صفحة جزء
[ ص: 167 ] [ صريح الطلاق ]

وصريح الطلاق لا يحتاج إلى نية ، وهو نوعان : أحدهما أنت طالق ومطلقة وطلقتك . والثاني أنت الطلاق ، وأنت طالق الطلاق ، وأنت طالق طلاقا ، فالأول تقع به طلقة واحدة رجعية ، ولا تصح فيه نية الثنتين والثلاث . والثاني تقع به واحدة رجعية ، وتصح فيه نية الثلاث دون الثنتين ( ز ) ولو نوى بقوله أنت طالق واحدة ، وبقوله طلاقا أخرى وقعتا ، وإذا أضاف الطلاق إلى جملتها أو ما يعبر به عن الجملة كالرقبة والوجه والروح والجسد ، أو إلى جزء شائع منها وقع ، ونصف الطلقة تطليقة ، وكذلك الثلث ، وثلاثة أنصاف تطليقتين ثلاث ، وثلاثة أنصاف تطليقة ثنتان ، ولو قال : أنت طالق من واحدة إلى ثلاث يقع ثنتان ( سم ) وإلى ثنتين تقع واحدة ( سم ) ، ولو قال : واحدة في ثنتين وقعت واحدة ، وثنتين في ثنتين اثنتان وإن نوى الحساب ، ولو قال : أنت طالق من هنا إلى الشام فهي واحدة رجعية ، ولو قال : أنت طالق بمكة أو في مكة طلقت في الحال في جميع البلاد ، ولو قال : أنت طالق غدا تقع بطلوع الفجر ، ولو نوى آخر النهار صدق ديانة ، ولو قال : في غد صحت قضاء ( سم ) أيضا ، ولو قال : أنت طالق اليوم غدا ، أو غدا اليوم يؤخذ بأولهما ذكرا ، ولو قال : أنت طالق قبل أن أتزوجك فليس بشيء ، ولو قال : أنت طالق ما لم أطلقك ، أو متى ما لم أطلقك ، أو متى لم أطلقك وسكت طلقت ، وإن قال : إن لم أطلقك ، أو إذا لم ( سم ) أطلقك ، أو إذا ما لم ( سم ) أطلقك لم تطلق حتى تموت ، ولو قال : أنت طالق ثلاثا ما لم أطلقك أنت طالق فهي طالق هذه الواحدة ، ولو قال : أنا منك طالق لم يقع شيء وإن نوى ، ولو قال : أنا منك بائن أو عليك حرام ونوى الطلاق فواحدة بائنة ، ولو قال : أنت طالق هكذا وأشار بأصابعه الثلاث فثلاث ، وبالواحدة واحدة ، وبالثنتين ثنتان ، والمعتبر المنشورة ، وإن أشار بظهورها فالمعتبر المضمومة .


فصل

[ صريح الطلاق ]

( وصريح الطلاق لا يحتاج إلى نية ) لأنه موضوع له شرعا فكان حقيقة ، والحقيقة لا تحتاج إلى نية ، ويعقب الرجعة لقوله تعالى : ( وبعولتهن أحق بردهن ) ولو نوى الإبانة فهو رجعي لأنه نوى ضد ما وضع له شرعا .

( وهو نوعان : أحدهما أنت طالق ومطلقة وطلقتك . والثاني أنت الطلاق ، وأنت طالق [ ص: 168 ] الطلاق ، وأنت طالق طلاقا . فالأول تقع به طلقة واحدة رجعية ولا تصح فيه نية الثنتين والثلاث ) لأنه نعت فرد . يقال للواحدة طالق وللثنتين طالقان وللثلاث طوالق ، ونعت الفرد لا يحتمل العدد لأنه ضده ، ولئن قال قائل : ذكر الطالق ذكر للطلاق حتى صح ذكر العدد تفسيرا له ، وأنه دليل المصدرية ، والمصدر يحتمل الثلاث . قلنا هو ذكر لطلاق تتصف به المرأة ، والعدد المذكور بعده نعت لمصدر محذوف تقديره طلاقا ثلاثا كقولهم : ضربته وجيعا وأعطيته جزيلا .

( و ) النوع ( الثاني تقع به واحدة رجعية ، وتصح فيه نية الثلاث دون الثنتين ) لأنه ذكر المصدر ، وهو يحتمل العموم لأنه اسم جنس ، ويحتمل الأدنى ، فعند الإطلاق يحمل على الواحدة لأنه متيقن ، وإن نوى الثلاث وقعن لأنه محتمل كلامه ، وإنما لا تصح نية الثنتين لأنها جنس الطلاق لا من حيث العددية حتى لو كانت الزوجة أمة صحت نية الثنتين من حيث الجنسية . وقال زفر : تصح نية الثنتين لأنها بعض الثلاث . وجوابه ما قلنا .

( ولو نوى بقوله : أنت طالق ، واحدة ، وبقوله : طلاقا أخرى وقعتا ) لأن كل واحد من اللفظين يحتمل الإيقاع ، فصار كقوله : أنت طالق أنت طلاقا فإنه يقع ثنتان كذا هاهنا ، وهكذا الحكم في قوله أنت طالق الطلاق ، ولو قال : أنت طالق ، وقال : عنيت به عن وثاق لا يصدق قضاء ، ولو قال عن العمل يدين أيضا ، ولو قال : أنت طالق من وثاق أو من هذا القيد لم يقع شيء في القضاء ، ولو قال : أنت طالق من هذا العمل وقع قضاء لا ديانة ، ولو قال : أنت طالق ثلاثا من هذا العمل طلقت ثلاثا ، ولا يصدق قضاء أنه لم ينو الطلاق .

قال : ( وإذا أضاف الطلاق إلى جملتها أو ما يعبر به عن الجملة كالرقبة والوجه والروح والجسد ، أو إلى جزء شائع منها وقع ) لأنها محل الطلاق ، فإذا قال : أنت طالق فقد أضاف الطلاق إلى محله فيصح . وهذه الأشياء يعبر بها عن جملة البدن . قال تعالى : ( فتحرير رقبة ) والمراد الجملة . ويقال يا وجه العرب ، وقال عليه الصلاة والسلام : " لعن الله الفروج [ ص: 169 ] على السروج " ، ويقال : أنا بخير ما سلم رأسك وما بقيت روحك . ويراد الجميع . والجسد عبارة عن الجميع ، وكذلك العنق . قال تعالى : ( فظلت أعناقهم ) وكذلك الدم يقال : دمه هدر ، وهذا على ما ذكر في الكفالة أنه لو تكفل بدمه يصح ، وأشار في كتاب العتق أنه لا يقع لأنه قال : لو قال لعبده دمك حر لا يعتق . وفي الظهر والبطن روايتان ، وإنما يقع بالإضافة إلى هذه الأعضاء باعتبار أنه يعبر بها عن جميع البدن لا بالإضافة إليها حتى لو قال : الرأس منك طالق أو الوجه ، أو وضع يده على الرأس أو العنق وقال : هذا العضو طالق لا يقع . وأما الجزء الشائع كالثلث والربع فلأنه قابل لسائر التصرفات بيعا وإجارة وغيرهما ، ولهذا يصح إضافة النكاح إليه فكذا الطلاق ، لكن لا يتجزأ في حكم الطلاق فيثبت في الكل ، ولو أضافه إلى اليد والرجل ونحوهما مما لا يعبر به عن البدن لا يقع كالأصبع والشعر ، لأنه أضافه إلى غير محله فصار كإضافته إلى الريق والظفر ، وهذا لأن الطلاق رفع القيد ولا قيد في هذه الأعضاء ، لأنه لا يصح إضافة النكاح إليها ، بخلاف الجزء الشائع على ما بينا ، ولو تعارف قوم أن اليد يعبر بها عن البدن عرفا ظاهرا يقع الطلاق .

قال : ( ونصف الطلقة تطليقة وكذلك الثلث ) فلو قال لها أنت طالق نصف تطليقة أو ثلث تطليقة وقعت تطليقة ، لأن ذكر بعض ما لا يتجزأ كذكر كله . وكذلك كل جزء شائع من التطليقة لما قلنا .

( وثلاثة أنصاف تطليقتين ثلاث ) لأن نصف التطليقتين واحدة ، فكأنه قال : أنت طالق ثلاثا .

( وثلاثة أنصاف تطليقة ثنتان ) لأن ثلاثة أنصاف تطليقة تطليقة ونصف وأنه لا يتجزأ فيكمل النصف فيصير تطليقتين ، وقيل : ثلاث لأنه يكمل كل نصف فيكون ثلاثا ، ولو قال : نصفي تطليقة فهي واحدة كنصفي درهم يكون درهما ، ولو قال : نصفي تطليقتين فثنتان كنصفي درهمين ، ولو قال : أنت طالق نصف تطليقة وثلث تطليقة وسدس تطليقة يقع ثلاث . ولو قال : نصف تطليقة وثلثها وسدسها تقع واحدة لأنه أضاف الأجزاء إلى تطليقة واحدة ، وفي الأولى أضاف كل جزء إلى تطليقة منكرة ، فاقتضى كل جزء تطليقة على حدة ، فإن جاوز المجموع الأجزاء كقوله : نصف تطليقة وثلثها وربعها . قيل : واحدة ، وقيل : ثنتان وهو المختار ، لأن الزيادة على الواحدة من [ ص: 170 ] تطليقة أخرى ، فكأنه أوقع واحدة وبعض أخرى فتتكامل .

ولو قال لنسائه وهن أربع : بينكن تطليقة ، تقع على كل واحدة تطليقة ، لأن الواحدة إذا قسمت بينهن أصاب كل واحدة ربعها فتكمل ، وكذلك ثنتان أو ثلاث أو أربع ، لأن الثنتين إذا قسمتا بينهن أصاب كل واحدة نصف ، ومن الثلاث ثلاثة أرباع فتكمل ، ومن الأربع كل واحدة واحدة ، ولا يقسم كل واحدة وحدها لأن القسمة في الجنس الذي لا يتفاوت يقع على جملته ، وإنما يقسم الآحاد إذا كان متفاوتا ، فإن نوى قسمة كل واحدة بانفرادها وقع كذلك لأنه شدد على نفسه ، ولو قال : خمس ، طلقت كل واحدة ثنتين ، وكذلك إلى ثمانية ، ولو قال : تسع تطليقات ، طلقت كل واحدة ثلاثا لما مر ، ولو قال : فلانة طالق ثلاثا وفلانة معها ، أو قال : أشركت فلانة معها في الطلاق طلقتا ثلاثا ثلاثا ، ولو قال لأربع نسوة : أنتن طوالق ثلاثا طلقت كل واحدة ثلاثا .

( ولو قال : أنت طالق من واحدة إلى ثلاث يقع ثنتان ، وإلى ثنتين تقع واحدة ) وقالا : يقع في الأولى ثلاث ، وفي الثانية ثنتان وقد مرت في الإقرار .

( ولو قال : واحدة في ثنتين ، وقعت واحدة ، وثنتين في ثنتين اثنتان ، وإن نوى الحساب ) وقد مر في الإقرار أيضا .

قال : ( ولو قال : أنت طالق من هنا إلى الشام فهي واحدة رجعية ) لأنه لم يزدها وصفا بقوله : إلى الشام لأنها متى طلقت يقع في جميع الأماكن .

( ولو قال : أنت طالق بمكة أو في مكة طلقت في الحال في جميع البلاد ) لما بينا ، وإن عنى به إذا أتيت مكة لم يصدق قضاء لأن الإضمار خلاف الظاهر ، ولو قال : في دخولك مكة تعلق الطلاق بالدخول لأنه تعذر الظرفية والشرط قريب من الظرف فيحمل عليه .

قال : ( ولو قال : أنت طالق غدا تقع بطلوع الفجر ) لأنه وصفها بالطالقية في جميع الغد ، فلزم أن تكون طالقا في جميعه ، ولا ذلك إلا بوقوعه في أول جزء منه ( ولو نوى آخر النهار صدق ديانة ) لا قضاء لأنه مخالف للظاهر ، إلا أنه يحتمله لأنه تخصيص فيصدق ديانة .

[ ص: 171 ] ( ولو قال : في غد صحت قضاء أيضا ) لأنه حقيقة كلامه لأن الظرف لا يوجب استيعاب المظروف ، وإنما يتعين الجزء الأول عند عدم النية لعدم المزاحمة ، وقالا : هو والأول سواء ، لأن المراد منهما الظرفية لأن نصب ( غدا ) على الظرفية فلا فرق . وجوابه أن قوله : ( غدا ) للاستيعاب ، ونظيره قوله : لا أكلمك شهرا وفي الشهر ، ودهرا وفي الدهر ، وإذا كان للاستيعاب فإذا نوى البعض فقد نوى التخصيص كما بينا ، وعلى هذا الخلاف أنت طالق في رمضان ونوى آخره .

( ولو قال : أنت طالق اليوم غدا ، أو غدا اليوم يؤخذ بأولهما ذكرا ) ، لأن قوله : اليوم تنجيز فلا يتأخر ، وقوله غدا إضافة ، والتنجيز إبطال للإضافة فيلغو .

