صفحة جزء
[ ص: 355 ] باب حد الشرب

وهو كحد الزنا كيفية ، وحد القذف كمية وثبوتا ، غير أنه يبطل بالرجوع والتقادم في البينة والإقرار ، والتقادم بذهاب السكر والرائحة ، فلو أخذ وريحها توجد منه فلما وصل إلى الإمام انقطعت لبعد المسافة حد ، ويحد بشرب قطرة من الخمر ، وبالسكر من النبيذ; والسكران من لا يعرف الرجل من المرأة ، والأرض من السماء; ولا يحد حتى يعلم أنهسكر من النبيذ وشربه طوعا ، ولا يحد حتى يزول عنه السكر ، ولا يحد من وجد منه رائحة الخمر أو تقيأها .


باب حد الشرب

الأصل في وجوبه قوله صلى الله عليه وسلم : " من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه " .

( وهو كحد الزنا كيفية ، وحد القذف كمية وثبوتا ) فيجردي من ثيابه كما في حد الزنا ، ويفرق على أعضائه لما مر . وعن محمد أنه لا يجرد تخفيفا عن حد الزنا . قلنا : ثبت التخفيف في العدد فلا يخفف ثانيا ، وعدده ثمانون سوطا في الحر بإجماع الصحابة رضي الله عنهم ، وأربعون في العبد لأن الرق منصف ، ويثبت بإقراره مرة واحدة وبشهادة رجلين كحد القذف .

( غير أنه يبطل بالرجوع والتقادم في البينة والإقرار ) وعن أبي يوسف يشترط الإقرار مرتين على ما يأتي في السرقة .

قال : ( والتقادم بذهاب السكر والرائحة ) فلو أقر بعد ذهاب ريحها أو شهد عليه بعد السكر وذهاب الرائحة لم يحد . وقال محمد : يحد فالتقادم يمنع قبول الشهادة بالإجماع ، غير أن محمدا قدره بالزمان كالزنا ، لأن التأخير يتحقق بمضي الزمان والرائحة مشتبهة ، وعندهما مقدر بزوال الرائحة ، لأن حد الشرب إنما ثبت بإجماع الصحابة رضي الله عنهم ، ولا إجماع بدون رأي ابن مسعود رضي الله عنه ، فإنه شرط وجود الرائحة ، لما روي أن رجلا جاء بابن أخ له إلى عبد الله بن مسعود فاعترف عنده بشرب الخمر ، فقال له ابن مسعود : بئس ولي اليتيم أنت لا أدبته صغيرا ولا سترت عليه كبيرا ؟ تلتلوه ومزمزوه ثم استنكهوه ، فإن وجدتم رائحة الخمر فاجلدوه شرط وجود الرائحة فيكون شرطا .

( فلو أخذ وريحها توجد منه فلما وصل إلى الإمام انقطعت لبعد المسافة حد ) في قولهم [ ص: 356 ] جميعا لأنه عذر فلا يعد تقادما كما قلنا في حد الزنا ، ولا يحد السكران بإقراره على نفسه لزيادة احتمال الكذب فتمكنت الشبهة ، ويسقط بخلاف حد القذف لأن فيه حق العبد ، والسكران فيه كالصاحي كسائر تصرفاته عقوبة له .

قال : ( ويحد بشرب قطرة من الخمر ، وبالسكر من النبيذ ) لقوله صلى الله عليه وسلم : " حرمت الخمر لعينها والسكر من كل شراب " ولإطلاق قوله صلى الله عليه وسلم : " من شرب الخمر فاجلدوه " وعليه إجماع الصحابة رضي الله عنهم .

( والسكران من لا يعرف الرجل من المرأة والأرض من السماء ) وقالا : هو الذي يخلط كلامه ويهذي لأنه المتعارف بين الناس وهو اختيار أكثر المشايخ ، وأبو حنيفة يأخذ في أسباب الحدود بأقصاها درءا للحد ، وأقصاه الغلبة على العقل حتى لا يميز بين الأشياء ، لأنه متى ميز فذلك دلالة الصحو أو بعضه وأنه ضد السكر ، فمتى ثبت أحدهما أو شيء منه لا يثبت الآخر .

( ولا يحد حتى يعلم أنه سكر من النبيذ وشربه طوعا ) لأن السكر يكون من المباحات [ ص: 357 ] كالبنج ولبن الرماك وغيرهما وذلك لا يوجب الحد ، وكذلك الشرب مكرها لا يوجب الحد فلذلك شرط ذلك .

قال : ( ولا يحد حتى يزول عنه السكر ) ليتألم بالضرب فيحصل مصلحة الزجر . قال : ( ولا يحد من وجد منه رائحة الخمر أو تقيأها ) لأن الرائحة مشتبهة واحتمال أنه شربها مكرها ثابت ، والحدود لا تجب بالشك ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية