صفحة جزء
[ ص: 505 ] ويقتل الحر بالحر وبالعبد . والرجل بالمرأة ، والصغير بالكبير ، والمسلم بالذمي ( ف ) ولا يقتلان بالمستأمن ، ويقتل المستأمن بالمستأمن ، ويقتل الصحيح بالزمن والأعمى وبالمجنون وبناقص الأطراف ، ولا يقتل الرجل بولده ، ولا بعبده ، ولا بعبد ولده ، ولا بمكاتبه ، ومن ورث قصاصا على أبيه سقط ، والأم والأجداد والجدات من أي جهة كانوا كالأب ، ومن جرح رجلا عمدا فمات فعليه القصاص ، ولا يستوفى القصاص إلا بالسيف ، ولا قصاص على شريك الأب والمولى والخاطئ والصبي والمجنون وكل من لا يجب القصاص بقتله ، وإذا قتل عبد الرهن فلا قصاص حتى يجتمع الراهن والمرتهن ، وإذا قتل المكاتب عن وفاء وله ورثة غير المولى فلا قصاص أصلا ، وإن لم يترك وفاء فالقصاص للمولى ، وإن قتل عن وفاء ولا وارث له إلا المولى فله القصاص ( م ) ، وإذا كان القصاص بين كبار وصغار فللكبار الاستيفاء ( سم ) وإذا قتل ولي الصبي والمعتوه فللأب أو القاضي أن يقتل أو يصالح ، وليس له العفو ، والوصي يصالح لا غير ، ولا قصاص في التخنيق والتغريق ( سم ) ، وتقتل الجماعة بالواحد ، ويقتل الواحد بالجماعة اكتفاء وإن قتله ولي أحدهم سقط حق الباقين ، ومن رمى إنسانا عمدا فنفذ منه إلى آخر وماتا فالأول عمد والثاني خطأ .


فصل

[ يقتل الحر بالحر ]

( ويقتل الحر بالحر وبالعبد ) أما الحر بالحر فلا خلاف فيه ، قال - تعالى - : ( الحر بالحر ) [ ص: 506 ] وأما الحر بالعبد فلقوله - تعالى - : ( النفس بالنفس ) ، وقال - عليه الصلاة والسلام - : " المسلمون تتكافأ دماؤهم " ولأنهما تساويا في عصمة الدم فيجب القصاص للمساواة ، وقوله تعالى : ( الحر بالحر ) لا يدل على عدم جواز قتل الحر بالعبد ; لأنه تخصيص بالذكر فلا يدل على نفي ما سواه ، ألا يرى أنه يقتل العبد بالحر والذكر بالأنثى والأنثى بالذكر فلا حجة فيه ونحن نعمل به وبقوله : ( النفس بالنفس ) وبالحديث فكان أولى من العمل به خاصة .

قال : ( والرجل بالمرأة ، والصغير بالكبير ) لإطلاق النصوص .

قال : ( والمسلم بالذمي ) لما روى جابر : " أن النبي - عليه الصلاة والسلام - قاد مسلما بذمي وقال : أنا أحق من وفى بذمته " ولاستوائهما في العصمة المؤبدة ، ولأن عدم القصاص تنفير لهم عن قبول عقد الذمة وفيه من الفساد ما لا يخفى ، والمراد بقوله - عليه الصلاة والسلام - : " لا يقتل مسلم بكافر " الحربي ; لأن الكافر متى أطلق ينصرف إلى الحربي عادة وعرفا فينصرف إليه توفيقا بين الحديثين .

( ولا يقتلان ) يعني المسلم والذمي

( بالمستأمن ) لعدم التساوي فإنه غير محقون الدم على التأبيد وحرابه يوجب إباحة دمه ، فإنه على عزم العود والمحاربة . وعن أبي يوسف أنه يقتل به اعتبارا بالعهد وصار كالذمي وجوابه مر .

[ ص: 507 ] ( ويقتل المستأمن بالمستأمن ) للمساواة . وقيل لا يقتل ، وهو الاستحسان لقيام المبيح .

قال : ( ويقتل الصحيح بالزمن والأعمى وبالمجنون وبناقص الأطراف ) لما تقدم من العمومات ، ولأنا لو اعتبرنا التفاوت فيما وراء العصمة من الأطراف والأوصاف لامتنع القصاص وأدى ذلك إلى التقاتل والتفاني .

قال : ( ولا يقتل الرجل بولده ، ولا بعبده ، ولا بعبد ولده ، ولا بمكاتبه ) قال - عليه الصلاة والسلام - : " لا يقاد والد بولده ولا سيد بعبده " ، ولأن الإنسان لا يجب لنفسه على نفسه قصاص ، ولا لولده عليه لما تقدم ، والمدبر وأم الولد كالعبد ، وكذا لا يقتل بعبد ملك بعضه ; لأن القصاص لا يتجزأ .

قال : ( ومن ورث قصاصا على أبيه سقط ) ; لأن الابن لا يثبت له قصاص على الأب لما مر .

( والأم والأجداد والجدات من أي جهة كانوا كالأب ) لما بينهما من الجزئية ، ولأنهم كانوا السبب في إيجاده فصاروا كالأب .

قال : ( ومن جرح رجلا عمدا فمات فعليه القصاص ) معناه إذا مات منها بأن لم يعرض له عارض آخر يضاف الموت إليه لأنه قتله عمدا فيجب القصاص .

قال : ( ولا يستوفى القصاص إلا بالسيف ) قال - عليه الصلاة والسلام - : " لا قود إلا بالسيف " ، والمراد به السلاح .

قال : ( ولا قصاص على شريك الأب والمولى والخاطئ والصبي والمجنون وكل من لا [ ص: 508 ] يجب القصاص بقتله ) ; لأنه قتل حصل بسببين : أحدهما غير موجب للقود وهو لا يتجزأ فلا يجب ; لأن الأصل في الدماء الحرمة ، والنصوص الموجبة للقصاص مختصة بحالة الانفراد وموضع يمكن القصاص وهو غير ممكن هنا لعدم التجزؤ فلا يتناوله النص ، ثم من يجب عليه القصاص لو انفرد عليه نصف الدية في ماله لأن فعله عمد ، وإنما لم يجب القصاص لتعذر الاستيفاء ، والعاقلة لا تعقل العمد لما روينا ، ونصفها الآخر على عاقلة الآخر إن كان صبيا أو مجنونا أو خطأ ; لأن الدية تجب فيه بنفس القتل ، فإن عمد الصبي والمجنون خطأ ، قاله علي رضي الله عنه ، وإن كان الأب ففي ماله على ما تقدم .

قال : ( وإذا قتل عبد الرهن فلا قصاص حتى يجتمع الراهن والمرتهن ) ; لأنه تعلق به حق كل واحد منهما ، فالمرتهن لا ملك له فيه فلا يليه ، والراهن ملكه لكن لو قتله بطل حق المرتهن فاشترط اجتماعهما ليسقط حق المرتهن فلا يرجع على الراهن .

قال : ( وإذا قتل المكاتب عن وفاء وله ورثة غير المولى فلا قصاص أصلا ) لاشتباه الولي فإنه إن مات عبدا فالمولى وليه فإن مات حرا فالوارث وليه ، والمسألة مختلفة بين الصحابة - رضي الله عنهم - فاشتبه الولي فتعذر الاستيفاء .

( وإن لم يترك وفاء فالقصاص للمولى ) لأنه مات عبدا بالإجماع .

( وإن قتل عن وفاء ولا وارث له إلا المولى فله القصاص ) ; لأن حق الاستيفاء له حرا مات أو عبدا ، والحكم واحد وهو القود ، واختلاف السبب لا يفضي إلى المنازعة . وقال محمد : لا قصاص لاشتباه سبب الاستيفاء بالولاية أو بالرق ، وجوابه ما مر .