قال : ( ولو قال : أنت طالق قبل أن أتزوجك فليس بشيء ) وكذا أمس وقد تزوجها اليوم ، لأنه أسند إلى حالة منافية لوقوع الطلاق فلا يقع كقوله : قبل أن أخلق ، ولو كان تزوجها أول من أمس وقع الساعة في الفصل الثاني لأنه أوقع الطلاق في ملكه فيقع .

( ولو قال : أنت طالق ما لم أطلقك ، أو متى ما لم أطلقك ، أو متى لم أطلقك وسكت طلقت ) لوجود شرط الوقوع بالسكوت ، وهو زمان خال عن التطليق ، لأن هذه الألفاظ للوقت ، أما " متى " و " متى ما " فحقيقة فيه ، وأما " ما " فإنه يستعمل فيه ، قال تعالى : ( ما دمت حيا ) أي وقت الحياة ، ( وإن قال : إن لم أطلقك ، أو إذا لم أطلقك ، أو إذا ما لم أطلقك لم تطلق حتى تموت ) لأن هذه الألفاظ للشرط فكان الطلاق معلقا بعدم التعليق فلا يتحقق العدم إلا بالموت ، أما " إن " فظاهر ، وأما " إذا " و " إذا ما " فكذلك عنده ، وقالا : هما بمعنى " متى " ، قال تعالى : ( إذا السماء انشقت ) وأمثالها والمراد الوقت ، ولأبي حنيفة أنها تستعمل للشرط أيضا ، قال :

وإذا تصبك خصاصة فتحمل



جزم بها وهي دليل الشرطية .

وإذا استعملت في الأمرين لا يقع الطلاق بالشك لاحتمال إرادة كل واحد منهما على [ ص: 172 ] الانفراد ، بخلاف قوله : طلقي نفسك إذا شئت ، حيث لا يخرج الأمر من يدها بالقيام عن المجلس ، ويحمل على الوقت لأنه لما احتملهما وقد ملكها فلا يخرج الأمر من يدها بالشك .

( ولو قال : أنت طالق ثلاثا ما لم أطلقك أنت طالق فهي طالق هذه الواحدة ) لأنه وجد شرط البر ، وهو عدم الوقت الخالي عن التطليق .

( ولو قال : أنا منك طالق لم يقع شيء وإن نوى ، ولو قال : أنا منك بائن أو عليك حرام ونوى الطلاق فواحدة بائنة ) والفرق أن الطلاق إزالة القيد ، والقيد قائم بالمرأة دون الرجل ، أو لإزالة الملك وهي المملوكة وهو المالك ، أما الإبانة فلقطع الوصلة والتحريم لرفع الحل والوصلة ، والحل مشترك بينهما فصح إضافتهما إليهما دون الطلاق .

( ولو قال : أنت طالق هكذا وأشار بأصابعه الثلاث فثلاث ، وبالواحدة واحدة ، وبالثنتين ثنتان ، والمعتبر المنشورة ) لأنها للإعلام بالعدد ، قال عليه الصلاة والسلام : " الشهر هكذا وهكذا وهكذا وخنس إبهامه " . وأراد في النوبة الثالثة التسعة وعليه العرف ، ولو أراد المضمومتين أو الكف لم يصدق قضاء لأنه خلاف الظاهر .

( وإن أشار بظهورها فالمعتبر المضمومة ) لأنه يريد إعلام العدد بقدر المضمومة رجوعا إلى العادة بين الناس ، ولو قال : أنت طالق ولم يقل هكذا وقعت واحدة ، لأنه لما لم يذكر العدد بقي مجرد قوله : أنت طالق ، فتقع واحدة ، ولو قال : أنت طالق واحدة ، أو قال : ثنتين ، أو قال : ثلاثا فماتت بعد قوله أنت طالق قبل ذكر العدد لم يقع شيء ، لأنه متى ذكر العدد فالواقع هو العدد ، فإذا ماتت قبل ذكر العدد فات المحل قبل الإيقاع فبطل .

وفي الفتاوى : إذا قال : أنت طالق كذا كذا طلقت ثلاثا ، لأنه إذا أقر بكذا كذا لزمه أحد عشر على ما عرف ، فكأنه قال : أنت طالق أحد عشر ، ولو قال كذلك طلقت ثلاثا كذلك هنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية