صفحة جزء
[ ص: 140 ] وإن تزوجها على خمر أو خنزير ، أو على هذا الدن من الخل ( سم ) فإذا هو خمر ، أو على هذا العبد فإذا حر ، أو على خدمته سنة ( س ) ، أو تعليم القرآن جاز النكاح ( م ) ، ولها مهر المثل ، وإذا تزوج العبد بإذن مولاه على خدمته سنة جاز ولها الخدمة ، وإن تزوجها على ألف على أن لا يتزوج عليها ، فإن وفى فلها المسمى ، وإلا فمهر مثلها ، وإن قال على ألف إن أقام بها ، وألفين إن أخرجها ، فإن أقام فلها الألف ، وإن أخرجها فمهر مثلها ( سم ز ) ، وإن تزوجها على هذا العبد أو هذا فلها أشبههما بمهر المثل ( سم ) ، وإن كان مهر المثل بينهما فلها مهر المثل ( سم ) ، وإن تزوجها على حيوان ، فإن سمى نوعه كالفرس جاز ، وإن لم يصفه ولها الوسط ، فإن شاء أعطاها ذلك ، وإن شاء قيمته ، والثوب مثل الحيوان ، إلا أنه إن ذكر وصفه لزمه تسليمه ، وكذلك كل ما يثبت في الذمة .

ومهر مثلها يعتبر بنساء عشيرة أبيها ، فإن لم يوجد منهم مثل حالها فمن الأجانب ، ويعتبر بامرأة هي مثلها في السن والحسن والبكارة والبلد والعصر والمال ، فإن لم يوجد ذلك كله فالذي يوجد منه ، وللمرأة أن تمنع نفسها وأن يسافر بها حتى يعطيها مهرها ، فإذا أوفاها مهرها نقلها إلى حيث شاء ، وقيل لا يسافر بها وعليه الفتوى .


فصل

[ مهر المثل ]

( وإن تزوجها على خمر أو خنزير ، أو على هذا الدن من الخل فإذا هو خمر ، أو على هذا العبد فإذا هو حر ، أو على خدمته سنة ، أو تعليم القرآن جاز النكاح ولها مهر المثل ) أما الخمر والخنزير فلأنه شرط فاسد فيلغو ، والنكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة ، بخلاف البيع ، وإذا بطلت التسمية صارت كالعدم فيجب مهر المثل لما تقدم . وأما الدن فكذلك عند أبي حنيفة ; لأن الإشارة أبلغ في التعريف من التسمية فصار كأنه تزوجها على الخمر ، وقالا : لها مثل وزنه خلا ، وكذلك العبد عند أبي حنيفة لما مر . وقال أبو يوسف : يجب فيه مثل قيمته لو كان عبدا لأنه أطمعها في مال وقد عجز عن تسليمه فيجب قيمته أو مثله كما إذا تزوجها على عبد الغير .

وقال محمد : يجب مهر المثل ; لأن الأصل أن المسمى إذا كان من جنس المشار إليه يتعلق العقد بالمشار إليه ; لأن المسمى موجود في المشار إليه ذاتا ، ألا يرى أنه لو اشترى فصا على أنه ياقوت أحمر فإذا هو أخضر انعقد العقد لاتحاد الجنس ، وإن كان المسمى من خلاف جنس المشار إليه يتعلق العقد بالمسمى ; لأنه ليس موجودا فيه لا ذاتا ولا صفة ، ألا ترى أن من اشترى فصا على أنه ياقوت فإذا هو زجاج لا ينعقد العقد لاختلاف الجنس ، وفيما نحن فيه العبد والحر جنس واحد فيتعلق العقد بالمشار إليه كأنه تزوجها على حر فيلزمه مهر المثل . أما الخل والخمر جنسان لتفاحش التفاوت بينهما فيتعلق العقد بالمسمى وهو الخل فيلزمه ، وأما إذا تزوجها على خدمته سنة ، أو تعليم القرآن فمذهبهما وجوب مهر المثل . وقال محمد : لها قيمة خدمته لأنه مال إلا أنه عجز عن التسليم للمناقضة فصار كما إذا تزوجها على عبد الغير فإنه تجب القيمة . ولهما أن الخدمة ليست بمال ; لأنها لا تستحق بحال فصار كتسمية الخمر ، وهذا لأن تقوم المنافع بالعقد ، فإذا لم يجب تسليمها فيه لم يظهر تقومها فيصار إلى مهر المثل لما بينا أو نقول [ ص: 141 ] المشروع الابتغاء بالمال ، والتعليم ليس بمال وكذا المنافع لما بينا ، أو نقول تعليم القرآن واجب فلا يجوز أن يكون مهرا كتعليم الشهادتين ، بخلاف خدمة العبد ; لأنها مال فإنها تتضمن تسليم رقبته ، ولأن استحقاق الزوجة خدمة الزوج قلب الموضوع ; لأن توقير الزوج واجب عليها وفي استخدامه إهانته .

قال : ( وإذا تزوج العبد بإذن مولاه على خدمته سنة جاز ولها الخدمة ) ; لأنها مال على ما بينا ولا مناقضة فإنه يخدم المولى معنى حيث كان بأمره ، ولو تزوجها على خدمة حر آخر ، الصحيح أنه يصح إذ لا مناقضة ، وترجع بقيمة خدمته على الزوج ، ولو تزوجها على أن يرعى غنمها أو يزرع أرضها فيه روايتان ، والفرق على إحداهما أنه لا مناقضة لأنه من باب القيام بمصالح الزوجية ، ولو جمع بين ما هو مال وما ليس بمال ، فإن وفى المال بالعشرة فهو لها لا غير ، وإن لم يف فلها تمام مهر مثلها كما لو تزوجها على عشرة دراهم ورطل من خمر فلها العشرة ولا يكمل لها مهر المثل ، ولو تزوجها على عيب عبد اشتراه منها جاز ، فإن كانت قيمة العيب عشرة فهو لها وإلا يكمل عشرة .

قال : ( وإن تزوجها على ألف على أن لا يتزوج عليها ، فإن وفى فلها المسمى ) ; لأنه يصلح مهرا وقد تراضيا به .

( وإلا فمهر مثلها ) ; لأنها ما رضيت بالألف إلا مع ما ذكر لها من المنفعة فيكمل لها مهر المثل ; لأنها لم ترض به فكأنه ما سمى ، ولو تزوجها على ألف وكرامتها فلها مهر المثل لا ينقص من ألف لأنه رضي بها ، وإن طلقها قبل الدخول لها نصف الألف ; لأنها أكثر من المتعة .

( وإن قال على ألف إن أقام بها وألفين إن أخرجها ، فإن أقام فلها الألف ) لما بينا ( وإن أخرجها فمهر مثلها ) لا يزاد على ألفين ولا ينقص من ألف ، وقالا : الشرطان جائزان ، وعند [ ص: 142 ] زفر فاسدان ولها مهر المثل في الوجهين ، وعلى هذا على ألف إن لم يتزوج عليها ، وألفين إن تزوج . لزفر أن كل واحد منهما على خطر الوجود فكان المهر مجهولا .

ولهما أن كل واحد منهما فيه غرض صحيح وقد سمى فيه بدلا معلوما فصار كالخياطة الفارسية والرومية .

ولأبي حنيفة أن الشرط الأول صح وموجبه المسمى لما بينا . والشرط الثاني ينفي موجب الأول والتسمية متى صحت لا يجوز نفي موجبها فيبطل الشرط الثاني ، ولو تزوجها على ألف إن كانت قبيحة ، وألفين إن كانت جميلة صح الشرطان ، والفرق أنه لا مخاطرة هنا ; لأن المرأة على صفة واحدة إلا أن الزوج يجهلها ، وفي المسألة الأولى المخاطرة موجودة في التسمية الثانية ; لأنه لا يدرى أن الزوج هل يفي بالشرط الأول أم لا .

( وإن تزوجها على هذا العبد أو هذا فلها أشبههما بمهر المثل ، وإن كان مهر المال بينهما فلها مهر المثل ) وقالا : لها الأوكس بكل حال ، وإن طلقها قبل الدخول فلها نصف الأوكس بالإجماع . لهما أن الأوكس مسمى بيقين لأنه أقل ولا يصار إلى مهر المثل مع المسمى . ولأبي حنيفة أن الأصل مهر المثل ، وإنما يترك عند صحة المسمى وأنه مجهول لدخول كلمة أو فيكون فاسدا ، إلا أن مهر المثل إذا كان أكثر من الأرفع فقد رضيت بالحط ، وإن كان أقل فقد رضي بالزيادة ، ومتى جهل المسمى تجب المتعة بالطلاق قبل الدخول ، إلا أن نصف الأوكس يزيد عليها عادة فيجب لاعترافه به .

قال : ( وإن تزوجها على حيوان فإن سمى نوعه كالفرس جاز وإن لم يصفه ولها الوسط فإن شاء أعطاها ذلك ، وإن شاء قيمته ، والثوب مثل الحيوان ، إلا أنه إن ذكر وصفه لزمه تسليمه وكذلك كل ما يثبت في الذمة ) ، والأصل في ذلك أن التسمية لا تصح مع جهالة الجنس والنوع والصفة ; لأنها تؤدي إلى المنازعة ، وتصح مع الجهالة اليسيرة كجهالة الوصف ; لأن النكاح يحتمل ضربا من الجهالة ; لأن مبناه على المساهلة والمسامحة ، ألا ترى أنه يجوز بمهر المثل مع جهالته لما أنها لا توجب المنازعة كذلك جهالة الوصف ، بخلاف البيع لأن مبناه على المماكسة والمضايقة .

ثم الجهالة أنواع : منها جهالة النوع والوصف كقوله : ثوب أو دابة أو دار فلا تصح هذه [ ص: 143 ] التسمية لتفاوتها تفاوتا فاحشا في الصور والمعاني فيجب مهر المثل ، وكذا التسمية مع الخطر كقوله على ما في بطن جاريته أو غنمه أو ما يحمله نخله هذه السنة .

ومنها ما هو معلوم النوع مجهول الصفة مثل قوله عبد أو فرس أو بقرة أو شاة أو ثوب هروي فإنه تصح التسمية ، ويجب الوسط منه لأنه إذا كان معلوم النوع كان له جيد ورديء ووسط والوسط أعدل لأنه ذو حظ من الطرفين ، وعند جهالة النوع لا وسط لاختلاف معاني الأنواع ، فإن معنى الفرس غير معنى الجمل ، ومعنى الشاة غير معنى الجاموس ، وكذلك اختلاف أنواع الثياب كالأطلس والقطن وغيرهما ، وإنما يتخير لأن الوسط إنما يعرف بالقيمة فكانت أصلا في حق الإيفاء ، والعين أصل من حيث التسمية فيتخير وتجبر المرأة على القبول ، وقال زفر : إذا كان المهر ثوبا موصوفا لا تجبر على أخذ القيمة ، وهو رواية عن أبي حنيفة ; لأنها استحقت الثوب بالتسمية فلا تجبر على أخذ غيره كما في السلم . وجوابه إذا لم يكن معينا فهو وقيمته سواء في الجهالة فتجبر على القبول كما في الحيوان . واختار بعضهم قول زفر وقال هو الأصح ; لأن الثوب وجب في الذمة وجوبا مستقرا كالسلم ، ولا كذلك الحيوان لأنه لا يجب في الذمة وجوبا مستقرا في السلم فكذا هنا ، ثم عند أبي حنيفة قيمة العبد الوسط أربعون دينارا ، وإن سمى أبيض فخمسون وهو قيمة الغرة ، والمهر بمعنى الغرة ، وعندهما على قدر الرخص والغلاء ، وقيل هذا اختلاف زمان لا برهان .

ومنها ما هو معلوم الجنس والصفة وهو غير معين كما إذا تزوجها على مكيل أو موزون موصوف في الذمة تصح التسمية ، ويلزمه تسليم عينه لأن ذلك يثبت في الذمة ثبوتا صحيحا فيلزمه تسليمه كالنقود ، ولو تزوجها على كر حنطة مطلقا ولم يصفه يخير الزوج بين الوسط وبين قيمته .

وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يلزمه تسليم الكر ، ولو تزوج امرأتين على ألف قسمت الألف على قدر مهر مثليهما رجوعا إلى الأصل ; لأنه لما أضاف إليهما فقد أضاف إلى كل واحدة ما تستحقه ، واستحقاقهما في الأصل مهر المثل كمن دفع إلى ربي دين ألفا بينهما فإنهما يقتسمانها على قدر دينيهما كذلك هذا ، فإن طلقهما قبل الدخول فنصف الألف بينهما على قدر حقيهما ، فإن لم يصح نكاح إحداهما صح نكاح الأخرى ; لأن المبطل اختص بها فلا يتعداها والألف كلها للتي صح نكاحها . وقالا : يقسم على مهر مثليهما كالمسألة الأولى لأنه أضافه إليهما كهي ، فما أصاب التي صح نكاحها فهو لها ويسقط الباقي . ولأبي حنيفة أن إضافة النكاح [ ص: 144 ] إلى من لا يصح نكاحها لغو فصار كما إذا ضم إليها أسطوانة أو دابة ، والبدل إنما ينقسم بحكم المعاوضة والمساواة والدخول في العقد ، ولا معاوضة في المحرمة ، ولا مساواة ولا دخول في العقد فصارت عدما ، وإضافة الشيء إلى اثنين واختصاصه بأحدهما جائز ، قال - تعالى - : ( يامعشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم ) أضاف الرسل إليهما ، والرسل مختصة بالإنس دون الجن ، فإن دخل بالتي لم يصح نكاحها فلها مهر المثل عند أبي حنيفة ، وهو الصحيح ; لأنه وطء حرام سقط فيه الحد لشبهة العقد فيجب مهر المثل ، وعندهما الأقل من مهر المثل ومما يخصها .

