صفحة جزء
[ ص: 319 ] حلف ليصعدن السماء أو ليطيرن في الهواء انعقدت يمينه وحنث للحال . حلف ليأتينه إن استطاع فهي على استطاعة الصحة . حلف ليأتينه فلم يأته حتى مات حنث في آخر حياته ، ولو قال : إن أكلت ، أو شربت ، أو لبست ، أو كلمت ، أو تزوجت ، أو خرجت ونوى شيئا بعينه لم يصدق ، ولو قال : إن أكلت طعاما ، أو شربت شرابا ، أو لبست ثوبا ، ونحو ذلك ونوى شيئا دون شيء صدق ديانة خاصة ، والريحان اسم لما لا ساق له فلا يحنث بالياسمين والورد والورد والبنفسج هو الورق والخاتم النقرة ليس بحلي ، والذهب حلي ، والعقد اللؤلؤ ليس بحلي حتى يكون مرصعا . حلف لا ينام على فراش فجعل عليه فراشا آخر ونام لم يحنث ، وإن جعل قراما فنام حنث ، والضرب والكلام والكسوة والدخول عليه يتقيد بحال الحياة .

حلف ليضربنه حتى يموت أو حتى يقتله فهو على أشد الضرب . حلف لا يضرب امرأته فخنقها أو مد شعرها أو عضها حنث .


[ ص: 319 ] فصل

[ انعقاد اليمين ]

( حلف ليصعدن السماء أو ليطيرن في الهواء انعقدت يمينه وحنث للحال ) ، وقال زفر : لا ينعقد لأنه مستحيل عادة فصار كالمستحيل حقيقة . ولنا أن اليمين عقد من العقود فتنعقد إذا كان المعقود عليه موجودا أو متوهما ، وإذا لم يكن موجودا ولا متوهما لم ينعقد ، ألا ترى أن بيع الأعيان المباحة منعقد ، لأن المعقود عليه موجود ، وبيع المدبر منعقد لأنه متوهم دخوله تحت العقد بالحكم وإن كان بغير فعل العاقد ، وبيع الحر ليس بمنعقد لأنه غير داخل في العقد ولا متوهم الدخول فكذلك اليمين ينعقد على الفعل المقدور والموهوم ، ولا ينعقد على غير المقدور والموهوم ، وما نحن فيه مقدور موهوم يدخل تحت قدرة قادر ، ألا ترى أن من الأنبياء صلوات الله عليهم من صعد السماء والملائكة يصعدون في كل وقت وينزلون ، وإذا كان متوهما انعقدت اليمين ثم يحنث في الحال حكما للعجز الثابت عادة كموت الحالف ، وعلى هذا الأصل تخرج مسائل كثيرة من هذا الجنس لمن يتأملها .

قال : ( حلف ليأتينه إن استطاع فهي على استطاعة الصحة ) ، معناه : إذا لم يعرض له أمر يمنعه من مرض أو سلطان أو نحوه ولم يأته حنث ، لأن الاستطاعة في العرف الاستطاعة من حيث سلامة الآلة وعدم الموانع ، وإن عين استطاعة القضاء والقدر صدق ديانة لأنه خلاف الظاهر ، وفي رواية : تصح قضاء أيضا لأنه حقيقة ، لأن الاستطاعة الآلية تقوم بالاستطاعة التقديرية على المذهب الصحيح .

قال : ( حلف ليأتينه فلم يأته حتى مات حنث في آخر حياته ) لأن الحنث إنما يتحقق بالموت إذ البر مرجو قبله . حلف ليأتينه فهو على أن يأتي منزله أو حانوته لقيه أو لم يلقه ، لأن الإتيان الوصول إلى مكانه دون ملاقاته ، وعن محمد : لأوافينك غدا فهو على اللقاء ، فإن أتاه فلم يلقه حنث .

حلف لا تأتي زوجته العرس فذهبت قبل العرس وأقامت حتى مضى العرس لا يحنث ، لأن العرس أتاها لا أتته . وعن محمد : لأعودن فلانا غدا فعاده ولم يؤذن له بر ، وكذلك الإتيان إذا أتاه فلم يؤذن له . حلف لا تذهب زوجته إلى بيت والدها فذهبت إلى باب الدار ولم تدخل [ ص: 320 ] لم يحنث . وعن أبي يوسف : حلف لا أرافق فلانا فهو على الاجتماع في الطعام أو شيء يجتمعان عليه بأن كان مقامهما في مكان واحد ، وإن كانا في سفينة وطعامهما ليس بمجتمع ولا يأكلان على خوان واحد فليس بمرافقة . وعن محمد : إن كان معه في محمل أو كان كراهما واحدا أو قطارهما واحدا فهي مرافقة ، وإن كان كراهما مختلفا والمسير واحد فليس بمرافقة .

قال : ( ولو قال : إن أكلت أو شربت ، أو لبست أو كلمت أو تزوجت أو خرجت ونوى شيئا بعينه لم يصدق ، ولو قال : إن أكلت طعاما أو شربت شرابا أو لبست ثوبا ونحو ذلك ونوى شيئا دون شيء صدق ديانة خاصة ) ، والأصل فيه أن من ذكر لفظا عاما ونوى تخصيص ما في لفظه صدق فيما بينه وبين الله تعالى ولم يصدق في القضاء ، لأن المتكلم بالعموم قد يريد الخصوص ، فإذا نوى صارت نيته دلالة على التخصيص كالدلالة الشرعية على تخصيص العموم ، إلا أن الظاهر من اللفظ العموم فلا يصدق في القضاء لأنه خلاف الظاهر ، فأما إذا نوى تخصيص ما ليس في لفظه لا يصدق أصلا ، لأن الخصوص يتبع الألفاظ دون المعاني ، فما ليس في لفظه لا يصح تخصيصه ، ففي الفصل الأول الطعام والثوب ونحوهما ليس مذكورا فقد نوى تخصيص ما ليس في لفظه فلا يصدق ، الفصل الثاني : إذا قال : عنيت الخبز أو اللحم فقد نوى تخصيص ما في لفظه فيصدق ديانة لا قضاء لما بينا .

ولو قال : لا أشرب الماء ولا أتزوج النساء حنث بشرب قطرة من الماء وتزويج امرأة واحدة لأنه لا يمكن استيعاب الجنس فيحمل على الأدنى ، ولو نوى الجنس صدق لأنه نوى حقيقة كلامه وإن كان خلاف الظاهر ، لأن الحقيقة أحد الظاهرين فيصدق فيها إذا نواها .

قال : ( والريحان اسم لما لا ساق له ) لغة ، ( فلا يحنث بالياسمين والورد ) وقيل يحنث في عرفنا ، فإن الريحان اسم لما له رائحة طيبة من النبات عرفا فيحنث بهما وبالشاهسبرم ، والعنبر والآس لا يسمى ريحانا عرفا .

قال : ( والورد والبنفسج هو الورق ) عرفا ، وأصحابنا قالوا : لو حلف لا يشتري بنفسجا [ ص: 321 ] فاشترى دهنه حنث ، ولو اشترى ورقه لا يحنث ، وكذا كان عرف أهل الكوفة ، أما عرفنا فكما ذكرت; ولو حلف لا يشم طيبا فدهن لحيته بدهن طيب لا يحنث لأنه لا يعد شما عرفا . قال : ( والخاتم النقرة ليس بحلي ، والذهب حلي ) فلو حلف لا يلبس حليا لا يحنث بخاتم النقرة ، لأن النقرة تلبس لإقامة السنة وللختم لا للتزين ، والحلي ما يتزين به ، ولا كذلك الذهب فإنه يتزين به ، ولو كان الخاتم مما يلبسه النساء من الحجر أو الفضة قيل يحنث لأنه للزينة ، وقيل لا يحنث لأنه يحل للرجال ولا يحل لهم التزين بالحلي .

قال : ( والعقد اللؤلؤ ليس بحلي حتى يكون مرصعا ) والمعتبر في اليمين العرف لا الحقيقة ، ولفظ القرآن كما تقدم . وقال أبو يوسف ومحمد : هو حلي وإن لم يكن مرصعا لأنه حلي حقيقة بدليل تسمية القرآن وعليه الفتوى لأنه صار معتادا فهو اختلاف عادة وزمان ، فعلى قول أبي حنيفة ينبغي أن يجوز للرجل لبس العقد الغير المرصع لأنه ليس بحلي ; ولو علقت المرأة في عنقها ذهبا غير مصنوع لا يحنث ، والمنطقة المفضضة والسيف المحلى ليس بحلي لما مر .

قال : ( حلف لا ينام على فراش فجعل عليه فراشا آخر ونام لم يحنث ، وإن جعل عليه قراما فنام حنث ) لأن القرام تبع للفراش ، ألا ترى أنه لو كان القرام ثوبا طبريا والفراش ديباجا ، يقال : نام على فراش ديباج ، ولو كان الأعلى ديباجا والأسفل خزا يقال : نام على الديباج . وعن أبي يوسف في الأمالي أنه يحنث في الفراش أيضا لأنه نائم على الفراشين حقيقة ، وصار كما إذا حلف لا يكلم رجلا فكلمه وآخر بخطاب واحد . جوابه أن الشيء لا يستتبع مثله ، وفي العرف لا ينسب إلا إلى الأعلى ، وفي الكلام هو مخاطب لكل واحد منهما حقيقة وعرفا وشرعا والسرير والدكان والسطح كالفراش إن جعل عليه سريرا آخر وبنى على السطح سطحا آخر فنام على الأعلى لا يحنث لما بينا; وإن جعل على السرير أو السطح أو الدكان بساطا أو فراشا أو نحوه ونام عليه حنث لأنه يعد نائما على السطح والسرير والدكان ، ومتى جلس على ما يحول بينه وبين الأرض فليس بجالس عليها لأنه لا يسمى جالسا على الأرض إلا أن يجلس على ثيابه فتحول بينه وبين الأرض لأنها تبع له فلا يعد حائلا ، ولهذا يقال هو جالس على الأرض .

[ ص: 322 ] قال : ( والضرب والكلام والكسوة والدخول عليه يتقيد بحال الحياة ) لأن الضرب هو الفعل المؤلم ولا يتحقق في الميت ، والمراد بالكلام الإفهام وأنه يختص بالحي ، والمراد بالكسوة عند الإطلاق التمليك كما في الكفارة ولا تمليك من الميت ، وإن نوى به الستر صح لأنه محتمل كلامه ، وأما الدخول عليه فلأنه يراد به الزيارة عرفا في موضع يجلس فيه للزيارة والتعظيم حتى لو لم يقصده بالدخول بأن دخل على غيره أو لحاجة أخرى ، أو دخل عليه في موضع لا يجلس فيه للزيارة لا يكون دخولا عليه ، ولو دخل عليه في المسجد والظلة والدهليز لا يكون دخولا عليه إلا إن اعتادوا الجلوس فيه للزيارة . وذكر الكرخي عن ابن سماعة ضد هذا فقال : لو حلف لا يدخل على فلان فدخل على قوم هو فيهم حنث وإن لم يعلم لأنه دخل على المحلوف عليه والعلم ليس بشرط ، كما لو حلف لا يكلمه فكلمه وهو لا يعرفه والمذهب الأول .

رجلان حلف كل واحد منهما لا يدخل على صاحبه فدخلا في المنزل معا لا يحنثان . ولو قال : إن غسلتك فعبدي حر فإنه يتناول حالتي الحياة والموت ، لأنه عبارة عن الإسالة للتطهير وذلك يوجد في الحي والميت .

قال : ( حلف ليضربنه حتى يموت أو حتى يقتله فهو على أشد الضرب ) لأنه المراد في العرف; ولو قال : حتى يغشى عليه أو حتى يبكي أو يبول أو يستغيث فلا بد من وجود هذه الأشياء حقيقة; ولو قال : لأضربنك بالسياط حتى تموت فهو على المبالغة .

ولو قال : لأضربنك بالسيف حتى تموت فهو على الموت حقيقة . وعن أبي يوسف فيمن قال لامرأته : إن لم أضربك حتى أتركك لا حية ولا ميتة فهو أن يضربها ضربا يوجعها ( حلف لا يضرب امرأته فخنقها أو مد شعرها أو عضها حنث ) لأن الضرب اسم لفعل مؤلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية