صفحة جزء
[ ص: 161 ] كتاب الطلاق

وهو على ثلاثة أوجه : أحسن ، وحسن ، وبدعي . فأحسنه أن يطلقها واحدة في طهر لا جماع فيه ، ويتركها حتى تنقضي عدتها ، وحسنه : أن يطلقها ثلاثا في ثلاثة أطهار ولا جماع فيها ، والشهر للآيسة والصغيرة والحامل كالحيضة ، ويجوز طلاقهن عقيب الجماع .

والبدعة أن يطلقها ثلاثا أو ثنتين بكلمة واحدة أو في طهر لا رجعة فيه ، أو يطلقها وهي حائض فيقع ويكون عاصيا ، وطلاق غير المدخول بها حالة الحيض ليس ببدعي ، وإذا طلق امرأته حالة الحيض فعليه أن يراجعها ، فإذا طهرت فإن شاء طلقها وإن شاء أمسكها ، وإذا قال لامرأته المدخول بها : أنت طالق ، ثلاثا للسنة ، وقع عند كل طهر تطليقة ، وإن نوى وقوعهن الساعة وقعن ( ز ) ، وطلاق الحرة ثلاث ، والأمة ثنتان ، ولا اعتبار بالرجل في عدد الطلاق ، ويقع طلاق كل زوج عاقل بالغ مستيقظ .


[ ص: 161 ] كتاب الطلاق

وهو في اللغة : إزالة القيد والتخلية ، تقول : أطلقت إبلي وأطلقت أسيري .

وفي الشرع : إزالة النكاح الذي هو قيد معنى ، وهو قضية مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع وضرب من المعقول . أما الكتاب فلقوله تعالى : ( فطلقوهن لعدتهن ) وقوله : ( الطلاق مرتان ) ، والسنة قوله عليه الصلاة والسلام : " كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه والصبي " ، وقال عليه الصلاة والسلام : " أبغض المباحات إلى الله الطلاق " وعلى وقوعه انعقد الإجماع ، ولأن استباحة البضع ملك الزوج على الخصوص ، والمالك الصحيح القول يملك إزالة ملكه كما في سائر الأملاك ، ولأن مصالح النكاح قد تنقلب مفاسد ، والتوافق بين الزوجين قد يصير تنافرا ، فالبقاء على النكاح حينئذ يشتمل على مفاسد من التباغض والعداوة [ ص: 162 ] والمقت وغير ذلك ، فشرع الطلاق دفعا لهذه المفاسد ، ومتى وقع لغير حاجة فهو مباح مبغوض لأنه قاطع للمصالح ، وإنما أبيحت الواحدة للحاجة وهو الخلاص على ما تقدم ، وفي الحديث : " ما خلق الله تعالى مباحا أحب إليه من العتاق ، ولا خلق مباحا أبغض إليه من الطلاق " .

( وهو على ثلاثة أوجه : أحسن ، وحسن ، وبدعي . فأحسنه أن يطلقها واحدة في طهر لا جماع فيه ، ويتركها حتى تنقضي عدتها ) لما روي عن إبراهيم النخعي أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يستحبون أن لا يطلقوا للسنة إلا واحدة ، ثم لا يطلقوا غيرها حتى تنقضي عدتها . وفي رواية : وكان ذلك أحسن عندهم من أن يطلق الرجل ثلاثا في ثلاثة أطهار ، ولأنه إذا جامعها لا يؤمن الحبل وهو لا يعلم به ، فإذا ظهر ندم فكان ما ذكرناه أبعد من الندم فكان أولى .

وفي التي لا تحيض لصغر أو كبر يطلقها أي وقت شاء لعدم ما ذكرنا ، ولأنه أبيح للحاجة على ما تقدم ، والحاجة تندفع بالواحدة .

( وحسنه ) طلاق السنة ، وهو ( أن يطلقها ثلاثا في ثلاثة أطهار لا جماع فيها ) لما روي : " أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما طلق امرأته وهي حائض فقال عليه الصلاة والسلام : ما هكذا أمر ربك يا بن عمر ، إنما أمرك أن تستقبل الطهر استقبالا فتطلقها لكل طهر تطليقة " . وفي رواية قال لعمر : " أخطأ ابنك السنة مره فليراجعها ، فإن طهرت فإن شاء طلقها طاهرا من غير جماع أو حاملا قد استبان حملها ، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء .

( والشهر للآيسة والصغيرة والحامل كالحيضة ) لقيامه مقامها في العدة بنص الكتاب .

( ويجوز طلاقهن عقيب الجماع ) لما تقدم . وأما الحامل فإنه زمان الرغبة في الوطء لكونه [ ص: 163 ] غير معلق ، ويطلقها ثلاثا للسنة يفصل بين كل تطليقتين بشهر . وقال محمد : لا تطلق للسنة إلا واحدة ، لأن الشهر إنما قام مقام الحيضة في الصغيرة والآيسة ، والحامل ليست في معناهما لأنها من ذوات الحيض فصارت كالممتد طهرها . ولهما أن الشهر دليل الحاجة لأنه زمان تجدد الرغبة على ما عليه الطباع السليمة فصارت في معنى الآيسة ، والإباحة بقدر الحاجة فصلح الشهر دليلا ، بخلاف الممتد طهرها ، لأن دليل تجدد الرغبة الطهر ، وهو مرجو في حقها دون الحامل فافترقا . وطلاق السنة في العدد والوقت على ما بينا ، والسنة في العدد يستوي فيها المدخول بها وغير المدخول بها والصغيرة والآيسة ، والحامل والحائل لما بينا أنها شرعت للحاجة والكل فيه سواء ، والسنة في الوقت تختص بالمدخول بها لأن طهرا لا جماع فيه لا يتصور في غير المدخول بها ، ولأن المحظور هو تطويل العدة لو وقع في الحيض فإنها لا تحتسب من العدة ، ولا عدة على غير المدخول بها .

( والبدعة أن يطلقها ثلاثا أو ثنتين بكلمة واحدة ، أو في طهر لا رجعة فيه ، أو يطلقها وهي حائض فيقع ويكون عاصيا ) أما الثلاث والثنتان فلما بينا أنه خلاف السنة والمشروعية للحاجة وهي تندفع بالواحدة . وأما حالة الحيض فلقوله عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عمر : " قد أخطأ السنة " ، وأما الوقوع فلقوله عليه الصلاة والسلام لعمر : " مر ابنك فليراجعها " ، وكان طلقها حالة الحيض ، ولولا الوقوع لما راجعها . وكذلك روي أن ابن عمر قال للنبي عليه الصلاة والسلام : " أرأيت لو طلقتها ثلاثا أكانت تحل لي ؟ قال : " لا ويكون [ ص: 164 ] معصية " . وروي أن بعض أبناء عبادة بن الصامت طلق امرأته ألفا ، فذكر عبادة ذلك للنبي عليه الصلاة والسلام ، فقال : " بانت بثلاث في معصية ، وتسعمائة وسبع وتسعون فيما لا يملك " ، ولقوله عليه الصلاة والسلام : " كل طلاق واقع " الحديث . وأما كونه عاصيا فلمخالفة السنة وإجماع الصحابة ، وقوله : ( في طهر لا رجعة فيه ) إشارة إلى مذهب أبي حنيفة ، وهو أنه لو طلقها في طهر لم يجامعها فيه فراجعها ثم طلقها لا يكره فيه ، وهو قول زفر ، وعندهما يكره ، وعلى هذا لو طلقها في الحيض ثم راجعها فطهرت فطلقها ، وكذا لو مسها بشهوة ثم قال لها : أنت طالق ثلاثا للسنة وقعن للحال عنده ، لأن الأولى وقعت فصار مراجعا باللمس بشهوة فوقعت أخرى ، ثم صار مراجعا فوقعت الثالثة . والشهر الواحد في حق الآيسة والصغيرة على الخلاف . فالحاصل أن الرجعة فاصلة بين الطلاقين عنده ، والنكاح فاصل بالإجماع .

لهما أن بالطلاق في الطهر خرج من أن يكون وقتا لطلاق السنة ، ولهذا لو أوقعه قبل الرجعة يكره . وله أن بالمراجعة ارتفع حكم الطلاق الأول فصار كأن لم يكن ، فإذا ارتفع لا يصير جامعا والكراهة باعتبار ، ولأنها عادت إلى الحالة الأولى بسبب من جهته فصار كما لو أبانها في الطهر ثم تزوجها .

قال : ( وطلاق غير المدخول بها حالة الحيض ليس ببدعي ) لما مر .

قال : ( وإذا طلق امرأته حالة الحيض فعليه أن يراجعها ) لورود الأمر به في حديث ابن عمر رضي الله عنه على ما تقدم ، ولما فيه من رفع الفعل الحرام برفع أثره ( فإذا طهرت فإن شاء طلقها وإن شاء أمسكها ) لحديث ابن عمر رضي الله عنهما .

قال : ( وإذا قال لامرأته المدخول بها : أنت طالق ثلاثا للسنة وقع عند كل طهر تطليقة ) لأن معناه لوقت السنة ، ووقتها طهر لا جماع فيه لما مر ، ( وإن نوى وقوعهن الساعة وقعن ) خلافا لزفر لأن الجمع بدعة فلا يكون سنة . ولنا أنه سني وقوعا لا إيقاعا ، لأنا إنما عرفنا وقوع الثلاث جملة بالسنة فكان محتمل كلامه فينتظمه عند النية دون الإطلاق .

[ ص: 165 ] قال : ( وطلاق الحرة ثلاث والأمة ثنتان ، ولا اعتبار بالرجل في عدد الطلاق ) لقوله تعالى : ( فطلقوهن لعدتهن ) أي لأطهار عدتهن ، فتكون الطلقات على عدد الأطهار ، وأطهار الحرة في العدة ثلاثة والأمة ثنتان ، فيكون التطليق كذلك ، ولأن الحر لو ملك على الأمة ثلاثا لملك تفريقهن على أوقات السنة ولا يملك بالإجماع ، وقال عليه الصلاة والسلام : ( طلاق الأمة ثنتان وعدتها حيضتان ) وأما قوله عليه الصلاة والسلام : " الطلاق بالرجال والعدة بالنساء " فمعناه وجود الطلاق أو وقوع الطلاق بالرجال ، كما أن العدة بالنساء ، وأما قوله عليه الصلاة والسلام : " لا يطلق العبد أكثر من اثنتين " يعني زوجته الأمة توفيقا بين الأحاديث والدلائل ، أو لأن الغالب أن العبد إنما يتزوج الأمة ، فخرج مخرج الغالب ، ولأن النكاح نعمة في حقها ، والرق مؤثر في تنصيف النعم ، فوجب أن يعتبر برقها ، وقضيته طلقة ونصف ، لكن لما لم تتنصف الطلقة كملتا .

قال : ( ويقع طلاق كل زوج عاقل بالغ مستيقظ ) لقوله عليه الصلاة والسلام : " كل طلاق واقع إلا طلاق الصبي والمعتوه " ، وفي رواية : " إلا طلاق الصبي والمجنون " ، ولا يقع طلاق الصبي والمجنون لما روينا ، ولأنهما عديما العقل والتمييز والأهلية بهما ، ولو طلق الصبي أو النائم ثم بلغ أو استيقظ وقال : أجزت ذلك الطلاق لا يقع ، ولو قال : أوقعته وقع .

التالي السابق


الخدمات العلمية