صفحة جزء
[ ص: 403 ] وإذا استولى الكفار على أموالنا وأحرزوها بدارهم ملكوها ، فإن ظهرنا عليهم فمن وجد ملكه قبل القسمة أخذه بغير شيء ، وبعدها بالقيمة إن شاء ، وإن دخل تاجر واشتراه فمالكه إن شاء أخذه بثمنه ، وإن شاء ترك ، وإن وهب له أخذه بالقيمة . وإن غلب بعض أهل الحرب بعضا وأخذوا أموالهم ملكوها ، ولا يملكون علينا مكاتبينا ومدبرينا وأمهات أولادنا وأحرارنا ، وإن أبق إليهم عبد لم يملكوه ( سم ) ، وإذا خرج عبيدهم إلينا مسلمين فهم أحرار ، وكذلك إن ظهرنا عليهم وقد أسلموا وإذا اشترى المستأمن عبدا مسلما وأدخله دار الحرب عتق عليه ( سم ) ; وإذا دخل المسلم دار الحرب بأمان لا يتعرض لشيء من دمائهم وأموالهم ، فإن أخذ شيئا وأخرجه تصدق به .


فصل

[ ملك أهل الحرب ]

( وإذا استولى الكفار على أموالنا وأحرزوها بدارهم ملكوها ، فإن ظهرنا عليهم فمن وجد ملكه قبل القسمة أخذه بغير شيء وبعدها بالقيمة إن شاء ، وإن دخل تاجر واشتراه فمالكه إن شاء أخذه بثمنه ، وإن شاء ترك وإن وهب له أخذه بالقيمة ) لما روى ابن عباس أن رجلا وجد بعيرا له في المغنم قد كان المشركون أصابوه قبل ذلك ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن وجدته قبل القسمة فهو لك بغير شيء ، وإن وجدته بعد ما قسم أخذته بالقيمة إن شئت " ولو لم يملكوه لما أوجب القيمة . وعن تميم بن طرفة أن العدو غلب على ناقة أو بعير لرجل ، فاشتراه رجل من العدو ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " خذه بالثمن إن شئت وإلا فهو لهم " وهذا يدل على صحة ملك أهل الحرب إذ لولا ذلك لم يلزمه الثمن .

وعن عمر وابنه وزيد بن ثابت وأبي عبيدة ابن الجراح رضي الله عنهم مثل مذهبنا .

وعن علي رضي الله عنه أنه قال : من اشترى ما أحرزه العدو فهو جائز ، ولأنه يجب على [ ص: 404 ] جميع المسلمين حق الرد عليه ، لأنه يجب عليهم استنقاذه من أيدي الكفار قلعا لهم عن العود إلى مثله وقبل القسمة قد حصل لهم بغير عوض والرد مستحق عليهم فلزمهم الدفع إليه .

أما بعد القسمة فقد حصل له بعوض وهو نصيبه من الغنيمة الذي سلم لسائر الغانمين ولم يستحق عليه بذل المال في الرد ، فلذلك وجب أن يغرم له العوض الذي ليس بمستحق ، وكذلك المشتري منهم حصل له بعوض ليس بمستحق عليه فلذلك رجع بالثمن .

وأما الموهوب له فلأنه ملكه بعقد فصار كالبيع ، وليس فيه عوض مسمى فيأخذه بالقيمة كما بعد القسمة ، فإن أسلموا عليها أو صاروا ذمة أو اشتراه حربي فأسلم أو دخل إلينا بأمان فهو لهم ، لقوله عليه الصلاة والسلام : " من أسلم على مال فهو له " ، وإن أسلموا قبل الإحراز بدارهم ردوه على المالك الأول لعدم ثبوت ملكهم لبقاء العصمة .

وأما النقود والمكيل والموزون إن وجده قبل القسمة أخذه بغير شيء كما قلنا ، وبعد القسمة لا سبيل له عليها ، لأنه لو أخذها أخذها بمثلها ولا فائدة فيه .

قال : ( وإن غلب بعض أهل الحرب بعضا وأخذوا أموالهم ملكوها ) لاستيلائهم على مال مباح ، فإذا ظهرنا عليها فأخذناها ملكناها كسائر أموالهم .

قال : ( ولا يملكون علينا مكاتبينا ومدبرينا وأمهات أولادنا وأحرارنا ) لأن الأصل في الآدمي الحرية ، والحرية مقتضى قوله تعالى : ( ولقد كرمنا بني آدم ) إلا أن الشرع جعله محلا للتمليك جزاء عن استنكافه عن طاعة الله تعالى ، وذلك في حق الكافر دون المسلم ، لأن الملك في الرقاب بناء على الرق ولا رق علينا ، وفي المال بناء على المالية والكل فيه سواء .

قال : ( وإن أبق إليهم عبد لم يملكوه ) عند أبي حنيفة . وقالا : يملكونه كما إذا أخذوه من دارنا أو في الوقعة . وله أنه لما خرج من دارنا زالت يد المولى عنه وظهرت يده على نفسه ، لأن سقوط يده باعتبار يد المولى ليتمكن من الانتفاع به فصار معصوما بنفسه فلم يبق محلا للملك [ ص: 405 ] فلا يثبت لهم فيه ملك ، وبعد ذلك إن ظهرنا عليهم أخذه المالك القديم قبل القسمة وبعدها ، ويؤدي عوضه من بيت المال لتعذر إعادة القسمة بعد تفريق الغانمين ، ولا جعل على المالك لأن الغانم إنما عمل لنفسه لأنه يزعمه ملكه ، وكذلك إن كان مشترى أو موهوبا يأخذه بغير شيء لأنه لم يملكه فلم يصح تصرفه فيه .

قال : ( وإذا خرج عبيدهم إلينا مسلمين فهم أحرار ، وكذلك إن ظهرنا عليهم وقد أسلموا ) لأنه عليه الصلاة والسلام قضى بعتق عبيد خرجوا من الطائف وقد أسلموا وقال : " هم عتقاء الله " ولأنه أحرز نفسه بالتحاقه بمنعة المسلمين ويده أسبق من يد المسلمين فكانت أولى .

قال : ( وإذا اشترى المستأمن عبدا مسلما وأدخله دار الحرب عتق عليه ) وقالا : لا يعتق لأنه يجب عليه إزالته عن ملكه بأن يجبر على ذلك ولا جبر فبقي على حاله . ولأبي حنيفة أن خلاص المسلم عن رق الكافر واجب ما أمكن ، وقد تعذر جبره على ذلك ، فأقمنا تباين الدارين مقام الإعتاق ، كما إذا أسلم أحد الزوجين في دار الحرب أقمنا مضي ثلاث حيض مقام التفريق .

قال : ( وإذا دخل المسلم دار الحرب بأمان لا يتعرض لشيء من دمائهم وأموالهم ) لأن فيه غدرا بهم وأنه منهي عنه ( فإن أخذ شيئا وأخرجه تصدق به ) لأنه ملكه بأمر محظور وهو الغدر والخيانة وسبيله التصدق به لأنه ملك خبيث ، بخلاف الأسير لأنه غير مستأمن ، ولم يلتزم ترك التعرض لهم فيباح له التعرض وإن أطلقوه .

ولو دخل مسلم دار الحرب فأدانه حربي أو أدان حربيا أو غصب أحدهما صاحبه ثم خرج المسلم أو استأمن الحربي لم يقض بينهما بشيء من ذلك . أما الغصب فلأنه صار ملكا للذي أخذه لاستيلائه على مال مباح . وأما المداينة فلأنه لا ولاية لنا عليهما وقت الإدانة والقضاء [ ص: 406 ] يعتمد الولاية ، ولا على المستأمن وقت القضاء لأنه ما التزم أحكامنا في الماضي ، وكذلك الحربيان إذا فعلا ذلك ثم خرجا مستأمنين لما بينا ، ولو خرجا مسلمين قضي بينهما بالديون دون الغصب لما مر; أما الغصب لما مر ، وأما الدين فلوقوعه صحيحا عن تراض ، والولاية ثابتة لالتزامهما أحكامنا وقتئذ .

التالي السابق


الخدمات العلمية