صفحة جزء
[ ص: 377 ] فصل

[ حد قطع الطريق ]

إذا خرج جماعة لقطع الطريق أو واحد فأخذوا قبل ذلك حبسهم الإمام حتى يتوبوا; وإن أخذوا مال مسلم أو ذمي وأصاب كل واحد منهم نصاب السرقة قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ; وإن قتلوا ولم يأخذوا مالا قتلهم ولا يلتفت إلى عفو الأولياء ; وإن قتلوا وأخذوا المال قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وقتلهم وصلبهم ، أو قتلهم ، أو صلبهم .

ويطعن تحت ثندوته اليسرى حتى يموت ، ولا يصلب أكثر من ثلاثة أيام ; وإن باشر القتل واحد منهم أجري الحد على الكل ، وإن كان فيهم صبي أو مجنون أو ذو رحم محرم من المقطوع عليهم صار القتل للأولياء .


فصل

[ حد قطع الطريق ]

( إذا خرج جماعة لقطع الطريق أو واحد فأخذوا قبل ذلك حبسهم الإمام حتى يتوبوا ، وإن أخذوا مال مسلم أو ذمي وأصاب كل واحد منهم نصاب السرقة قطع أيديهم وأرجلهم من [ ص: 378 ] خلاف ، وإن قتلوا ولم يأخذوا مالا قتلهم ولا يلتفت إلى عفو الأولياء ) لأنه إنما يقتلهم حدا حقا لله تعالى ، ولا يصح العفو عن حقوق الله تعالى .

( وإن قتلوا وأخذوا المال قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وقتلهم وصلبهم ، أو قتلهم ) يعني من غير قطع ( أو صلبهم ) من غير قطع . والأصل في ذلك قوله تعالى : ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم ) قيل معناه : الذين يحاربون أولياء الله وأولياء رسوله لاستحالة محاربة الله تعالى بطريق حذف المضاف .

وقيل المراد أنهم في حكم المحاربين لأنهم لما امتنعوا على نائب الله الإمام وجماعة المسلمين وتظاهروا بمخالفة أوامر الله تعالى كانوا في حكم المحاربين ، وهذا توسع في الكلام ومجاز كقوله تعالى : ( ومن يشاق الله ) ، والمحاربون المذكورون في الآية هم القوم يجتمعون لهم منعة بأنفسهم يحمي بعضهم بعضا ، ويتناصرون على ما قصدوا إليه ويتعاضدون عليه ، وسواء كان امتناعهم بحديد أو خشب أو حجارة ، ويكون قطعهم على المسافرين في دار الإسلام من المسلمين وأهل الذمة دون غيرهم ، هذا عند أبي حنيفة وأصحابه .

قال أصحابنا : الآية مرتبة على ما ذكرنا من الأحوال الأربعة ، وروي ذلك عن علي وابن عباس والنخعي وابن جبير رضي الله عنهم ، ولأن الجنايات تتفاوت على الأحوال ، فاللائق تغلظ الحكم بتغلظها ، فإذا أخافوا السبيل ولم يقتلوا ولم يأخذوا مالا حبسوا ، وهو المراد من النفي من الأرض . وقيل هو أن الإمام لا يزال يطلبهم حتى يخرجوا من دار الإسلام .

وإن أخذوا مالا على الوصف المذكور قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف يعني اليد اليمنى والرجل اليسرى ، ويشترط أن يكون المال معصوما عصمة مؤبدة ، فلهذا قال : مال مسلم أو ذمي ، حتى لو قطع على مستأمن لا يقطع ، لأن خطره مؤقت فلا يجب فيه حد كالسرقة [ ص: 379 ] الصغرى ، ولا بد أن يصيب كل واحد نصاب لما مر في السرقة ، وإن قتلوا ولم يأخذوا مالا قتلهم حدا على ما بينا .

وإن قتلوا وأخذوا المال فالإمام فيهم بالخيار على الوجه الذي بينا ، وهذا لأن أخذ المال موجب للقطع في السرقة الصغرى ، وتغلظت الكبرى بقطع الطريق ، والقتل موجب للقتل في غير قطع الطريق ، ويغلظ هنا بأن يقتل ولا يلتفت إلى عفو الولي وصلحه ، وهو معنى قولنا يقتلهم حدا ، فإذا جمع بين القتل والسرقة يجمع عليه بين موجبهما ، وهكذا نزل جبريل عليه السلام بالحد فيهم ، وتكون " أو " في الآية بمعنى الواو .

وقال أبو يوسف : لا يترك الصلب لأنه منصوص عليه كالقتل والقطع ، ولأنه أبلغ في التشهير وهو المقصود ليعتبر به ، والجواب أن التشهير حصل بالقتل والصلب مبالغة فيخير فيه . وقال محمد : يقتل أو يصلب ولا يقطع ، لأن النفس وما دونها إذا اجتمعا لحق الله تعالى دخل ما دون النفس في النفس كالمحصن إذا زنا وسرق .

قلنا هذا حد واحد وجب لمعنى واحد ، وهو إخافة الطريق على وجه الكمال بالقتل وأخذ المال ، والحد الواحد لا يدخل بعضه بعضا ، ألا ترى أن قطع اليد والرجل حد واحد في أخذ المال في الكبرى حدان في الصغرى ، والتداخل في الحدود لا في حد واحد .

واختلفوا في صلبه . قال الطحاوي : يقتل ثم يصلب . وقال الكرخي : يصلب حيا .

( ويطعن تحت ثندوته اليسرى حتى يموت ) لأنه أبلغ في زجر غيره . قال : ( ولا يصلب أكثر من ثلاثة أيام ) ثم يخلى بينه وبين أهله ليدفنوه لأنه يتغير بعد ذلك فيستضر الناس برائحته ، ولأن المقصود يحصل بذلك وهو الزجر والاشتهار . وعن أبي يوسف يترك على الخشبة حتى يتقطع فيسقط ليعتبر به غيره ، والحكم في قطع اليد والرجل ما بيناه في الصغرى من شلل أيديهم وذهاب بعض الأعضاء لما ذكرنا .

قال : ( وإن باشر القتل واحد منهم أجري الحد على الكل ) لأن المحاربة تتحقق بالكل ، لأنهم إنما أقدموا على ذلك اعتمادا عليهم حتى لو غلبوا أو هزموا انحازوا إليهم فكانوا عونا [ ص: 380 ] لهم ، ولهذا المعنى كان الردء في الغنيمة كالمقاتل ، ولأن الردء ساع في الأرض فسادا ، لأنه إنما وقف ليقتل إذا قتل فيقتل كأهل البغي .

قال : ( وإن كان فيهم صبي أو مجنون أو ذو رحم محرم من المقطوع عليهم صار القتل للأولياء ) معناه : أنه سقط الحد ، فلو عفا الولي أو صالح سقط القصاص ، وهذا لأن الجناية واحدة قامت بالكل ، فإذا لم يكن فعل بعضهم موجبا صار فعل الباقين بعض العلة فلا يترتب عليه الحكم .

أما الصبي والمجنون فلما مر في السرقة . وأما ذو الرحم المحرم فلأن القافلة كالحرز ، فقد حصل الخلل في الحرز في حقهم فيسقط الحد فيصير القتل إلى الأولياء ، ولهذا لو قطع بعض القافلة على البعض لا يجب الحد لأن الحرز واحد فصارت كدار واحدة ، ولو كان في المقطوع عليهم مستأمن قطعوا ، لأن الامتناع في حقه لخلل في العصمة وذلك يخصه ، وخلل الحرز يعم الكل .

ثم شرائط قطع الطريق في ظاهر الرواية أن يكون قوم لهم منعة على ما تقدم ينقطع بهم الطريق ، ولا يكون في مصر ولا بين قريتين ولا بين مدينتين ، ويكون بينهم وبين المصر مسيرة السفر ، لأن قطع الطريق بانقطاع المارة والسابلة ، ولا يمتنعون عن المشي في هذه المواضع فيلحقهم الغوث ساعة بعد ساعة من المسلمين أو من جهة الإمام .

وروي عن أبي يوسف : لو كان في المصر ليلا ، أو بينهم وبين المصر أقل من مسيرة سفر فهم قطاع الطريق وعليه الفتوى نظرا لمصلحة الناس بدفع شر المتغلبة المفسدين ، وأبو حنيفة أجاب على ما شاهد في زمانه ، فإن أهل الأمصار كانوا يحملون السلاح فلا يتمكن قاطع الطريق من مغالبتهم; فأما إذا تركوا هذه العادة وأمكن أن يتغلب عليهم قطاع الطريق أجري عليهم الحد ، ولهذا قال : لا يثبت قطع الطريق بين الحيرة والكوفة ، لأن الغوث في زمانه كان يلحق ذلك الموضع لاتصال المصرين ، أما الآن فهي برية يجري فيها قطع الطريق ويستوي فيه الامتناع بالخشب والسلاح ، لأن المعنى يوجد بهما .

ولا بد أن يكون في دار الإسلام لأن الحد إذا وجد سببه في دار الحرب لا يستوفى في دار الإسلام لما مر في الحدود; وإذا تاب قطاع الطريق قبل أن يؤخذوا سقط عنهم الحد وبقي حق [ ص: 381 ] العباد في المال والقصاص ، لقوله تعالى : إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فيقتضي خروجه عن الجملة عملا بالاستثناء ، وفي السرقة إذا تاب ولم يرد المال يقطع لأن قوله تعالى : ( فمن تاب من بعد ظلمه ) ليس استثناء ، فلا يقتضي خروج التائب من الجملة السابقة ، وهو كلام مبتدأ يستغني عن غيره فيحمل على الابتداء لأنه أولى ، أما الاستثناء يفتقر في صحته إلى ما قبله فافترقا .

التالي السابق


الخدمات العلمية