صفحة جزء
[ ص: 338 ] [ حد الزنا ]

والزنا : وطء الرجل المرأة في القبل في غير الملك وشبهته ، ويثبت بالبينة والإقرار والبينة : أن يشهد أربعة على رجل وامرأة بالزنا ، فإذا شهدوا يسألهم القاضي عن ماهيته وكيفيته ومكانه وزمانه والمزني بها ، فإذا بينوا ذلك ، وذكروا أنها محرمة عليه من كل وجه ، وشهدوا به كالميل في المكحلة ، وعدلوا في السر والعلانية حكم به ، فإن نقصوا عن أربعة فهم قذفة ، وإن رجعوا قبل الرجم سقط وحدوا ، وإن رجعوا بعد الرجم يضمنون الدية ، وإن رجع واحد فربعها ، وإن شهدوا بزنا متقادم لم يمنعهم عن إقامته بعدهم عن الإمام لم تقبل ويثبت بالإقرار ، وهو أن يقر العاقل البالغ أربع مرات في أربع مجالس يرده القاضي في كل مرة حتى لا يراه ، ثم يسأله كما يسأل الشهود إلا عن الزمان ، فإذا بين ذلك لزمه الحد وإذا رجع عن إقراره قبل الحد أو في وسطه خلي سبيله ويستحب للإمام أن يلقنه الرجوع كقوله له : لعلك وطئت بشبهة ، أو قبلت ، أو لمست . وحد الزاني إن كان محصنا الرجم بالحجارة حتى يموت ، يخرج إلى أرض فضاء ، فإن كان ثبت بالبينة يبتدئ الشهود ثم الإمام ثم الناس ، فإذا امتنع الشهود أو بعضهم لا يرجم ، وإن ثبت بالإقرار ابتدأ الإمام ثم الناس ، وإن لم يكن محصنا فحده الجلد مائة للحر وخمسون للعبد ، ويضرب بسوط لا ثمرة له ضربا متوسطا يفرقه على أعضائه إلا رأسه ووجهه وفرجه ، ويجرد عن ثيابه إلا الإزار ، ولا تجرد المرأة إلا عن الفرو والحشو ، وإن حفر لها في الرجم جاز ، ويضرب الرجل قائما في جميع الحدود ، ولا يجمع على المحصن الجلد والرجم ، ولا يجمع على غير المحصن الجلد والنفي إلا أن يراه الإمام مصلحة فيفعله بما يراه ، ولا يقيم المولى الحد على عبده إلا بإذن الإمام ، وإذا كان الزاني مريضا ، فإن كان محصنا رجم ، وإلا لا يجلد حتى يبرأ ، والمرأة الحامل لا تحد حتى تضع حملها ، فإن كان حدها الجلد فحتى تتعالى من نفاسها ، وإن كان الرجم فعقيب الولادة ، وإن لم يكن للصغير من يربيه فحتى يستغني عنها .

وإحصان الرجم : الحرية والعقل والبلوغ والإسلام والدخول ، وهو الإيلاج في القبل في نكاح صحيح وهما بصفة الإحصان ويثبت الإحصان بالإقرار ، أو بشهادة رجلين ، أو رجل وامرأتين; وكذلك إن كان بينهما ولد معروف .


[ ص: 338 ] فصل

[ حد الزاني ]

( وحد الزاني إن كان محصنا الرجم بالحجارة حتى يموت ) لحديث ماعز أنه صلى الله عليه وسلم رجمه وكان محصنا . وقال صلى الله عليه وسلم : " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بثلاث " وذكر منها " أو زنا بعد إحصان " والنبي صلى الله عليه وسلم رجم الغامدية وعن عمر رضي الله عنه أنه قال : مما أنزل الله آية الرجم " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة " وهذا مما قالوا إنه قرآن نسخ لفظه وبقي معناه ، وعلى ذلك إجماع العلماء .

قال : ( يخرج إلى أرض فضاء ) كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بماعز أمر برجمه ولم يحفر له .

قال : ( فإن كان ثبت بالبينة يبتدئ الشهود ثم الإمام ثم الناس ) لما روي عن علي رضي الله عنه أنه بدأ برجم الهمدانية لما أقرت عنده بالزنا وقال : الرجم رجمان : رجم سر ، ورجم علانية ، فالعلانية أن يشهد على المرأة ما في بطنها ، والسر أن يشهد الشهود فترجم الشهود ثم الإمام ثم الناس ، ولأن البداءة بالشهود ضرب احتيال للدرء; لأن الشاهد قد يتجاسر على الأداء وتتعاظم المباشرة حرمة للنفس فيرجع عن الشهادة .

قال : ( فإذا امتنع الشهود أو بعضهم لا يرجم ) لأنه دليل رجوعهم ، وكذا إذا غابوا في ظاهر الرواية لفوات الشرط ، وكذا إذا ماتوا أو مات بعضهم ، وكذا إذا جنوا أو فسقوا أو قذفوا [ ص: 339 ] فحدوا أو حد أحدهم أو عمي أو خرس أو ارتد ، لأن الطارئ على الحد قبل الاستيفاء كالموجود في الابتداء كما في رجوع المقر فصار كأنهم شهدوا وهم بهذه الصفة فلا يحد . وعن أبي يوسف : إذا غاب الشهود رجم ولم ينتظروا ، وكذا إذا امتنعوا أو امتنع بعضهم لأنه حد فلا يشترط فيه مباشرة الشهود كالجلد . قلنا الجلد لا يحسنه كل أحد فربما وقع مهلكا ، ولا كذلك الرجم لأنه إتلاف . وعن محمد : إذا كانوا مرضى أو مقطوعي الأيدي يبتدئ الإمام ثم الناس لأن الامتناع إذا كان بعذر ظاهر زالت التهمة ، ولا كذلك لو ماتوا لاحتمال الرجوع أو الامتناع فكان ذلك شبهة ; ولا بأس لكل من رمى أن يتعمد مقتله لأنه واجب القتل إلا أن يكون ذا رحم منه ، فالأولى أن لا يتعمد مقتله ويولي ذلك غيره لأنه نوع من قطيعة الرحم من غير حاجة .

قال : ( وإن ثبت بالإقرار ابتدأ الإمام ثم الناس ) لما روي " أنه صلى الله عليه وسلم حفر للغامدية حفرة إلى صدرها وأخذ حصاة مثل الحمصة فرماها بها وقال : ارموا واتقوا الوجه ، فلما طعنت أخرجها وصلى عليها وقال : لقد تابت توبة لو قسمت على أهل الحجاز لوسعتهم " ولحديث علي رضي الله عنه ، ولا ينبغي أن يربط المرجوم ولا يمسك ولا يحفر للرجل لكنه يقام قائما ثم يرجم لأنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل شيئا من ذلك بماعز ، وما نقل أنه هرب دليل عليه ، ويغسل ويكفن ويصلى عليه لما مر من حديث الغامدية . وقال صلى الله عليه وسلم في ماعز : " اصنعوا به ما تصنعون بموتاكم ، فقد تاب توبة لو تابها صاحب مكس غفر له ، ولقد رأيته ينغمس في أنهار الجنة " ولأنه مقتول بحق فصار كالمقتول قصاصا .

قال : ( وإن لم يكن محصنا فحده الجلد مائة للحر وخمسون للعبد ) قال تعالى : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) وقال تعالى في حق الإماء : ( فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ) .

[ ص: 340 ] قال : ( يضرب بسوط لا ثمرة له ضربا متوسطا يفرقه على أعضائه إلا رأسه ووجهه وفرجه ) لأن عليا رضي الله عنه كسر ثمرة السوط لما أراد إقامة الحد به " والمتوسط من الضرب بين المتلف وغير المؤلم ليحصل المقصود ، وهو الانزجار بدون الهلاك . وأما التفريق على الأعضاء لأنه إذا جمع الضرب في مكان واحد ربما أدى إلى التلف ، والحد غير متلف ، وليدخل الألم على كل عضو كما وصلت اللذة إليه ، إلا أنه يتقي الأعضاء التي لا يؤمن فيها التلف ، أو تلف ما ليس بمستحق ، إذ التلف ليس بمستحق فالرأس والفرج مقتل ، والوجه مكان البصر والشم . وعن عمر رضي الله عنه أنه قال للجلاد : اتق الرأس والوجه .

وعن أبي يوسف أنه يضرب الرأس ، فقد روي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال : " اضربوا الرأس فإن الشيطان فيه " ولأنه لا يخشى التلف بسوط وسوطين ، وجوابه ما مر ، وأثر الصديق ورد في حربي كان راعيا وهو مستحق القتل .

قال : ( ويجرد عن ثيابه إلا الإزار ) هكذا نقل عن علي رضي الله عنه ، ولأنه أبلغ في إيصال الألم إليه ، وحد الزنا مبناه على شدة الضرب فيقع أبلغ في الزجر ، ونزع الإزار يؤدي إلى كشف العورة فلا ينزع .

قال : ( ولا تجرد المرأة إلا عن الفرو والحشو ) لأن مبنى حالهن على الستر ، وفي نزع ثيابها كشف عورتها ، والستر يحصل بدون الحشو والفرو ، وفيهما منع من وصول الألم فينزعان وتضرب جالسة لأنه أستر لها . وعن علي رضي الله عنه : يضرب الرجال في الحدود قياما والنساء قعودا ( وإن حفر لها في الرجم جاز ) لما روينا من حديث الغامدية ، وعلي رضي الله عنه حفر للهمدانية ، وإن تركه لا يضر لأنه غير مأمور به .

[ ص: 341 ] ( ويضرب الرجل قائما في جميع الحدود ) لحديث علي رضي الله عنه ، ولا يمد ولا يشد لأنه زيادة عقوبة غير مستحقة عليه .

قال : ( ولا يجمع على المحصن الجلد والرجم ) لأنه صلى الله عليه وسلم رجم ماعزا ولم يجلده ، ولأنه لا فائدة في الجلد ، لأن المراد من الحد الزجر وهو لا ينزجر بعد هلاكه ، وزجر غيره يحصل بالرجم إذ القتل أبلغ العقوبات ، وهو مذهب عامة العلماء .

قال : ( ولا يجمع على غير المحصن الجلد والنفي ) لقوله تعالى : ( الزانية والزاني فاجلدوا ) الآية ، وأنه بيان لجميع الحكم لأنه كل المذكور ، أو لأنه ذكره بحرف الفاء وهو الجزاء ، فلا يزاد عليه إلا بدليل يساويه أو يترجح عليه ، إذ الزيادة على النص نسخ ، ولأن النفي يفتح عليها باب الزنا لقلة استحيائها من عشيرتها وفيه قطع المادة عنها فربما اتخذت ذلك مكسبا وفيه من الفساد ما لا يخفى ، وإليه الإشارة بقول علي رضي الله عنه : كفى بالتغريب فتنة وأما قوله صلى الله عليه وسلم : " البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام " قلنا : الآية متأخرة عنه فنسخته . بيانه أن الجلد في الأصل كان الإيذاء لقوله تعالى : ( فئاذوهما ) ثم نسخ بالحبس بقوله تعالى : ( فأمسكوهن في البيوت ) إلى قوله : ( أو يجعل الله لهن سبيلا ) ثم قال صلى الله عليه وسلم ( خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا ) الحديث فكان بيانا للسبيل الموعود في الآية ، وذلك قبل نزول آية الجلد ، فكانت ناسخة للكل ، أو نقول : هو حديث آحاد فلا يزاد به على الكتاب لما بينا .

قال : ( إلا أن يراه الإمام مصلحة فيفعله بما يراه ) فيكون سياسة وتعزيرا لا حدا ، وهو تأويل ما روي من التغريب عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، فإنه روي عن [ ص: 342 ] عمر أنه نفى رجلا فلحق بالروم فقال : لا أنفي بعدها أحدا ; ولو كان النفي حدا لم يجز تركه ، قال تعالى : ( ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) فدل أنه كان سياسة وتعزيرا ، ولأنه لو كان حدا لاشتهر بين الصحابة كسائر الحدود ، ولو اشتهر لما اختلفوا فيه; وقد اختلفوا لما تقدم من قول علي ورجوع عمر فدل على أنه ليس بحد ، ولا يقام الحد في مسجد . وروى ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تقام الحدود في المساجد " وروى حكيم بن حزام قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستقاد في المساجد أو ينشد فيها الشعر أو يقام فيها الحدود " ولأنه عساه ينفصل منه ما ينجس المسجد ، وللإمام أن يخرجه إلى باب المسجد ويأمر من يجلده وهو يشاهده ، ويجوز له أن يبعث بأمين ويأمره بإقامة الحد قال لجيشه في حديث العسيف : " واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ) قال : ( ولا يقيم المولى الحد على عبده إلا بإذن الإمام ) لأن الحد حق الله تعالى فلا يستوفيه إلا نائبه ، وهو الإمام أو نائبه; بخلاف التعزير لأنه حق العبد حتى جاز تعزير الصبي ، وحقوق الشرع موضوعة عنه ، ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( أربع إلى الولاة ) وعد منها إقامة الحدود ، ولأن المولى متهم في إقامة الحد على عبده لأنه يخاف نقصان ماليته فلا يضرب الضرب المشروع فلا تحصل مصلحة الزجر فلا يكون له ذلك .

قال : ( وإذا كان الزاني مريضا فإن كان محصنا رجم ) لأن الإتلاف مستحق عليه فلا معنى للتأخير .

قال : ( وإلا لا يجلد حتى يبرأ ) لأنه ربما أفضى إلى ، الهلاك وليس مشروعا ، ولهذا [ ص: 343 ] " أمر صلى الله عليه وسلم بحسم يد السارق " ولهذا لا يقطع في البرد الشديد والحر الشديد .

قال : ( والمرأة الحامل لا تحد حتى تضع حملها ) لأنه يخاف من الحد هلاك ولدها البريء عن الجناية . وروي أن عمر رضي الله عنه هم برجم حامل ، فقال له علي رضي الله عنه : إن كان لك عليها سبيل فلا سبيل لك على ما في بطنها فخلى عنها ، فإذا ولدت ( فإن كان حدها الجلد فحتى تتعالى من نفاسها ) لأنها مريضة ضعيفة ( وإن كان الرجم فعقيب الولادة ) لأن التأخير كان بسبب الولد وقد انفصل عنها ( وإن لم يكن للصغير من يربيه فحتى يستغني عنها ) لأن في ذلك صيانة الولد عن الهلاك . وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال للغامدية لما أقرت بالزنا وهي حامل " اذهبي حتى تضعي " فلما وضعت جاءت ، فقال لها : " ارجعي حتى يستغني ولدك ، فجاءت وفي يده خبز فقالت : " يا رسول الله هذا ولدي قد استغنى ، فأمر بها فرجمت " ويحبس المريض حتى يبرأ والحامل حتى تضع إن ثبت بالبينة مخافة أن تهرب ، وإن ثبت بالإقرار لا يحبس لأن الرجوع عنه صحيح فلا فائدة في الحبس ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يحبس الغامدية ; ولو قالت الزانية : أنا حبلى يريها النساء ، فإن قلن هي حبلى حبسها سنتين ثم رجمها ، وهذا التقادم لا يمنع الإقامة لأنه بعذر ، ولو كان من عليه الحد ضعيف الخلقة يخاف عليه الهلاك لو ضرب شديدا يضرب مقدار ما يتحمله من الضرب .

قال : ( وإحصان الرجم : الحرية والعقل والبلوغ والإسلام والدخول ، وهو الإيلاج في القبل في نكاح صحيح وهما بصفة الإحصان ) أما الحرية فلقوله تعالى : ( فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ) أوجب عليهن عقوبة تتنصف والرجم لا يتنصف فلا يجب على الإماء ، وأما العقل والبلوغ فلأنه لا خطاب بدونهما ، وأما الإسلام فلقوله صلى الله عليه وسلم : " من أشرك بالله [ ص: 344 ] فليس بمحصن " وما روي أنه صلى الله عليه وسلم : " رجم يهوديين " فإنما رجمهما بحكم التوراة والقصة مشهورة . وأما النكاح الصحيح والدخول فلقوله صلى الله عليه وسلم : " البكر بالبكر جلد مائة " والبكر اسم لمن لم يتزوج ولأن به يتوصل إلى وطء الحلال ، وإنما يشترط الدخول لقوله صلى الله عليه وسلم " الثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة " والثيب هو الواطئ في النكاح الحلال في القبل ، ولأن هذه نعم متوافرة متكاملة صادة له عن الفاحشة فكانت جنايته عند وجودها متغلظة ، فإن الجناية والمعصية عند تكامل نعم المنعم أقبح وأفحش فيناسب تغليظ العقوبة في حقه .

وأما كونهما على صفة الإحصان فلأن كل وطء لا يوجب إحصان أحد الواطئين لا يوجب إحصان الآخر كالمملوكين والمجنونين . وصورته : لو تزوج بأمة أو صبية أو مجنونة أو كافرة ودخل بها لم يصر محصنا ، وكذا لو كانت حرة عاقلة بالغة وهو عبد أو صبي أو مجنون لا تصير محصنة إلا إذا دخل بها بعد الإسلام والعتق والبلوغ والإفاقة ، فحينئذ يصير محصنا بهذه الإصابة لا بما قبلها ، لأن نعم الزوجية لا تتكامل مع هؤلاء ، لأن هذه المعاني تنفر الطباع إما لعداوة الدين أو لذل الرق أو لعدم العقل أو لنقصانه وعدم ميل الصبية إليه فلا تتغلظ جنايته . وعن أبي يوسف أنه لا يشترط الدخول على صفة الإحصان ، وعنه أن الوطء إذا حصل قبل العتق ثم أعتقا صارا محصنين بالوطء الأول .

والجواب عن الأول أن كل وطء لا يوجب إحصان أحدهما لا يوجب إحصان الآخر كما بينا . وعن الأخرى أن كل وطء لا يوجب الإحصان عند وجوده لا يوجبه في الثاني من الزمان كوطء المولى . وعن أبي يوسف إذا دخل بامرأته ثم جن أو صار معتوها ثم أفاق لا يكون محصنا حتى يدخل بها بعد الإفاقة ، لأن الإحصان الأول بطل فلا يثبت إحصان مستأنف إلا بدخول مستأنف .

قال : ( ويثبت الإحصان بالإقرار ) لأنه غير متهم في حق نفسه ( أو بشهادة رجلين ، أو رجل وامرأتين ) لأن الإحصان ليس علة لوجوب الرجم لأنه عبارة عن خصال حميدة وأوصاف جميلة [ ص: 345 ] وذلك لا أثر له في العقوبة فلا يشترط لثبوته ما يشترط لوجوب الرجم ، وإنما الإحصان شرط محض .

( وكذلك إن كان بينهما ولد معروف ) لأنه دليل ظاهر على الدخول في النكاح الصحيح وذلك يثبت به الإحصان; ويكفي في الإحصان أن يقول الشهود دخل بها . وقال محمد : لا بد أن يقولوا باضعها أو جامعها ، لأن الدخول مشترك فلا يثبت الإحصان بالشك . ولهما أن الدخول متى أضيف إلى المرأة بحرف الباء لا يراد به إلا الجماع . قال تعالى : ( فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا ) والمراد الجماع ، ولو دخل بامرأة ثم طلقها وقال : وطئتها وأنكرت صار محصنا ولا تكون محصنة لجحودها ، وكذا لو قالت بعد الطلاق : كنت نصرانية ، وقال : كانت حرة مسلمة ، وإذا كان أحدهما محصنا دون الآخر خص كل واحد بحده ، لأن جناية أحدهما أخف والآخر أغلظ ، فإذا اختلفا في الجناية اختلفا في موجبها ضرورة .

التالي السابق


الخدمات العلمية