صفحة جزء
[ ص: 57 ] باب الأذان

وصفته معروفة ولا ترجيع فيه ، والإقامة مثله ( ف ) ، ويزيد فيها بعد الفلاح قد قامت الصلاة مرتين ، وهما سنتان للصلوات الخمس والجمعة ، يزيد في أذان الفجر بعد الفلاح الصلاة خير من النوم مرتين ، ويرتل الأذان ، ويحدر الإقامة ، ويستقبل بهما القبلة ، ويجعل إصبعيه في أذنيه ويحول وجهه يمينا وشمالا بالصلاة والفلاح ، ويجلس بين الأذان والإقامة إلا في المغرب ، ويكره التلحين في الأذان ، وإذا قال حي على الصلاة قام الإمام والجماعة ، وإذا قال قد قامت الصلاة كبروا ، وإذا كان الإمام غائبا أو هو المؤذن لا يقومون حتى يحضر ، ويؤذن للفائتة ويقيم ، ولا يؤذن لصلاة قبل وقتها ، ولا يتكلم في الأذان والإقامة ، ويؤذن ويقيم على طهارة .


[ ص: 57 ] باب الأذان

وهو في اللغة : مطلق الإعلام ، قال تعالى : ( وأذان من الله ورسوله ) .

وفي الشرع : الإعلام بوقت الصلاة بألفاظ معلومة مأثورة على صفة مخصوصة ، وهو سنة محكمة .

قال أبو حنيفة في قوم صلوا في المصر بجماعة بغير أذان وإقامة : خالفوا السنة وأثموا ، وقيل هو واجب لقول محمد : لو اجتمع أهل بلد على ترك الأذان لقاتلتهم ، وذلك إنما يكون على الواجب ، والجمع بين القولين أن السنة المؤكدة كالواجب في الإثم بتركها ، وإنما يقاتل على تركه لأنه من خصائص الإسلام وشعائره .

( وصفته معروفة ) وهي : الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة حي على الصلاة ، حي على الفلاح حي على الفلاح ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله . هكذا حكى عبد الله بن زيد بن عبد ربه أذان النازل من السماء ، ووافقه عمر وجماعة من الصحابة ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " علمه بلالا فإنه أندى منك صوتا " وعلمه فكان يؤذن به .

قال : ( ولا ترجيع فيه ) لأن الجماعة الذين رووا أذان النازل من السماء الذي هو أصل الأذان لم يرووا الترجيع ، وأيضا فإنهم قالوا : ثم صبر هنيهة ثم قال مثل ذلك ، وزاد فيه : قد قامت الصلاة مرتين ، ولا ترجيع في الإقامة إجماعا ، وما روي أنه - عليه الصلاة والسلام - لقن أبا محذورة الأذان وأمره بالترجيع فإنه كان تعليما ، والتعليم غالبا يرجع فيه للحفظ فظنه من الأذان ، والترجيع أن يخفض صوته بالشهادتين أولا ، ثم يرفع بهما صوته .

قال : " والإقامة مثله ، ويزيد فيها بعد الفلاح قد قامت الصلاة مرتين ) لما روينا ، ولما [ ص: 58 ] روي عن أبي محذورة أنه قال : " علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأذان خمس عشرة كلمة ، والإقامة سبع عشرة كلمة " قال أئمة الحديث : أصح ما روي في ذلك حديث أبي محذورة .

قال : ( وهما سنتان للصلوات الخمس والجمعة ) ; لأنه - عليه الصلاة والسلام - واظب عليهما فيها ، ولأن لها أوقاتا معلومة ، وتؤدى في الجماعات فتحتاج إلى الإعلام ولا كذلك غيرها . قال محمد : ومن صلى في بيته بغير أذان ولا إقامة جاز ، وإن فعل فحسن . أما الجواز فروي عن ابن عمر ذلك . وعن ابن مسعود أنه كان يصلي في داره بغير أذان ولا إقامة ويقول : يجزينا أذان المقيمين حولنا وفعله أفضل لأنهما أذكار تتعلق بالصلاة كغيره من الأذكار .

قال : ( ويزيد في أذان الفجر بعد الفلاح : الصلاة خير من النوم مرتين ) لما روي : " أن بلالا أتى باب حجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليعلمه بصلاة الفجر وهو راقد ، فقال : الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : ما أحسن هذا ، اجعله في أذانك " ، وتوارثته الأمة من لدن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا ، ولا تثويب في غير أذان الفجر لقول بلال : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا بلال ثوب بالفجر ولا تثوب في غيرها " ، ولأن الفجر وقت نوم وغفلة ولا كذلك غيرها . وعن أبي يوسف : لا بأس بذلك للأمراء ؛ لأن عمر لما ولي الخلافة نصب من يعلمه بأوقات الصلوات; قيل وكذلك القاضي والمفتي وكل من يشتغل بأمور المسلمين ; وقيل في زماننا يثوب في الصلوات كلها لظهور التواني في الأمور الدينية ، والتثويب : زيادة الإعلام بين الأذان والإقامة بما يتعارفه أهل كل بلدة .

قال : ( ويرتل الأذان ويحدر الإقامة ) بذلك أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالا .

( ويستقبل بهما القبلة ) لحديث النازل من السماء فإنه استقبل بهما القبلة .

[ ص: 59 ] ( ويجعل أصبعيه في أذنيه ) بذلك أمر رسول الله بلالا وقال : " إنه أندى لصوتك " .

( ويحول وجهه يمينا وشمالا بالصلاة والفلاح ) وقدماه مكانهما هكذا نقل من فعل بلال ، ولأنه خطاب للناس فيواجههم به ، وما عدا ذلك تكبير وتهليل .

قال : ( ويجلس بين الأذان والإقامة إلا في المغرب ) وقالا يجلس في المغرب جلسة خفيفة ؛ لأن الفصل بينهما سنة في سائر الصلوات ، إلا أنه يكتفي في المغرب بالجلسة الخفيفة تحرزا عن التأخير . ولأبي حنيفة أن المستحب المبادرة وفي الجلسة التأخير ، والفصل يحصل بالسكوت بينهما مقدار ثلاث آيات ، وهو روايةالحسن عنه ، وكذلك يحصل باختلاف الموقف والنغمة . ( ويكره التلحين في الأذان ) لأنه بدعة .

( وإذا قال حي على الصلاة قام الإمام والجماعة ) إجابة للدعاء .

( وإذا قال قد قامت الصلاة كبروا ) تصديقا له ، إذ هو أمين الشرع . وعن أبي يوسف : لا يكبروا حتى يفرغ ليدرك المؤذن تكبيرة الإحرام .

( وإذا كان الإمام غائبا أو هو المؤذن لا يقومون حتى يحضر ) لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " لا تقوموا حتى تروني قمت مقامي " ولأنه لا فائدة في القيام .

( ويؤذن للفائتة ويقيم ) هكذا فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين فاتته صلاة الصبح ليلة التعريس .

قال : ( ولا يؤذن لصلاة قبل دخول وقتها ) لأنه شرع للإعلام بالوقت وفي ذلك تضليل ، وإن [ ص: 60 ] أذن أعاد . وقال أبو يوسف : لا يعيد في الفجر خاصة ; لأن بلالا كان يؤذن بليل . ولنا قوله - عليه الصلاة والسلام - لبلال : " لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا ومد يده عرضا " ، وأذان بلال لم يكن للصلاة ، لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " إن بلالا يؤذن بليل ليركع قائمكم ، ويوقظ نائمكم ، ويتسحر صائمكم " ، والكلام في الأذان للصلاة .

قال : ( ولا يتكلم في الأذان والإقامة ) ولا يرد السلام لأنه يخل بالتعظيم ويغير النظم .

( ويؤذن ويقيم على طهارة ) لأنه ذكر ، فتستحب فيه الطهارة كالقرآن ، فإذا أذن على غير وضوء جاز لحصول المقصود ويكره ، وقيل لا يكره ، وقيل لا تكره الإقامة أيضا; والصحيح أنها تكره لئلا يفصل بين الإقامة والصلاة ، وإن أذن وأقام على غير وضوء لا يعيد ، ويستحب إعادة أذان الجنب والصبي الذي لا يعقل والمجنون والسكران والمرأة ليقع على الوجه المسنون ، ولا تعاد الإقامة لأن تكرارها غير مشروع ، ويكره الأذان قاعدا لأنه خلاف المتوارث ، وكره أبو حنيفة أن يكون المؤذن فاجرا ، أو يأخذ على الأذان أجرا ، ويستحب أن يكون المؤذن صالحا تقيا عالما بالسنة وأوقات الصلوات ، مواظبا على ذلك ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية