صفحة جزء
فرع

في التنبيهات : شركة الذمم ثلاثة أضرب :

[ ص: 29 ] أولها : في شراء شيء بعينه ، فتجوز ، اعتدلا أو اختلفا ، ويتبع كل واحد من ثمن تلك السلعة بقدر نصيبه .

وثانيها : اشتراكهما في معين على أن يتحمل كل واحد منهما لصاحبه فيجوز مع الاعتدال فقط .

وثالثها : الشركة على غير معين ، فلا تجوز ; لأنه من باب اضمني ، وأضمنك ، وأسلفني ، وأسلفك . فإن وقعت فالمشترى بينهما ; لأن غير المشتري أذن للمشتري . قاله ابن القاسم ، وقال سحنون : لكل واحد ما اشتراه لفساد العقد . وفي النكت : قيل إذا نزلت فاسدة إنما يكون ما اشتري بينهما إذا تجمعا في شراء ذلك ، وإلا فللمشتري وعهدته عليه . وفي كتاب محمد حمديس : إذا لم تقع عهدة ما ابتاع كل واحد منهما عليهما جميعا ، فربح ما ابتاع كل واحد وضمانه عليه .

وظاهر الموازية إذا اشتركا بوجوههما بغير مال على أن يشتريا بالدين ، ويبيعا ، وفات ذلك - أن شراء كل واحد بينهما . قال ابن القصار : شركة الوجوه تمتنع ، وقاله الشافعي ، وجوزه أبو حنيفة .

لنا أن الأصل عدم شرعيتها ، ولأن حقيقة الشركة أن يشتركا في شيء عند العقد إما مال أو بدن ، ولا واحد ، فلا يصح ، ولا يكفي العقد ; لأنهما لو جعلا الربح كله لأحدهما لامتنع . احتج بالقياس على شركة الأبدان ، وبقوله تعالى : ( أوفوا بالعقود ) وبقوله عليه السلام : المؤمنون عند شروطهم . ولأنهما عقدا على الوكالة ، والشراء للآخر ، وذلك جائز حالة الانفراد فيجوز عند الاجتماع .

والجواب عن الأول : أن البدن ، والصنعة كالعين الموجودة بخلاف الوجوه ، وعن الثاني والثالث : المعارضة بنهيه عليه السلام عن الغرر ، وهذا غرر ، وعن الرابع : تمنع هذه الوكالة على الانفراد ; لأن الذي يشتريه أحدهما يجوز أن يشتريه [ ص: 30 ] الآخر ، ومثل هذا في الوكالة يمتنع ، وإنما يجوز ذلك في الشركة لوجود الرفق المنفي هاهنا .

فرع

في الكتاب : إذا أقعدت صانعا على أن تتقبل عليه المتاع ، ويعمل هو بما رزق الله بينكما نصفان امتنع ، ولا تمتنع الشركة في عمل الأبدان بأن يكون العمل نوعا واحدا في حانوت واحد كالصباغين ، والخياطين ، وإن فضل أحدهما في العمل ; لأنه لا بد من ذلك . ولو اشتركا بغير رأس مال على أن على أحدهما ثلث الصنع ، وله ثلث الكسب ، وعلى الآخر الثلثان ، وله الثلثان صح كالأموال ، وكذلك الجماعة ، وإن احتاجا إلى رأس مال أخرجاه بالسوية ، وعملا جميعا ، فإن أخرج أحدهما ثلث رأس المال ، والآخر الثلثين ويعملان ، والربح نصفان ؛ امتنع لأكل المال بالباطل في ربح الزائد في أحد المالين ، ويجوز إذا استووا في الجميع . ويمتنع لأحدهما الحانوت ، وللآخر الأداة ، أو دابة ، وللآخر رحى إن كانت الإجارة مختلفة لعدم الضرورة . وإن تطاول أحد القصارين بماعون تافه كالقصرية والمدقة جاز ، ويمتنع ما له قدر حتى يشتركا في ملكه ، أو يكريه من الآخر .

فائدة في التنبيهات : المدقة - بضم الميم والدال - والمدقة - بفتح الدال وكسر الميم - وهي الإرزبة - بكسر الهمزة - التي يدق بها الثياب .

قال صاحب التنبيهات : يشترط في الشركة التقارب في القدرة ، والمعرفة بذلك العمل ، وقد تأول ما وقع في العتبية من جواز الافتراق بأنهما يتعاونان في الموضعين سواء ، وعلى هذا يكون موافقا للمدونة . وليس المقصود في الموضع الواحد إلا اتفاق نفاق السوق ، ومنافعه . وإذا تباعدا ربما كانت المنفعة لأحدهما فقط فيكون غررا ، وأكلا لمال بالباطل . وعن ابن القاسم المنع إلا بالشركة في الآلة بالكراء من غيرهما ، أو بالملك ، ولا يواجر أحدهما نصف الآلة من الآخر ، وهو يملك الجميع . وظاهر الكتاب جوازه . وفي النكت : الفرق بين شركة الأبدان يشترط اتحاد المكان بخلاف الأموال أنهما إذا افترقا بينهما رابط ، وهو المال ، ولا يضر بخلاف [ ص: 31 ] الافتراق بالأبدان يبتدئ كل واحد بعمله ، فتبطل الشركة . وقوله في المدونة : لا يجوز قصار وحداد ، معناه إلا أن يكونا يتجران بأموالهما بصنعتيهما فيجوز .

والذي يقعد رجلا في حانوت له ثلاث حالات : أن يقبل صاحب الحانوت المتاع ، وعهدته عليه ، فالغلة له ، والضمان عليه دون الصانع ، وللصانع أجر مثله ، أو الصانع كذلك ، فالغلة له ، ولصاحب الحانوت أجرة حانوته ، ولصاحب الحانوت أيضا أجرة المثل إن كان يتولى الأخذ له على أن الضمان على العامل خاصة ، أو يتقبلان جميعا اشتركا في الغلة ، والضمان ، ويتراجعان في الأجرة .

قال اللخمي : شركة الأبدان تجوز بخمسة شروط : اتحاد الصنعة ، وتساوي السرعة والإبطاء والجودة والرداءة ، أو يتقاربان ، واتحاد الموضع ، والشركة في الأداة ، وإنما أجيزت للمعاونة . وإذا اختلفت الصنعة انتفت المعاونة ، ويكون كل واحد باع نصف كسبه بنصف كسب صاحبه لغير ضرورة . وكذلك افتراق المكان . وإن اختلطا كان بيع منافع بمنافع ، وهو جائز . فإن كان أحدهما أسرع بالأمر البين جازت على التفاضل على قدر أعمالهما دون المساواة لأكل المال بالباطل . وإن تباينا في الجودة ، وأكثر ما يصنعانه الدنيء جازت ; لأن الأعلى يعمل أدنى ، ولا حكم للقليل ، أو كثرة الأعلى ، أو كل واحد كثيرا امتنعت للغرر . وفي العتبية إجازة افتراق المكان . وقد اختلف في الأصل فيمن استأجر أجيرا على أن يجيئه بالغلة فعلى الجواز يجوز افتراقهما في موضعين ، والصنعة واحدة ، أو مختلفة ; لأن كل واحد باع نصف منافعه على أن يبيعها لمشتريها منه ولا فرق بين استئجاره على أن يجيئه بالغلة بدراهم ، أو بنصف منافعه . وإن اشتركا بأموالهما ، وأحدهما يعمل ، والآخر يخدم ، ويشتري ، ويبيع ، ولا يحسن النسج ، وقيمة العمل والخدمة سواء جاز ، وكذلك بغير رأس مال فيستقبلان العمل ليعمل أحدهما ، ويخدم الآخر ، وتساوت القيمة بخلاف مختلفي الصنعة لعدم مساعدة أحدهما للآخر في عين تلك الصنعة ، ومتى جاء للحائكين شغل عملا جميعا ، وإلا تعطلا جميعا .

[ ص: 32 ] ولذلك أجيزت في طلب اللؤلؤ ، أحدهما يغوص ، والآخر يغرف ، واشترطا التساوي فيما يخرج . وإن كانت أجرة المخرج أكثر امتنعت إلا على قدر أجرته .

وإن كانا صباغين ، ورأس المال فيما يصبغان به من نيل أو غيره ، والعمل على جزء واحد نصف أو ثلث جاز . وإن خالفا الأجزاء ، وجعلا العمل نصفين ، وما يصبغان ثلثا وثلثين ، فنصف ما أصابا لصاحب الثلثين ، وثلث لصاحب الثلث ، ويبقى سدس لواحد فيه رأس المال ، والآخر العمل ، فنصف ما أصابا فيه على قدر مالهما فيه من رأس المال والعمل ; لأن ذلك الجزء الفاضل هبة ، أو سلف بشرط الشركة . ومذهب مالك وابن القاسم أن الواهب والمسلف لم يمكن من ذلك لما كانا بشرط أن يصل الآخر معه ، وإذا لم يكن فيه تمكين ، فمصيبته من صاحبه ، وما بيع به له ، ويشارك الآخر بقدر عمله فيه . وقد قيل إن ذلك قبض بما أصابا بينهما بالسواء ، ويرجع صاحب الكثير على صاحبه بمثل ما أسلفه ، أو وهبه ، ولو كان ذلك الزائد ليس على وجه الهبة ، ولا السلف ، وإنما وهبه الربح ، فقال : إن خسرنا اقتسمنا رأس المال أثلاثا ، وإن ربحنا ، فالربح نصفان لكانت هبة الربح للواهب وحده ; لأن مصيبة ذلك الزائد من صاحبه قولا واحدا ; لأن العامل عمل فيه على ملك صاحب الأكثر ، وللآخر الربح ، وهي هبة فاسدة ترد للواهب ، ويقسط ما بيع به ذلك الزائد على قدره من قدر العمل . قال ابن القاسم : فإن اشتركوا في الطحين ، لأحدهم البيت ، وللآخر الرحا ، وللآخر الدابة اقتسموا ما أصابوا أثلاثا ; لأن رءوس أموالهم عمل أيديهم . فإن استوت أجرة البيت ، والرحا ، والدابة ، فلا تراجع ، وإلا رجع من له فضل على صاحبه ، ولو لم يصيبوا شيئا لترادوا ، وأفضل الكراء . وقال محمد : يقتسمون ما أصابوا على قدر أكرية مالهم ، فإن فضل قسم على أجرة كل واحد منهم ، فإن فضل بعد ذلك نظر إلى جملة ما اجتمع لكل واحد فيقسم الفضل على قدر ذلك . قال : وإن لم يصيبوا إلا مثل ما يعلفون وينفقون رجع بعضهم على بعض ، ويخرجون ذلك من أموالهم ، وليس هذا بحسن . قال : وأرى أن رأس المال الرحا ، والدابة ; لأن الإجارة والثمن المأخوذ إنما هو عنهما ، وليس عن البيت ، والعمل ، وليس للشركاء في ذلك إلا رباط الدابة ، والمعونة اللطيفة ، ولا تراجع في عمل أيديهم لاستوائهم فيه . قال ابن القاسم : وإن كان العامل صاحب [ ص: 33 ] الدابة وحده ، فله ما أصاب ، وعليه أجرة البيت ، والرحا ، وإن لم يصب شيئا . قال : كمن دفع دابته ، أو سفينته على أن له نصف ما يكسب عليها . قال : وليس هذا بالبين ، بل بعض ما أصاب على قدر إجارة الرحا ، والدابة ، فما ناب الرحا من العمل رجع عليه العامل فيه بأجرة المثل ; لأن صاحب الرحا لم يبع من العامل منافعها ، وإنما أذن له في إجارتها ، وله بعض الأجرة ثم يغرمان جميعا إجارة البيت . وكذلك إن كان العامل صاحب الرحا فعلى قول ابن القاسم له ما أصاب ، وعليه أجرة المثل ، والقياس الفضل كما تقدم إلا أن يكون الذي يطحن عليها طعام نفسه ، ولا يؤجرها من الناس . وكذلك الدابة إن قال له : أجرها فباع منافعها من الناس ، فالأجرة لصاحبها ، وللمؤجر أجرة المثل . وإن قال : اعمل عليها ، فحمل عليها تجارة ، أو ما يحتطبه ، فما باع من ذلك للعامل ، وللآخر أجرة المثل . وكذلك الرحا ، والدابة إن دخل على أن يواجرهما من الناس ، فالأجرة لأصحابها ، وللعامل أجرة المثل ، وإن دخل على أن يعمل فيها طعامه ، فربح مالا له ، وعليه أجرة المثل .

تمهيد : وافقنا ( ح ) في شركة الأبدان ، وزاد علينا بجواز افتراق موضعهما ، واختلاف صنعتهما ، وجعله من باب التوكيل ، وخالفنا ( ش ) مطلقا ; لأنه يشترط كون رأس المال موجودا ، ومعلوما ، وأن يخلط المالان ، وكل ذلك معدوم هاهنا .

ونحن نقول : هذه الصنائع في حكم الموجود لصحة عقد الإجارة عليها ، ولقوله تعالى : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ) الآية ، فجعل الغانمين شركاء فيما غنموا بقتالهم ، وهي شركة الأبدان . وروي أن ابن مسعود شارك سعدا يوم بدر ، فأصاب سعد فرسين ، ولم يصب ابن مسعود شيئا ، ولم ينكر عليهما النبي - عليه السلام - ، أو القياس على المضاربة ، ولأن مقصود شركة الأموال الربح ، وهذا مما يحصل ; لأنهما لو شرطا العمل من عند أحدهما امتنع [ ص: 34 ] ولو شرط المال من عند أحدهما ، والعمل من الآخر صح ، وكان مضاربة بالعمل الأصل ، وهو نظير المال لمقابلته له ، ولأن المنافع والأعيان سواء في جواز العقد عليهما في البيع ، والإجارة . وبه يظهر الفرق بينه وبين شركة الوجوه ; لأن في الوجوه لا مال ، ولا صنعة تقوم مقامه ، أو نقول أحد أصلي القراض ، فجازت به كالقراض ، بل أولى لاتفاقهما هاهنا في العمل ، وثم عمل ومال ، وأصل الشركة التساوي . أو نقول إذا أخذ ثوبا ليخيطه بعشرة ، فأجر غيره ليخيطه بخمسة صح ، فقد أخذ خمسة بعمل غيره ، فكذلك هاهنا . أو نقول إذا اشتركا بالمال ضمن كل واحد نصف ما يشتريه الآخر ، فقد صار الضمان سببا لاستحقاق الربح ، فكذلك هاهنا ; لأن الصناع يضمنون عندنا .

احتجوا بالقياس على شركة الوجوه ; لأن كل واحد منفرد بعمل نفسه ، أو المنافع الحاصلة منهما مجهولة ، فتمتنع كالشركة بالمال المجهول . أو لأن كل أحد باع نصف كسبه بنصف كسب صاحبه فيمتنع ، وبيع الكسب بالكسب حرام . أو يمتنع بالقياس على ما اشتركا بجملين ، وعليهما كلف الجمالين ، والكسب بينهما .

والجواب عن الأول : أنه قد تقدم الفرق .

والجواب عن الثاني : منع الجهالة ، وذلك معلوم بالعادة بدليل صحة الإجارة ، والمضاربة على المنافع .

والجواب عن الثالث : أن ذلك لازم في شركة المال أن كل واحد باع نصف ربحه بنصف ربح صاحبه ، وذلك مغتفر في الصورتين للرفق .

والجواب عن الرابع : أن شركة الدواب ، والحمل على الرءوس تجوز إذا اشتركا في شيء بعينه لا يفترقان فيه ، فأما إذا افترقا فلا رفق لأحدهما بالآخر بخلاف مسألتنا .

فرع

في الكتاب : عن مالك المنع من شركة الحرث إلا أن يشتركا في رقاب [ ص: 35 ] الدواب ، والآلة ليضمنا ما هلك . وعنه إن ساوى ما يخرج من البقر والآلة كراء ما يخرج الآخر من الأرض والعمل ، واعتدلا في البذر جاز ، وقد تقدم بسطه في المزارعة .

فرع

قال : لأحدهما رحى ، وللآخر دابة ، وللآخر بيت على أن يعملوا بأيديهم ، والكسب أثلاث ، وعملوا على ذلك وجهلوا المنع ، فما أصابوا أثلاثا إن استوت أكرية الثلاثة ، وتصح الشركة ; لأن كل واحد أكرى متاعه بمتاع صاحبه ، وإن اختلفت أكرية ما قسموا أثلاثا ; لأن رءوس أموالهم عمل أيديهم ، وهو مستو ، ويرجع من له أفضل كراء على صاحبه ، وإن لم يصيبوا شيئا كالكراء الفاسد . ولا تراجع في كراء الأيدي لتساويهم فيه . وإن اشترط صاحبا البيت والرحا العمل على رب البغل فعمل فله الربح ، وعليه الوضيعة ; لأن غلة دابته رأس المال ، وعليه أجرة الرحا والبيت ، وإن لم يصيبوا شيئا كالدابة يعمل عليها بنصف الكسب . قال صاحب التنبيهات : ظاهر الكتاب المنع حتى يكتري كل واحد نصيبه بنصيب صاحبه إذا كان مستويا ، وأجازه سحنون إذا استويا . قال أبو محمد : معنى قوله الشركة صحيحة أي آلت إلى الصحة لا أنها تجوز ابتداء للجهل بالأكرية . قال ابن يونس : صفة التراجع مع الاختلاف كراء البيت ثلاثة دراهم ، والدابة درهمان ، والرحا درهم ، فاستووا في درهم ، فلا يتراجعوا فيه ، ولصاحب البيت فضل درهمان له منهما ثلثا درهم على كل واحد من صاحبيه ، ولصاحب الدابة فضل درهم ، له ثلث درهم على كل واحد من صاحبيه ، فإذا طالب صاحب البيت صاحب الدابة بثلثي درهم طالبه صاحب الدابة بثلث درهم فيبقى له ثلث درهم ، ولصاحب الدابة ثلث درهم على صاحب الرحا ولصاحب البيت ثلثا درهم ، وعلى صاحب الرحا أيضا يغرم لكل واحد ثلث درهم فيدفعه صاحب الدابة إلى صاحب البيت فيحصل له درهم ، ويستزن ( كذا ) إن لم يزد شيئا من عند نفسه . وإذا حضروا كلهم ، وهم أملياء ، وطلبوا المحاسبة دفع صاحب الرحا [ ص: 36 ] لصاحب البيت درهما ، ثلثه عن صاحب الدابة وثلثان مما له قبله ; لأن جميع إجارة البيت والدابة والرحا ستة دراهم ، فللدابة درهمان ، فلا شيء له ولا عليه ، ويرجع صاحب البيت على صاحب الرحا بدرهم فيعتدلوا .

وقال محمد : إذا فات ذلك بالعمل قسموا ما أصابوه على قدر قيمة كراء كل واحد منهم ، فإن فضل شيء قسموا ذلك على قدر إجارة كل واحد بيديه ، وإن فضل شيء قسم على ما حصل بيد كل واحد منهم بأن يكون المصاب ثمانية عشر ، ويكون كراء البيت ثلاثة ، والدابة درهمان ، والرحا درهم ، فلكل واحد كراء ماله ، وكراء يده أيضا ، وهو مثلا لكل واحد درهم فيبقى من المصاب تسعة يقتسمونها على التسعة الأولى فيصير لصاحب البيت ثمانية ، ولصاحب الدابة ستة ، ولصاحب الرحا أربعة . وقال بعض القرويين : الأشبه أن يكون عمل أيديهم وكراء آلتهم رءوس أموالهم فيضيف كل واحد عمل يده إلى كراء ما أخرج ، ويجمع ذلك كله ، ويقسم المصاب على ذلك ، فلا يختص برأس المال عمل البدن دون عمل الآلة ; لأن ذلك كله رأس مال له ، فإن عجز المصاب عن كراء الآلة فينبغي ألا يتراجعا في الذمم بما فضل بعضهم على بعض ; لأن يد كل واحد على ما أكراه كراء فاسدا ، فلا يضمن شريكه له كما إذا اشتركا سلعتين شركة فاسدة ، فباعوا لم يضمن واحد لصاحبه قيمة نصيبه ، وإنما رءوس أموالهما ما باعوا به ، وهو قول حسن راجع إلى قول محمد إذا كان ما أصابوه قدر كراء آلتهم وعمل أيديهم فأكثر لا يستخلف ذلك في القسمة ، وإن كان أقل من ذلك ؛ اختلف ، ووقع الظلم بينهم إذا بدئ بأكرية الآلة ، أو بأكرية الأيدي إذ قد يكون كراء آلة أحدهم عشرة ، وأجرة يده عشرة ، فإذا أصابوا قدر أجرة الآلة ، وبدئ بالقسمة عليها ؛ ظلم من أجرة آلته قليلة ، وأجرة يده كثيرة . وإن بدئ بالقسمة على أجرة الأيدي ظلم صاحب الآلة ، فأعدل الأقوال جمع أكرية الجميع ، ويقسم ما أصابوا عليه ، ولأن ما أخرجوا مما يكرى فيكون كراؤه رأس المال كثمن السلعتين في الشركة الفاسدة ، فإن رأس المال ما يبيعا له . قال اللخمي : أرى أن يكون رأس المال الرحا والدابة ; لأن الإجارة والثمن المأخوذ إنما هو عنهما دون البيت وعمل [ ص: 37 ] اليد ، وليس للشركاء في ذلك إلا ربط الدابة ، وهو يسير ، ولا يتراجعون في عمل أيديهم ; لأنه يسير .

قال ابن القاسم : وإن عمل صاحب الدابة وحده ، فله ما أصاب ، وعليه أجرة البيت ، والرحا ، وإن لم يصب شيئا ، وليس بالبين ، وأرى ما أصاب مفوضا على أجرة الرحا ، والدابة ، فما ناب الرحا من العمل رجع عليه العامل فيه بأجرة المثل ; لأن صاحب الرحا لم يبع من العامل منافعها ، وإنما وكله في إجارتها ، وله بعض الأجرة ، فهو يواجرها على صاحبها ثم يغرمان جميعا أجرة البيت . وكذلك إذا كان العامل صاحب الرحا . فقول ابن القاسم وما عليه ، والمختار ما تقدم إلا أن يكون الذي يطحن عليهما طعام نفسه فيكون كمن قال : لك ما تكسب عليها ، وكذلك الدابة ، وقد تقدم بعض هذا البحث .

فرع

في الكتاب : إذا مرض أحد شريكي الصنعة ، أو غاب يوما ، أو يومين ، فعمل صاحبه ، فالعمل بينهما ; لأنه عادة الشركاء ، وما تفاحش وطال إن أحب العامل أعطاه نصف ما عمل جاز إن لم يعقد في أصل الشركة على ذلك فيمتنع للغرر . فإن نزل فما اشتركا فيه بينهما ، وما اختص بذي العمل لصاحبه . قال ابن يونس : قال بعض القرويين : إن لم يعقدا على ذلك ينبغي أن القدر الذي لو صح ذلك كان بينهما أن يكون بينهما ، والزائد للعامل وحده ، ويتسامح في الشركة الصحيحة عن التفاضل اليسير بخلاف الفاسدة . قال ابن حبيب : هذا في شركة الأبدان ، أما في شركة الأموال ، فللذي عمل نصف أجرته على صاحبه ، والفضل بينهما ; لأن المال أخذه . وإذا تقبل أحدهما شيئا بعد طول مرض أو غيبة فهو له . قاله بعض القرويين . وإذا تقبلا جميعا ثم غاب أحدهما طويلا ، فالإجارة بينهما ، ويرجع العامل على شريكه بأجرة مثله ; لأنه تحمل عن صاحبه بالعمل بخلاف حافري العين يستأجران فيمرض أحدهما ، فلا يلزم الثاني أن يعمل لصاحبه . فإن عمل . قال ابن القاسم : هو متطوع كمن خاط لإنسان ثوبا بغير إذنه لا غرم عليه لصاحبه .

[ ص: 38 ] ومن رأى أنه متطوع لرب الدين رأى أن بالمرض انفسخت الإجارة للضرر عليه كمرض الدابة في السفر . والفرق بين الدين ، وما يتقبلانه من المتاع أن المتاع مما يضمن ، إذا ضاع ما تحملا ضمنا ، ووجب عليهما عمله ، والبئر مما لا يضمن ، فلم يجب على الصحيح حفر نائب المريض ، فصار متطوعا بالحفر .

قال اللخمي : إذا مرض أحدهما ، أو مات ، أو غاب فعلى الآخر جميع العمل كان في الذمة ، أو على أعيانهما ; لأنهما اشتركا على ذلك ، وعليه دخل مستأجرهما ; لأنه ربما جالت أيديهما في عمل الشيء الواحد بخلاف غير الشريكين إذا كانت الإجارة على عمل رجل لا يضمن أحد عنه ذلك العمل . ولو أجر رجلان أنفسهما في عمل شيء بعينه ، أو كانت الإجارة في الذمة لا يلزم أحدهما أن يوفي عن الآخر بخلاف الأول ; لأنهما متفاوضان ، ويلزم أحدهما ما يلزم الآخر . وإذا عقدا في الصحة ثم حدث مرض خفيف ، أو طويل ، أو غاب أحدهما ( ( قريبا ) ) أو بعيدا فعلى الصحيح والحاضر القيام بجميع العمل . وكذلك إذا عقد الإجارة على شيء في أول المرض ثم برئ قريبا ، أو بعيدا ، أو في سفر أحدهما إلى قرب ثم رجع عن قرب أو بعد ، فعلى الصحيح والحاضر القيام بجميع العمل . هذا في حق الذي له العمل ، وكذلك في المسمى الذي عقدا عليه هو بينهما نصفان . وإن طال المرض ، أو السفر رجع على صاحبه بأجرة المثل ، وإلا فلا ؛ جريا على العادة . ولو اشتركا على عدم التراجع في الكثير فسدت ; لأنه غرر .

فرع

في الكتاب : ما تقبل أحد شريكي الصنعة لزم الآخر عمله وضمانه ، يؤخذ بذلك وإن افترقا ; لأنه عقد الشركة .

التالي السابق


الخدمات العلمية