صفحة جزء
[ ص: 107 ] باب صلاة المسافر

وفرضه في كل رباعية ركعتان ( ف ) ، . . ويصير مسافرا إذا فارق بيوت المصر قاصدا مسيرة ثلاثة أيام ولياليها بسير الإبل ومشي الأقدام ، ويعتبر في الجبل ما يليق به ، وفي البحر اعتدال الرياح ، ولا يزال على حكم السفر حتى يدخل مصره أو ينوي الإقامة خمسة عشر ( ف ) يوما في مصر أو قرية . وإن نوى أقل من ذلك فهو مسافر وإن طال مقامه . ومن لزمه طاعة غيره كالعسكر والعبد والزوجة يصير مسافرا بسفره مقيما بإقامته ، والمسافر يصير مقيما بالنية إلا العسكر إذا دخل دار الحرب أو حاصر موضعا ، ونية الإقامة من أهل الأخبية صحيحة ، ولو نوى أن يقيم بموضعين لا يصح إلا أن يبيت بأحدهما ، والمعتبر في تغير الفرض قصرا وإتماما آخر الوقت ، ولا يجوز اقتداء المسافر بالمقيم خارج الوقت ، فإن اقتدى به في الوقت أتم الصلاة ، فإن أم المسافر المقيم سلم على ركعتين وأتم المقيم ، والعاصي ( ف ) والمطيع في الرخص سواء .


باب صلاة المسافر

( وفرضه في كل رباعية ركعتان ) لحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت : " فرضت الصلاة في الأصل ركعتين ، فزيدت في الحضر وأقرت في السفر " ولا يعلم ذلك إلا توقيفا . وقال عمر - رضي الله عنه - : " صلاة السفر ركعتان ، وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم - صلى الله عليه وسلم - " . وروى ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إن الله فرض عليكم الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين " ، ومثله عن علي . أما الفجر والمغرب والوتر فلا قصر فيها بالإجماع ، ولو أتم الأربع فقد خالف السنة ، لأنه - صلى الله عليه وسلم - لما صلى بأهل مكة بعد الهجرة صلى ركعتين ثم قال لهم : " أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر " ، فإن قعد في الثانية أجزأه اثنتان عن الفرض ، وقد أساء لتأخير [ ص: 108 ] السلام عن موضعه ، وركعتان له نافلة لزيادتها على الفرض ، وإن لم يقعد في الثانية بطل فرضه لأنه ترك ركنا وهو القعدة آخر الصلاة .

قالت : ( ويصير مسافرا إذا فارق بيوت المصر قاصدا مسيرة ثلاثة أيام ولياليها ) لأنه لا يصير مسافرا إلا إذا خرج من المصر ، وقد قالت الصحابة لو فارقنا هذا الخص لقصرنا . وأما التقدير فلقوله - عليه الصلاة والسلام - : " يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليها " ، والمراد بيان حكم جميع المسافرين ليكون أعم فائدة ، فيتناول كل مسافر سفره ثلاثة أيام ليستوعب الحكم الجميع ، ولو كان السفر الذي تتعلق به الأحكام أقل من ثلاث لبقي من المسافرين من لم يبين حكمه ، ولأن الألف واللام للجنس فيدخل في هذا الحكم كل مسافر ، ومن لم يثبت له هذا الحكم لا يكون مسافرا .

قال : ( بسير الإبل ومشي الأقدام ) لأنه الوسط المعتاد ، فإن السير في الماء في غاية السرعة ، وعلى العجل في غاية الإبطاء ، فاعتبرنا الوسط لأنه الغالب .

قال : ( ويعتبر في الجبل ما يليق به ، وفي البحر اعتدال الرياح ) لأنه هو الوسط ، وهو أن لا تكون الرياح غالبة ولا ساكنة ، فينظر كم يسير في مثله ثلاثة أيام فيجعل أصلا .

قال : ( ولا يزال على حكم السفر حتى يدخل مصره أو ينوي الإقامة خمسة عشر يوما في مصر أو قرية ) لأن السفر إذا صح لا يتغير حكمه إلا بالإقامة ، والإقامة بالنية أو بدخول وطنه ؛ لأن الإقامة ترك السفر ، فإذا اتصل بالنية أتم ، بخلاف المقيم حيث لا يصير مسافرا بالنية ؛ لأن السفر إنشاء الفعل فلا يصير فاعلا بالنية . وأما دخول وطنه فلأن الإقامة للارتفاق وأنه يحصل بوطنه من غير نية ، وكذا نقل أن النبي وأصحابه كانوا يسافرون ويعودون إلى أوطانهم مقيمين من غير نية . وأما المدة خمسة عشر يوما فمنقولة عن ابن عباس وابن عمر ، ولا يعرف ذلك إلا توقيفا ; ولأن السفر لا يخلو عن اللبث القليل ، فاعتبرنا الخمسة عشر كثيرا فاصلا اعتبارا بمدة الطهر ، إذ لها أثر في إيجاب الصلاة وإسقاطها .

[ ص: 109 ] قال : ( وإن نوى أقل من ذلك فهو مسافر وإن طال مقامه ) لما روي أنه - عليه الصلاة والسلام - أقام بتبوك عشرين ليلة يقصر الصلاة وعن أنس قال : أقام أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسوس تسعة أشهر يقصرون الصلاة .

قال : ( ومن لزمه طاعة غيره كالعسكر والعبد والزوجة يصير مسافرا بسفره مقيما بإقامته ) لأنه لا يمكنه مخالفته .

قال : ( والمسافر يصير مقيما بالنية ) لما بينا .

( إلا العسكر إذا دخل دار الحرب أو حاصر موضعا ) لأن إقامتهم لا تتعلق باختيارهم ، لأنهم لو نووا الإقامة ثم انهزموا انصرفوا فلا تصح نيتهم .

( ونية الإقامة من أهل الأخبية صحيحة ) كالأكراد والتركمان في الصحراء والكلأ لأنه موضع إقامتهم عادة ، فهو في حقهم كالأمصار والقرى لأهلها .

قال : ( ولو نوى أن يقيم بموضعين لا يصح ) إذ لو صح في موضعين لصح في أكثر وأنه ممتنع .

( إلا أن يبيت بأحدهما ) فتصح النية ; لأن موضع الإقامة موضع البيوتة ، ألا ترى أن السوقي يكون في النهار في حانوته ويعد ساكنا في محلة فيها بيته .

قال : ( والمعتبر في تغير الفرض قصرا وإتماما آخر الوقت ) لأن الوجوب يتعلق بآخر الوقت حتى لو سافر آخر الوقت قصر ، وإن أقام المسافر آخر الوقت تمم لما بينا .

قال : ( ولا يجوز اقتداء المسافر بالمقيم خارج الوقت ) لتقرر فرضهما وقد تقدم .

[ ص: 110 ] ( فإن اقتدى به في الوقت أتم الصلاة ) لأنه التزم متابعته . قال - عليه الصلاة والسلام - : " إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به فلا تختلفوا على أئمتكم " ، وصيرورته متابعا أن يصلي أربعا .

( فإن أم المسافر المقيم سلم على ركعتين ) لأنه تم فرضه .

( وأتم المقيم ) لأنه بقي عليه إتمام صلاته ، ويستحب أن يقول : " أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر " ، هكذا نقل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

قال : ( والعاصي والمطيع في الرخص سواء ) لإطلاق النصوص ، منها قوله تعالى : ( فمن كان منكم مريضا أو على سفر ) . وقوله تعالى : ( فإن خفتم فرجالا أو ركبانا ) . وقوله : ( فتيمموا ) . وقوله - عليه الصلاة والسلام - : " يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليها " ، من غير فصل ، فصار كما إذا أنشأ السفر في مباح ثم نوى المعصية بعده . وأما قوله تعالى : ( غير باغ ولا عاد ) أي غير متلذذ في أكلها ولا متجاوز قدر الضرورة ، ونحن لا نجعل المعصية سببا للرخصة ، وإنما السبب لحوق المشقة الناشئة من نقل الأقدام والحر والبرد وغير ذلك ، والمحظور ما يجاوره من المعصية ، فكان السفر من حيث إفادته الرخصة مباحا ; لأن ذلك مما يقبل الانفصال .

واعلم أن الأوطان ثلاثة : أصلي ويسمى أهليا ، وهو الذي يستقر الإنسان فيه مع أهله ، وذلك لا يبطل إلا بمثله ، وهو أن ينتقل إلى بلد آخر بأهله بعزم القرار فيه ، ألا ترى أنه - عليه الصلاة والسلام - بعد انتقاله من مكة إلى المدينة سمى نفسه مسافرا بمكة حيث قال : " فإنا قوم سفر " .

[ ص: 111 ] والثاني وطن إقامة ، وهو الذي يدخله المسافر فينوي أن يقيم فيه خمسة عشر يوما ، ويبطل بالأصلي لأنه فوقه ، وبالمماثل لطريانه عليه ، وبإنشاء السفر لمنافاته الإقامة . والثالث وطن سكني ، وهو أن يقيم الإنسان في مرحلة أقل من خمسة عشر يوما ، ويبطل بالأول والثاني لأنهما فوقه ، وبمثله لطريانه عليه ، وبيان ضعفه عدم وجوب الصوم وإتمام الصلاة ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية