صفحة جزء
[ ص: 229 ] وعلى المعتدة من نكاح صحيح عن وفاة أو طلاق بائن إذا كانت بالغة مسلمة حرة أو أمة الحداد ، وهو ترك الطيب والزينة والكحل والدهن والحناء إلا من عذر ، ولا تخرج المبتوتة من بيتها ليلا ولا نهارا ، والمعتدة عن وفاة تخرج نهارا وبعض الليل وتبيت في منزلها ، والأمة تخرج لحاجة المولى في العدتين في الوقتين جميعا ، وتعتد في البيت الذي كانت تسكنه حال وقوع الفرقة إلا أن ينهدم أو تخرج منه أو لا تقدر على أجرته فتنتقل .


فصل

[ الحداد ]

( وعلى المعتدة من نكاح صحيح عن وفاة أو طلاق بائن إذا كانت بالغة مسلمة حرة أو أمة الحداد ) ويقال الإحداد . والأصل فيه ما روي : " أن امرأة مات عنها زوجها فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستأذنه في الانتقال فقال : كانت إحداكن تمكث في أشر أحلاسها إلى الحول ، أفلا أربعة أشهر وعشرا ؟ " ، فدل أنه يلزمها أن تقيم في شر أحلاسها أربعة أشهر وعشرا . وقال [ ص: 230 ] عليه الصلاة والسلام : " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت ثلاثة أيام فما فوقها إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرا " ، وروي أنه عليه الصلاة والسلام : " نهى المعتدة أن تختضب بالحناء وقال : الحناء طيب " ، وأنه عام في كل معتدة ، ولأنه لما حرم عليها النكاح في العدة أمرت بتجنب الزينة حتى لا تكون بصفة الملتمسة للأزواج وأنه يعم الفصلين ، ولأنها وجبت إظهارا للتأسف على فوت نعمة النكاح الذي كان سبب مئونتها وكفايتها من النفقة والسكنى وغير ذلك ، وأنه موجود في المبتوتة والمتوفى عنها .

قال : ( وهو ترك الطيب والزينة والكحل والدهن والحناء إلا من عذر ) لنهيه عليه الصلاة والسلام عن الحناء ، وقوله : " الحناء طيب " ، فدل على أن الطيب محظور عليها ، ويدخل فيه الثوب المطيب والمعصفر والمزعفر حتى قالوا : لو كان غسيلا لا ينفض جاز لأنه لم يبق له رائحة ، فإن لم يكن لها إلا ثوب واحد مصبوغ لا بأس به لأنه عذر ، ولا تمتشط لأنه زينة ، فإن كان فالأسنان المنفرجة دون المضمومة ، ولا تلبس حليا لأنه زينة ، ولا تلبس قصبا ولا خزا لأنه زينة . وعن أبي يوسف لا بأس بالقصب والخز الأحمر . فالحاصل أن ذلك يلبس للحاجة ويلبس للزينة فيعتبر القصد في لبسه ، وقد صح " أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يأذن للمبتوتة في الاكتحال " بخلاف حالة التداوي لأنه عذر ، فكان ضرورة دون التزين ، وكذا إذا خافت من ترك الدهن والكحل حدوث مرض بأن كانت معتادة لذلك يباح لها ذلك .

ولا إحداد على صغيرة ولا مجنونة لعدم الخطاب ولأنها عبادة حتى لا تجب على الكافرة ، بخلاف الأمة لأنها أهل للعبادات وليس فيها إبطال حق المولى ، وليس في عدة النكاح الفاسد إحداد لأنه لا يتأسف على زواله لأنه واجب الزوال ولأنه نقمة فزواله نعمة .

قال : ( ولا تخرج المبتوتة من بيتها ليلا ولا نهارا ) لقوله تعالى : ( لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن ) ، ولأن نفقتها واجبة على الزوج فلا حاجة لها إلى الخروج كالزوجة ، حتى لو [ ص: 231 ] اختلعت على أن لا نفقة لها قيل تخرج نهارا لمعاشها ، وقيل لا وهو الأصح ، لأنها اختارت إسقاط نفقتها فلا يؤثر في إبطال حق المختلعة عليها على أن لا سكنى لها لا يجوز لها الخروج .

قال : ( والمعتدة عن وفاة تخرج نهارا وبعض الليل وتبيت في منزلها ) لأنه لا نفقة لها فتضطر إلى الخروج لإصلاح معاشها وربما امتد ذلك إلى الليل . وعن محمد لا بأس بأن تبيت في غير منزلها أقل من نصف الليل لما بينا .

( والأمة تخرج لحاجة المولى في العدتين في الوقتين جميعا ) لما في المنع من إبطال حقه ، وحق العبد مقدم على حق الله تعالى ، وإن كان المولى بوأها لم تخرج ما دامت على ذلك إلا أن يخرجها المولى ، وكذلك المكاتبة والكتابية تخرج إلا إذا منعها الزوج لصيانة مائه ، والمجنونة والمعتوهة كالذمية ، والصبية تخرج لأنها لا يلزمها العبادات ، ولا حق للزوج لأنه لحفظ الولد ، ولا ولد إلا في الطلاق الرجعي ، فلا تخرج إلا بإذن الزوج لبقاء الزوجية على ما مر .

( وتعتد في البيت الذي كانت تسكنه حال وقوع الفرقة ) لأنه البيت المضاف إليه بقوله تعالى : ( من بيوتهن ) لأنه هو الذي تسكنه ، وقال عليه الصلاة والسلام للتي قتل زوجها : " اسكني في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله " .

قال : ( إلا أن ينهدم أو تخرج منه أو لا تقدر على أجرته فتنتقل ) لما يلحقها من الضرر في ذلك . أما إذا انهدم فلأن السكنى في الخربة لا تأمن على نفسها ومالها ، ثم قيل تنتقل حيث شاءت إلا أن تكون مبتوتة فتنتقل إلى حيث شاء الرجل لأنه المخاطب بقوله تعالى : ( أسكنوهن ) وإذا حولها الورثة أو صاحب المنزل فهي معذورة في ذلك . وروي عن علي بن [ ص: 232 ] أبي طالب رضي الله عنه أنه نقل ابنته أم كلثوم لما قتل عمر رضي الله عنه لأنها كانت في دار الإمارة ، وعائشة رضي الله عنها نقلت أختها لما قتل طلحة رضي الله عنه ، ولو طلب منها أكثر من أجرة المثل فلما يلحقها من الضرر ، وصار كثمن الماء للمسافر يجوز له التيمم إذا كان بأكثر من ثمن المثل ، ولو أبانها والمنزل واحد يجعل بينه وبينها سترة ، وكذلك الورثة في الوفاة ، فإن لم يجعلوا انتقلت تحرزا عن الفتنة ، وإذا كان المطلق غائبا وطلب أهل المنزل الأجرة أعطتهم بإذن القاضي ويصير دينا على الزوج .

التالي السابق


الخدمات العلمية