صفحة جزء
[ ص: 487 ] فصل

[ ما يحل وما يحرم أكله من الحيوانات ]

ولا يحل أكل كل ذي ناب من السباع ولا ذي مخلب من الطير ، ولا تحل الحمر الأهلية ولا البغال ولا الخيل ( سم ) ، ويكره الرخم والبغاث والغراب والضب والسلحفاة والحشرات ، ويجوز غراب الزرع والعقعق والأرنب والجراد ولا يؤكل من حيوان الماء إلا السمك ، ولا يؤكل الطافي من السمك .


فصل

[ لا يحل أكل كل ذي ناب ]

( ولا يحل أكل كل ذي ناب من السباع ولا ذي مخلب من الطير ) ; لأنه - عليه الصلاة والسلام - : " نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع " ، وقوله عقيب النوعين من السباع ينصرف إليهما فيثبت الحكم فيما له مخلب وناب من سباع الطير والبهائم دون غيرهما ، والسبع كل جارح قتال منتهب متعد عادة كالأسد والنمر والفهد والذئب والثعلب والدب والفيل والقرد واليربوع وابن عرس والسنور البري والأهلي ، وذو المخلب من الطير : الصقر والبازي والنسر [ ص: 488 ] والعقاب والشاهين والحدأة . قال أبو حنيفة : الدلق والسنجاب والفنك والسمور وما شابهه سبع ، ولا يؤكل ابن عرس لأنها ذات أنياب فدخلت تحت النص ، وفي الحديث : " نهى عن أكل الخطفة والنهبة والمجثمة " ; فالخطفة : التي تختطف في الهواء كالبازي ونحوه ، والنهبة : الذي ينتهب على الأرض كالذئب والكلب ونحوه ، والمجثمة : فقد روي بالفتح والكسر ، فبالفتح كل صيد جثم عليه الكلب حتى مات غما ، وبالكسر كل حيوان من عادته أن يجثم على الصيد كالذئب والكلب ، ومعنى تحريم هذه الأشياء كرامة بني آدم لئلا يتعدى إليهم شيء من هذه الخصال الذميمة بالأكل ، وكل ما ليس له دم سائل حرام إلا الجراد ، مثل الذباب والزنابير والعقارب ، وكذا سائر هوام الأرض وما يدب عليها وما يسكن تحتها ، وهي الحشرات كالفأرة والوزغة واليربوع والقنفذ والحية ونحوها ; لأن جميع ذلك من الخبائث فيحرم لقوله - تعالى - : ( ويحرم عليهم الخبائث ) .

قال : ( ولا تحل الحمر الأهلية ولا البغال ولا الخيل ) لقوله - تعالى - : ( والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ) خرجت في معرض الامتنان ، فلو جاز أكلها لذكره ; لأن نعمة الأكل أعظم من نعمة الركوب . وعن علي وابن عمر - رضي الله عنهم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وعن متعة النساء " . وقال أبو يوسف ومحمد : لحم الخيل حلال لما روي عن أنس قال : أكلنا لحم فرس على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام ، وروي : " أنه - عليه الصلاة والسلام - نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في الخيل " .

[ ص: 489 ] ولأبي حنيفة ما تلونا من الآية . وما روى خالد بن الوليد : " أن النبي - عليه الصلاة والسلام - نهى عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمر الأهلية " ، وروى المقدام بن عدي أن النبي - عليه الصلاة والسلام - قال : " حرام عليكم الحمر الأهلية وخيلها وبغالها وكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير " ، ولأن البغل وهو نتاجه لا يؤكل فلا يؤكل الفرس ; لأن أكل النتاج معتبر بأمه ، ألا ترى أن الحمار الوحشي لو نزا على الأتان الأهلية لا يؤكل ؟ فكذا هذا .

قال : ( ويكره الرخم والبغاث والغراب ) ; لأنها تأكل الجيف فكانت من الخبائث ، إذ المراد الغراب الأسود وكذلك الغداف .

قال : ( والضب ) لما روت عائشة - رضي الله عنها - : ( أنه أهدي إلى النبي - عليه الصلاة والسلام - ضب فامتنع من أكله ، فجاءت سائلة فأرادت عائشة أن تطعمها ، فقال لها : أتطعمين ما لا تأكلين ؟ " ولولا حرمته لما منعها عن التصدق كما في شاة الأنصار .

قال : ( والسلحفاة ) ; لأنها من الفواسق ( والحشرات ) بدليل جواز قتلها للمحرم . قال : ( ويجوز غراب الزرع والعقعق والأرنب والجراد ) قال أبو يوسف : غراب الزرع له هيئة مخالفة للغراب في صغر جثته ، وأنه يدخر في المنازل ويؤلف كالحمام ويطير ويرجع ، والعقعق يخلط في أكله فأشبه الدجاج ، والأرنب ، لما روى عمار بن ياسر قال : " أهدي لرسول الله - عليه الصلاة والسلام - أرنبة مشوية فقال لأصحابه كلوا " . قال أبو يوسف : أما الوبر فلا أحفظ فيه شيئا عن أبي حنيفة وهو عندي كالأرنب وهو يعتلف البقول والنبت ، وهذا لأن الأشياء على الإباحة [ ص: 490 ] إلا ما قام عليه دليل الحظر ، وأما الجراد فلقوله - عليه الصلاة والسلام - : " أحلت لنا ميتتان ودمان ، أما الميتتان : فالسمك والجراد ، وأما الدمان : فالكبد والطحال ) ، وسواء مات حتف أنفه أو أصابته آفة كالمطر ونحوه لإطلاق النص .

قال : ( ولا يؤكل من حيوان الماء إلا السمك ) لأنه ميتة فيحرم بالنص ، وإنما حل السمك بما روينا من الحديث وأنه يشمل جميع أنواعه الجريث والمارماهي وغيرهما . وعن النبي - عليه الصلاة والسلام - : " أنه سئل عن الضفدع يجعل شحمه في الدواء فنهى عن قتل الضفدع وقال : خبيثة من الخبائث " .

قال : ( ولا يؤكل الطافي من السمك ) وهو ما مات حتف أنفه ، لما روى جابر - رضي الله عنه - : " أن النبي - عليه الصلاة والسلام - نهى عن أكل الطافي " ، وعن علي - رضي الله عنه - : لا تبيعوا في أسواقنا الطافي ، وعن ابن عباس أنه قال : ما دسره البحر فكله ، وما وجدته مطفوا على الماء فلا تأكله . وما مات من الحر أو البرد أو كدر الماء روي أنه يؤكل ; لأنه مات بسبب حادث كما لو ألقاه الماء على اليبس ، وروي أنه لا يؤكل ; لأن الحر والبرد من صفات الزمان وليسا من حوادث الموت عادة ، ولو ابتلعت سمكة سمكة تؤكل ؛ لأنه سبب حادث للموت . قال أبو يوسف عن أبي حنيفة : تحبس الجلالة ثلاثة أيام . وعن محمد لم يوقت أبو حنيفة فيه وقتا وقال : تحبس حتى تطيب والجلالة : التي تأكل العذرة ، فإن خلطت فليست بجلالة ، ولذلك قالوا : الدجاجة لا تكون جلالة لأنها تخلط . وقال محمد : إذا أنتن وتغير ووجد منه رائحة منتنة فهي جلالة لا يشرب لبنها ولا يؤكل لحمها ويجوز بيعها وهبتها ، وإذا حبست زالت الكراهة لأن ما في جوفها يزول وهو الموجب للتغير والنتن ، ولم يوقت أبو حنيفة لأنه إذا توقف على زوال النتن وجب اعتبار هذا المعنى ، وفي رواية أبي يوسف قدره بثلاثة أيام اعتبارا للغالب من حالها ، وقد روي : " أن النبي - عليه الصلاة والسلام - كان يحبس الدجاج ثلاثة أيام ثم يأكله " وهذا على طريق التنزه فيجوز أن يكون رواية التقدير بالثلاثة بناء على هذا الحديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية