صفحة جزء
[ ص: 449 ] فصل

[ السبق والرمي ]

تجوز المسابقة على الأقدام والخيل والبغال والحمير والإبل وبالرمي ، فإن شرط فيه جعل من أحد الجانبين أو من ثالث لأسبقهما فهو جائز ، وإن شرط من الجانبين فهو قمار إلا أن يكون بينهما محلل بفرس كفء لفرسيهما يتوهم سبقه لهما إن سبقهما أخذ منهما ، وإن سبقاه لم يعطهما ، وفيما بينهما أيهما سبق أخذ من صاحبه ، وعلى هذا التفصيل إذا اختلف فقيهان في مسألة وأرادا الرجوع إلى شيخ وجعلا على ذلك جعلا .


فصل

[ السبق والرمي ]

( تجوز المسابقة على الأقدام والخيل والبغال والحمير والإبل وبالرمي ) والأصل فيه حديث أبي هريرة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : " لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر " والمراد بالخف الإبل ، وبالنصل الرمي ، وبالحافر الفرس والبغل والحمار . وعن الزهري قال : كانت المسابقة بين أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام في الخيل والركاب والأرجل ، ولأنه مما يحتاج إليه في الجهاد للكر والفر ، وكل ما هو من أسباب الجهاد فتعلمه مندوب إليه وكانت العضباء ناقة رسول الله عليه الصلاة والسلام لا تسبق ، فجاء أعرابي على قعود فسبقها فشق ذلك على المسلمين ، فقال عليه الصلاة والسلام : " ما رفع الله شيئا إلا وضعه " وفي الحديث : " تسابق رسول الله عليه الصلاة والسلام وأبو بكر وعمر فسبق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصلى أبو بكر وثلث عمر " وعن النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تحضر الملائكة شيئا من الملاهي سوى النصال والرهان " أي الرمي والمسابقة .

[ ص: 450 ] قال : ( فإن شرط فيه جعل من أحد الجانبين أو من ثالث لأسبقهما فهو جائز ) وذلك مثل أن يقول أحدهما لصاحبه : إن سبقتني أعطيتك كذا ، وإن سبقتك لا آخذ منك شيئا ، أو يقول الأمير لجماعة فرسان من سبق منكم فله كذا ، وإن سبق لا شيء عليه; أو يقول لجماعة الرماة : من أصاب الهدف فله كذا ، وإنما جاز في هذين الوجهين لأنه تحريض على تعليم آلة الحرب والجهاد ، ولقوله عليه الصلاة والسلام : " المؤمنون عند شروطهم " وفي القياس لا يجوز لأنه تعليق المال بالخطر .

قال : ( وإن شرط من الجانبين فهو قمار ) وإنه حرام ( إلا أن يكون بينهما محلل بفرس كفء لفرسيهما يتوهم سبقه لهما ، إن سبقهما أخذ منهما ، وإن سبقاه لم يعطهما ، وفيما بينهما أيهما سبق أخذ من صاحبه ) وإنما جاز ذلك لأنه بالمحلل خرج عن أن يكون قمارا فيجوز لما ذكرنا ، وقيل في المحلل أن يكون إن سبقاه أعطاهما ، وإن سبقهما لم يأخذ منهما وهو جائز أيضا لما ذكرنا ، ولو لم يكن فرس المحلل مثلهما لا يجوز لأنه لا فائدة في إدخاله بينهما فلا يخرج من أن يكون قمارا .

قال : ( وعلى هذا التفصيل إذا اختلف فقيهان في مسألة وأرادا الرجوع إلى شيخ وجعلا على ذلك جعلا ) لأنه لما جاز في الأفراس لمعنى يرجع إلى الجهاد يجوز هنا للحث على الجهد في طلب العلم ، لأن الدين يقوم بالعلم كما يقوم بالجهاد .

والمسابقة بالخيل للرياضة ما لم يتعبهما مندوب إليه ، وكذلك على الأقدام والرمي ، قال عليه الصلاة والسلام : " إن الله تعالى يدخل بالسهم الواحد الجنة ثلاثة : صانعه ومنبله والرامي به " رواه عقبة بن عامر الجهني ; ونخس الدابة وركضها للجهاد وغيره من غرض صحيح لا [ ص: 451 ] بأس به ، وللتلهي مكروه ، وركض الدابة بتكلف للعرض على المشتري مكروه لأنه يغر بالمشتري . وفي الحديث : " تضرب الدابة على النفار ولا تضرب على العثار " فإن العثار يكون من سوء إمساك الراكب اللجام; والنفار من سوء خلق الدابة فتؤدب على ذلك . وعن عمر رضي الله عنه أنه كتب إلى سعد بن أبي وقاص : لا تخصين فرسا ولا تجرين فرسا ، ومعناه أن صهيل الفرس يرهب العدو ، والخصي يمنعه لا أنه حرام لأنهم تعارفوه من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا من غير نكير ، ويجوز شراء الخصي من الخيل وركوبه بالاتفاق; ومعنى النهي الثاني إجراء الفرس فوق ما يحتمله .

التالي السابق


الخدمات العلمية