صفحة جزء
[ ص: 136 ] [ أقل المهر وأكثره ]

المهر أقله عشرة دراهم أو ما قيمته عشرة دراهم ولا يجوز أن يكون إلا مالا ، فإن سمى أقل من عشرة فلها عشرة ( ز ) ، ومن سمى مهرا لزمه بالدخول والموت ، وإن طلقها قبل الدخول لزمه نصفه ، وإن لم يسم لها مهرا أو شرط أن لا مهر لها فلها مهر المثل بالدخول والموت ، والمتعة بالطلاق قبل الدخول ، ولا تجب إلا لهذه ، وتستحب لكل مطلقة سواها ، والمتعة درع وخمار وملحفة يعتبر ذلك بحاله ، ولا تزاد على قدر نصف مهر المثل ، وإن زادها في المهر لزمته الزيادة ، وتسقط بالطلاق قبل الدخول ( س ) ، وإن حطت من مهرها صح الحط ، والخلوة الصحيحة في النكاح الصحيح كالدخول ، وكذلك العنين والخصي والمجبوب ( سم ) والخلوة الصحيحة أن لا يكون ثم مانع من الوطء طبعا وشرعا ، فالمرض المانع من الوطء من جهته أو جهتها مانع طبعا ، وكذلك الرتق والقرن والحيض والإحرام وصوم رمضان وصلاة الفرض .

وفي النكاح الفاسد لا يجب إلا مهر المثل ، ولا يجب إلا بالدخول حقيقة ، ولا يتجاوز به المسمى ، ويثبت فيه النسب .


فصل

[ أقل المهر وأكثره ]

( المهر أقله عشرة دراهم أو ما قيمته عشرة دراهم ، ولا يجوز أن يكون إلا مالا ) ، والأصل فيه قوله - تعالى - : ( وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم ) علق الحل بشرط الابتغاء بالمال فلا يحل دونه ، وسقوطه بالطلاق قبل الدخول عند عدم التسمية لا يدل على عدمه ; لأنه يشبه الفسخ ، وسقوط العوض عند وجود الفسخ لا يدل على عدم الوجوب ، ولأن سقوطه يدل على ثبوته إذ لا يسقط إلا ما ثبت ولزم ، والتنصيف بالطلاق قبل الدخول ثبت نصا على خلاف القياس ، والمذكور في الآية مطلق المال فكان مجملا ، والنبي - عليه الصلاة والسلام - فسره بالعشرة فقال فيما رواه عنه جابر وعبد الله بن عمر : " لا مهر أقل من عشرة دراهم " ، ولأن المهر ثبت حقا لله - تعالى - حتى لا يكون النكاح بدونه ، ولو نفاه أو سكت عنه ، ولهذا كان لها المطالبة بالفرض والتقدير وأنه يبتني على وجود الأصل ، وما ثبت لحق الله - تعالى - يدخله التقدير كالزكاة .

قال : ( فإن سمى أقل من عشرة فلها عشرة ) ، وقال زفر : لها مهر المثل لأنه سمى ما لا يصلح مهرا فصار كعدم التسمية . ولنا أن العشرة لا تتبعض في حكم العقد ، فتسميته بعضه كتسميته كله كالطلقة ، وكما إذا تزوج نصفها ; لأن الشرع أوجبه إظهارا لخطر النكاح ، ولا يظهر بأصل المال لتناوله الحقير منه ، وما أوجبه الشرع تولى بيان مقداره كالزكاة ، ولأنها حطت عنه ما تملكه وما لا تملكه ، فيسقط ما تملكه وهو الزيادة على العشرة ، ولا يسقط ما لا تملكه وهو تمام العشرة ، كما إذا أسقط أحد الشريكين الدين المشترك يصح في نصيبه خاصة .

[ ص: 137 ] قال : ( ومن سمى مهرا لزمه بالدخول والموت ) ، أما الدخول فلأنه تحقق به تسليم المبدل ، وبالموت يتقرر النكاح بانتهائه فيجب البدل .

( وإن طلقها قبل الدخول لزمه نصفه ) لقوله - تعالى - : ( فنصف ما فرضتم ) .

قال : ( وإن لم يسم لها مهرا أو شرط أن لا مهر لها فلها مهر المثل بالدخول والموت والمتعة بالطلاق قبل الدخول ) ; لأن النكاح صح فيجب العوض لأنه عقد معاوضة ، والمهر وجب حقا للشرع على ما بينا ، والواجب الأصلي مهر المثل لأنه أعدل فيصار إليه عند عدم التسمية ، بخلاف حالة التسمية لأنهم رضوا به ، فإن كان أقل من مهر المثل فقد رضيت بالنقصان ، وإن كان أكثر فقد رضي بالزيادة . قال - عليه الصلاة والسلام - : " المهر ما تراضى عليه الأهلون " ، وقد صح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى في بروع بنت واشق الأشجعية بمهر المثل ، وقد تزوجت بغير مهر ومات عنها قبل الدخول . وأما وجوب المتعة بالطلاق قبل الدخول فلقوله - تعالى - فيه : ( ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره ) .

قال : ( لا تجب إلا لهذه ) ; لأنها قائمة مقام نصف المهر وهي خلف عنه فلا تجتمع مع الأصل في حق غيرها ، ولهذا لو كانت قيمتها أكثر من نصف مهر المثل وجب نصف مهر المثل ولا ينقص من خمسة دراهم .

( وتستحب لكل مطلقة سواها ) ، قال : ( والمتعة : درع وخمار وملحفة ) هكذا ذكره ابن عباس وعائشة - رضي الله عنهما - : ( يعتبر ذلك بحاله ) لقوله - تعالى - : ( على الموسع قدره ) ( ولا تزاد على [ ص: 138 ] قدر نصف مهر المثل ) ; لأن النكاح الذي سمي فيه أقوى ، فإذا لم يجب في الأقوى أكثر من نصف المهر لا يجب في الأضعف بطريق الأولى .

قال : ( وإن زادها في المهر لزمته الزيادة ) لما مر في البيوع في الزيادة في الثمن والمثمن ( وتسقط بالطلاق قبل الدخول ) ، وعند أبي يوسف تتنصف بالطلاق قبل الدخول ; لأن عنده المفروض بعد العقد كالمفروض فيه . وعندهما التنصيف يختص بالمفروض فيه . وأصله أنه إذا تزوجها ولم يسم لها مهرا ثم اصطلحا على تسمية فهي لها إن دخل بها أو مات عنها ، وإن طلقها قبل الدخول فالمتعة . وقال أبو يوسف : يتنصف ما اصطلحا عليه لقوله - تعالى - : ( فنصف ما فرضتم ) ولهما أن هذا تعيين كما وجب بالعقد من مهر المثل ، ومهر المثل لا يتنصف ، فكذا ما يقوم مقامه ، والفرض المعروف هو المفروض في العقد ، وهو المراد بالنص .

قال : ( وإن حطت من مهرها صح الحط ) ; لأنه خالص حقها بقاء واستيفاء فتملك حطه كسائر الحقوق .

قال : ( والخلوة الصحيحة في النكاح الصحيح كالدخول ) لما روى محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من كشف خمار امرأة ونظر إليها فقد وجب الصداق دخل بها أو لم يدخل " ، وروى زرارة بن أبي أوفى قال : قضى الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم أنه إذا أرخى سترا أو أغلق الباب فلها الصداق كاملا وعليها العدة . وقال عمر - رضي الله عنه - فيه : ما ذنبهن إذا جاء العجز من قبلكم ، ولأنه عقد على المنافع فيستقر بالتخلية كالإجارة ، ولأنها سلمت المبدل إليه فيجب لها البدل كالبيع .

( وكذلك العنين والخصي ) لما ذكرنا ( و ) كذلك ( المجبوب ) ، وقالا : يجب عليه نصف المهر لوجود المانع قطعا وهو أعجز من المريض ، وله أن المستحق له في هذا العقد إنما هو السحق وقد سلمت إليه ذلك .

[ ص: 139 ] ( والخلوة الصحيحة أن لا يكون ثم مانع من الوطء طبعا وشرعا ، فالمرض المانع من الوطء من جهته أو جهتها مانع طبعا ، وكذلك الرتق والقرن ) ، وكذا إذا كان يخاف زيادة المرض ، فإنه لا يعرى عن نوع فتور ، ( والحيض ) مانع شرعا وطبعا إذ الطباع السليمة تنفر منه ، ( والإحرام ) بالحج أو العمرة فرضا أو نفلا ، ( وصوم رمضان وصلاة الفرض ) مانع شرعا .

أما الإحرام فلما يلزمه من الدم ، وفي الصوم لما يلزمه من الكفارة والقضاء ، بخلاف التطوع فإنه يجوز إفطاره بعذر يتعلق بحق الآدمي كالضيافة ، ولا كذلك رمضان ، والمنذور والقضاء فيه روايتان ، وقيل في صوم يوم التطوع روايتان ، وكذلك السنن إلا ركعتي الفجر والأربع قبل الظهر لشدة تأكيدهما بالوعيد على تركهما ، والمكان الذي تصح فيه الخلوة أن يأمنا فيه اطلاع غيرهما عليهما حتى لو خلا بها في مسجد أو حمام أو طريق أو على سطح لا حجاب له فليست صحيحة ، وكذلك لو كان معهما أعمى أو صبي يعقل أو مجنون أو كلب عقور أو منكوحة له أخرى أو أجنبية ، وفي الأمة فيه روايتان ، وعليها العدة في جميع ذلك احتياطا ; لأنها حق الشرع .

قال : ( وفي النكاح الفاسد لا يجب إلا مهر المثل ، ولا يجب إلا بالدخول حقيقة ) ; لأن الحرمة قائمة وأنها مانعة شرعا ، فلا يجب إلا باستيفاء منافع البضع حقيقة ، وإنما يجب مهر المثل لأنه لما فسد المسمى صرنا إلى مهر المثل ، إذ هو الموجب الأصلي لما مر .

( ولا يتجاوز به المسمى ) ; لأن المستوفى ليس بمال وإنما يتقوم بالتسمية ، فإن نقصت عن مهر المثل لا تجب الزيادة عليهما لعدم التسمية ، وإن زادت لا تجب الزيادة لفساد التسمية بخلاف البيع الفاسد حيث تجب القيمة بالغة ما بلغت لأنه مال متقوم فيتقدر بدله بقيمته .

( ويثبت فيه النسب ) ; لأنه مما يحتاط في إثباته ، وأول مدته وقت الدخول ، بخلاف النكاح الصحيح حيث يعتبر من وقت العقد ; لأن الصحيح داع إلى الوطء فأقيم العقد مقامه ، والفاسد [ ص: 140 ] ليس بداع لما بينا من الحرمة فلا يقام العقد مقامه ، وعليها العدة احتياطا وتحرزا عن اشتباه النسب ، وأولها يوم التفريق ; لأنها وجبت لشبهة النكاح ، والشبهة إنما ترتفع بالتفريق .

التالي السابق


الخدمات العلمية