صفحة جزء
[ ص: 565 ] ومن أوصى بثلث ماله لرجل ولآخر بسدسه فالثلث بينهما أثلاثا ، ولو أوصى له بثلثه ولآخر بثلثه أو بنصفه أو بجميعه ( سم ) فالثلث بينهما نصفان ، ولا يضرب ( سم ) الموصى له بما زاد على الثلث إلا في المحاباة والسعاية والدراهم المرسلة ، وإن أوصى بسهم من ماله فله السدس ( سم ) ، ولو أوصى بجزء أعطاه الوارث ما شاء ، ولو أوصى بمثل نصيب ابنه وله ابنان فله الثلث ، ومن أوصى بثلث دراهمه أو ثلث غنمه فهلك ثلثاها وبقي ثلثها وهي تخرج من ثلثه فله جميعه ( ز ) ، وكذا المكيل والموزون والثياب من جنس واحد ، وإن كانت مختلفة فله ثلث الباقي ، وكذلك العبيد والدور ، ومن أوصى ثلثه لزيد وعمرو وعمرو ميت فالثلث لزيد ، ولو قال بين زيد وعمرو فنصفه لزيد ، ومن أوصى لرجل بألف من ماله وله مال عين ودين والألف يخرج من ثلث العين دفعت إليه ، وإن لم يخرج من العين أخذ ثلث العين وثلث ما يحصل من الدين حتى يستوفيها ، ومن أوصى بثلثه لفلان وللمساكين فنصفه لفلان ونصفه للمساكين ( م ) ، ولو أوصى لرجلين كل واحد منهما بمائة ، ثم قال لآخر : أشركتك معهما فله ثلث كل مائة ، ولو قال لورثته : لفلان علي دين فصدقوه يصدق إلى الثلث ، وإن أوصى لأجنبي ووارث فالنصف للأجنبي وبطل نصف الوارث .


فصل

[ الوصية بالثلث ]

( ومن أوصى بثلث ماله لرجل ولآخر بسدسه فالثلث بينهما أثلاثا ) لأن الثلث ضعف السدس ، فقد أوصى لأحدهما بسهمين وللآخر بسهم .

( ولو أوصى له بثلثه ولآخر بثلثه أو بنصفه أو بجميعه فالثلث بينهما نصفان ) وهذا كله إذا لم تجز الورثة .

أما الأولى فبالإجماع لاستوائهما في قدر الوصية والثلث لا يتسع لهما فيستويان فيه .

وأما الثانية والثالثة فمذهب أبي حنيفة .

[ ص: 566 ] ( ولا يضرب الموصى له بما زاد على الثلث ) عنده .

( إلا في المحاباة والسعاية والدراهم المرسلة ) وقالا : يضرب لكل واحد بقدر ما أوصى له كما إذا أجازت الورثة ، فإنه يقسم الكل على قدر ما أوصى لهما كذلك ههنا ، فيقسم الثلث عندهما في المسألة الثانية على خمسة ، ثلثه للموصى له بالنصف ، وسهمان للموصى له بالثلث . وفي المسألة الثالثة على أربعة : ثلاثة للموصى له بالجميع ، وسهم لصاحب الثلث ، وهذا لأن الموصي قصد تفضيل البعض في الوصية فوجب اعتباره ما أمكن ، وقد أمكن بطريق الضرب كما ذكرنا ، ولا ضرر على الورثة في ذلك فيصار إليه . وله أن الوصية فيما زاد على الثلث باطلة في حق الاستحقاق عند عدم الإجازة لكونها وصية بما لا يستحقه فبطل حق الضرب ضرورة عدم الاستحقاق ، وإنما قصد التفضيل بناء على الاستحقاق والإجازة بدليل إضافته الوصية إلى جميع المال وقد بطل الاستحقاق والإجازة فيبطل التفضيل ، كالمحاباة الثابتة في ضمن البيع إذا بطل البيع تبطل المحاباة ، بخلاف الفصول الثلاثة ; لأن الوصية بالألف المرسلة والمحاباة لم تقع على حق الورثة قطعا لجواز نفاذها بأن يظهر له مال فتخرج من ثلثه بدون الإجازة ، والوصية بالعتق وصية بالسعاية ، وهي كالدراهم المرسلة ، بخلاف ما زاد على الثلث لأنه حق الورثة وإن كثرت التركة . ومن أوصى لرجل بثلث ماله إلا شيئا أو إلا قليلا فله نصف الثلث بيقين وبيان الزيادة عليه إلى الورثة لأنها مجهولة .

قال : ( وإن أوصى بسهم من ماله فله السدس ) عند أبي حنيفة في رواية الجامع الصغير فإنه قال فيه : له أخس سهام الورثة إلا أن ينقص من السدس فيتم له السدس ولا يزاد عليه فكان حاصله أن له السدس . وعلى رواية كتاب الوصايا : له أخس سهام الورثة ما لم يزد على السدس .

وقالا : له أخس السهام إلا أن يزيد على الثلث فيكون له الثلث . لهما أن السهم اسم لما يستحقه الورثة عرفا وشرعا ، وأقل السهام متيقن ، وما زاد عليه مشكوك ، ولا يزاد على الثلث لأن الثلث موضع الوصية عند عدم الإجازة . وله ما روى ابن مسعود - رضي الله عنه - : أن رجلا أوصى بسهم من ماله ، فقضى رسول الله - عليه الصلاة والسلام - في ذلك بالسدس ، ولأن السهم يذكر ويراد به السدس لغة .

[ ص: 567 ] قال إياس : السهم في اللغة السدس ، ويذكر ، ويراد به سهم من سهام الورثة فيعطى الأقل منهما احتياطا . فلو مات وترك امرأة وابنا فللموصى له الثمن على رواية كتاب الوصايا فيزاد على ثمانية فيكون له تسع ، وفي رواية الجامع له السدس . ولو ترك امرأة وأخا لأبوين فعنده السدس وعندهما الربع ويصير خمسا ، ولو ترك ابنين فعنده له السدس ، وعندهما الثلث ، ولو أوصى لرجل بسهم من ماله ثم مات ولا وارث له فله النصف لأن بيت المال بمنزلة ابن فصار كأن له ابنين ولا مانع من الزيادة على الثلث فصح .

قال أبو يوسف : لو أوصى لعبده بجزء أو بنصيب أو بطائفة من ماله لا يعتق ، ولو أوصى بسهم من ماله عتق ; لأن السهم عبارة عن السدس أو عن أخس السهام ، وأنه معلوم فتنفذ الوصية في جزء منه . أما الجزء والنصيب ليس بمعلوم فلا تنفذ فيه الوصية إلا بإعطاء الورثة ما شاءوا .

قال : ( ولو أوصى بجزء أعطاه الوارث ما شاء ) وكذلك النصيب والشقص والبعض لأنه اسم لشيء مجهول ، والوارث قائم مقام الموصي فكان البيان إليه .

قال : ( ولو أوصى بمثل نصيب ابنه وله ابنان فله الثلث ) لأنه إذا أخذ الثلث كان مثل نصيب ابنه ، ولو أخذ النصف كان أكثر ، ولو أوصى بنصيب ابنه فهي باطلة لأنه وصية بمال الغير لأن نصيب الابن ما يصيبه بعد موت الأب ، بخلاف المثل لأن مثل الشيء غيره .

قال : ( ومن أوصى بثلث دراهمه أو ثلث غنمه فهلك ثلثاها وبقي ثلثها وهي تخرج من ثلثه فله جميعه ، وكذا المكيل والموزون والثياب من جنس واحد ، وإن كانت مختلفة فله ثلث الباقي ، وكذلك العبيد والدور ) وقال زفر : له ثلث الباقي في الجميع لأن الكل مشترك بينهما ، فما هلك يهلك على الحقين ، وما يبقى يبقى عليهما كسائر الأموال المشتركة وكما في الأجناس المختلفة . ولنا أن الوصية تعلقت بالباقي لأنه يجوز أن يستحقه الموصى له بالقسمة مع الورثة لو قسم قبل الهلاك لأنه مما تجري فيه القسمة جبرا وأنه إفراز فيه ، وكل ما تعلقت به الوصية وهو يخرج من ثلث المال فهو للموصى له ولا التفات إلى ما هلك ، ألا ترى أنه لو أوصى له بثلث شيء بعينه كالدابة والدار والعبد فاستحق ثلثاه كان له الثلث الباقي ، ولا كذلك الأجناس [ ص: 568 ] المختلفة لأنه لا يجوز أن يستحق الموصى له الباقي بالقسمة ، فلم تكن الوصية متعلقة به لأن القسمة لا تجري فيه جبرا ، ولو كانت تكون مبادلة فلا يكون له إلا ثلث الباقي ضرورة المبادلة ، وهذا ظاهر في الأجناس المختلفة ، إذ لا خلاف في عدم قسمة الجبر فيها ، وأما الدور المختلفة والرقيق فكذلك عند أبي حنيفة لأنها لا تقسم عنده ، وأما على قولهما قالوا : ينبغي أن تكون كالثياب والغنم لأنها تقسم عندهما ، وقيل لا . أما الدور فإنها تقسم عندهما إذا رأى القاضي ذلك مصلحة فكان في معنى القسمة أضعف مما يقسم بكل حال . وأما الرقيق فإنه وإن كان يقسم عندهما لكن التفاوت بينهما فاحش فصار كجنسين .

قال : ( ومن أوصى بثلثه لزيد وعمرو وعمرو ميت فالثلث لزيد لأن عمرا إنما يزاحم لو كان حيا ، أما الميت لا يزاحم فبقي الثلث لزيد بلا مزاحم بقوله : ثلث مالي لزيد ، ولغا قوله وعمرو . وعن أبي يوسف إن علم بموت عمرو فكذلك لأنه علم أن ذكر عمرو لغو ، وإن لم يعلم لزيد نصف الثلث ; لأن من زعمه أن الوصية بينهما وأنه إنما أوصى لزيد بنصف الثلث فيكون كما زعم .

( ولو قال : بين زيد وعمرو فنصفه لزيد ) لأن اللفظ يقتضي التنصيف بينهما ، ألا يرى أنه لو قال : ثلث مالي لزيد وسكت كان جميع الثلث له ، ولو قال : بين زيد وسكت لا يستحق جميعه .

قال : ( ومن أوصى لرجل بألف من ماله وله مال عين ودين ، والألف يخرج من ثلث العين دفعت إليه ) لأنه أمكن تنفيذ الوصية من الثلث الذي هو محلها من غير إضرار بالورثة فينفذ .

( وإن لم يخرج من العين أخذ ثلث العين وثلث ما يحصل من الدين حتى يستوفيها ) لأن التركة مشتركة بينهم فيشتركان في العين والدين بقدر حصصهما ; لأن العين خير من الدين ، فلو اختص به أحدهما تضرر الآخر فكان العدل فيما ذكرنا .

قال : ( ومن أوصى بثلثه لفلان وللمساكين ، فنصفه لفلان ونصفه للمساكين ) وقال محمد : [ ص: 569 ] ثلثاه للمساكين ، وأصله أن اسم المساكين عنده يتناول الاثنين فصاعدا ; لأن الوصية أخت الميراث ، والجمع في باب الميراث يتناول الاثنين فصاعدا فكذا هذا . وعندهما يتناول الواحد فصاعدا ; لأن الألف واللام تقتضي الجنس ، ومتى تعذر الصرف إلى الجنس يصرف إلى الأدنى وهو واحد كاليمين في شرب الماء وتزويج النساء وكلام الناس فإنه يحنث بشرب قطرة وتزويج امرأة وكلام واحد ، وههنا تعذر صرفه إلى الجنس لأنهم لا يحصون فيصرف إلى الأدنى وهو الواحد ، وعلى هذا لو أوصى بثلثه للمساكين فعند محمد لا يجوز صرفه إلى واحد . وعندهما يجوز لما مر .

ولو أوصى بثلث ماله لفلان وللفقراء والمساكين قال أبو حنيفة - رحمه الله - : سهم لفلان وسهم للمساكين وسهم للفقراء ; لأن الفقراء والمساكين صنفان فكأنه أوصى لثلاثة .

وعند أبي يوسف - رحمه الله - : سهم لفلان وسهم للفقراء والمساكين لأنهما صنف واحد من حيث المعنى ، إذ كل واحد من الاسمين ينبئ عن الحاجة . وعند محمد - رحمه الله - : يقسم على خمسة أسهم : سهم لفلان ، ولكل صنف سهمان لما مر .

قال : ( ولو أوصى لرجلين كل واحد منهما بمائة ثم قال لآخر : أشركتك معهما فله ثلث كل مائة ) تحقيقا للشركة ، إذ الشركة تقتضي المساواة . ولو أوصى لرجل بمائة ولآخر بخمسين ثم قال لآخر : أشركتك معهما ، فله نصف ما لكل واحد ; لأنه تعذر المساواة بين الكل لتفاوت المالين فحملناه على مساواة كل واحد منهما عملا بلفظ الشركة بقدر الإمكان .

قال : ( ولو قال لورثته : لفلان علي دين فصدقوه يصدق إلى الثلث ) أي إذا ادعى أكثر من ذلك وكذبه الورثة لأنه إقرار بمجهول فلا يصح إلا بالبيان ، فعلمنا أنه قصد تقديمه على الورثة فأمضينا قصده وجعلناه وصية فتكون مقدرة بالثلث .

قال : ( وإن أوصى لأجنبي ووارث فالنصف للأجنبي وبطل نصف الوارث ) لأنه أوصى بما يملك وما لا يملك فيصح فيما يملك وتبطل في الآخر ، بخلاف الوصية للحي والميت لأن الميت ليس أهلا للتمليك فلا يكون مزاحما . أما الوارث أهل حتى يصح بإجازة باقي الورثة فيصلح مزاحما .

التالي السابق


الخدمات العلمية