صفحة جزء
[ ص: 253 ] فصل في الحضانة وإذا اختصم الزوجان في الولد قبل الفرقة أو بعدها فالأم أحق ، ثم أمها ثم أم الأب ثم الأخت لأبوين ثم لأم ثم لأب ، ثم الخالات كذلك ، ثم العمات كذلك أيضا ، وبنات الأخت أولى من بنات الأخ ، وهن أولى من العمات ، ومن لها الحضانة إذا تزوجت بأجنبي سقط حقها ، فإن فارقته عاد حقها ، والقول قول المرأة في نفي الزوج ، ويكون الغلام عندهن حتى يستغني عن الخدمة ، وتكون الجارية عند الأم والجدة حتى تحيض وعند غيرهما حتى تستغني ، وإذا لم يكن للصغير امرأة أخذه الرجال ، وأولاهم أقربهم تعصيبا ولا تدفع الصبية إلى غير محرم ، ولا إلى محرم ماجن فاسق ، وإذا اجتمع مستحقو الحضانة في درجة واحدة فأورعهم أولى ثم أكبرهم ، ولا حق للأمة وأم الولد في الحضانة ، والذمية أحق بولدها المسلم ما لم يخف عليه الكفر ، وليس للأب أن يخرج بولده من بلده حتى يبلغ حد الاستغناء ، وليس للأم ذلك إلا أن تخرجه إلى وطنها وقد وقع العقد فيه ، إلا أن يكون تزوجها في دار الحرب وهو وطنها .


فصل

في الحضانة

وهي من الحضن ، وهو ما دون الإبط إلى الكشح ، وحضنا الشيء : جانباه ، وحضن الطائر بيضه يحضنه : إذا ضمه إلى نفسه تحت جناحه ، فكأن المربي للولد يتخذه في حضنه وإلى جنبه ، ولما كان الصغير عاجزا عن النظر في مصالح نفسه جعل الله تعالى ذلك إلى من يلي عليهم ، ففوض الولاية في المال والعقود إلى الرجال ، لأنهم بذلك أقوم وعليه أقدر ، وفوض التربية إلى النساء لأنهن أشفق وأحنى وأقدر على التربية من الرجال وأقوى .

قال : ( وإذا اختصم الزوجان في الولد قبل الفرقة أو بعدها فالأم أحق ) لما روي : " أن امرأة أتت رسول الله عليه الصلاة والسلام فقالت : يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء ، وحجري له حواء ، وثديي له سقاء ، وزعم أبوه أنه ينتزعه مني ، فقال عليه الصلاة والسلام : " أنت أحق به ما لم تنكحي " . وروى سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه طلق زوجته أم ابنه عاصم ، فتنازعا وارتفعا إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، فقال له أبو بكر : " ريقها خير له من شهد وعسل عندك يا عمر " ، ودفعه إليها والصحابة حاضرون متكاثرون ، ولأنها أقوم بالتربية وأقدر عليها من الأب فكان الدفع إليها أنظر للصبي ، وكل من له حضانة لا يدفع إليه الولد ما لم يطلبه فعساه يعجز عنه ، بخلاف الأب إذا امتنع عن أخذه بعد الاستغناء عن الحضانة حيث يجبر على أخذه إذا امتنع ، لأن الصيانة عليه .

قال : ( ثم أمها ثم أم الأب ثم الأخت لأبوين ثم لأم ثم لأب ، ثم الخالات كذلك ، ثم [ ص: 254 ] العمات كذلك أيضا ، وبنات الأخت أولى من بنات الأخ ، وهن أولى من العمات ) والأصل في ذلك أن هذه الولاية تستفاد من قبل الأمهات لما قدمناه ، فكانت جهة الأم مقدمة على جهة الأب ، ولأن الجدات أقرب من الأخوات ، والأخوات أقرب من الخالات والعمات . وروى محمد عن أبي حنيفة أن الخالة مقدمة على الأخت لأب ، لأن الخالة بمنزلة الأم ، قال عليه الصلاة والسلام : " الخالة والدة " ، والخالات مساويات للعمات في القرب ، وإنما تقدم الخالات لأن قرابتهن من جهة الأم ، وتقدم من كانت لأب وأم لأنها تدلي بجهتين فتكون أولى ثم من الأم ثم من الأب ترجيحا لقرابة الأم ، ولا حق لمن لهن رحم غير محرم كبنات الأعمام والعمات وبنات الأخوال والخالات .

قال : ( ومن لها الحضانة إذا تزوجت بأجنبي سقط حقها ) لقوله عليه الصلاة والسلام : " أنت أحق به ما لم تنكحي " ، وفي رواية : " ما لم تتزوجي " ، وفي حديث أبي بكر : " أمه أولى به ما لم يشب أو تتزوج " ، ولأن الصبي يلحقه من زوج أمه جفاء فيسقط حقها للمضرة ، لأن حقها إنما يثبت في الحضانة لشفقتها نظرا له ، فإذا زالت زال ، بخلاف ما إذا تزوجت بذي رحم محرم من الصبي حيث لا تسقط لشفقته عليه ، كما إذا تزوجت الأم بعمه والجدة بالجد لأنه لا يلحقه جفاء من جده وعمه .

قال : ( فإن فارقته عاد حقها ) لأن المانع قد زال ، ( والقول قول المرأة في نفي الزوج ) لأنها تنكر بطلان حقها في الحضانة .

قال : ( ويكون الغلام عندهن حتى يستغني عن الخدمة ) فيأكل وحده ويشرب وحده ويلبس وحده ويستنجي وحده ، وقدره أبو بكر الرازي بتسع سنين ، والخصاف بسبع اعتبارا للغالب ، وإليه الإشارة بقول الصديق رضي الله عنه : " هي أحق به حتى يشب " ، ولأنه إذا استغنى يحتاج [ ص: 255 ] إلى التأدب بآداب الرجال والتخلق بأخلاقهم وتعليم القرآن والعلم والحرف ، والأب على ذلك أقدر فكان أولى وأجدر .

قال : ( وتكون الجارية عند الأم والجدة حتى تحيض وعند غيرهما حتى تستغني ) وقيل حتى تشتهى ، لأن الجارية بعد الاستغناء تحتاج إلى التأدب بآداب النساء وتعلم أشغالهن ، والأم أقدر على ذلك ، فإذا بلغت احتاجت إلى الحفظ والصيانة ، والأب على ذلك أقدر ، وأما غير الأم والجدة فلأنها لا تقدر على استخدامها فلا يحصل التأدب ، ولا كذلك الأم والجدة . وعن محمد إذا بلغت حدا تشتهى يأخذها الأب من الأم للحاجة إلى الحفظ . وسئل محمد : إذا اجتمع النساء ولهن أزواج ، قال : يضعه القاضي حيث شاء لأنه لا حق لهن كمن لا قرابة له . قال : ( وإذا لم يكن للصغير امرأة أخذه الرجال ) صونا له ، ( وأولاهم أقربهم تعصيبا ) لأن الولاية عليه بالقرب ، وكذلك إذا استغنى عن الحضانة ، فالأولى بالحفظ أقربهم تعصيبا .

قال : ( ولا تدفع الصبية إلى غير محرم ) كابن العم ومولى العتاقة خوفا من الوقوع في المعصية ( ولا إلى محرم ماجن فاسق ) لأنه لا يؤمن فسقه فإن لم يكن لها إلا ابن عم فإن شاء القاضي ضمها إليه إن كان أصلح ، وإلا وضعها عند أمينه ، ولو كان الأخ مخوفا عليها يضعها القاضي عند امرأة ثقة . الثيب المأمونة لها حق التفرد بالسكنى ، فإن لم تكن مأمونة فالأب يضمها إليه ، وليس للبكر حق التفرد ، فإن دخلت في السن وكان لها رأي فلها أن تنفرد .

قال : ( وإذا اجتمع مستحقو الحضانة في درجة واحدة فأورعهم أولى ثم أكبرهم ، ولا حق للأمة وأم الولد في الحضانة ) لأنها من باب الولاية وليستا من أهلها ، فإذا أعتقتا فهما كالحرة ( والذمية أحق بولدها المسلم ما لم يخف عليه الكفر ) لأن النظر له في حضانتها قبل ذلك وبعده عليه فيه الضرر .

قال : ( وليس للأب أن يخرج بولده من بلده حتى يبلغ حد الاستغناء ) لما فيه من إبطال حق الأم من الحضانة ، ( وليس للأم ذلك إلا أن تخرجه إلى وطنها وقد وقع العقد فيه ) لأن التزوج فيه دليل المقام فيه ظاهر فقد التزم المقام في بلدها ، وإنما لزمها اتباعه بحكم الزوجية ، فإذا [ ص: 256 ] زالت الزوجية جاز لها أن تعود إليه لأنه رضي بذلك ، ( إلا أن يكون تزوجها في دار الحرب وهو وطنها ) لأنه ضرر بالصبي لأنه يتعود أخلاق الكفار وربما يألفهم ، وإذا أرادت أن تخرجه إلى بلدها ولم يقع العقد فيه ليس لها ذلك ، لأنه لم يلتزم لها ذلك لأنه لم يلتزم لها المقام فيه فلا يجوز لها التفريق بينه وبين الولد من غير التزامه . وعن شريح : إذا تفرقت الدار فالعصبة أحق بالولد ، وإن كان العقد في غير وطنها فأرادت أن تنقله إليه ليس لها ذلك ، لأنه دار غربة كالبلد الذي فيه الزوج ، وإذا تساويا لم يجز لها نقله ، وقيل لها ذلك لأن العقد وجد فيه فيوجب أحكامه فيه فلا بد في النقلة من الوطن ووقوع العقد فيه .

وهذا إذا كان بين المصرين مسافة ، أما إذا كان بينهما ما يمكن الأب الاطلاع عليه ويبيت في منزله فلا بأس به ، لأنه لا يلحقه بذلك ضرر ، وصار كالنقلة من محلة إلى أخرى في المصر المتباعد الأطراف ، والقريتان كالمصرين ، وكذا لو انتقلت من القرية إلى المصر ، لأن فيه نظرا للصغير حيث يتخلق بأخلاق أهل المصر ، وبالعكس لا ، لأن أخلاق أهل السواد أجفى فكان فيه ضرر بالصبي فلا يجوز .

التالي السابق


الخدمات العلمية