صفحة جزء
[ ص: 173 ] ولو قال : أنت طالق بائن أو أفحش الطلاق أو أخبثه أو أشده أو أعظمه أو أكبره أو أشره أو أسوأه أو طلاق الشيطان أو البدعة أو كالجبل أو ملء البيت ، أو تطليقة شديدة أو طويلة أو عريضة فهي واحدة بائنة ، وإن نوى الثلاث فثلاث .


[ ص: 173 ] فصل

في وصف الطلاق

أصله أنه متى وصف الطلاق بوصف لا يوصف به ولا يحتمله وقع الطلاق وبطل الوصف ، كقوله : أنت طالق طلاقا لم يقع ، فإنه يقع واحدة لأن الطلاق لم يوصف بذلك ، ومتى وقع الطلاق لا يرتفع ، وكذا إذا قال : أنت طالق وأنا بالخيار ثلاثة أيام يقع ويبطل الشرط ، ومتى وصفه بوصف يوصف به ، فلا يخلو إما إن كان ينبئ عن زيادة شدة وغلظة أو لا ، فإن كان لا ينبئ عن ذلك فهو رجعي ، وإن كان ينبئ فهو بائن ، مثال الأول : أنت طالق أفضل الطلاق أو أكمله أو أحسنه أو أعدله أو أسنه أو خيره ، فإنه تقع واحدة رجعية ، لأنه لا وصف لها ينبئ عن الشدة ، والبينونة وصف شدة فلا يقع .

( و ) مثال الثاني : ( لو قال : أنت طالق بائن أو أفحش الطلاق أو أخبثه أو أشده أو أعظمه أو أكبره أو أشره أو أسوأه أو طلاق الشيطان أو البدعة أو كالجبل أو ملء البيت ، أو تطليقة شديدة أو طويلة أو عريضة فهي واحدة بائنة ) لأن هذه الأوصاف تنبئ عن الشدة ، والبائن : هو الشديد الذي لا يقدر على رجعتها ، بخلاف الرجعي لأنه ليس بشديد عليه حتى يملك رجعتها بدون أمرها .

قال : ( وإن نوى الثلاث فثلاث ) لأن الشدة والبدعة وطلاق الشيطان يتنوع إلى نوعين : شدة ضعيفة وقوية ، فالضعيفة الواحدة البائنة ، فعند عدم النية ينصرف إليها للتيقن ، وإذا نوى الثلاث فقد نوى أحد نوعيه فيصدق ، وكذا لو قال : أنت طالق كألف لأنه يشبه بها في القوة . قال :

وواحد كالألف إن أمر عنى

ويشبه بها في العدد فأيهما نوى صح ، وعند عدمها يثبت الأقل لما مر . وعن محمد أنه [ ص: 174 ] يقع الثلاث عند عدم النية لأنه عدد فالظاهر هو التشبيه في العدد .

ثم عند أبي حنيفة ومحمد متى شبه الطلاق فهو بائن ، لأن التشبيه يقتضي زيادة الوصف وذلك بالبينونة ، لأن عند عدم التشبيه يكون رجعيا ، وعند أبي يوسف - وقيل هو قول محمد - إن ذكر العظم كان بائنا وإلا فلا ، وسواء كان المشبه به عظيما في نفسه أو لا لأنه يحتمل التشبيه في نفس التوحيد ، فإذا ذكر العظم علمنا أنه أراد الزيادة . وعند زفر إن شبهه بما هو عظيم في نفسه كان بائنا وإلا فهو رجعي ، والخلاف يظهر في قوله : أنت طالق مثل رأس الإبرة ، مثل عظم رأس الإبرة ، مثل الجبل ، مثل عظم الجبل ، فعند أبي حنيفة هو بائن في الجميع ، وعند أبي يوسف هو بائن في الثانية والرابعة ، رجعي في الباقي ، وعند زفر هو بائن في الثالثة والرابعة ، رجعي في الباقي ، ولو قال : أنت طالق مثل عدد كذا . لشيء لا عدد له كالشمس والقمر فواحدة بائنة عند أبي حنيفة ، رجعية عند أبي يوسف ، ولو قال كالنجوم فواحدة عند محمد ، لأن معناه كالنجوم ضياء إلا أن ينوي العدد فثلاث .

ولو قال : أنت طالق لا قليل ولا كثير ، يقع ثلاثا ، ولو قال : لا كثير ولا قليل ، تقع واحدة ، فيثبت ضد ما نفاه أولا ، لأن بالنفي ثبت ضده فلا يرتفع ، ولو طلق امرأته واحدة رجعية ثم قال : جعلتها بائنة أو ثلاثا يكون كذلك عند أبي حنيفة . وقال أبو يوسف : يصير بائنا لا ثلاثا لأن الواحدة لا تحتمل العدد وتحتمل التبديل إلى صفة أخرى . وقال محمد : لا يكون بائنا ولا ثلاثا لأنه إذا وقع بصفة لا يملك تغييره لأن تغيير الواقع لا يصح . ولأبي حنيفة أن الإبانة مملوكة له فيملك إثباتها بعد الإيقاع ويملك إيقاع العدد فيملك إلحاق الثنتين بالواحدة وضمهما إليها .

التالي السابق


الخدمات العلمية