صفحة جزء
[ ص: 79 ] فصل

[ باب صلاة الجماعة ]

الجماعة سنة مؤكدة ، وأولى الناس بالإمامة أعلمهم بالسنة ، ثم أقرؤهم ، ثم أورعهم ، ثم أسنهم ، ثم أحسنهم خلقا ، ثم أحسنهم وجها ، ولا يطول بهم الصلاة ، ويكره إمامة العبد ( ف ) والأعرابي والأعمى ( ف ) والفاسق وولد الزنا ( ف ) والمبتدع ، ولو تقدموا وصلوا جاز ، ولا تجوز إمامة النساء والصبيان ( ف ) للرجال ، ومن صلى بواحد أقامه عن يمينه ، فإن صلى باثنين أو أكثر تقدم عليهم ، ويصف الرجال ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء ، ولا تدخل المرأة في صلاة الرجل إلا أن ينويها ( ف ) الإمام ، وإذا قامت إلى جانب رجل في صلاة مشتركة فسدت ( ف ) صلاته ، ويكره للنساء حضور الجماعات ، وأن يصلين جماعة ( ف ) ، فإن فعلن وقفت الإمام وسطهن ، ولا يقتدي الطاهر بصاحب عذر ( ف ) ، ولا القارئ بالأمي ، ولا المكتسي ( ف ) بالعريان ، ولا من يركع ويسجد ( ف ) بالمومي ولا المفترض ( ف ) بالمتنفل ، ولا المفترض بمن يصلي فرضا آخر ( ف ) . ويجوز اقتداء المتوضئ ( م ) بالمتيمم ، والغاسل بالماسح ، والقائم ( م ) بالقاعد ، والمتنفل بالمفترض . ومن علم أن إمامه على غير طهارة أعاد ( ف ) ويجوز أن يفتح على إمامه وإن فتح على غيره فسدت صلاته ، ومن حصر عن القراءة أصلا فقدم غيره جاز ( سم ) ، وإن قنت إمامه في الفجر سكت ( سف ) .




[ ص: 79 ] فصل

( الجماعة سنة مؤكدة ) قال - عليه الصلاة والسلام - : " الجماعة من سنن الهدى " ، وقال - عليه الصلاة والسلام - : " لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم أنطلق إلى قوم يتخلفون عن الجماعة فأحرق عليهم بيوتهم " ، وهذا أمارة التأكيد ، وقد واظب عليها - صلى الله عليه وسلم - فلا يسع تركها إلا لعذر ، ولو تركها أهل مصر يؤمرون بها ، فإن قبلوا وإلا يقاتلون عليها لأنها من شعائر الإسلام .

قال : ( وأولى الناس بالإمامة أعلمهم بالسنة ) إذا كان يحسن من القراءة ما تجوز به الصلاة ، ويجتنب الفواحش الظاهرة . وعن أبي يوسف أقرؤهم لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله " ، قلنا الحاجة إلى العلم أكثر فكان أولى وفي زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يتلقون القرآن بأحكامه فكان أقرؤهم أعلمهم .

( ثم أقرؤهم ) للحديث .

( ثم أورعهم ) لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " من صلى خلف تقي فكأنما صلى خلف نبي " .

( ثم أسنهم ) لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " وإذا سافرتما فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما سنا " .

( ثم أحسنهم خلقا ، ثم أحسنهم وجها ) . والأصل أن من كان وصفه يحرض الناس على [ ص: 80 ] الاقتداء به ويدعوهم إلى الجماعة كان تقديمه أولى ; لأن الجماعة كلما كثرت كان أفضل حتى قالوا يكره لمن يكثر التنحنح في القراءة أن يؤم ، وكذلك من يقف في غير مواضع الوقف ، ولا يقف في مواضعه لما فيه من تقليل الجماعة .

قال : ( ولا يطول بالصلاة ) على وجه يؤدي إلى التنفير ، بل يخفف تخفيفا عن تمام لحديث معاذ فإنه كان يطول بهم القراءة في الصلاة ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : " أفتان أنت يا معاذ صل بالقوم صلاة أضعفهم فإن فيهم الصغير والكبير وذا الحاجة " .

قال : ( ويكره إمامة العبد والأعرابي والأعمى والفاسق وولد الزنا والمبتدع ) لأن إمامتهم تقلل الجماعات ، لسقوط منزلة العبد عند الناس ، ولأن الغالب على الأعرابي الجهل . قال تعالى : ( وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله ) والفاسق لفسقه ، والأعمى لا يجتنب النجاسات ، وولد الزنا يستخف به عادة ، وليس له من يعلمه فيغلب عليه الجهل .

( ولو تقدموا وصلوا جاز ) قال - عليه الصلاة والسلام - : " صلوا خلف كل بر وفاجر " ، والكراهة في حقهم لما ذكر من النقائص ، ولو عدمت بأن كان العربي أفضل من الحضري ، والعبد من الحر ، وولد الزنا من ولد الرشدة ، والأعمى من البصير فالحكم بالضد . وأما المبتدع فكان أبو حنيفة لا يرى الصلاة خلف المبتدع . قال أبو يوسف : أكره أن يكون إمام القوم صاحب بدعة أو هوى . وعن محمد : لا تجوز الصلاة خلف الرافضة والجهمية والقدرية .

قال : ( ولا تجوز إمامة النساء والصبيان للرجال ) أما النساء فلقوله - عليه الصلاة والسلام - : " أخروهن من حيث أخرهن الله " ، وإنه نهي عن التقديم . وأما الصبي فلأن صلاته تقع نفلا فلا [ ص: 81 ] يجوز الاقتداء به ، وقيل يجوز في التراويح لأنها ليست بفرض ، والصحيح الأول لأن نفله أضعف من نفل البالغ فلا يبتنى عليه .

قال : ( ومن صلى بواحد أقامه عن يمينه ) لحديث ابن عباس قال : " وقفت عن يسار النبي عنه ، فأخذ بذؤابتي فأدارني إلى يمينه " ، فدل على أن اليمين أولى ، وأن القيام عن يساره لا يفسد الصلاة ، وأن الفعل اليسير لا يفسد الصلاة .

قال : ( فإن صلى باثنين أو أكثر تقدم عليهم ) لحديث أنس قال : " أقامني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واليتيم وراءه ، وأم سليم وراءنا " ، ولقوله - عليه الصلاة والسلام - : " الاثنان فما فوقهما جماعة " . قال : ( ويصف الرجال ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء ) أما الرجال فلقوله - عليه الصلاة والسلام - : " ليلني أولو الأحلام منكم " ، وأما الصبيان فلحديث أنس ، وأما الخناثى فلاحتمال كونهم إناثا ، وأما تقديمهم على النساء فلاحتمال كونهم ذكورا .

قال : ( ولا تدخل المرأة في صلاة الرجل إلا أن ينويها الإمام ) وقال زفر : تدخل بغير نية كالرجل . ولنا أنه يلحقه من جهتها ضرر على سبيل الاحتمال بأن تقف في جنبه فتفسد صلاته ، فكان له أن يحترز عن ذلك بترك النية .

قال : ( وإذا قامت إلى جانب رجل في صلاة مشتركة فسدت صلاته ) والقياس أن لا تفسد كما لا تفسد صلاتها . وجه قولنا أنه ترك فرض المقام لأنه مأمور بتأخيرها وهو المختص بالأمر [ ص: 82 ] دونها فتفسد صلاته ، وإن قامت في الصف أفسدت صلاة من عن يمينها ويسارها وخلفها بحذائها ، والثنتان تفسدان صلاة أربعة من عن يمين إحداهما ويسار الأخرى واثنين خلفهما ، والثلاث يفسدن صلاة خمسة .

وعن محمد : يفسدن صلاة ثلاثة ثلاثة إلى آخر الصفوف ، وهو الصحيح المختار على قول أبي حنيفة ، وكذا عن أبي يوسف في المرأتين ، ولو كان النساء صفا تاما فسدت صلاة من خلفهن من الصفوف وشرط المحاذاة أن تكون الصلاة مشتركة وأن تكون مطلقة ، والاستواء في البقعة ، وأن تكون من أهل الشهوة ، ولا يكون بينهما حائل ، وأدناه مثل مؤخرة الرحل .

قال : ( ويكره للنساء حضور الجماعات ) لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " بيوتهن خير لهن " ولما فيه من خوف الفتنة وهذا في الشواب بالإجماع . أما العجائز فيخرجن في الفجر والمغرب والعشاء . وقال يخرجن في الصلوات كلها لوقوع الأمن من الفتنة في حقهن . وله أن الفساق ينتشرون في الظهر والعصر وفي المغرب يشتغلون بالعشاء ، وفي الفجر والعشاء يكونون نياما ، ولكل ساقطة لاقطة ، والمختار في زماننا أن لا يجوز شيء من ذلك لفساد الزمان والتظاهر بالفواحش .

قال : ( وأن يصلين جماعة ) لأنها لا تخلو عن نقص واجب أو مندوب ، فإنه يكره لهن الأذان والإقامة وتقدم الإمام عليهن .

( فإن فعلن وقفت الإمام وسطهن ) هكذا روي عن عائشة ، وهو محمول على الابتداء .

قال : ( ولا يقتدي الطاهر بصاحب عذر ، ولا القارئ بالأمي ، ولا المكتسي بالعريان ، ولا من يركع ويسجد بالمومي ، ولا المفترض بالمتنفل ) وأصله أن صلاة المقتدي تنبني على صلاة الإمام صحة وفسادا لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " الإمام ضامن " أي ضامن بصلاته صلاة المؤتم ، وبناء الناقص على الكامل يجوز ، والكامل على الناقص لا يجوز ؛ لأن الضعيف لا يصلح أساسا للقوي ، لأنه بقدر النقصان يكون بناء على المعدوم وإنه محال .

إذا عرف هذا فنقول : حال الطاهر أقوى من حال صاحب العذر ، وحال القارئ أقوى من [ ص: 83 ] حال الأمي ، وحال المكتسي أقوى من حال العريان ، وحال الذي يركع ويسجد أقوى من حال المومي ، وحال المفترض أقوى من المتنفل ، فلا تجوز صلاتهم خلفهم .

قال : ( ولا المفترض بمن يصلي فرضا آخر ) لأن المقتدي مشارك للإمام فلا بد من الاتحاد ، فإن أم أمي قارئين وأميين فسدت صلاة الكل; وقالا : تجوز صلاة الإمام ومن بحاله لاستوائهم كما إذا انفردوا . ولأبي حنيفة أن الجميع قادرون على القراءة بتقديم القارئ ، إذ قراءة الإمام قراءة لهم بالحديث ، فقد تركوا القراءة مع القدرة عليها فتبطل صلاتهم ، وعلى هذا العاجز عن الإتيان ببعض الحروف ، قالوا : ينبغي أن لا يؤم غيره لما بينا ولما فيه من تقليل الجماعة; فلو صلى وحده إن كان لا يجد آيات تخلو عن تلك الحروف جاز بالإجماع ، وإن وجد وقرأ بما فيه تلك الحروف قيل يجوز كالأخرس يصلي وحده ، وقيل لا يجوز كالقارئ إذا صلى بغير قراءة ، بخلاف الأخرس لأنه قد لا يجد إماما .

قال : ( ويجوز اقتداء المتوضئ بالمتيمم ) .

وقال محمد : لا يجوز لأن التيمم طهارة ضرورية كطهارة صاحب العذر . ولنا ما روي : " أن عمرو بن العاص أجنب في ليلة باردة فتيمم وصلى بأصحابه ، ثم أخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يأمره بالإعادة " . وقد تقدم أن التيمم طهارة عند عدم الماء ، فكان اقتداء طاهر بطاهر .

قال : ( والغاسل بالماسح ) لأن الخف يمنع وصول الحدث إلى الرجل ، وإنما يحل الحدث بالخف وقد ارتفع بالمسح .

قال : ( والقائم بالقاعد ) خلافا لمحمد وهو القياس ؛ لأن القائم أقوى حالا . ولنا أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى آخر صلاة صلاها قاعدا والناس خلفه قيام ، وبمثله يترك القياس .

قال : ( والمتنفل بالمفترض ) لأنه أضعف حالا وبناء الأضعف على الأقوى جائز ، ولأنه يحتاج إلى نية أصل الصلاة وهو موجود بخلاف العكس ؛ لأن المفترض يحتاج إلى نية أصل الصلاة وإلى نية الفرضية وإنه معدوم في المتنفل .

[ ص: 84 ] قال : ( ومن علم أن إمامه على غير طهارة أعاد ) لما بينا أن صلاة المأموم متعلقة بصلاة الإمام صحة وفسادا ، ولهذا المعنى يلزم المأموم سهو الإمام ، ويكتفي بقراءته لو أدركه في الركوع ; وإذا كانت متعلقة بصلاته يفسد بفسادها .

قال : ( ويجوز أن يفتح على إمامه ) لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " إذا استطعمك الإمام فأطعمه " ، ولا ينبغي أن يفتح من ساعته لعل الإمام يتذكر ، وينبغي للإمام أن لا يلجئه إلى الفتح ، فإن كان قرأ مقدار ما تجوز به الصلاة يركع .

قال : ( وإن فتح على غيره فسدت صلاته ) لأنه تعليم وتعلم وهو القياس في إمامه إلا أنا تركناه بما روينا ، وفيه إصلاح صلاته فافترقا .

قال : ( ومن حصر عن القراءة أصلا فقدم غيره جاز ) وقالا : لا يجوز لأنه نادر فلا يقاس على مورد النص ; وله أن الاستخلاف لعلة العجز عن التمام وقد وجد ، ولا نسلم أنه نادر; ولو قرأ ما تجوز به الصلاة لا يجوز بالإجماع .

قال : ( وإن قنت إمامه في الفجر سكت ) وقد بيناه .

التالي السابق


الخدمات العلمية