قال : ( وإذا كان القصاص بين كبار وصغار فللكبار الاستيفاء ) وقالا : ليس للكبار ، وذلك لأنه حق مشترك بينهم فلا ينفرد به أحدهم كالحاضر مع الغائب وأحد الموليين . ولأبي حنيفة أن [ ص: 509 ] القصاص لا يتجزأ لأنه ثبت بسبب لا يتجزأ وهي القرابة ، فثبت لكل واحد منهم كاملا كولاية الإنكاح والموليان على الخلاف ، والعفو من الصغير غير محتمل ، وفي انتظار بلوغه تفويت الاستيفاء على سبيل الاحتمال ، بخلاف الكبيرين والغائب ; لأن احتمال العفو منه ثابت فافترقا ، ولو كان الكل صغارا قيل يستوفي السلطان ، وقيل ينتظر بلوغ أحدهم ، والمجنون والمعتوه كالصبي ، ولأن الصبي مولى عليه ، فإذا استوفاه الكبير كان بعضه أصالة وبعضه نيابة .

قال : ( وإذا قتل ولي الصبي والمعتوه فللأب أو القاضي أن يقتل أو يصالح وليس له العفو ، والوصي يصالح لا غير ) ، أما الأب فله ولاية على النفس ، وهذا من بابه شرع لأمر راجع إليها وهو التشفي فيثبت له التشفي بالقتل كولاية النكاح ، وإذا ثبت له ولاية القتلى ثبت له ولاية الصلح لأنه أنفع للصبي ، وليس له أن يعفو لأنه إبطال الحق بغير عوض ، وعلى هذا قطع يد المعتوه عمدا ، وكذلك القاضي لأنه بمنزلة السلطان . ومن قتل ولا ولي له فللسلطان أن يستوفي القصاص ، فكذلك القاضي ، وأما الوصي فلا يملك العفو لما ذكرنا ، ولا القصاص لأنه لا ولاية له على النفس فتعين الصلح صيانة للحق عن البطلان .

قال : ( ولا قصاص في التخنيق والتغريق ) خلافا لهما ، وهي مسألة القتل بالمثقل ، فإن تكرر منه ذلك فللإمام قتله سياسة لأنه سعى في الأرض الفساد .

قال : ( وتقتل الجماعة بالواحد ) لما مر من العمومات ، ولما روي أن سبعة من صنعاء قتلوا واحدا فقتلهم عمر - رضي الله عنه - وقال : " لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به " ، وذلك بمحضر من الصحابة من غير نكير فكان إجماعا ، وهذا بخلاف ما إذا اجتمعوا على قطع يد حيث لا يقطعون ; لأن القصاص في النفس يجب بإزهاق الروح ولأنه لا يتبعض فيصير كل واحد كالمنفرد في إتلافها . أما القطع يتبعض ، فيكون الواحد متلفا بعض اليد ، ولأن الاجتماع على القتل أكثر فكان شرع الزاجر فيه دفعا لأغلب الجنايتين وأعظمهما فلا يلزم شرعه لدفع أدناهما .

[ ص: 510 ] قال : ( ويقتل الواحد بالجماعة اكتفاء ) وصورته : رجل قتل جماعة فإنه يقتل ولا يجب عليه شيء آخر ; لأنهم إن اجتمعوا على قتله وزهوق الروح لا يتبعض يصير كل واحد منهم مستوفيا جميع حقه لما بينا ، فلا يجب له شيء من الأرش ( وإن قتله ولي أحدهم سقط حق الباقين ) ; لأن حقهم في القصاص وقد فات ، وصار كما إذا مات القاتل فإنه يسقط القصاص لفوات محله كذا هذا وصار كموت العبد الجاني .

قال : ( ومن رمى إنسانا عمدا فنفذ منه إلى آخر وماتا فالأول عمد ) ; لأنه تعمد رميه ، وفيه القصاص على ما بينا .

( والثاني خطأ ) لأنه لم يقصده فكان خطأ لما مر . ومن نهشته حية وعقره سبع وشج نفسه وشجه آخر ، فعلى الشاج ثلث الدية والباقي هدر ; لأنه تلف بثلاثة أنواع : جناية معتبرة في الدنيا والآخرة ، وهي فعل الأجنبي ، وجناية هدر في الدنيا والآخرة ، وهي فعل السبع والحية ، وجناية معتبرة في الآخرة هدر في الدنيا ، وهو فعله ، فيكون على الأجنبي ثلث دية النفس لأنه أتلف الثلث .

التالي السابق


الخدمات العلمية