صفحة جزء
[ ص: 277 ] [ كتاب المكاتب ] ومن كاتب عبده على مال فقبل صار مكاتبا ، والصغير الذي يعقل كالكبير ، وسواء شرطه حالا أو مؤجلا أو منجما ، وإذا صحت الكتابة يخرج عن يد المولى دون ملكه .

وإذا أتلف المولى ماله غرمه ، وإن وطئ المكاتبة فعليه عقرها ، ولو جنى عليها أو على ولدها لزمه الأرش ، وإن أعتق المولى المكاتب نفذ عتقه وسقط عنه مال الكتابة ، وهو كالمأذون في جميع التصرفات ، إلا أنه لا يمتنع بمنع المولى ، وله أن يسافر ويزوج الأمة ويكاتب عبده ، فإن أدى قبله فولاؤه للمولى ، وإن أدى الأول قبله فولاؤه له ، وإن ولد له من أمته ولد فحكمه كحكمه وكسبه له ، وكذلك ولد المكاتبة معها ولو زوج أمته من عبده ثم كاتبهما فولدت دخل في كتابة الأم ، وإن ولدت من مولاها إن شاءت مضت على الكتابة ، وإن شاءت صارت أم ولد له وعجزت نفسها ، وإن كاتب أم ولده جاز ، فإذا مات سقط عنها مال الكتابة ، وإن كانت مدبرة جاز ، فإن مات المولى ولا مال له إن شاء سعى في ثلثي قيمته أو جميع بدل الكتابة ( سم ) .


[ ص: 277 ]

[ كتاب المكاتب ] الكتابة مستحبة مندوبة ، قال تعالى : ( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ) والمراد الندب ، لأن الإيجاب غير مراد بالإجماع ، ولو حملناه على الجواز يلزم ترك العمل بالشرط لأنها جائزة بدونه بالإجماع ، وقوله : ( إن علمتم فيهم خيرا ) خرج مخرج العادة ، أو نقول : إن لم يعلم فيه خيرا فالأفضل أن لا يكاتبه ، ولما فيها من السعي في حصول الحرية ومصالحها ، وهي مشروعة بما تلونا من الكتاب وبالسنة ، وهو قوله عليه الصلاة والسلام : " من كاتب عبدا على مائة أوقية فأداها كلها إلا عشرة أواق فهو عبده " ، قال عليه الصلاة والسلام : " المكاتب عبد ما بقي عليه درهم " ، وعلى جوازها الإجماع .

قال : ( ومن كاتب عبده على مال فقبل صار مكاتبا ) ، أما الجواز فلما بينا ، وأما شرط القبول فلأنه مال يلزمه فلا بد من التزامه وذلك بالقبول ، ولا يعتق إلا بأداء جميع البدل لما روينا من الحديث ، فإذا أداه عتق ، وإن لم يقل له المولى إن أديته فأنت حر لأنه موجب العقد فيثبت من غير شرط كما في البيع .

( والصغير الذي يعقل كالكبير ) وهي ذريعة الإذن للصبي العاقل ، قال : ( وسواء شرطه حالا أو مؤجلا أو منجما ) لإطلاق النصوص ، وقيد التأجيل زيادة على النص فيرد كما في سائر [ ص: 278 ] المعاوضات ، بخلاف السلم لأن المسلم فيه معقود عليه وهو بيع المفاليس على ما بيناه في السلم ، فلا بد من زمان يقدر على تحصيله ، أما هنا البدل معقود به فلا يشترط قدرته عليه كالثمن في البيع إذا كان المشتري مفلسا أو أفلس بعد الشراء ، ويجوز أن يقترض البدل ويوفيه في الحال ، أما المسلم فيه لو قدر عليه بأن كان له أو اقترضه لما باعه بأوكس الثمنين ولباعه فيمن يزيد بقيمة الوقت ، وإذا كاتبه حالا فكما امتنع من الأداء يرد في الرق لأنه عجز ، وعجز المكاتب يوجب رده إلى الرق .

قال : ( وإذا صحت الكتابة يخرج عن يد المولى دون ملكه ) حتى يصير أحق بمنافعه وأكسابه ، لأن المطلوب من الكتابة وصول المولى إلى البدل ووصول العبد إلى الحرية بأداء بدلها ، ولا يتحقق ذلك إلا بفك الحجر عنه وثبوت حرية اليد حتى يتجر ويكتسب ويؤدي البدل ، فإذا أدى عتق هو وأولاده بعتقه وخرج عن ملك المولى أيضا عملا بمقتضى العقد كما مر .

قال : ( وإذا أتلف المولى ماله غرمه ) لما بينا أن أكسابه له ، فيكون المولى فيها كالأجنبي ، ولأنه لو لم يضمنه لتسلط على إتلافه فلا يقدر على أداء الكتابة فلا يحصل المقصود بالعقد ، ( وإن وطئ المكاتبة فعليه عقرها ) لأنه من أجزائها وهي أخص بها تحقيقا للمقصود وهو وصولها إلى الأداء ، ولهذا لو وطئت بشبهة أو جني عليها كان عقرها وأرش الجناية لها .

قال : ( ولو جنى عليها أو على ولدها لزمه الأرش ) لما بينا ، قال : ( وإن أعتق المولى المكاتب نفذ عتقه ) لبقائه على ملكه رقبة ، ( وسقط عنه مال الكتابة ) لحصول المقصود بدونه وهو العتق ، وكذلك لو أبرأه عن البدل أو وهبه منه فإنه يعتق قبل أو لم يقبل لأنه أتى بمعنى العتق وهو إبراؤه من البدل وإسقاطه عنه ، إلا أنه إذا قال لا أقبل عتق وبقي البدل دينا عليه لأن هبة الدين ترتد بالرد ، والعتق لا .

قال : ( وهو كالمأذون في جميع التصرفات ) ويمنع من التبرعات إلا ما جرت به العادة [ ص: 279 ] كما عرف ثم ، لأن مقتضاها إطلاق تصرفه في التجارات للاكتساب كالمأذون ( إلا أنه يمتنع بمنع المولى ) لأن ذلك يؤدي إلى فسخ الكتابة ، والمولى لا يملك فسخ الكتابة لأنه من جانبه تعليق العتق فلا يملك فسخه والرجوع عنه .

قال : ( وله أن يسافر ) لأنه من باب التجارة والاكتساب ، وإن شرط المولى أن لا يخرج من بلده فله السفر استحسانا لأنه شرط يخالف موجب العقد ، وهو حرية اليد والتفرد بالتصرف فيبطل ، إلا أنه لا يفسد العقد لأنه لم يتمكن في صلبه ، ومثله لا يفسد الكتابة ( ويزوج الأمة ) لأنه من الاكتساب فإنه يوجب لها النفقة والمهر ، بخلاف العبد فإنه يوجبهما في رقبته .

قال : ( ويكاتب عبده ) لأنه من أنواع الاكتساب فصار كالبيع بل هو أنفع لأنه لا يزول ملكه عنه إلا بعد وصول البدل إليه ، وفي البيع يزول الملك بالعقد ، والقياس أنه لا يجوز لأن مآله إلى العتق فصار كالإعتاق على مال ، وجوابه ما قلنا ، بخلاف العتق على مال ، فإنه بالعتق يخرج عن ملكه ، وقد لا يصل إلى البدل لإفلاس العبد وعجزه عن الاكتساب ، ولأنه يوجب للمعتق أكثر ما وجب له ، والشيء لا يتضمن ما هو فوقه ، بخلاف الكتابة فإنه يثبت للثاني مثل ما ثبت له وفيه احتياط .

قال : ( فإن أدى قبله فولاؤه للمولى ) ، معناه : إذا أدى المكاتب الثاني قبل الأول ، لأن للمولى فيه نوع ملك فيصح إضافة الإعتاق إليه لأنه مسبب عند تعذر إضافتها إلى المباشر كالوكيل ، فإذا أدى الأول بعد ذلك وعتق لم ينتقل إليه الولاء ، لأن المولى جعل معتقا بسبب صحيح فلا ينتقل عنه ( وإن أدى الأول قبله فولاؤه له ) لأنه إذا أدى الأول عتق وصار أهلا فيضاف إليه لأنه الأصل .

قال : ( وإن ولد له من أمته ولد فحكمه كحكمه وكسبه له ) لأنه لو كان حرا عتق عليه ، فإذا كان مكاتبا يتكاتب عليه تحقيقا للصلة بقدر الإمكان ، وإذا دخل في كتابته كان كسبه له ، لأن كسب ولده كسب كسبه . قال : ( وكذلك ولد المكاتبة معها ) لأنه ثبت فيها صفة امتناع البيع فيسري إلى الولد كالتدبير ونحوه .

قال : ( ولو زوج أمته من عبده ثم كاتبهما فولدت دخل في كتابة الأم ) لرجحان جانب الأم كما مر في الحرية والرق . قال : ( وإن ولدت من مولاها إن شاءت مضت على الكتابة وإن [ ص: 280 ] شاءت صارت أم ولد له وعجزت نفسها ) لأنها صار لها جهتا حرية : عاجل ببدل الكتابة وآجل بغير بدل وهي أمية الولد فتختار أيهما شاءت ، وولدها ثابت النسب من المولى لأن ملكه ثابت في الأم وهو كاف للاستيلاد وهو حر ، لأن المولى يملك إعتاق ولدها ، فإن عجزت نفسها وصارت أم ولد فحكمها ما تقدم ، وإن مضت على الكتابة فلها أخذ العقر لما قدمناه ، فإن مات المولى بعد ذلك عتقت بالاستيلاد وسقط عنها بدل الكتابة ، وإن ماتت قبله وتركت مالا يؤدى منه بدل الكتابة ، وما بقي يرثه ابنها كما عرف ، وإن لم يترك وفاء فلا سعاية على الولد لأنه حر ، فإن ولدت ولدا آخر لم يلزم المولى إلا بدعوة لحرمة وطئها عليه ، فإن لم يدعه حتى ماتت من غير وفاء سعى الولد الثاني لأنه مكاتب تبعا لها ، فلو مات المولى بعدها عتق وبطلت عنه السعاية لأنه في حكم أم الولد .

قال : ( وإن كاتب أم ولده جاز ) لما مر في الاستيلاد ( فإذا مات سقط عنها مال الكتابة ) لأنها عتقت بالاستيلاد ، والبدل وجب لتحصيل العتق وقد حصل ، ويسلم لها الأولاد والأكساب لما بينا ، وإن أدت قبل موت المولى عتقت بمقتضى عقد الكتابة ، ( وإن كانت مدبرة جاز ) لما مر في التدبير ، ( فإن مات المولى ولا مال له إن شاء سعى في ثلثي قيمته أو جميع بدل الكتابة ) ، وقال أبو يوسف : يسعى في الأقل منهما . وقال محمد : يسعى في الأقل من ثلثي قيمته وثلثي بدل الكتابة ، فالتخيير مذهب أبي حنيفة وحده ، ومحمد وحده خالف في المقدار ، فخلافهم في التخيير بناء على اختلافهم في تجزؤ الإعتاق ، فعند أبي حنيفة لما تجزأ عتق ثلثه بالموت وبقي ثلثاه فقد توجه له وجها عتق : معجل وهو السعاية بالتدبير ، ومؤجل ببدل الكتابة فيختار أيهما شاء ، وعندهما عتق كله لما عتق بعضه ، وقد وجب عليه أحد المالين فيؤدي أقلهما لأنه يختار الأقل لا محالة ، ولمحمد في المقدار أن البدل مقابل بالكل ، وقد سلم له الثلث بالتدبير فيسقط بقدره ، لأنه ما أوجب البدل في مقابلة الثلثين ، ألا ترى أنه لو خرج من الثلث سقط عنه جميع البدل ، فإذا خرج ثلثه سقط الثلث وصار كما إذا دبر مكاتبه ومات فإنه يسعى في الأقل من ثلثي القيمة وثلثي البدل كذا هذا . ولهما أنه قابل جميع البدل بثلثي رقبته فلا يسقط منه شيء ، وهذا لأنه بالتدبير استحق حرية الثلث ظاهرا ، والعاقل لا يلتزم المال بمقابلة ما يستحقه من حريته وصار كما إذا طلق امرأته ثنتين ثم طلقها ثلاثا على ألف كانت الألف مقابلة بالواحدة الباقية لدلالة الإرادة كذا هذا ، بخلاف ما إذا دبر مكاتبه لأن البدل مقابل بالجميع إذ لا استحقاق له في شيء بالكتابة فافترقا .

التالي السابق


الخدمات العلمية