قال : ( ومهر مثلها يعتبر بنساء عشيرة أبيها ) كأخواتها وعماتها وبنات عمها دون أمها وخالتها إلا أن يكونا من قبيلة أبيها ، هكذا روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بروع حين تزوجت بغير مهر ، فقال : " لها مهر مثل نسائها " ونساؤها أقارب الأب ، ولأن قيمة الشيء تعرف بقيمة جنسه ، وجنسه قوم أبيه .

( فإن لم يوجد منهم مثل حالها فمن الأجانب ) تحصيلا للمقصود بقدر الوسع .

قال : ( ويعتبر بامرأة هي مثلها في السن والحسن والبكارة والبلد والعصر والمال ) فإن المهر يختلف باختلاف هذه الأوصاف لأن الرغبات تختلف بها .

( فإن لم يوجد ذلك كله فالذي يوجد منه ) ; لأنه يتعذر اجتماع هذه الأوصاف في امرأتين فيعتبر بالموجود منها ; لأنها مثلها . وعن بعض المشايخ أن الجمال لا يعتبر إذا كانت ذات حسب وشرف ، وإنما يعتبر في الأوسط لأن الرغبة حينئذ في الجمال .

قال : ( وللمرأة أن تمنع نفسها وأن يسافر بها حتى يعطيها مهرها ) ; لأن حقه قد تعين في المبدل فوجب أن يتعين حقها في البدل تسوية بينهما ، وإن كان المهر كله مؤجلا ليس لها ذلك [ ص: 145 ] لأنها رضيت بتأخير حقها . وعند أبي يوسف لها ذلك ; لأنها سلمت إليه فليس لها أن تمتنع بعده كالبائع إذا سلم المبيع ليس له حبسه بعد ذلك ، وله أن المهر مقابل بجميع الوطآت لئلا يخلو الوطء عن العوض إظهارا لخطر البضع إلا أنه تأكد بوطأة الأولى لجهالة ما وراءها ، والمجهول لا يزاحم المعلوم فإذا وجد بعده وطء آخر صار معلوما فتحققت المزاحمة فصار المهر مقابلا بالكل ، ونظيره العبد الجاني إذا جنى جناية يدفع بها ، فإن لم يدفع حتى جنى أخرى وأخرى دفع بالكل .

قال : ( فإذا أوفاها مهرها نقلها إلى حيث شاء ) لقوله - تعالى - : ( أسكنوهن من حيث سكنتم ) .

( وقيل لا يسافر بها وعليه الفتوى ) لفساد أهل الزمان ، والغريب يؤذى ، وقيل يسافر بها إلى قرى المصر القريبة ; لأنها ليست بغربة ، وإذا ضمن الولي المهر صح ضمانه كغيره من الديون ، وللمرأة أن تطالب أيهما شاءت كسائر الكفالات ، وحكمها في الرجوع كغيرها من الكفالات ، ولو ضمن المهر عن ابنه الصغير صح لما قلنا ، ولا يرجع عليه إذا أدى لأنه صلة عرفا ، فإن مات الأب قبل الأداء فأخذ من تركته رجع بقية الورثة على الابن من حصته لأنهم أدوا عنه دينا عليه من مال مشترك . وقال زفر : لا يرجعون كما إذا كفل عن ابنه الكبير بغير أمره أو عن أجنبي . قلنا الكفالة هنا بأمر المكفول عنه حكما لولاية الأب ، فكانت كفالته دليل الأمر من جهته ليرجع ، بخلاف الكبير والأجنبي لأنه لا ولاية له عليهما ، وبخلاف ما إذا أدى حال حياته لأنه متبرع ، فإن العادة جارية بتبرع الآباء بمهر الأبناء .

التالي السابق


الخدمات العلمية