صفحة جزء
[ ص: 210 ] باب الظهار

وهو أن يشبه امرأته أو عضوا يعبر به عن بدنها أو جزءا شائعا منها بعضو لا يحل النظر إليه من أعضاء من لا يحل له نكاحها على التأبيد . وحكمه : حرمة الجماع ودواعيه حتى يكفر ، فإن جامع قبل التكفير استغفر الله تعالى ، والعود الذي تجب به الكفارة أن يعزم على وطئها ، وينبغي لها أن تمنع نفسها منه وتطالبه بالكفارة ويجبره القاضي عليها ، ولو قال : أنت علي مثل أمي أو كأمي ، فإن أراد الكرامة صدق ، وإن أراد الظهار فظهار ، وإن أراد الطلاق فواحدة بائنة ، وإن لم يكن له نية فليس بشيء ، ولو قال لنسائه : أنتن علي كظهر أمي فعليه لكل واحدة كفارة ، وإن ظاهر منها مرارا في مجلس واحد أو في مجالس فعليه لكل ظهار كفارة .


باب الظهار

وهو في اللغة مشتق من لفظ الظهر ، يقال : ظاهر يظاهر ظهارا ، وأصله قول الرجل لامرأته : أنت علي كظهر أمي ، ثم انتقل إلى غيره من الأعضاء ، وإلى غيرها من المحرمات .

( وهو أن يشبه امرأته أو عضوا يعبر به عن بدنها ) كالرأس والوجه ، ( أو جزءا شائعا منها ) كالثلث والربع ، ( بعضو لا يحل النظر إليه ) كالظهر والفخذ والبطن والفرج ، لأن الكل في معنى الظهر في الحرمة ( من أعضاء من لا يحل له نكاحها على التأبيد ) كأمه وبنته وجدته وعمته وخالته وأخته وغيرهن من المحرمات على التأبيد ، لأن الكل كالأم في تأبيد الحرمة .

( وحكمه : حرمة الجماع ودواعيه حتى يكفر ) تحرزا عن الوقوع فيه كما في الإحرام ، بخلاف الحيض فإنه يكثر وقوعه فيحرج ولا كذلك الظهار ، وكان في الجاهلية طلاقا فجعله الشرع موجبا حرمة متناهية بالكفارة .

والأصل فيه حديث خولة بنت ثعلبة ، وقيل بنت خويلد كانت تحت أوس بن الصامت وكانا من الأنصار فأرادها فأبت عليه ، فقال : أنت علي كظهر أمي فكان أول ظهار في الإسلام ، ثم ندم وكان الظهار طلاقا في الجاهلية ، فقال : ما أظنك إلا قد حرمت علي ، فقالت : والله ما [ ص: 211 ] ذاك بطلاق ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أوسا تزوجني وأنا شابة غنية ذات مال وأهل ، حتى إذا أكل مالي وأفنى شبابي وتفرق أهلي وكبرت سني ظاهر مني وقد ندم ، فهل من شيء يجمعني وإياه تنعشني به ، فقال عليه الصلاة والسلام : " حرمت عليه ، فجعلت تراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا قال لها : حرمت عليه هتفت وقالت : أشكو إلى الله فاقتي وشدة حالي ، وإن لي صبية صغارا إن ضممتهم إليه ضاعوا ، وإن ضممتهم إلي جاعوا ، وجعلت تقول : اللهم إني أشكو إليك ، اللهم فأنزل على لسان نبيك ، فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي كما كان يتغشاه ، فلما سري عنه قال : يا خولة قد أنزل الله فيك وفي أوس قرآنا وتلا : ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها ) الآيات ، والظهار جائز ممن يجوز طلاقه من المسلمين لأن كل واحد منهما يوجب حرمة الزوجة ، ولا يكون من المطلقة بائنا لأنها حرام عليه .

قال : ( فإن جامع قبل التكفير استغفر الله تعالى ) لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا ظاهر من امرأته فرأى خلخالها في القمر فوقع عليها ، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك ، فقال له : " استغفر الله تعالى ولا تعد حتى تكفر " ، ولأنه فعل فعلا محرما والأفعال المحرمة توجب الاستغفار ولا شيء عليه غيره ، لأنه لو كان لبينه عليه الصلاة والسلام ، ولا يحل قربانها بعد زوج آخر ولا بملك اليمين حتى يكفر لقوله تعالى : ( فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ) .

قال : ( والعود الذي تجب به الكفارة أن يعزم على وطئها ) لقوله عليه الصلاة والسلام : " ولا تعد حتى تكفر " ، نهى عن الوطء إلى غاية التكفير فتنتهي حرمة الوطء بالتكفير ، ( وينبغي لها أن تمنع نفسها منه لأنه حرام وتطالبه بالكفارة ويجبره القاضي عليها ) إيفاء لحقها ، وكل ما لا يصدقه القاضي فيه لا يسع المرأة أن تصدقه فيه ، فلو قال : أردت الإخبار عما مضى بكذب لم يصدق قضاء وصدق ديانة ، ولو قال : أنا منك مظاهر ، أو ظاهرت منك يصير مظاهرا لأنه صريح فيه ، ولو شبهها بامرأة زنى بها أبوه أو ابنه أو بابنة مزنيته فهو مظاهر عند أبي يوسف خلافا لمحمد ، بناء على أن القاضي إذا قضى بجواز نكاحها ينفذ عند محمد خلافا لأبي يوسف .

[ ص: 212 ] وسئل محمد عن المرأة تقول لزوجها : أنت علي كظهر أمي ، قال : ليس بشيء ، لأن المرأة لا تملك التحريم كالطلاق . وسئل أبو يوسف فقال : عليها الكفارة ، لأن الظهار تحريم يرتفع بالكفارة وهي من أهل الكفارة فصح أن توجبها على نفسها . وسئل الحسن بن زياد فقال : هما شيخا الفقه أخطأا ، عليها كفارة يمين ، لأن الظهار يقتضي التحريم فكأنها قالت لزوجها : أنت علي حرام ، فيجب عليها كفارة يمين إذا وطئها .

( ولو قال : أنت علي مثل أمي أو كأمي ) فهو كناية يرجع إلى نيته ( فإن أراد الكرامة صدق ) لأن ذلك من محتملات كلامه وهو مشهور بين الناس ( وإن أراد الظهار فظهار ) لأنه شبهها بجميعها ، وفي ذلك تشبيه بالعضو المحرم فيصح عند نيته ، ( وإن أراد الطلاق فواحدة بائنة ) ويصير تشبيها لها في الحرمة كأنه قال : أنت علي حرام ( وإن لم يكن له نية فليس بشيء ) لأنه كناية يحتمل وجوها فلا يتعين أحدها إلا بمرجح . وقال محمد : هو ظهار لأنه تشبيه حقيقة والتشبيه بالعضو ظهار ، فالتشبيه بالكل أولى . وعن أبي يوسف إن كان في حالة الغضب فهو ظهار ، وإن عنى به التحريم فهو إيلاء إثباتا لأدنى الحرمتين . وعند محمد ظهار ، وقيل ظهار بالإجماع . وإن نوى الكذب قال محمد في نوادر هشام : يدين إلا أن يكون في حالة الغضب فهو يمين ، وإن قال : أنت علي حرام كأمي ونوى ظهارا فظهار للتشبيه ، وإن نوى طلاقا فطلاق للتحريم ، وإن نوى التحريم فظهار ، وإن لم يكن له نية فإيلاء . وعند محمد ظهار ، وقد مر وجهها .

( ولو قال لنسائه : أنتن علي كظهر أمي فعليه لكل واحدة كفارة ) لأنه يصير مظاهرا من كل واحدة منهن بإضافة الظهار إليهن ، كما إذا قال : أنتن طوالق تطلق كل واحدة منهن ، وإذا كان مظاهرا من كل واحدة منهن تثبت الحرمة في كل واحدة والكفارة لإنهاء الحرمة فتتعدد بتعدد الحرمة .

( وإن ظاهر منها مرارا في مجلس واحد أو في مجالس فعليه لكل ظهار كفارة ) كما في تكرار اليمين . وروى الحسن عن أبي حنيفة : إذا قال لامرأته : أنت علي كظهر أمي مائة مرة وجبت عليه مائة كفارة وهو حالف مائة مرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية