صفحة جزء
[ ص: 368 ] ولا قطع فيما يوجد تافها في دار الإسلام : كالحطب والسمك والصيد والطير والنورة والزرنيخ ونحوها ، ولا ما يتسارع إليه الفساد : كالفواكه الرطبة واللبن واللحم ، ولا ما يتأول فيه الإنكار : كالأشربة المطربة ، وآلات اللهو والنرد والشطرنج ، وصليب الذهب ، ولا في سرقة المصحف المحلى ، والصبي الحر المحلى .

ولا في سرقة العبد ، ولا في سرقة الزرع قبل حصاده والثمرة على الشجر ولا في كتب العلم ; ويقطع في الساج والقنا والأبنوس والصندل والعود والياقوت والزبرجد والفصوص كلها ، والأواني المتخذة من الخشب ; ولا قطع على خائن ، ولا نباش ، ولا منتهب ، ولا مختلس ولا من سرق من ذي رحم محرم ، أو من سيده ، أو من امرأة سيده ، أو زوج سيدته ، أو زوجته ، أو مكاتبه ، أو من بيت المال ، أو من الغنيمة ، أو من مال له فيه شركة .


فصل

[ ما لا قطع فيه ]

( ولا قطع فيما يوجد تافها مباحا في دار الإسلام : كالحطب والسمك والصيد والطير والنورة والزرنيخ ونحوها ) لحديث عائشة رضي الله عنها : " إن اليد كانت لا تقطع على عهد [ ص: 369 ] رسول الله عليه الصلاة والسلام في الشيء التافه ) وهو الحقير ، وهو مباح في الأصل بصورته ، حقير لقلة الرغبات فيه ، ولهذا لا يجري فيه الشح والضنة ، وما كان كذلك لا يؤخذ على كره من المالك عادة فلا حاجة إلى الزاجر كما قلنا فيما دون النصاب ، وما فيه من الشركة العامة في الأصل يوجب الشبهة . وقال عليه الصلاة والسلام : " لا قطع في الطير " ويعم جميع الطيور حتى الدجاج والبط ، ويدخل في السمك الملح والطري .

قال : ( ولا ما يتسارع إليه الفساد : كالفواكه الرطبة واللبن واللحم ) لقوله عليه الصلاة والسلام : ( لا قطع في الطعام ) قالوا : معناه ما يتسارع إليه الفساد لأنه يقطع في الحبوب والسكر إجماعا . وقال عليه الصلاة والسلام : " لا قطع في ثمر ولا كثر " قال محمد : الثمر ما كان على رءوس النخل والكثر : الجمار . وقال عليه الصلاة والسلام : " لا قطع في الثمار " وما آواه الجرين ففيه القطع وهو موضع تجمع فيه الثمار إذا صرمت ، والذي يجمع عادة هو اليابس .

قال : ( ولا ما يتأول فيه الإنكار : كالأشربة المطربة وآلات اللهو والنرد والشطرنج وصليب الذهب ) لأنه يصدق دعواه في تأويله الإنكار لأنه ظاهر حال المسلم ، بل يجب عليه ذلك لأنه نهي عن المنكر .

قال : ( ولا في سرقة المصحف المحلى ) وعن أبي يوسف أنه يقطع إذا بلغت الحلية نصابا [ ص: 370 ] لأنها ليست من المصحف فاعتبرت بانفرادها . ولنا أنه يتأول فيه القراءة ، ولأن الإحراز لأجل المكتوب ولا مالية له وما وراءه تبع كالجلد والورق والحلية ولا عبرة بالتبع ، والأصل أنه متى اجتمع ما يجب فيه القطع وما لا يجب لا يقطع كالشراب وماء الورد في إناء ذهب أو فضة ، لأنه اجتمع دليلا القطع وعدمه فأورث شبهة ، حتى لو شرب ما في الإناء في الدار ثم أخرج الإناء من الدار فارغا قطع ، لأن المقصود حينئذ هو الإناء ، رواه هشام عن محمد .

( و ) كذلك ( الصبي الحر المحلى ) وعن أبي يوسف : أنه يقطع لأن الحلي غيره فكان مقصودا . ولنا أن الحلي تبع له وهو ليس بمال ، ولأنه يتأول في أخذه خوف الهلاك ورده على أهله ، ولو كان قصده الحلي لأخذه دون الصبي; وكذا لو سرق كلبا عليه قلائد فضة لأنها تبع له ولا قطع في الأصل فكذا في التبع .

قال : ( ولا في سرقة العبد ) صغيرا كان أو كبيرا عند أبي يوسف لأنه آدمي من وجه مال من وجه ، وقالا : يقطع في العبد الصغير لأنه مال لكونه منتفعا به ، أو بعرضية الانتفاع لأنه خداع أو غصب وليس سرقة ، وإذا كان يعبر عن نفسه ويعقل فهو كالكبير .

قال : ( ولا في سرقة الزرع قبل حصاده والثمرة على الشجر ) لعدم الحرز وللحديث المتقدم .

قال : ( ولا في كتب العلم ) لأنه يتأول قراءتها ، ولأن المقصود ما فيها وليس بمال ، ويقطع في دفاتر الحساب لأن ما فيها غير مقصود ، وإنما المقصود الكاغد ; ولو سرق الجلد والكواغد قبل الكتابة قطع ، وفي كتب الأدب روايتان .

قال : ( ويقطع في الساج والقنا والأبنوس والصندل والعود والياقوت والزبرجد والفصوص كلها ) لأنها من أنفس الأموال وأعزها مرغوب فيها ، ولا توجد مباحة في دار الإسلام لصورتها فصارت كالذهب والفضة .

( و ) يقطع في ( الأواني المتخذة من الخشب ) لأنها التحقت بالأموال النفيسة بالصنعة ، ولا [ ص: 371 ] قطع في العاج ما لم يعمل ، فإذا عمل منه شيء قطع فيه ، ولا قطع في الزجاج لأن المكسور منه تافه ، والمصنوع يتسارع إليه الفساد . وقيل يقطع في المصنوع لأنه مال نفيس لا يتسارع إليه الفساد . قال محمد : لو سرق جلود السباع المدبوغة وقيمتها مائة لا قطع ، ولو جدلت مصلاة أو بساطا قطع ، لأنها خرجت من أن تكون جلود السباع لتغير اسمها ومعناها .

قال : ( ولا قطع على خائن ، ولا نباش ، ولا منتهب ، ولا مختلس ) قال عليه الصلاة والسلام : " لا قطع على خائن ولا منتهب ولا مختلس " ولأن الحرز قاصر في حق الخائن لأن المال غير محرز عنه ، والمنتهب والمختلس مجاهر فلا يكون سارقا . وسئل علي رضي الله عنه عن المختلس والمنتهب فقال : تلك دعابة لا شيء فيها ، ولأن اسم السارق لا يتناوله فلا يدخل تحت النص . وأما النباش فيقطع عند أبي يوسف لقوله عليه الصلاة والسلام : " من نبش قطعناه " ولأنه سرق مالا متقوما من حرز مثله فيقطع . ولهما ما روى الزهري أن نباشا أخذ في زمن مروان بالمدينة والصحابة متوافرون يومئذ فأجمعوا أن لا قطع عليه ، ولأن اسم السارق لا يتناوله ، ألا ترى أن العرب أفردوا له اسما ، والقطع وجب على السارق نصا; فلو أوجبناه عليه كان إلحاقا له به فيكون إيجاب الحدود بالقياس فلا يجوز ، ولأنه ليس ملكا للميت لانقطاع ملكه عنه بالموت ، ولا ملكا للورثة لعدم جواز تصرفهم فيه ، فلم يكن له مالك معين فلا يقطع كمال بيت المال ، وما رواه محمول على السياسة . وقيل هو موقوف وليس بمرفوع .

قال : ( ولا من سرق ذي رحم محرم ، أو من سيده ، أو من امرأة سيده ، أو زوج سيدته ، أو زوجته ، أو مكاتبه ، أو من بيت المال ، أو من الغنيمة ، أو من مال له فيه شركة ) لوقوع الخلل في الحرز لوجود الإذن في الدخول في البعض وبسوطة في البعض في مال الآخر ، ولأن له حقا في أكساب المكاتب وله نصيب في بيت المال والمغنم ، وهو مروي عن علي رضي الله [ ص: 372 ] عنه ، وكذا إذا سرق المكاتب من مولاه لا يقطع ، ولا يقطع بالسرقة من غريمه مثل ماله عليه لأنه استوفى حقه ، والحال والمؤجل سواء ، لأن الحق ثابت والتأجيل لتأخير المطالبة ، وكذا لو سرق أكثر من حقه لأنه يصير شريكا بمقدار حقه .

وكذا إذا أخذ أجود من دراهمه أو أردأ ، لأن الجنس متحد; ويقطع بسرقة خلاف جنس ما عليه ، لأنه ليس له ولاية الاستيفاء منه إلا بيعا إلا إذا قال : أخذته رهنا بحقي أو قضاء به فلا يقطع لأنه مختلف فيه فقد ظن في موضعه . قوم سرقوا وفيهم صبي أو مجنون لا قطع عليهم ، وإن تولى ذلك الكبير لأنه فعل واحد لم يوجب القطع على البعض فلا يجب على الباقين للشبهة ، وكذا شريك ذي الرحم المحرم .

وقال أبو يوسف : ادرإ الحد عن الصبي والمحرم ، واقطع الآخر اعتبارا لحالة الاجتماع بحالة الانفراد ، إذ فعل كل واحد منهما معتبر بانفراده ، وشريك الأخرس كشريك الصبي في الخلاف لأنه لا حد على الأخرس لاحتمال أنه لو نطق ادعى شبهة الشركة ونحوها . قال أبو حنيفة : لا يقطع الأعمى إذا سرق لجهله بمال غيره وحرز غيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية