صفحة جزء
فرع

قال : تجوز شركة المعلمين في مكتب واحد لا موضعين ، والأطباء إن اشتركوا في ثمن الدواء ، ولا يشترك الحمالان على رءوسهما ودوابهما لافتراقهما إلا أن يجتمعا في شيء بعينه إلى غاية فيجوز على الرءوس ، أو الدواب . وإن جمعا [ ص: 39 ] دابتيهما على أن يكرياهما ، والكراء بينهما امتنع ; لأنه قد يكري أحدهما دون الآخر ، فهو غرر . وكذلك على رقابهما . وقد تختلف الغايات إلا فيما يفترقان فيه فيجوز لعدم الغرر .

قال ابن يونس : يكون علمهما من الكسب بقدر علمه لاستوائهما فيما يعلمانه الصبيان . قال اللخمي : لا يشترك طبائعي ، وجوائجي ، ولا أحدهما وكحال ; لأن الاختلاف غرر من غير رفق معتبر ، ويصير كسب بكسب ، ويجوز طبائعي كحال مع كحال إذا اختص الطبائعي بما يدخل من قبل الطبائع ، وإلا لم يجز ، ويمتنع طبهما واحد ، وحصتهما من الكسب مختلفة . وكذلك لا يختلف رأس المال .

وشركة المعلمين جائزة إن اتحد صنف ما يعلمانه ، فإن كان أحدهما قرآنا ، والآخر نحوا ، أو غيره امتنع لعدم التعاون ، وإن كانا يعلمان القرآن ، ويزيد أحدهما نحوا ، أو حسابا ، وتعليم الزائد في ذلك الموضع تبع لا يزاد لأجله في الأجرة . وكذلك إن كان يسيرا ، وإن كان له قدر امتنعت الشركة إلا أن يختص صاحبه بأجرته .

وإذا لم تكن الدواب مشتراة تمتنع ; لأنه يريد راحة دابته ، ويحمل على دابة شريكه . وإن اشتركا فيهما جازت ، اتفق الحمل أم لا ; لأن صحبة أحدهما الدابة وجلوس الآخر - تبع . قال ابن حبيب : يجوز ذلك ، وإن افترقا في البلدان ، وإن بعد أحد الموضعين ، وقرب الآخر . وإن كانت الدواب لأحدهما ، فاستأجر الآخر نصفها ليحمل عليها بإجارته جاز ; لأنه يجوز أن يستأجر دابة ليواجرها مع إمكان تيسر إجارتها ، وتعسرها ، ولا تفسد الإجارة لذلك ، وكذلك إن استأجراها جميعا من ثالث ليشتركا في منافعها وإيجارها إذا عقدا الإجارة عقدا واحدا ، وإن استأجر كل واحد دابة لنفسه امتنع .

فرع

في الكتاب : تجوز في الاحتطاب والاحتشاش ، وأن يحملا على رقابهما ثمار [ ص: 40 ] البرية أو دوابهما إذا كان جميع ذلك من موضع واحد ، وإلا فلا . وفي صيد السمك ، وغيره ، ولا يفترقان ; لأنه تعاون يضطر إليه . ولا يشتركان بالكلبين إلا أن يملكا رقابهما ، ولا يفترق الكلبان ، أو البازيان في طلب ولا أخذ . قال اللخمي : إذا اشتركا في الكلاب والبزاة جاز ، وإن افترقا في الاصطياد ; لأن البازي كرأس المال ، فأشبه الاشتراك في الأموال فيجوز الافتراق . وإن لم يشتركا بالبزاة جازت إن اجتمعا ليتعاونا وإلا فلا . لأنه بيع كسب بكسب ، وإن صادا بالنبل ويرسلان سهميهما معا جازت وإلا فلا ، وتجوز بالشباك إذا طرحاها مرة واحدة على السمك ، وكذلك إن نصب هذا مرة ، وهذا مرة للضرورة ، ويمتنع مع عدم الضرورة . وكذلك يجوز في الاحتطاب ، وإن لم يجتمعا في موضع البيع إذا اجتمعا في الاحتطاب . وإن افترقا في الأصل امتنع ، وإن اجتمعا في حمل ذلك ، أو بيعه ; لأنه في الأول عمل بعمل ، وفي الثاني كسب بكسب إلا أن يكون الكسب والاحتطاب في موضع ، ويشترط أحدهما على الآخر البيع في موضع كذا على بعد ، والآخر على قرب فيمتنع . وما وجد ؛ قيمته بينهما على السواء ، ويرجع من أبعد على صاحبه بأجرة المثل فيما عمل . ومنع ( ش ) ، و ( ح ) الشركة في الاحتطاب ، والاصطياد ، وسائر المباحات ; لأن الشركة تبع للوكالة ، والوكالة في المباح تمتنع . وجوابه : بل الوكالة للرفق ، وهو حاصل .

فرع

في الكتاب : تجوز في حفر القبور ، والمعادن ، والآبار ، وعمل الطين ، وقطع الحجارة إذا لم يفترقا خلافا ( ش ) ، وتمتنع في موضعين هو أو هذا في غار ، وهذا في غار للغرر ، وإن مات أحدهما بعد إدراك النيل ، فالسلطان يقطعه لمن يرى ، والمعادن كلها سواء ، النقدان وغيرهما .

في التنبيهات : قال سحنون : الإقطاع بعد النيل ، وموت العامل إن لم تكن سنة ، فلا ينبغي ، وقال غيره : لعله يريد في الكتاب إذا لم يدرك نيلا . وقال أشهب : النيل لوارث العامل كسائر الحقوق ، وإن لم يدركه . وقال : غيره إن قدر [ ص: 41 ] ورثته على عمل ، فهم أحق . وفي النكت : قال الشيخ أبو الحسن : معنى ما في الكتاب أنهما أخرجا النيل ، فاقتسماه ، وليس للوارث التمادي على العمل إلا بقطيعة من الإمام . وكره مالك طلب الكنوز في قبور الجاهلية لقوله عليه السلام : لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا وأنتم باكون ، فإن لم تكونوا باكين ، فلا تدخلوا عليهم . أو خشية مصادفة قبر نبي ، أو رجل صالح ، وأجازه ابن القاسم ، واستخف غسل ترابهم .

فرع

في الكتاب : تجوز بعرضين مختلفين ، أو متفقين ، أو طعام وعرض ؛ على قيمة ما أخرج كل واحد يومئذ ، وبقدره الربح والعمل ؛ خلافا ( ش ) في تخصيصه بالنقدين . وإن اتفق قيمة العرضين المختلفين ، وعرفا ذلك عند العقد ، واشتركا بهما جاز ; لأنه بيع لنصف هذا بالنصف الآخر . فإذا قوما وأشهدا ؛ جاز ، وإن لم يذكرا بيعا . ولو اشترطا التساوي في الشركة بالسلع ، فلما قوما تفاضلت القيم ، فإن لم يعلما أخذ كل واحد سلعته ، وبطلت الشركة ، فإن فاتت السلعتان ، وعملا على ذلك ، فرأس مال كل واحد ما بيعت به سلعته ، وبقدر ذلك الربح والخسارة ، ويرجع من قل ماله بفضل عمله على صاحبه ، ولا يضمن صاحب السلعة القليلة فضل حصة صاحبه ; لأن فضل سلعته لم يقع فيه بينهما بيع . ومتى وقعت فاسدة ، فرأس مال كل واحد ما بيعت به سلعته لا ما قومت ، والربح يقسم على قدر ذلك . والصحيحة رأس مالهما . ما قوما به يوم اشتركا دون ما بيع به لصحة العقد أولا ، فصار كل واحد باع نصف عرضه بالنصف الآخر حينئذ ، والفاسدة لم يبعه ما يوجب ضمانا .

في التنبيهات : لا يختص الفوات في الفاسدة بالبيع ، بل بحوالة الأسواق كالبيع الفاسد ; لأنها بيع . وفي النكت : إن جهلا ما بيعت به السلع رجع للقيمة يوم [ ص: 42 ] البيع بخلاف الفاسد إذا قبض ; لأن أيديهما على السلعتين ، ولم يجعل لكل واحد ثمن السلعة التي اشتريت بما له في الشركة بالدنانير من عند هذا ، وبالدراهم من عند هذا ، وجعل لكل واحد هاهنا ثمن سلعته ; لأن الدراهم ، والدنانير قد فات الأمر فيهما لما تصرفا فيهما بالشراء ، والعرضان لم يحصل فيهما فوت ; لأن ثمنهما معلوم ، وبيد كل واحد سلعته .

قال اللخمي : إذا اشتركا والقصد بيع بعض أحدهما ببعض الآخر ، ولا يتحريان الأثمان إذا بيعا فجائزة ، وإن كان فيهما تغابن من فضل أحدهما على الآخر ، أو القصد تحري أثمانهما ؛ جازت على أن لكل واحد قيمة سلعته . وإن اشتركا على المساواة ، والقيم مختلفة ؛ امتنع . وحينئذ لكل واحد ما بيعت به سلعته ; لأن للشريكين أن يتصرفا ، فقبض المشتري كلا قبض ، وقيل : ذلك قبض ، وقاله مالك فيما إذا أخرج أحدهما ذهبا ، والآخر فضة ، فإن الشركة صحيحة ، والقبض صحيح تصح به المتاجرة في الصرف . وعلى هذا : قبض كل واحد سلعة صاحبه ؛ يضمنه نصف قيمتها يوم قبضها ، ويصير ما يجري بينهما نصفين . وإن باع السلعة قبل قبضها ، فهل بيع المشتري كالقبض يوجب عليه نصف القيمة ، ويكون له نصف الثمن ، أو ليس بقبض ، والثمن لمن كانت له السلعة ، وإن باع كل واحد سلعة نفسه قبل قبضها منه ، أو بعد قبضها ، وقبل وقوعها عند القابض بحوالة الأسواق أو جسم ، فالثمن له دون الشريك ، وإن كان بيعه لها بعد القبض والفوت بتغير جسم أو سوق ، فالثمن بينهما ، وعلى كل واحد نصف قيمة سلعة صاحبه . وإن قبض أحدهما سلعة صاحبه ثم باعهما جميعا ، فثمن سلعته له ، وثمن سلعة صاحبه بينهما ، وعليه لصاحبه نصف قيمتها . فإن تجرأ بعد ذلك ، فالمشترى بينهما على قدر ذلك لأحدهما بقدر ثمن سلعته ونصف ثمن سلعة صاحبه ، وللآخر قدر نصف ثمن سلعة صاحبه .

فإن أخرج أحدهما عروضا ، والآخر عينا ، أو حيوانا ، أو طعاما جازت إن اعتدلت القيم ، وإن اختلفت امتنع على المساواة في القيم ، فإن ترك ذلك فكما تقدم في العرضين .

[ ص: 43 ] فرع

في الكتاب : تجوز بالعروض المماثلة ، والمتقومة من صنف ، أو صنفين إذا اتفقت القيم ، وبطعام ودراهم ، وبعين وعرض إذا اتفقت القيم ، وبقدر ذلك الربح والعمل . وتمتنع بالطعام والشراب ، كان مثليا أم لا ، صنف واحد أم لا عند مالك . وأجاز ابن القاسم المتفق الصفة ، والجودة على الكيل . قال : ولا أعلم للمنع وجها . ويمتنع سمراء ، ومحمولة ، وإن اتفقت القيم كما تمتنع بدراهم ودنانير تتفق قيمتاهما ; لأن مع التماثل يكون القصد الرفق بالشركة ، ومع الاختلاف يتوقع القصد للمبايعة مع عدم المتاجرة . وإذا وقعت فاسدة بالطعام ، فرأس مال كل واحد ما بيع به طعامه إذ هو في ضمانه حتى يباع . ولو خلطاه قبل البيع ، فقيمة كل واحد يوم خلطا .

وتجوز بدنانير أو بدراهم منهما ، متفقة النفاق ، والعين ، والربح ، والوضيعة ، والعمل على ذلك ، وإلا امتنع للغبن ، والغرر . فإن نزل فالربح والخسارة على قدر رءوس الأموال . وكذلك لو لحقهما دين من تجارتهما بعد أن خسرا المال كله ، ويرجع من له فضل عمل على صاحبه ، ويبطل الشرط ، ولا يضمن قليل المال لصاحبه وما فضله به ; لأنه ليس بسلف ; لأن ربحه لربه . ولو صح عقد المتفاوضين في المال ، فتطوع صاحب الأقل بالعمل في جميع المال جاز ، ولا أجرة له . في النكت : منع مالك الطعام ; لأن كل واحد باع نصف طعامه بنصف طعام صاحبه ، ويد كل واحد على ما باعا ، فإذا تصرفا ، وباعا كان بيع الطعام قبل قبضه ، وبيع الطعام بالطعام إلى أجل ; لأن يد كل واحد على طعامه . والفرق بينه وبين الدنانير والدراهم أنها مستوية في المقاصد ، فلو كان فيها شيء له فضل امتنعت به الشركة إذا ضم إلى ما ليس مثله . والشركة لا بد فيها من الاستواء في الصفة ، والقيمة ، وهو متعذر في ذلك ، بل الغالب الاختلاف في الطعام ، وإنما يغرم المتلف المثل للضرورة بخلاف الشركة .

قال بعض القرويين : تجوز على مذهب ابن القاسم الشركة بالطعام المختلف يسيرا كما جازت يزيدية ، ومحمدية مختلفة النفاق شيئا يسيرا . قال ابن يونس على [ ص: 44 ] تعليل النكت : الأول يلزم جوازها بالطعامين المختلفين اللذين يجوز التفاضل بينهما إذا استوت القيمة ، وقد منعه مالك وابن القاسم بالعلة الأخرى هي الحق . قال سحنون : كيف يلحقهما دين بعد خسارة المال ، وهما يشتريان بالدين . قال : ولكنهما اشتريا على المال الذي بأيديهما فتلف قبل دفعه في الثمن ثم تلفت السلعة . قال محمد : فإن أخرج أحدهما مائة ، والآخر مائتين على أن الربح بينهما على قدر مال كل واحد منهما ، فاشتريا بأربعمائة على أن ينقدا ثلاثمائة ، وتبقى مائة دينا عليهما فيقتسمان ربح المائة ووضيعتها على قدر ماليهما ، وإن كانت الشركة فاسدة ; لأنهما اشتركا على أن الربح والوضيعة نصفان ، ولصاحب الثلث أجرته فيما فضله به صاحبه . وإن علم البائع أن شركتهما على الثلث والثلثين ؛ تبعهما كذلك ، وإلا اتبعهما نصفين .

قال مالك : ولو أشركه وأسلفه بقية المال طلبا لرفقه ، وصلته جاز ، وإن كان بعد صحة العقد ، ومن غير عادة جاز ; لأنه معروف . ومن ابتاع سلعة ، فقال له : أشركني وأنا أنقد عنك ، امتنع ; لأنه بيع وسلف . ولو قال المشتري لرجل : تعال اشتر لك ، وأنقد عنك ، وأؤجرك ، والسلعة حاضرة - جاز بخلاف المضمون ; لأنه دين بدين . وإن سألك أن تشركه ، وينقد عنك قبل عقد البيع جاز ; لأن قبل عقد البيع لا يجر بنقده نفعا .

قال اللخمي : للشركة بالطعام أربعة أحوال : إما صنف بعضه أفضل أولا ، أو جنس كقمح ، وشعير ، أو جنسان كقمح ، وتمر ، وفي كلها خلاف . وفي المقدمات لو اشتركا بما يمتنع فيه النساء كالدينارين والطعامين ؛ منع ابن القاسم لاجتماع علتين النساء وبيع ، وصرف وعدم المناجزة ، وأجازه سحنون وأحد قولي مالك . أما ما يجوز فيه النساء كصنفين من العروض ، أو العروض وأحد النقدين ، أجازه ابن القاسم لانفراد إحدى العلتين ، وهي البيع والشركة ، وأشار للمنع تارة للبيع والشركة ، ولم يراع سحنون البيع ، والشركة أصلا إذا كان البيع داخلا فيها ، فإن خرج منع .

[ ص: 45 ] فرع

في الكتاب : تجوز بالمال الغائب إذا أخرجا غيره لتحقق الشركة ، فإن أخرج ألفا ، والآخر ألفا نصفه غائب ، فخرج ليأتي به ، ومعه جميع الحاضر ، فلم يجد الغائب ، فاشترى بما معه ، فله ثلث الفضل ; لأنه الذي تحقق ، ولا يرجع بأجر في فضل المال كشريكين على التفاضل يتطوع أحدهما بالعمل . وفي النكت : قيل إنما تجوز بالمال الغائب عند ابن القاسم إذا لم يكن بعيدا جدا ، ويمتنع عند سحنون ، وإن قرب . وإنما تجوز عند ابن القاسم إذا لم يتجر إلا بعد قيض الغائب ، ولا غرر ، وإلا فتمتنع للغرر .

قال ابن يونس : قال محمد : إن تبين أن ذكر الغائب خديعة ، فله ربح ماله ، وإلا فله النصف ، ولا أجرة له على كل حال . قال ابن يونس : إنما يصح هذا إذا اشترى بالحاضر قبل علمه ، فضاع الغائب ; لأنه اشترى على أن ذلك بينهما نصفان ، وعلى أن ضياعه منهما . أما لو اشترى بعد علمه بضياع المال الغائب فلا ; لأن الشركة لم تقع بعد ; لأن ضمان الدنانير الغائبة من ربها ما لم تقبض . بل لو اشترى بها فهي في ضمان بائعهما فكيف الشركة ؟ وظاهر الرواية شراؤه بعد علمه بذهاب المال . وعند سحنون : الشركة فاسدة لغيبة نصف الألف ، وله أجرة مثله في الزيادة ; لأنه ليس متطوعا ; لأن الشركة عنده لا تتم إلا بالخلط .

فرع

في الكتاب : دنانير هاشمية ، والأخرى وزنها دمشقية ، أو دراهم يزيدية ، والأخرى وزنها محمدية ، وصرفهما مختلف تمتنع إلا في الاختلاف اليسير ; لأن التساوي في المقدار والقيم شرط نفيا لضياع المال بالباطل . ويمتنع الربح والعمل بينهما بقدر فضل السكتين ; لأنهما صرفاها إلى القيم ، وحكمهما الوزن . فإن استويا يوم العقد لا يوم الافتراق اقتسما بالسوية عرضا كان أو طعاما أو عينا نظرا للعقد . ويمتنع دراهم ، ومن الآخر دنانير ; لأنه صرف ، وشركة ، ولا يجوز مع الشركة صرف ، ولا قراض ، ولأنهما لا يقومان . فإن عملا ، فلكل واحد مثل رأس [ ص: 46 ] ماله ، والربح لكل عشرة دينار ، ولكل عشرة دراهم ، وكذلك الوضيعة . وكذلك إن عرف كل واحد السلعة التي اشتريت بماله إن عرفت ، ولا شركة في السلعة الأخرى . وإن تفاضل المال ، فلأقلهما مالا أجرة معاونة الآخر . وإن لم تعلم السلع فالربح والخسارة بينهما على قيمة الدراهم من الدنانير يوم اشتركا ، ولأقلهما مالا أجرة معاونة صاحبه .

قال ابن يونس : قوله إذا جعلا العمل والربح بقدر فضل ما بين السكتين امتنع إذا صرفاها على القيم ، وحكمها الوزن في البيع والشركة . قال : فإن نزل أخذ كل واحد مثل رأس ماله بعينه في سكته ، وله من الربح بقدر وزن رأس ماله لا على السكتين ، وقاله مالك . قال بعض القرويين : لعل محمدا يريد إذا لم يختلف السوق والسكتان من يوم الشركة على يوم القسم ، وإلا فيظلم أحدهما إذا أعطي مثل رأس ماله ، وفضته أفضل مما كان دفع . قال بعض القرويين : ما قاله غير ابن القاسم في أن يكون لكل واحد السلعة التي اشتريت بماله صواب ، وهو الجاري على أصل ابن القاسم ; لأن الشركة الفاسدة لا يضمن أحدهما لصاحبه فيها شيئا كما إذا اشتركا بعرضين مختلفين في القيمة ، فباع أحدهما عرض صاحبه ، فإنه قال : لا يضمن ، وثمن ما بيع به عرضه له ، وبه يكون شريكا إن عملا بعد ذلك . وكذلك إذا اشتريا بالدنانير والدراهم عرضا . وقوله : إذا لم يعرف ؛ ينظر إلى قيمة الدنانير والدراهم ، فيقسم ما بأيديهما على ذلك - صواب ; لأنه قد اختلف الثمن ، فأشبه الطعامين إذا اختلطا . وفي القسمة نظر في قول ابن القاسم ; لأنه إذا استوت قيمة الدنانير يوم القسم ، فأعطيناه مثلها أنظر صاحب الدراهم . وكذلك إن زادت قيمة الدراهم ، فأعطيناه مثلها أنظر صاحب الدنانير فينبغي أن يكون ثمنها بينهما نصفين . وإنما لا يجوز صرف وشركة إذا كان خارجا عن الشركة ، وأما فيها فيجوز . وعن مالك جواز هذا دنانير ، وهذا بقيمتها ، رواه ابن القاسم ، وروى ابن وهب كراهيته . قال محمد : وإجازته غلط ; لأنه صرف مع بقاء كل واحد على نقده .

[ ص: 47 ] فرع

في الكتاب : يجوز ، هذا ذهب وفضة ، والآخر مثله .

فرع

قال : إذا صر كل واحد ماله على حدة ، وجعلاهما عند أحدهما ، فضاع أحدهما هو منهما ، ولو بقي مال كل واحد بيده ، فضمانه منه حتى يخلطا ، أو يجعلاهما عند الشركة ، والذهب من صاحبه لعدم العقد شرعا . وإن بقيت كل صرة بيد صاحبها حتى ابتاع بها أمة للشركة ، وتلفت الصرة الأخرى ، والمالان متفقان ، فالأمة بينهما ، والصرة من ربها بعد العقد فيها ، وشراء الأمة بقصد الشركة مع الإذن . وقال غيره : لا تنعقد الشركة حتى يخلطا . قال ابن القصار : فمالك يقول : لا بد أن يكون نوعا واحدا ، ولا يتميز .

لنا على ( ح ) أن الشركة الاختلاط ، فإذا لم يخلط لم يحصل مسمى الشركة . والشركة كما تحتاج للقول تحتاج المال ; لأنه لو كان لأحدهما فقط المال لامتنع ، ولأنه يمتنع لأحدهما جمل ، وللآخر حمار يعملان به على الشركة ، فكذلك هاهنا .

ولنا على ( ش ) في جواز الدراهم البيض مع السود صدق المسمى بذلك كما لو اختلطا بعرضين بأن يبيع كل واحد نصف عرضه بنصف عرض الآخر . والفرق بين صورة النزاع ، وبين أحدهما دراهم ، والآخر دنانير - قرب اتحاد الجنس ، فيكون مقصودهما الشركة ، وثم يرجح قصد الصرف .

احتج بأن في النوع الواحد تتحقق الشركة ، وبالنوعين يبقيان متميزين ، فلا تتحقق الشركة .

وجوابه : المنع . قال ابن يونس : قال سحنون : إذا اشترى كل واحد بصرته سلعة قبل الخلط ، فلكل واحد ما اشتراه ، له ربحه وخسارته . وكذلك لو تلفت صرته حتى يجمعا المالين ، أو الصرتين في خرج أحدهما ، أو في يده . وقيل إذا كانت [ ص: 48 ] صرة كل واحد بيده ، فتلفت إحداهما ، فاشترى أمة بعد التلف عالما به خير شريكه في شركته فيها ، أو تركها له إلا أن يدعي شراءها لنفسه . وإن لم يعلم بالتلف ، فهي بينهما كشرائها قبل التلف في الصرة الأخرى ، وهو أصل ابن القاسم .

فرع

قال ابن يونس : لأحدهما حمام ذكر ، وللآخر أنثى على أن ما أفرخا بينهما أجازه مالك ; لأنهما يتعاونان في الحضانة ، ولأحدهما بيض يجعله الآخر تحت دجاجته ، والفراخ بينهما ، فالفراخ لصاحب الدجاجة ، وعليه لصاحب البيض مثله كمن جاء بقمح ليزرعه في أرض بينكما فإنما له مثله ، والزرع لك . قاله مالك .

فرع

في الجواهر : تمتنع شركة الوجوه ، وقاله ( ش ) ، وجوزها ( ح ) . قال بعض العلماء : مثل أن يبيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح ليكون له نصفه . وقال القاضي أبو محمد : هي أن يشتريا على الذمم بغير مال ، ولا وضيعة حتى إذا اشتريا شيئا كان في ذممهما ، فإذا بيع قسما ربحه ، وهي باطلة في جميع ذلك عندنا ، وفسره الشافعي بأن يشاركه على أن يربحه فيما يشتريه بوجهه أي بجاهه في الذمة ، أو يقول له اشتر على جاهي ، والربح بيننا ، أو يقول علي أن أشتري أرضا ، وتبيع أنت ; لأني بالشراء أعرف ، وعند التجار أوجه .

لنا : أن الأصل عدم مشروعيتها ، ولأن حقيقة الشركة أن يشتركا في شيء عند العقد إما مال ، أو بدن ، ولا واحد منهما . ولا يكفي القول في الشركة ; لأنهما لو جعلا الربح كله لأحدهما امتنع ، ولأنها أكل المال بالباطل ، وأخذ الربح بغير سبب شرعي .

احتج بالقياس على شركة الأبدان ، وبقوله تعالى : ( أوفوا بالعقود ) وبقوله عليه السلام : المؤمنون عند شروطهم ، ولأنها تنعقد على الوكالة بالشراء للآخر ، وهي تجوز حالة الانفراد ، فتجوز حالة الاجتماع .

[ ص: 49 ] والجواب عن الأول : أن البدن ، والصنعة كالعين الموجودة بخلاف الوجوه ، وعن الثاني والثالث : المعارضة بنهيه عليه السلام عن الغرر ، وهذا غرر ، وعن الرابع : منع هذه الوكالة على الانفراد لأن الذي يشتريه أحدهما يجوز أن يشتريه الآخر ، ومثل هذا في الوكالة لا يجوز ، وإنما يجوز ذلك في الشركة لوجود الرفق المنفي هاهنا . ثم نقول الفرق بين هذا ، وبين الوكالة أن هاهنا اشتراه لنفسه ، ولشريكه ، وذلك لموكله ، وهاهنا اشترى من غير نية الوكالة .

قال الشافعية : وإنما تصح شركة الوجوه إذا أذن كل واحد لصاحبه في التصرف ، وأن يميز الجنس المشترى فقط ، تخطر له الأشياء المحقرة فيشتري العالية ، وأن يذكر القدر المشترى إليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية