بينا .

( و ) المحرمات بالملك فـ ( لا يجوز أن يتزوج أمته ولا المرأة عبدها ) وملك بعض العبد في هذا كملك كله ، وكذا حق الملك كمملوك المكاتب والمأذون ; لأن ملك اليمين أقوى من ملك النكاح فلا فائدة في إثبات الأضعف مع ثبوت الأقوى ، ولأن ملك النكاح يوجب لكل واحد من الزوجين على الآخر حقوقا ، والرق ينافي ذلك .

[ ص: 118 ] ( و ) المحرمات بالكفر فـ ( لا يجوز نكاح المجوسيات والوثنيات ولا وطؤهن بملك يمين ) قال - تعالى - : ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : " سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم " .

( ويجوز تزويج الكتابيات ) لقوله - تعالى - : ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) ، والذمية والحربية سواء لإطلاق النص ، والأمة والحرة سواء لإطلاق المقتضى .

( و ) يجوز نكاح ( الصابئيات ) عند أبي حنيفة خلافا لهما ، وعلى هذا حل ذبائحهم ، وهذا بناء على اشتباه مذهبهم ، فعنده هم أهل كتاب يعظمون الكواكب ولا يعبدونها فصاروا كالكتابيات ، وعندهما يعبدون الكواكب وليسوا أهل كتاب .

والمحرمات بالطلقات الثلاث لقوله - تعالى - : ( فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ) وعليه الإجماع .

قال : ( والزنا يوجب حرمة المصاهرة ) فمن زنى بامرأة أو وطئها بشبهة حرمت عليه أصولها وفروعها ، وتحرم الموطوءة على أصول الواطئ وفروعه ( وكذا المس بشهوة من الجانبين والنظر إلى الفرج من الجانبين أيضا ) والمعتبر النظر إلى فرجها الباطن دون الظاهر . روي ذلك عن أبي يوسف وهو الصحيح . وحكى الطحاوي إجماع السلف في أن التقبيل واللمس عن شهوة يوجب حرمة المصاهرة ، والأصل فيه قوله - تعالى - : ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ) ، والحمل على الوطء أولى لما بينا أن النكاح حقيقة هو الوطء ، أو لأنه أعم فكان الحمل عليه أولى وأعم فائدة ، فيصير معنى الآية - والله أعلم - : ولا تطئوا ما وطئ آباؤكم مطلقا ، فيدخل فيه النكاح والسفاح ، ولقوله - عليه الصلاة والسلام - : " من زنى بامرأة [ ص: 119 ] حرمت عليه أمها وبنتها " ، وقال - عليه الصلاة والسلام - : " من نظر إلى فرج امرأة بشهوة أو لمسها بشهوة حرمت عليه أمها وابنتها وحرمت على ابنه وأبيه " وإذا ثبت هذا الحكم في موطوءة الأب ثبت في موطوءة الابن وفي وطء أم امرأته وسائر ما يثبت بحرمة المصاهرة بالنكاح ; لأن أحدا لم يفصل بينهما ، ولأن الوطء سبب للجزئية بواسطة الولد ، ولهذا يضاف إليها كما يضاف إليه ، والاستمتاع بالجزء حرام ، والمس والنظر داع إلى الوطء فيقام مقامه احتياطا للحرمة .

وكان الشيخ أبو الحسن الكرخي يقول : إن المراد من قوله : ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم ) الوطء دون العقد لأنه حقيقة في الوطء ، ولم يرد به العقد لاستحالة كون اللفظ الواحد حقيقة ومجازا في حالة واحدة ، والتحريم بالعقد ثبت بغير هذه الآية . وحد الشهوة أن تنتشر آلته بالنظر والمس ، وإن كانت منتشرة فتزداد شدة ، والمجبوب والعنين يتحرك قلبه بالاشتهاء ، أو يزداد اشتهاء ، ولو مسها وعليه ثوب إن منع وصول حرارتها إلى يده لا تثبت الحرمة ، وإن لم تمنع تثبت ، ولو أخذ يدها ليقبلها بشهوة فلم يفعل حرمت على ابنه ، ولو مس شعر امرأة بشهوة حرمت عليه أمها وبنتها لأنه من أجزاء بدنها .

قال أبو حنيفة : إذا جامع صغيرة لا يجامع مثلها فأفضاها لا تحرم عليه أمها . وقال أبو يوسف : تحرم ، ولو كانت ممن يجامع مثلها حرمت عليه أمها بالإجماع . لأبي يوسف أنه وطئ في قبل فتحرم كوطء الكبيرة . ولهما أنه ليس بسبب للولد فصار كاللواطة ، أما الكبيرة يحتمل العلوق .

قال : ( ومن جمع بين امرأتين إحداهما لا يحل له نكاحها صح نكاح الأخرى ) معناه : إذا تزوجهما في عقد واحد ; لأنه لا مانع من نكاح الأخرى لاختصاص المبطل بتلك .

قال : ( ويجوز أن يتزوج المحرم حالة الإحرام ) ; لأن النبي - عليه الصلاة والسلام - : " تزوج ميمونة وهو محرم " . والمحظور الوطء ودواعيه ، لا العقد ، وهو محمل ما روي أن النبي عليه [ ص: 120 ] - الصلاة والسلام - : نهى أن ينكح المحرم " .

التالي السابق


الخدمات العلمية